يقول عالم القبطيات الفرنسي بيير برجيه ان الفن القبطي هو فن له خصوصية واضحة وهو بدون منازع يحتل مكانة اولي كفن اصيل وهو شاهد حضاري يمثل الشخصية المصرية في عمق امتدادها واتصالها بمنابع الحضارة المصرية القديمة , وهو فن يمثل حلقة الوصل في استمرارية هذه الفنون المصرية وتأثيرها الواضح علي كل حقب تاريخ الفن المصري حتي يومنا هذا.
![الفن القبطي بين المصري القديم والاسلامي](https://www.coptstoday.com/img/2019/10/c55a87dbd43b8d7a4ee8d6d4a997f8751.jpg)
ويحمل نزعة كبيرة ورائعة بمقاييس فنون الحداثة في عصرنا الحاضر.وله تأثير واضح علي فنون مصر الاسلامي.
ويعتبر الفن القبطى من نتاج الشعب ولم توجهه الدولة. أنتجه مسيحيو مصر منذ الفترة التى اعترفت فيها الدولة بالكنيسة عام 313م، واستمر لفترة بعد الفتح العربى. تميز بمقومات فنية خاصة لوقوعه بين الفرعونية
والإسلامية. ولا يخص مسيحيى مصر بل يخص كل المصريين باعتباره فرعا من الفن المصرى القديم والوريث المباشر له، عاش متأثراً به ومعاصراً للفنون اليونانية والرومانية وأخيراً مؤثراً على الفنون الإسلامية
أخد الفنان القبطى عن الفن المصرى القديم الكثير , وإن اختلف عنه بأن تميز الفن القبطى أنه فن ارتجالى بسيط نتاج الشعب لم توجهه الدولة. اتجه فيه الفنان إلى الرمز والنظر داخل
النفس بحثاً عن القيم الروحية التى تغنى عن القيم الفانية من الدنيا أملا فى الخلاص، لذلك اهتم بالروح والجوهر أكثر من الشكل والمظهر، الوجوه فيه مستديرة وتُحاط بهالة التقديس
الذهبية على رءوس القديسين والشهداء وأحيانا كان يضع تاجا أو يستخدم الاثنين معا، أما العيون فتُصوَر مستديرة ومحددة بإطار. ولا يوجد أى تجسيم أو إبراز للبعد الثالث للعناصر المرسومة.
وتتميز ملامح الشخصيات المُصوَّرة فيها بالبساطة والوداعة والتقوى كما رسمت فى وضع المواجهة. وكذلك عدم الاهتمام بالتفاصيل الفنية الدقيقة والتركيز على النواحى الروحية والقيم الدينية أكثر من النواحى الجمالية. كما تأثر الفن القبطى فى بادئ الأمر
بالفن البيزنطى اليوناني، وظهرت مسحة من التشابه بينهم، ويرجع ذلك إلى ارتباط واتحاد الكنيسة القبطية مع الكنائس المسيحية عامة. ولكن منذ أن انفصلت الكنيسة القبطية عن الكنائس الغربية وأصبح لها وجود ذاتى مستقل.. أمكن للأقباط فى ذلك الوقت أن يتخلصوا من كل شىء له علاقة بالفنون البيزنطية واليونانية، وعادوا إلى المصرية الفرعونية مع إدخال التعديلات التى تتفق مع المعتقد الدينى المسيحى .
ونري هذا في التصوير الجدارى القبطى الذى سار على نفس الطريقة التى تواترت منذ أقدم العصور فى مصر وهى طريقة التصوير بألوان الأكاسيد على الحوائط المغطاة بطبقة من الجبس كما في الاديرة القديمة حاليا , ومنه انتشرت هذه الطريقة بين مسيحيى الشرق والغرب وظل الأمر كذلك حتى بداية عصر النهضة. وقد وجه الأقباط عناية كبيرة إلى زخرفة الجدران والمحاريب الموجودة فى الكنائس بالتصوير الحائطى.
وتعتبر الأيقونات القبطية أهم عناصر الفن القبطى التى تتزين بها الكنائس والأديرة الأثرية، ويظهر فيها مدى تأثرها بملامح الفن الفرعونى , كما استمدت عناصرها فى بادئ الأمر من الديانة
المصرية القديمة وخليط من نماذج إغريقية مصرية تصوِّر الحقائق المسيحية. ثم تطورت موضوعاتها مرحلة الرموز وفيها مثلا جسد السيد المسيح فى شكل الراعى الصالح، ثم مرحلة الكتاب المقدس
واستخدمت فيها أيقونات تُصوِّر موضوعات من الكتاب المقدس بقصد التعليم، وآخر مرحلة هى الأيقونات الأخروية التى ظهرت عندما اعتنق بعض الفلاسفة المسيحية وانشغلوا بالمجىء الأخير للسيد المسيح.
