تفسير الاصحاح الخامس عشر من سفر يشوع للقمص تادري يعقوب ملطى
نصيب يهوذا
إن كان غرب الأردن يمثل كنيسة العهد الجديد، فإن يهوذا يحتل مركز الصدارة، بكونه السبط الذي منه جاء ابن الله متجسدًا، فجاءت القرعة أولاً له. وكان لكالب بن يفنة قسمًا في وسط بني يهوذا..
1. نصيب يهوذا [1-12].
2. كالب وقرية أربع [13-14].
3. كالب وقرية دبير [15-19].
4. أسماء المدن [20-62].
5. بقاء اليبوسيين في وسطهم [63].
1. نصيب يهوذا
في تقسيم أرض جلعاد شرق الأردن التي تملكوها خلال الناموس (أي في عهد موسى) بدأت القرعة بروأيين، لأنه البكر جسديًا. أما هنا فإذ يُشير التوزيع إلى ميراث العهد الجديد فلا إلتزام ببكورية الجسد بل بباكورة الروح، لهذا وقعت القرعة أولاً على السبط الملوكي "سبط يهوذا" الذي منه خرج ربنا يسوع المسيح حسب الجسد، "الأسد الخارج من سبط يهوذا" (رؤ 5: 5).
كان لابد أن تختفي باكورية الجسد لتظهر باكورية الروح، وذلك إعلانًا عن احتلال ربنا يسوع مركز الصدارة كبكر البشرية عوض آدم الأول الجسداني، الأمر الذي هيأ له الكتاب المقدس برموز كثيرة كاحتلال يعقوب الباكورية عوض عيسو البكر جسديًا، وإسحق ابن الموعد عوض إسماعيل البكر حسب الجسد إلخ.. الآن إذ عبرنا الأردن وصارت لنا الأرض الجديدة ميراثًا يتقدم بكرنا الروحي كقائد الكنيسة كلها وواهبًا سمته إذ هي أيضًا به قد صارت "كنيسة الأبكار".
باكورة الروح في العهد الجديد لا تفقد الآخرين نعمة الباكورة، كما في الجسد حيث يحتلها المولود أولاً وحده!
ليتنا لا نطلب أن يكون موضعنا وسط سبط رأويين هذا الذي مزق ثيابه (تك 37: 29) ففقد باكوريته، إنما في سبط يهوذا الروحي بثبوتنا في الأسد الخارج منه، لنتأهل لنوال النصيب الأول من ميراث العهد الجديد. لنتقدم مع يهوذا إلى يشوع لننال نصيبنا فيه، ونأخذ قرعتنا بعد أن توقفت الحرب وتمتعنا بالسلام، وقيل عن جسدنا: "استراحت أرض من الحرب"!
لقد أوضح الوحي الإلهي حدود نصيب يهوذا من كل اتجاه، الأمر الذي يحمل مفاهيم روحية عميقة. هنا نردد ما يقوله العلامة أوريجانوس: [بالرغم عن عجزنا فهم كل سرّ وشرحه، لكننا نحاول ذلك بالقدر الذي تهبنا إياه نعمة الله[221]].
من جهة فإن حدود نصيب يهوذا هي "تخم أدوم برية صين من جهة الجنوب" [1]. في دراستنا لسفر حزقيال رأينا أن أدوم مأخوذة عن آدم الذي يعني (ترابي)، (دموي) وأن آدم إنما يُقصد به عيسو أو سعير[222]]، وهو يُشير إلى عدو الخير الذي ينزل بقلبنا إلى التراب لنحيا بفكر أرضي، وبطبعه الدموي المحب لمقاتلتنا.
يقول القديس أغسطينوس: [لا تنتظر أمانًا فالعدو يلاحقك باستمرار. إن لم يكن غضبه علنيًا فهو يسعى بمكر، ولذلك فقد سُمي الأسد والتنين، سموه أسدًا لما يبديه من غضب، وسموه تنينًا لما يخفي من مكره[223]], فإن كنا في المسيح ننعم بالميراث لكن العدو يقف عند الحدود كأدوم عل حدود يهوذا، يقف كَمن عند الأبواب مشتاقًا أن يسلبنا طبيعنا السماوية، منحدرًا بنا إلى محبة الأرضيات، إنه يقف كمقاوم يطلب هلاكنا ولا يستريح إلاَّ بسفك دمنا روحيًا.
