فيديو ذو دلالة يلف الفضاء الإلكترونى، يظهر فيه مقاتل من هيئة تحرير الشام على منصة احتفالية، يخطب فى جمع من الناس وهو منتشٍ بـفتح دمشق، وأخذته الحماسة، فغمز فى قناة أمريكا ببضع كلمات، لم يُكمل جملته الفارغة، تم إسكاته من فوره، وسحبه عنوة، وعاد ليروى قصته مَلُومًا محسورًا.
لا تذكر أمريكا بسوء، وذكر إسرائيل بات من المحرمات فى أدبيات ثورة الجولانى، راجع تصريحات أحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، والملقب بـأبومحمد الجولانى، لـتليفزيون سوريا، بشأن إسرائيل، بعضمة لسانه: لسنا بصدد الخوض فى صراع مع إسرائيل!!.
ما فاه به الجولانى التطبيق الحرفى لنظرية العدو البعيد.. العدو القريب، وخلاصتها البدء بقتال العدو القريب (الأنظمة الحاكمة) قبل العدو البعيد، (إسرائيل ومَن خلفها)، مؤجل إلى حين، حتى إشعار آخر، وحتى إيران الشيعية حليفة الأسد العلوى، قال الشرع فيما قال تليفزيونيًّا: ليست لدينا عداوات مع المجتمع الإيرانى!.
ما قرره الشرع وألزم به مقاتليه قسرًا عكس نظرية الأب الروحى لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فى الاتجاه العكسى لمشروع المقبور، كان محاربة الولايات المتحدة أولًا وبالتبعية إسرائيل (العدو البعيد)، وكان يعتقد جازمًا: إن أمريكا هى سبب مصائب المسلمين.
عكسه تمامًا يسير الجولانى، يبدو تعلم الدرس فى الأقبية الاستخباراتية، ونظريته المعتمدة فى هيئة تحرير الشام، الامتناع عن القتال ضد العدو البعيد (إسرائيل ومن خلفها)، فالعدو القريب (الأسد) الذى عطل الجهاد أَوْلَى بالجهاد من العدو البعيد، إسرائيل لاتزال بعيدة عن أولويات الشرع الثورى.
الشرع فى طريق التطبيع نكوصًا عن القواعد الجهادية الحاكمة التى سكها الأب الروحى (بن لادن)، يفضل الشرع تركيز المواجهة مع العدو القريب داخليًّا، تاركًا العدو البعيد يدمر مقدرات الدولة السورية العسكرية وبنيتها التحتية. بالمناسبة، العدو البعيد صار قريبًا على تخوم دمشق، ونقض معاهدة فض الاشتباك، وتوغل فى عمق الأراضى السورية، وينتوى قضاء الشتاء فوق جبل الشيخ.
من تجليات هذه الفكرة التطبيعية قبول واستجداء الدعم الأمريكى/ الغربى، مكافأة على إسقاط نظام الأسد استغلالًا وتنفيذًا لرغبة أمريكية إسرائيلية مزمنة، وتاليًا تثبيت أركان دولة الخلافة الجامحة، وتبديد الشكوك حول أى مواجهة مستقبلية مع إسرائيل العدو البعيد.
خلاصته، لم تعد مواجهة العدو البعيد على أجندة الجولانى، كما وجَّه أتباعه فى رسائله الأخيرة، وذهب يطلب العفو والسماح، ورفع اسمه وصورته من قوائم الإرهاب الدولى، والاعتراف بدولة الخلافة، وسيترشح تاليًا رئيسًا بمباركة تركية/ أمريكية.
يبدو أن العدو البعيد جدًّا فى البيت الأبيض يتمنى أن يرى الجولانى قريبًا فى تل أبيب لتوقيع معاهدة سلام مع العدو البعيد/ القريب (إسرائيل).