كما جاءت الموضوعات التى تصور السيد المسيح فى المقام الأول ضمن موضوعات الأيقونة القبطية المصورة، كذلك أيقونات الصَلْب والصعود، العماد، دخول السيد المسيح أورشليم، العشاء الأخير،
انتصار السيد المسيح. وأيضاً أيقونات العذراء مريم وهى تحمل السيد المسيح الطفل. كما تنوعت ما بين قصص أنبياء العهد القديم والملائكة مثل أيقونات الملاك ميخائيل، والكثير من القديسين من
مختلف العصور خاصة أيقونة القديس جوارجيوس (مار جريس) بصورته التّقليديّة التى تتصدّر بيوت الكثير من الأقباط والتى يبدو فيها ممتطياً جواده الأبيض ويصارع التنين فيصرعه. وبعد الاحتلال
العربى تأثر الفنان المسلم بنظيره القبطى ونجد بصمات الحضارة القبطية في عمارة المساجد نفسها , في المحراب المجوف المأخوذ من حضن الاب وفي المئذنة القبطية , ويذكر البلاذري في كتاب (فتوح
البلدان) ان الوليد استعان بالقبط في اعادة بناء المساجد وفي بناء مسجد دمشق والمسجد الاقصي , وعهد عمربن عبد العزيز الي معمارين من القبط في بناء الجامع النبوي و بنوا فيه أول محراب مجوف في الاسلام
يقول د. محمد عبد العزيز مرزوق في كتابه الفن المصري الاسلامي : ان الفن القبطي يعد أصلا من أصول الفن الاسلامي عامة والفن المصري الاسلامي بصفة خاصة .
وذكر د.محمد شفيق غربال في كتابه تكوين مصر : ان طرائق الفن القبطي وأساليبه كانت عاملا من العوامل المؤثرة في فنون مصر الاسلامية وصناعتها , وهذا دليل علي أهمية العنصر القبطي في تكوين الشخصية المصرية .
وكتب د.مراد كامل عن الفن القبطي المصري : أن أصول هذه الفنون الآتية من روافد الفن المصري القديم أورثها الأقباط بدورهم الي سمات الفن المصري الاسلامي .
كما تتميز الأيقونات القبطية بألوانها السخية الصريحة التى أراد بها الفنان القبطى التعبير عن مفاهيم ورموز معينة. تتعدد أساليب تنفيذها ما بين النقش البارز أو
الغائر على بعض اللوحات والأفاريز الحجرية والعاج والعظم، أو بالرسم بالألوان وبالحفر أحياناً على الخشب، كذلك على الأعمدة الرخامية والجرانيت فى الكنائس القبطية
القديمة التى تزين أيضاً جدرانها وشرفاتها بالصور المصنوعة بالفسيفاء، كذلك استخدم الفنانون الأقباط الأقمشة كثيراً لتنفيذ الأيقونات سواء برسمها بالألوان أو بطريقة نسجها.
و تميز الفن القبطى بتزيين الخشب ونقشه برسوم صور دينية ومناظر حياتية حتى تبدلت هذه الصور إبان القرن العاشر الميلادى فى عصر الفاطميين بأشكال هندسية ونباتية تتخللها صور لطيور وحيوانات،
واستخدم فى صناعة الأبواب الدقيقة والحواجز الخشبية بالكنائس التى يطلق عليها اسم حامل الأيقونات. ولم يكتف الأقباط فى استخدامهم على الأخشاب المحلية التى كانوا يشقونها ألواحاً ويسكبون
عليها المياه ثم يتركونها معرضة للشمس مدة كافية حتى تجف وحتى لا تلتوى بعد صنعها تبعاً لتغير حرارة الجو، بل عندما استوردوا أصنافاً أخرى من الخارج نشأت لديهم طرق أخرى لتطعيم الخشب
فصنعوا البرواز الخارجى من الخشب العادى ثم زينوا سطحه بحشوات منقوشة من أنواع أخرى ليزداد رونقاً وبهاء. كما كان خشب الزيتون أهم أنواع الأخشاب عند الأقباط لما ورد ذكره كثيراً فى الكتاب المقدس.
والفترة القبطية فى مصر فترة غير قليلة كما أنها فترة مهمة فى التحول الثقافى والفنى الذى مرت به الشخصية المصرية عبر الزمن. والباحث فى هذا المجال يجد صعوبة بالغة فى الكشف عن تلك الفترة المفقودة فى التراث، بل الملاحظ كذلك عدم اهتمام الدولة او الباحثين الأقباط أنفسهم، بتلك الفترة التي تتمثل بالحضارة القبطية .
في حين ان العالم اجمع اهتم بالفن القبطى لما تميز به، فخصصت له المتاحف الكبرى أقساماً يعرض فيها نماذج له، منها متحف اللوفر بباريس، ومتحف برلين بألمانيا، ومتحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة، ومتحف لندن بالمملكة المتحدة، والمتحف
الملكى ببلچيكا. كما اهتم بعض جامعات العالم بإنشاء أقسام متخصصة لدراسة هذا الفن مثل قسم تاريخ الفن القبطى بجامعة ليدن بهولندا وقسم الدراسات القبطية بجامعة مونستر بألمانيا، قسم الفن القبطى بجامعة وارسو ببولندا وقسم آخر بجامعة بباريس