يبدأ حدود نصيب يهوذا بالكشف عن وجود تخم أدوم وبرية صين، والأخيرة تُشير إلى التجربة[224]. فلا يمكن العبور إلى أرض يهوذا والتمتع بميراثه ما لم يجتاز أولاً برية التجارب، فالطريق كرب وضيق تحوط به التجارب بغير توقف، لكن هذا كله يزيد جهادنا قوة، حيث نترنم وسط الدموع، قائلين: "عند كثرة هموميّ في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي". وسط الضيق يعلن السيد عن ذاته كسرّ راحتنا الحقيقية الأبدية.
لهذا يقول القديس أغسطينوس: [التجارب والضيقات، وإن كثرت، سبيل لك إلى الكمال، وليست سبيلاً للهلاك]، كما يقول: [العنقود مدّلى في الكرمة وحبة الزيتون على أمها، وطالما هما على أمهما يتمتعان بالهواء الطلق. فلا العنقود يصير خمرًا ولا حبة الزيتون تصير زيتًا ما لم يمر فوقها حجارة المعصرة. تلك هي حالة البشر الذين دعاهم الله قبل الأجيال ليجعلهم شبيهين بابنه الذي ظهر، بنوع خاص، في آلامه، وكأنه كرمة ثمينة[225]].
يكمل الكتاب حديثه عن حدود يهوذا، هكذا: "وكان تخمهم الجنوبي أقصى بحر الملح من اللسان المتوجه نحو الجنوب، وخرج إلى الجنوب عقبة عقربيم وعبر إلى صين وصعد من جنوب قادش برنيع وعبر إلى حصرون، وصعد إلى أدار إلى القرقع" [2-3].
وكأنه يقول إن من يُريد التمتع بالسبط الملوكي يجتاز أولاً هذه الأماكن المُرّة حتى يعبر إلى الميراث في آمان. ليعبر أدوم وأيضًا صين، وليجتز البحر المالح وعقبة عقربيم! ماذا يعني "البحر المالح" إلاَّ التغلب على قلاقل الحياة ودوراناتها؟! ففي مياه البحر المالح يكمن التنين البحري (مز 104: 26) الذي حطمه السيد المسيح بدخوله إلى المياه ليصلبه في عقر داره! إذن لنحطم التنين خلال صلبنا مع ربنا يسوع المسيح فنعبر أرض ميراثنا بسلام.
أما "عقبة عقربيم" فتُشير أيضًا إلى محاربات العدو ضدنا لأن "عقربيم" تعني في العبرية (عقارب)، وقد وهبنا الله سلطانًا أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوت العدو ولا يضرنا شيء (لو 10: 16). يقول العلامة أوريجانوس: [إن كنا نرغب في الدخول إلى ميراث سبط يهوذا، يلزمنا أن نمارس هذا النوع من الصعود, فنطأ العقارب ونسحقها، هذه هي التي تقطع الطريق وتهرب. إنه بلا شك الطريق الذي سلكه حزقيال، إذ يقول له الرب" "أنت ساكن بين عقارب" (حز 2: 6)[226]].
هذه هي المناطق المحيطة بميراث يهوذا، إنها تجارب (صين) مستمرة وقلاقل (البحر المالح) وحروب من الشيطان كالعقارب (عقبة عقربيم) وشراسة منه (أدوم)، أما الداخل فمفرح للغاية ومبهج، حيث نلتقي بمياه عين (ينبوع) شمس [10]، وأورشليم مدينة الملك العظيم ورمز الحياة السماوية.
يقول العلامة أوريجانوس: [ماذا تعني هذه الشمس؟ إنها تلك التي كُتب عنها: "ولكم أيها المتقون إسمي تشرق شمس البر" (ملا 4: 2)؟ فإن بدأت تتجاوز البحر المالح تجد نفسك في أرض يهوذا حيث ينبوع الشمس.
ما هو هذا الينبوع؟ بالتأكيد ذاك الذي قال عنه يسوع: "ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو 4: 14). وإذ نلتقي بنبع الشمس الذي تكلمنا عنه نجد المدينة، كما هو مكتوب أنه يوجد "بيت شمس" [10]. هذا ويقال أن بمصر أيضًا "بيت شمس"، لكن مدينة مصر أخذت اسم "الشمس" عن تلك التي يشرق بها الآب السماوي على الأبرار والأشرار (مت 5: 45) أما مدينة يهوذا فتخص القديسين وحدهم، لأنها مدينة الله، التي بها الينبوع إذ "نهر سواقية تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي" (مز 46: 4)[227]].
