الأسبوع العظيم، أسبوع الفصح، أسبوع البصخة، الأسبوع المقدس، أسماء أُطلقت على أسبوع الآلام الذى يحتفل به مَسيحيو العالم هذه الأيام، والذى يبدأ عقب الاحتفال بـعيد أحد السعف - الأحد السابع من الصوم الكبير. وأسبوع الآلام أقدس

أسابيع السنة، وأكثرها روحانية فتزداد فيه الممارسات الروحية أصوامًا، وقراءات من الكتاب المقدس عن علاقة الله بالبشر، وصلوات مرتبطة بأحداثه - تُسمى صلوات البصخة - تتميز بألحان كنسية عميقة تمتلئ بحزن مقدس ومهابة لائقين بعظم جلاله.
وبصخة كلمة آرامية تعنى العبور، ويناظرها فى العبرية كلمة فصح، وهى تشير إلى ذكرى خروج شعب بنى إسرائيل من مِصر وعبورهم البحر الأحمر، بقيادة كليم الله موسى النبىّ، وتبدأ القصة حين نزل
بنو إسرائيل إلى مِصر مع أبيهم يعقوب الذى غيّر الله اسمه إلى إسرائيل: قَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: يَعْقُوبُ. فَقَالَ: لَا يُدْعَى اسْمُكَ فِى مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ
إِسْرَائِيلَ.... وحين صار يوسُف مدبرًا على كل أرض مِصر، أرسل واستدعى أباه يعقوب وعشيرته إلى مِصر، فأمر الله يعقوب بالارتحال إليها: فَكَلَّمَ اللهُ إِسْرَائِيلَ فِى رُؤَى اللَّيْلِ
وَقَالَ: يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ! فَقَالَ: هأَنَذَا. فَقَالَ: أَنَا اللهُ، إِلهُ أَبِيكَ. لَا تَخَفْ مِنَ النُّزُولِ إِلَى مِصْرَ، لِأَنِّى أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. أَنَا
أَنْزِلُ مَعَكَ إِلَى مِصْرَ، وَأَنَا أُصْعِدُكَ أَيْضًا. وَيَضَعُ يُوسُفُ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْكَ. ويذكر الكتاب أنه بعد موت يوسف قام ملك جديد على أرض مِصر أذَلّ بنى إسرائيل فى
عبودية مُرة، فأمر الله نبيه موسى بعمل الفصح: أن يأخذ كل بيت من بيوت بنى إسرائيل شاةً صحيحةً، ذكرًا ابن سنة من الخرفان أو المواعز، ويحفظه من اليوم العاشر إلى اليوم الرابع عشر، ثم
يذبحونه فى العشية، ويأخذون من الدم ويجعلونه على قائمتى كل بيت وعتبته العليا، من البيوت التى يأكلونه فيها، ثم قال الله: فَإِنِّى أَجْتَازُ فِى أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ،
وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِى أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ. وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلَامَةً
عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِى أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ. وهكذا كانت النجاة بواسطة الدم، أما الفصح فهو يرمز إلى السيد المسيح ولذا يقول الكتاب: لِأَنَّ
فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لِأَجْلِنَا. وقد كانت كنيسة أورُشليم أول من بدأ الاحتفال بأحداث الأسبوع العظيم، ثم انتقل الاحتفال إلى سائر كنائس المسكونة. أما مِصر فقد عُرف فيها صوم أسبوع الآلام فى القرن الثالث الميلادى.
وفى أسبوع الآلام، نتتبع خطى السيد المسيح وتعاليمه، حيث قضاه بمدينة أورُشليم التى كانت تستعد للاحتفال بـعيد الفصح. ويسبق أسبوع الآلام حدثان مهمان: إقامة لعازر بأمر من فم السيد المسيح، بعد أن كان قد أنتن فى قبره أربعة أيام، واستقبال أورشليم للسيد المسيح وهو داخل إليها، محاطًا بتلاميذه، فى جموع حاشدة حاملة سعف النخل وأغصان الشجر.
ومن تعاليم السيد المسيح فى الأسبوع العظيم، حديثه عنه الفداء الممنوح لكل البشر، فقال: اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِى الْأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ
تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِى بِثَمَرٍ كَثِيرٍ... اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هٰذَا الْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ (الشيطانُ) رَئِيسُ هٰذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ
ارْتَفَعْتُ عَنِ الْأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَىّ الْجَمِيعَ. قَالَ هٰذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ، وحديثه مع تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته: وَابْتَدَأَ
يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ يَنْبَغِى أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ.
وقد قدم السيد المسيح مثالاً بنفسه عن أهمية الاتضاع وخدمة الآخرين عندما غسل أرجل تلاميذه يوم خميس العهد، موضحًا أن يتّبعوه فى خدمتهم للآخرين، وقال: أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ
بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِى مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لِأَنِّى أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ،
فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ؛ وهذا كان امتدادًا تلقائيًّا لوصيته العظمى المحبة المنسكبة بأعمال الرحمة والخدمة والبذل: هَذِهِ هِيَ
وَصِيَّتِى أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ. لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. كذلك تحدث السيد
المسيح عن الضيق الذى سيمر فيه المسيحيون: قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَٰذَا لِكَيْ لَا تَعْثُرُوا. سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِى سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ
يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ؛ لٰكنه وعد بمنح السلام: قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِىّ سَلاَمٌ. فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ
ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ. وفى يوم الجمعة العظيمة، قدم السيد المسيح أعظم مثال للمحبة حين سامح صالبيه: يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ.
إن رحلة أسبوع الآلام هى رحلة الحب العابرة بالبشرية إلى فجر القيامة!، و... ومازال الحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى