القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الأنبا كيرلس مطران أثيوبيا.. آخر مطران قبطي لأثيوبيا

بقلم ماجد كامل

ميلاده ونشأته :

ولد "سيداروس مرقس جرجس " في بلدة النغاميش مركز البلينا ، تاريخ ميلاده غير معروف على وجه الدقة ، ولقد رباه والده بكل الآداب المسيحية ، فنشأ محبا للكنيسة بكل علومها ، فحفظ بسرعة الألحان الكنسية والمزامير ، وكان يجتهد أن يضع لنفسه تداريب روحية من صلاة وصوم واعتكاف.

الأنبا كيرلس مطران أثيوبيا.. آخر مطران قبطي لأثيوبيا

رهبنته فى دير الأنبا أنطونيوس :

أشتاقت نفسه لحياة الرهبنة ، فتوجه إلى دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر ، وكان لا يزال شابا صغيرا ، وهناك أحبه الجميع من رئيس الدير إلى كل رهبان المجمع.

فتمت سيامته فى رتبة القسيسة ،وكان موضع إعجاب من الجميع ، فلقد أعجبوا كثيرا بهدوئه ودماثة خليقه ، فكان يعمل كل ما يوكل إليه من أعمال بحب وشغف.

دراسته فى مدرسة الدير :

ومن شدة عشقه للعلم ، درس فى المدرسة اللاهوتية الملحقة بالدير ، حيث تعمق فى العلوم اللاهوتية واللغات الأجنبية.

رحلته إلى الأراضي المقدسة :

ولم تمضى إلا أيام قليلة حتى تمت ترقيته إلى درجة القمصية ، وأوكل إليه أن يشرف على دير السلطان بالقدس ، فتوجه إلى هناك ،وظل يخدم هناك خلال الفترة من ( 1903- 1907 ).

.فاحبه الجميع نظرا لما تميز به من محبة وإتضاع.

ولكن الحال لم يدم طويلا ، إذ ساءت صحته جدا وأشتد به المرض ، فقرر العودة إلى أرض الوطن وإلى ديره بالبحر الأحمر.

خدمته فى بهجورة :

وما أن استراح قليلا بالدير ، ودرس فى مدرسة الرهبان بالإسكندرية ، انتدب للخدمة فى بهجورة لمباشرة وقف دير الأنبا أنطونيوس هناك ، فسكن فى قلاية هادئة فوق كنيسة السيدة العذراء ، وهناك عرفه الجميع فكانوا يقصدون إليه من كل جانب طلبا للبركات والصلوات.

وأجرى الرب على يديه عجائب كثيرة.

سيامته مطرانا على أثيوبيا :

بعد أن تنيح الأنبا متاؤس مطران أثيوبيا ، أرسل الملك تفري والإمبراطورة زوديتو رسالة إلى البابا يؤانس التاسع ، يطلبون فيه رسامة مطرانا قبطيا بديلا للأنبا متاؤس.

فوقع إختيار البابا على القمص سيداروس الأنطوني ليكون مطرانا لأثيوبيا ، وأرسل فى طلبه ، ولكن القمص سيداروس اعتذر متعللا بجهله وعدم معرفته شيئا عن الطقوس الكنيسة ، وإزاء

إلحاح البابا هرب وأختفى فلم يعرف أحد مكانه ، فأرسل البابا مجموعة من الأراخنة ،وكان على رأسهم "توفيق باشا دوس " فوجدوه بعد مشقة ، طلب القمص سيداروس من توفيق باشا أن يتوسط لدى

البابا لكي يعفيه من هذا المنصب ،فوعده بذلك ، وبينما وصل الوفد إلى الدار البطريركية ، أغلق توفيق دوس باب السيارة على أصبعه ، فجرح وأضطر أن يتخلف عن الصعود مع الوفد حتى يعالج أصبعه.