يمكننا أيضًا أن نميز بين بيت شمس التي لمصر وتلك التي في تخوم يهوذا، الأولى تقوم داخل النفس المتعبدة لتمثال الشمس الحجري، التي لها صورة الشمس دون نورها أو بهائها.
أما بيت شمس التي ليهوذا فتمثل النفس التي صارت بيتًا لشمس البر، أي هيكلاً للرب الذي يُنير حياتنا، هذا الذي يفيض ينبوع مياه الروح القدس فيه، إذ يقول حزقيال: "ثم أرجعني إلى مدخل البيت وإنما بمياه تخرج من عتبة البيت نحو المشرق، لأنه وجه البيت نحو الشرق، والمياه نازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح" (حز 47: 1). هذا ما دعاه سفر يشوع "مياه عين شمس"، أي المياه التي تنبع خلال بيت المسيح، شمس البر!
إن كانت أورشليم قد صارت في ميراث سبط بنيامين (18: 27) لكنها على حدود السبطين خاصة أنهما كونا مملكة مستقلة فيما بعد (مملكة يهوذا)، وقد تمتع يهوذا بالسكنى في أورشليم [63]، هذه التي يقول عنها القديس أغسطينوس: [أورشليم الأرضية هذه إنما هي ظل أورشليم السماوية[228]].
فقد اختار الله أورشليم بكونها الموضع الذي يسكن فيه اسمه (1 مل 11: 13، 2 مل 21، 4)، المدينة المقدسة التي يقطن فيها عرش الله (إر 3: 16 إلخ)، وعلامة لحلوله وسط شعبه، لذلك حينما يؤدب شعبه يهدد بتدميرها وخرابها (إر 9: 11، 13: 9، 27؛ خر 4، 5، ميخا 3: 12). تحدث عنها الأنبياء كمركز للعمل المسياني، إليها يعود كل الأمم (إش 2: 2 إلخ، 60: 1 إلخ، 66: 18- 20، ميخا 4: 1-3، حج 2: 7 إلخ).
وفي العهد الجديد أعلن السيد المسيح اشتياقه لخلاص المدينة، وقد صارت في الكنيسة الأولى بعد حلول الروح القدس مركزًا للمسيحية فيها يلتقي الرسل والتلاميذ.. لكن أنظار المؤمنين كانت بالأكثر تلتقي نحو أورشليم العليا (غلا 4: 26، عب 12: 22، رؤ 14: 1، رؤ 21) كغاية عبادتهم[229]].
والعجيب أن الكتاب يضف ميراث يهوذا هكذا: "هذا تخم بني يهوذا مستديرًا حسب عشائرهم" [12]. لم ينعم يهوذا فقط بالبكورية الروحية وبمياه عين شمس وإنما أيضًا بأن يكون نجمه "مستديرًا". نحن نعلم أن الدائرة تُشير إلى الأبدية حيث ليس لنا نقطة بداية ولا نهاية.. فما ورثه يهوذا إنما هو الحياة الأبدية، أي التمتع بالسمة السماوية التي فوق كل حدود العالم وكأن من يدخل في هذا السبط روحيًا باتحاده مع الأسد الخارج منه، إنما ينطلق إلى ما هو فوق الميراث الزمني، ويرتفع فوق كل الأرضيات، ليصير قلبه وكل تخمه مستديرًا!
حقًا لقد كان سبط يهوذا كسبط ملوكي يحمل القوة في داخله بحمله الطبيعة السماوية، حتى وإن أحاط به الأعداء من كل جانب: موآب من الشرق، وأدوم من الجنوب، وعماليق من الجنوب الغربي وإن كان من بعيد، والفلسطينيون من الغرب!
2. كالب وقرية أربع
في الأصحاح السابق طالب كالب بن يفنة القنزي حقه الذي وعده به الرب على لسان موسى، وهو امتلاك الجبل حيث المدن الحصينة وحبرون التي تعني (قران) أو (زواج). والآن إذ تسلم كالب "حبرون" والتي تدعى أيضًا "قرية أربع"، "طرد من هناك بني عناق الثلاثة: شيشاي وأخيمان وتلماي أولاد عناق" [14].
إن كان كالب بن يفنة القنزي الذي يُشير- كما قلنا- إلى القلب الذي تحوّل عن الاحتقار ودخل إلى المجد، قد نال حبرون مكافأة له، فدخل في زواج أو قران مقدس وروحي، فيه تتحد النفس مع عريسها إلى الأبد، فإن حبرون من جانب آخر تدعى قرية أربع.
