تفسير الاصحاح الثامن عشر من سفر يشوع للقمص تادري يعقوب ملطى
نصيب بنيامين
للأسف بقدر ما كانت الأسباط الثلاثة "يهوذا وأفرايم ومنسي" تتسابق على التمتع بالميراث ونوال أكبر نصيب ممكن، إذا ببقية الأسباط متراخية.
1. تراخي الأسباط السبعة [1-10].
2. نصب بنيامين [11-28].
1. تراخي الأسباط السبعة
"واجتمع كل جماعة بني إسرائيل في شيلوه ونصبوا هناك خيمة الاجتماع، وأخضعت الأرض قدامهم، وبقى من بني إسرائيل ممن لم يقسموا نصيبهم سبعة أسباط، فقال يشوع لبني إسرائيل: حتى متى أنتم متراخون عن الدخول لامتلاك الأرض التي أعطاكم إياها الرب إله آبائكم..؟!" [1-3].
إذ صارت شيلوه تمثل الحضرة الإلهية وسط الشعب، فيها أُقيمت خيمة الاجتماع، وهناك تُقدم ذبائح الرب وتقدماتهم، لذا اجتمع الكل مع يشوع في حضرة الله ليروا أن الأرض قد أخضعت قدامهم والميرث قد أعد.
إنها صورة حية لالتقائنا جميعًا ككنيسة الله وشعبه، نجتمع مع الرأس يشوع الحقيقي وفيه كأعضاء جسده (أف 5: 3) لندرك إمكانياتنا الجديدة، إن الأرض قد أخضعت، فصار جسدنا مقدسًا لله، وصارت حياتنا بكليتها له، يرثها كملك له، ونرث نحن أمجاده. في شيلوه الحقيقية - كنيسة العهد الجديد- لا تنصب خيمة اجتماع إنما يحل روح الله القدوس فينا، ويجعلنا هيكله المقدس، فلا نرث أرضًا نُزعت من ملوك بشريين وإنما يصير كل شيء خاضعًا لنا، نرث السماويات وننعم بالملكوت الأبدي.
كم كان قاسيًا على قلب يشوع بن نون أن يرى بعضًا من شعبه قد عبر الأردن، وانهارت حصون أريحا أمامهم، وانهزمت عاي بملكها ورجالها، وانهارت المدن المقاومة.. كل شيء قد أعد ولم يبق شيء سوى أن يتسلم الأسباط الميراث! ألم يعد الرب الوليمة، وأرسل إلي المدعوين، ولم يُكلفهم الأمر بعد إلاّ الحضور للتمتع بها، لكنهم في استخفاف اعتذروا (مت 22: 3).
هكذا يحزن قلب عريسنا يشوع الحقيقي، الذي أعد كل شيء لنا، ولم يتركنا في عوز إلى شيء..، حارب عنا وغلب، ومات وقام ليقيمنا معه، وأفتتح أبواب الفردوس للطبيعة البشرية التي تغربت عن السماء زمانًا (2 كو 5: 2، عب 11: 16)، وقدم لنا روحه القدوس سندًا ومعينًا، ولم يعد بعد لنا عذر.. صار الملكوت قريبًا إلينا لكننا مع هذا كله فنحن متراخون عن الدخول إلى ميراثه الذي وهبنا إياه.
لقد طلب يشوع أن ينتدب عن كل سبط ثلاثة رجال يمثلون السبط يقومون ويسيرون في الأرض ويكتبونها بحسب أنصبتهم ثم يأتون إليهم [4]. لقد حدد يشوع عملهم "يقومون، يسيرون في الأرض، يكتبونها، يأتون إليَّ يقسموها".
من هم هؤلاء الرجال؟ وما هي هذه الأعمال؟ بلا شك هؤلاء الرجال المنتدبون عن الأسباط أنما يمثلون في حياة الإنسان ثلاثة أمور: الفكر والقول والعمل، هكذا تقف الكنيسة كلها - وكأنها بالسبعة أسباط - ويقدم كل عضو فيها فكره وكلماته وتصرفاته بين يدي يسوعنا الحيّ القادر أن يُقدسنا، فيصير هؤلاء الرجال الثلاثة علامة تقديسنا في المسيح يسوع بروحه القدوس.
إن كنا نُحاسب عن كل فكر خفي وشهوة خفية أو نظرة مستترة (مت 5: 28) وعن كل كلمة بطالة (مت 12: 36) وكل تصرف شرير، فتكون هذه سرّ حرمان الإنسان ميراثه الأبدي، فإنه على العكس إذ تتقدس هذه الطاقات تصير أداة مقدسة خلالها نُكلل ونرث إلى الأبد!
أما أعمالها فهي أولاً "يقوموا".. فإننا إذ نتقدم إلى يشوعنا بفكرنا الداخلي ولساننا وبقية أعضاء جسدنا، يقيمها فيه أدوات مقدسة تمارس حياته المقامة كحياة لها. لنبعث كل ما لنا لدى يشوع الحق القادر أن يهبنا القيامة كعمل يومي مستمر، فنحيا بحياته، ونحمل سماته فينا، ويحق لنا شركة أمجاده! وكما سبق فكررت أكثر من مرة أن سفر يشوع كسفر الميراث هو سفر القيامة، فلا ميراث بدون الحياة الداخلية المقامة فيه وبه!
أما بعد القيامة فيقول "يسيرون في الأرض"، أي ينطلقوا إلى أرض الميراث، فنحن مدعوون بعد أن تمتعنا في المعمودية بسرّ الدفن والقيامة، ونتمتع بالقيامة مع كل يوم جديد خلال التجديد اليومي المستمر، أن نسير في الأرض المقدسة أي نتذوق عربون السموات ونحن بعد على الأرض. عندئذ "يكتبوها"، أي يدركون أبعادها قدر استطاعتهم ويتعرفون على أسرارها غير المدركة.
وأخيرًا يعودون إلى يشوع.. ففي كل مرة نكتشف أسرار الحياة الأبدية إنما نرجع بالأكثر إلى يسوعنا، ندخل أعماقه ونعيش فيه على أعماق جديدة حتى نلتقي به أخيرًا وجهًا لوجه. ولعله قصد بالعودة إلى يشوع لتقسيم الأرض الرجوع إليه في اليوم العظيم لنلتقي به كواهب الميراث، وينعم كل منا بنصيبه الأبدي!
2. نصيب بنيامين
يُحسب سبط بنيامين أصغر الأسباط وأقلها عددًا، لكن آخرين يصيرون أولون، فقد جاءت قرعته بين السبعة أسباط: الأول. وقد جاءت "قرعتهم بين يهوذا وبني يوسف" [11], كان لبنيامين أصغر أولاد يعقوب معزة خاصة لدى أخيه يوسف، الذي أعطاه نصيبًا مضاعفًا عندما جاء مع إخوته إلى مصر في قصر فرعون، والذي لم يحتمل أن يراه فتوارى ليبكي بمرارة! إنه الأخ الوحيد له من أبيه وأمه، يحمل له مشاعر حب خاصة، وقد انتقلت هذه المشاعر بين أبنائهم أيضًا.
لكن فيما بعد التحم سبط بنيامين بالأكثر مع سبط يهوذا ليكونا معًا مملكة يهوذا، عاصمتها أورشليم التي كانت من نصيب بنيامين. التحام بنيامين بيهوذا ليس أمرًا غريبًا، فإن بنيامين يعني (ابن اليمين) فيُشير إلى السيد المسيح الجالس عن يمين أبيه، والخارج من سبط يهوذا.