وبمجرد دخولهم إلى البابا ، أحنى القمص سيداروس رأسه لنوال بركة قداسة البابا ، ففوجيء برقع البابا لعلامة الصليب التى فى يده ،وبدأ فى تلاوة الصلوات الخاصة بطقوس سيامة الأساقفة ، ودعاه باسم " الأنبا كيرلس " فما كان من القمص سيداروس إلا الخضوع والأذعان موقنا أن هذه هي أرادة الرب أن يصير مطرانا على أثيوبيا.

وكان ذلك فى عام 1929.

أهم اعماله في أثيوبيا :

1--تفاوض وزير المعارف الأثيوبية مع البابا يؤانس التاسع عشر على سيامة أربعة من العلماء الأثيوبين برتبة أساقفة لمساعدة المطران الجديد فى أعمال الخدمة ،فوافق البابا ،و تحدد يوم 2 يونيو 1929 لإتمام طقوس الرسامة ، وبدأت الصلاة من الساعة السابعة صباحا ، حضرها وزير الزراعة المصري مندوبا عن جلالة الملك .وأصدر المجمع المقدس بيانا بشأن العلاقة بين الكنيسة القبطية والكنيسة الأثيوبية.

3-سافر المطران القبطي مع الأساقفة الأثيوبين حتى يوم 19 يونيو 1929 بمبنى الكلية الإكليركية بمهمشة ، ثم أقلعت الباخرة فى نقس اليوم ، لتصل إلى أثيوبيا يوم 26 يونيو 1929 ، وكان فى أستقبالهم وفدا كبيرا نيابة عن الملك تفري والإمبراطورة.

3- بعد أن أستلم مهام منصبه ، أكتشف أن الدولة كانت قد أستولت على غالبية أوقاف المطرانية ، فطلب من الحكومة تسليم هذه الأوقاف للكنيسة ، ولكهنا رفضت ، حاول المطران معهم

كثيرا دون جدوى ، فقرر العودة إلى مصر احتجاجا على هذا الوضع ، فلما شعر الشعب الأثيوبي بغياب راعيه ، فجاءت إليه الأمبرطورة "زوديتو " ووعدته بتلبية طلبه ،ورد الأوقاف غلى

الكنيسة ، فسافر معها إلى اثيوبيا ، وهناك أستقبله الشعب استقبالا حافلا ، وبالفعل أعطته الدولة جزء من الأوقاف لإدارتها واحتفظت بالباقي ، فأضطر إلي قبول هذا الوضع كحل وسط.

وذلك منعا لمزيد من المشاكل.

4-حارب نيافته عادة سيئة كانت منتشرة في أثيوبيا في تلك الفترة ، وهي عادة (تعدد الزوجات والطلاق ) ، فاخذ المطران يحارب هذه العادة السيئة بكل الطرق والوسائل ، منها بالوعظ والإرشاد وإلقاء العظات وكتابة المقالات ...... الخ.

5-حارب نيافته أيضا عادة شرب الخمر التي كانت منتشرة بين الشعب الأثيوبي ، وبالفعل أستطاع أن يقلل منها نسبيا.

6- لم يمر عام على توليه مهام منصبة ، حتى توفت الإمبراطورة "زوديتؤ " وأرتقي العرش الأمير تفري ولي العهد ، وأتخذ لنفسه أسم " هيلاسلاسي الأول " ، فقام الأنبا كيرلس بتتويجه .بعد أن أخذ عليه التعهد بالحفاظ على العقيدة الأرثوذكسية.

7-قام نيافته بتشييد أول كنيسة قبطية في أثيوبيا ، بنيت على أسم السيدة العذراء ، وصممت على الطراز القبطي الأصيل ، ولكن الإحتلال الإيطالي للبلاد عطل المشروع قليلا.

الغزو الإيطالي لأثيوبيا :

بدأت الحرب الإيطالية – الأثيوبية عام 1935 ، فاحتلت إيطاليا اليلاد ، فلما شعر الإمبراطور بالهزيمة ، طلب من الأنبا كيرلس إلا يغادر البلاد ، ويبقى مقيما فى أثيوبيا لرفع حالة الشعب المعنوية ،فوافق الأنبا كيرلس على طلبه ووعده بعدم مغادرة البلاد.

