تفسير الاصحاح الرابع من سفر راعوث للقمص تادري يعقوب ملطى
راعوث والعرس السماوي
جلس بوعز عند باب المدينة ليقتني راعوث عروسًا له بعد أن ينتهي أمر عدم فكاكها من وليها الأول أي الناموس، مقتنيًا ما لأليمالك وإبنيه ليقيم نسلاً للميت.
1. بوعز يقتني ما لأليمالك [1-8].
2. بوعز يقتني راعوث [9-12].
3. راعوث تنجب عوبيد [13-17].
4. إِنتساب داود لراعوث [18-22].
1. بوعز يقتني ما لأليمالك :
إِذ أراد بوعز أن يقتني راعوث زوجة له ليقيم منها نسلاً للميت كان لزامًا ان يسأل الولي الشرعي الأول إِن كان يفك هو أم يتنازل عن حقه لبوعز بكونه الولي الثاني لها، وقد وصف لنا الكتاب اقامة مجلس من الشيوخ لتدبير هذا الأمر، إِذ يقول: "فصعد بوعز إِلى الباب وجلس هناك وإذا بالولي الذي تكلم عنه بوعز عابر، فقال: مل واجلس هنا أنت يا فلان الفلاني، فمال وجلس، ثم أخذ عشرة رجال من شيوخ المدينة وقال لهم: إِجلسوا هنا، فجلسوا.." [1-2].
جلس بوعز عند باب المدينة كعادة اليهود سابقًا ليقام مجلس للشيوخ للبت في بعض المشاكل بين الشعب، ويبدو أن العدد 10 يعني أن النصاب قانوني وأن المجلس له حق الحكم في الأمر. ولعل رقم 10 يشير إلى الناموس الذي يحكم بعجز الوالي الأولي عن فك النفس البشرية من سلطان عدو الخير واقتنائها عروسًا ليقيم نسلاً للميت قادر أن يرث.
أما الولي الأولي فرفض الكتاب ذكر إِسمه لانه غير مستحق لذكر إِسمه، إِذ أراد أن يقتني حقل أليمالك ويدفع الرهن أو الثمن لضمه إِلى ميراثه، وإِذ عرف أنه يلتزم بالزواج براعوث ليقيم نسلاً للميت ويعود حقل أليمالك لإبنها بعد أن يدفع الولي الثمن رفض، إِذ حسبها صفقة خاسرة. إِنه مستعد أن يفدي الأرض ولا يبالي باقامة النسل للميت، يود أن يقتني التراب أما النفوس فبلا قيمة في عينيه.
يقول الولي الأول: "فك أنت لنفسك فكاكي، لأني لا أقدر أن أفك" [6]. كلمة "يفك" هنا تعني (يُخلص)، فإن الولي الأول أي الناموس الذي تولى الولاية على الإنسان لا يستطيع أن يُخلص إِنما يُسلم الولاية للنعمة الإلهية حيث يستطيع السيد المسيح وحده أن يُخلص الإنسان ويفكه من رباطات العبودية المرّة.
أما فكرة خلع النعل وتسليمه للولي الثاني الذي قبل أن يفك لنفسه ما للميت إنما تُشير إلى عدم أحقية الولي الأول أن يطأ أرض الميت بل سلم الحق لغيره لكي يطأها ويمتلكها مقيمًا نسلاً للميت.
2. بوعز يقتني راعوث :
لم يكن قلب بوعز في حقل أليمالك أو أرضه وإِنما في إِقتناء راعوث لتنجب لحساب الميت ليقيم اسمه ولا ينقرض بين أخوته [10]. وقد بارك الكل هذا الروح الباذل المملوء حبًا وسألوا الرب أن يبارك له في راعوث فيجعلها كراحيل وليئة، ويجعل له إِسمًا في أفراته، ويجعل نسله كفارص الذي ولدته ثامار:
أولاً: يبارك امرأته كما بارك زوجتي يعقوب ليئة وراحيل فتكون أمًا لا لأمة إِسرائيل وإِنما لجماعة الملوك (داود ونسله) حتى يأتي ملك الملوك متجسدًا من إبنتها القديسة مريم.
ثانيًا: من جهة إِسمه يكون "ببأس في أفراته"؛ أي إِسم لبوعز أعظم من أنه صار رمزًا لشخص السيد المسيح؟!
ثالثًا: أن يكون بيته كبيت فارص الذي ولدته ثامار، هذا الذي إِقتحم أخاه زارح وسلب منه البكورية (تك 28: 29-30). هكذا إِقتحم بوعز وليه الأول وسلب منه البركة.
3. راعوث تنجب عوبيد :
"فأعطاها الرب حبلاً فولدت إبنًا، فقالت النساء لنعمى: مبارك الرب الذي لم يعدمك وليًا اليوم لكي يُدعى إسمه في إسرائيل، ويكون لك لإرجاع نفس وإعالة شيبتك، لأن كنتكِ التي أحبتكِ قد ولدته، وهى خير لك من سبعة بنين" [13-15].
في الكتاب المقدس ينسب الطفل للأب، أما هنا فينسب لراعوث، إذ قيل: "أعطاها الرب" ولم يقل: "أعطاه"، أما إنه وُهب لها لينسب شرعيًا لرجلها الميت.. إِنه ثمرة إيمانها بالله القادر أن يهب حياة بعد الموت، لذا قالت النساء: "ويكون لكِ لإرجاع نفس"، إِذ ردّ لأبيه الميت أسمًا فصار كأنه حيّ.
"عوبيد" [17] الذي يعني (عبد) يُشير إلى السيد المسيح الذي من أجلنا صار عبدًا (فى 2: 7)، يُوهب للنفس المؤمنة لتحمله في أحشائها كما حملت راعوث عوبيد، ويكون لها لإرجاع نفسها إذ يصير لها إِسم بعد الموت الذي ملك عليها، ويكون "لإعالة شيبتها"، إِذ يردها إِلى شبابها الروحي وينزع عنها ضعف الشيبة ويأسها.. بهذا إِذ حملت راعوث عوبيدًا فيها قيل عنها: "هي خير لكِ من سبعة بنين" [15].
إن كان السبعة بنين يشيرون إلى بركة الرب (1 صم 2: 5) فإننا إِذ نحمل "عوبيد الحقيقي" فينا، نحمل كلمة الله الذي صار عبدًا.. نحسب أفضل من سبعة بنين.
"فأخذت نعمى الولد ووضعته في حضنها وصارت له مربية" [16]. إن كان الولد هو ثمرة الحب الذي لراعوث أي كنيسة الأمم، فإن نعمى التى تُشير إلى الناموس والنبوات تفرح وتُسر إِذ يكمل عملها برؤيتها لهذا الثمر الفائق.
4. إِنتساب داود لراعوث :
يُختم السفر باعلان مجئ "داود" كثمرة من ثمار جدته راعوث، فبدأ الجذر الملوكى المقدس في الأمة اليهودية لتنمو الشجرة وتأتي بالثمرة الفريدة "إِبن داود" الملك الروحي الحق.
هكذا بدأ السفر بالمجاعة التى بسببها انطلق أليمالك وعائلته من يهوذا إِلى موآب وإِنتهى بالشبع الحقيقي حيث ينعم العالم كله بإبن داود "مشتهي الأمم".