زيارة رئيس الجالية الإيطالية للمطران :

بعد أيام قام رئيس الجالية الإيطالية بمقابلة المطران ومعه كبار رجال الجيش الإيطالي ، ووعده بعدم التدخل فى شئون الكنيسة وتلبية مطالبها.

مطالبة الإيطاليون للمطران بالإنفصال عن كنيسة الإسكندرية والإنضمام إلى روما :

عرض عليه الأيطاليون أن ينفصل عن كنيسة الإسكندرية ، ليكون أول بطريرك لأثيوبيا ، فرفض نيافته بشدة هذا الطلب ، ومن هنا بدأت العلاقات تسوء ، حتى وصلت إلى مصادرة أملاك الكنيسة التي كانت قد تسلمتها من الحكومة الأثيوبية ، وحبسوه فى دار

المطرانية لكي يثنوا من عزمه ، غير أنه رد عليهم بكل شجاعة " أني لن أخون الإمانة التي في عنقي نحو كنيستي ، وليس لكم سلطان على روحي ، قال ربي لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ...... الني لا أستطيع أن أخون أمانة حافظ عليها 114 مطرانا من قبلي ".

إضطراره للسفر إيطاليا ثم العودة إلى مصر :

وحدث بعد ذلك أن أقام الإيطاليون استعراضا عسكريا ضخما بهدف إدخال الرهبة فى القلوب ، فقام الأثيوبييين بإلقاء بعض القنابل اليدوية على الحاضرين ، فأصابت أحدي شظايها الأنبا كيرلس ، مما

أدي إلى أصابته ، فطالب الأيطاليون بوجوب علاجه فى روما ، وبالفعل حكموا عليه بالسفر ، وهناك أعادوا الكرة معه في محاولة دفعه للخروج من حضن الكنيسة القبطية ، فلما فشلت جميع جهودهم ، ولقد

رفع نيافته تقريرا إلى البابا يؤانس التاسع عشر يعرض فيه محاولات ضمه إلى الكنيسة الرومانية جاء فيه " وصار الدوتشي يرسل لنا رسله لمفاوضتنا في أمر انفصال الكنيسة الحبشية عن أمها القبطية.

فكنت أقرر لهمك في تأكيد استحالة الانفصال وعدم استطاعتي الإقدام عليه.

وعندما دعاه رئيس المجلس الفاشتشي الأعلى إلى حفل عنده في القصر ، كرر عرض الأمر عليه ، فما كان من المطران إلا أن رد عليه قائلا " لا يمكنني أن أوافق على انفصال كنيسة أثيوبيا عن الكنيسة المصرية ، لأن اتصالهما قديم العهد

، و إنني أقرر الآن ما سبق أن قلته لنائب وزير المستعمرات في أديس ابابا وهو أنني لن أخون الأمانة التي أودعت إلي من قبل رئاسة الكنيسة القبطية ، وانني ما زلت متمسكا بهذه العلاقة الوطيدة التي ظلت ثابة منذ العصور الغابرة ".

( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع نص التقرير الذي قدمه الأنبا كيرلس إلى البابا يؤانس التاسع عشر عام 1937 بعد عودته من مفاوصضاته مع عاهل أيطاليا في : زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، الصفحات من 257 – 265 ).

ثم منعوه من العودة إلى أثيوبيا ، وأجبروه على العودة إلى مصر ، وبالفعل أضطر للعودة إلى مصر ، وأقام فيها خلال الفترة من ( 1936- 1942 ) فى شقة بمهمشة إلى جوار مبنى الكلية الإكليركية.

استقلال أثيوبييا وطلب العودة إلى أثيوبيا :

أستعادت أثيوبيا إستقلالها عام 1942 ، فخرجت قوات الإحتلال الإيطالي ، فأرسل الإمبراطور هيلاسلاسي بطلب إلى الأنبا كيرلس للعودة إلى أثيوبيا ومباشرة خدمته هناك ، فسافر الأنبا كيرلس إلى هناك.

واقلعت الطائرة من مطار ألماظة في 1 يوننيو 1942 ، وسافر معه صادق باشا وهبة الوزير السابق وفرج بك موسى قنصل مصر في أثيوبيا ومريت بك غالي مزودين بدعوات البابا يؤانس ، غير أن المطران لم

يستطع التأقلم مع التحرك الفكري الجديد الذي حدث في أثيوبيا بعد جلاء الأيطاليون عن أثيوبيا ، فلقد نظر إليه البعض كرجل رجعي ، كما اجتمع المجمع المقدس الأثيوبي ، وطالب برسامة مطران

أثيوبي ،فرفضت الكنيسة القبطية رسامة مطران أثيوبي في حياة المطران القبطي ، مما اضطره للعودة إلى مصر ، وأقام فى مبني الكلية الإكليركية هناك ،واكرمه الأرشيدياكون القديس حبيب جرجس كثيرا.

أيامه الأخيرة ونياحته :

أشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة كثيرا ، فقرر الأطباء نقله المستشفى القبطي بالقاهرة ، حتى فاضت روحه إلى السماء وتنيح صباح يوم الأحد الموافق 22 أكتوبر 1950.

كلمة الرثاء التي كتبها الأستاذ وهيب عطا الله فى مجلة مدارس الأحد :

ولقد كتب الأستاذ "وهيب عطا الله " ( المتنيح الأنبا غريغوريوس ) كلمة رثاء نشرت في مجلة " مدارس الأحد " بتاريخ يناير 1952 ، جاء فيها من ضمن جاء " لقد رقد في الرب حبر أمثاله فى الدنيا قليل ، تقى ،وطهرا ،

ومبدأ ، وصلابة هو نيافة المغبوط والشيخ الروحاني الأنبا كيرلس رئيس أساقفة أثيوبيا ، وبناحته تنكسر آخر حلقة فى سلسلة الإتصال بين الكنيسة القبطية وربيبتها الأثيوبية ، طبقا لنصوص الإتفاق الذي زعم

دعاته أنه الحل الذي وفقوا إليه في دعم الصلة بين الكنيستين ، ويعلم الله وحده أي حل مشئوم هذا الحل الذي يعالج الأمور من طرف واحد ..... أن الناس لا يعرفون عن الأنبا كيرلس إلا أنه الرجل الذي أبعد عن أثيوبيا.

ولكن العليم هو الله أنه الرجل المحبوب بين شعوب أثيوبيا جميعا ، والآمبرااطور هيلاسلاسي كان يعزه ، وكان ولا زال قبل نياحته.

أليس هو بعينه الرجل الذي رفض أسخى العروض من رجال إيطاليا الذين أرادوا أن يجعلوه بطريركا لأثييوبيا فأبى إباءا عجيبا ...... لقد أغروه بالإجلال وزاردوا له الاحترام ، فلم يجب لمطاليهم ...قالوا له ستكون تابعا لبابا الكنيسة الرومانية أعظم باباوات العالم ، فاجاب " كلا من قال هذا ؟ سلوا التاريخ.

إن كنيستنا معلمة المسكونة ، حينما كان الغرب كله يغترف من نعمة الله على باباوات الإسكندرية علما وفضلا وحكمة ".

مراجع المقالة :

1- القمص صمويل تواضروس السرياني :-تاريخ البطاركة ، الجزء الثالث ، مكتبة دير.

2- القمص تادرس يعقوب ملطي :- قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية ، ( ض- م ) ، كنيسة مارمينا العجايبي ، نيوجرسي ، الصفحات من (331- 333 ) .

3- ساجي سليمان : الأنبا كيرلس رئيس أساقفة أثيوبيا ، مكتبة كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء ، الطبعة الأولى ، 1985.

4- زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1966 ، الصفحات من 257- 265.

5- الأنبا غريغوريوس : موضوعات روحية ، سلسلة مقالت وموضوعات متنوعة ، - الجزء الأول ، المجلد رقم 29 ، الصفحات من 345 ، 346.

ماجد كامل - أقباط متحدون
21 اكتوبر 2024 |