رقم 4 يُشير إلى العالم باتجاهاته الأربعة: الشرق والغرب والشمال والجنوب، فإنه أيضًا يُشير إلى الجسد المأخوذ من هذه الأرض أو هذا العالم. فصاحب القلب المقدس، الذي تحول إلى عريسه الأبدي يملك على جسده طاردًا منه بني عناق الثلاثة ليملك الرب أيضًا فيه.
لا يكفي أن تكون قلوبنا أو حياتنا الداخلية مقدسة، وإنما يلزم أن نتطلع إلى أجسادنا بنظرة مقدسة، فكما نقدم للعريس قلوبنا الداخلية هكذا نقدم له أجسادنا، فيعمل الإنسان في كليته بنغم متوافق. يُشبه القديس غريغوريوس النيصي الإنسان في كليته بالقيثارة التي تحمل أوتارًا مختلفة لكنها تفدم بالروح القدس قطعة موسيقية متناسقة تُفرح قلب الله.
يرى العلامة أوريجانوس أن "عناق" تعني متعجرف أو غير متضع، و"شيشاي" تعني خارج عن، أي خارج عن القديسين وخارج عن الله الحق ذاته، "أخيمان" تعني أخي بعيد عن الحكمة، و"تلماي" يعني معلق هاوية[230].
خلال هذه المعاني يمكننا أن نقول أن حبروننا أي جسدنا الترابي متى سيطر عليه عناق أي روح الكبرياء وعدم الاتضاع إنما يسيطر عليه ثلاثة من مواليده يعملون معًا كملوك عليه ألا وهم: الخروج عن الله الحق وبالتالي البعد عن الحكمة مما يدفع الإنسان إلى أن يكون معلقًا في الهاوية أو منحدرًا إليها. ليتنا نكون ككالب، نطرد عنه الكبرياء أصل الداء، فلا نعود بعد نكون خارج الله سرّ حياتنا، ولا نحرم من الحكمة الإلهية وبالتالي لا ننحدر إلى الهاوية، بل على العكس نعود إلى الله فننعم بحكمته ونرتفع به من الهاوية إلى الحياة الأبدية.
3. كالب وقرية دبير
"صعد من هناك (حبرون) إلى سكان دبير، وكان اسم دبير قبلاً قرية سفر. وقال كالب: من يضرب قرية سفر ويأخذها أعطيه عكسة ابنتي امرأة. فأخذها عثنئيل بن قناز أخو كالب، فأعطاه عكسة ابنته امرأة وكان عند دخولها أنها غرته بطلب حقل من أبيها، فنزلت عن الحمار، فقال لها كالب: مالك. فقالت: اعطني بركة، لأنك أعطيتني أرض الجنوب فاعطني ينابيع ماء، فإعطاها الينابيع العليا والينابيع السفلى" [15-19].
لقد سأل كالب كممثل للقلب المقدس إن كان أحد يضرب قرية سفر "الكتاب" ويأخذها، فإنه يقدم له ابنته عكسة امرأة، وقد قام أخوه عثنئيل بن قناز بذلك، فأخذ قرية سفر التي صارت دبير أي (نطق) أو (تدبير)، فتزوج بعكسة.
إن عثنئيل تعني (استجابة الرب)، فإنه لا يستطيع أحد أن يتقدم إلى قرية الكتاب المقدس ولا أن يفهم أسرارها العميقة ما لم يستجب الرب له، ففهمنا للكتاب هو عطية الله ونعمته التي يهبها لسائليه وإذ نال عثنئيل الكتاب أي قرية سفر، صارت بالنسبة له دبير، أي تحولت من كتاب حرفي إلى نطق وفهم داخلي وتدبير حيّ فيه.. أي تحول من حرفية الناموس القاتلة إلى الروح واهب الحياة.
أما زواجه بعكسة ابنة كالب، إنما تعني التصاقه بابنة الحياة المقدسة، التي تسأل البشرية أن يدخلوا إلى قرية الكتاب ليكشف الله لهم أسرارها. وعكسة نفسها كابنة الحياة المقدسة في الرب إنما تُشير أيضًا إلى معرفة الأسرار الروحية، وكأن عثنئيل التصق بأسرار الكتاب ليس كقرية يعيش فيها فحسب وإنما كزوجة شريكة حياته!
ماذا فعلت عكسة أو أسرار الكلمة الإلهية بزوجها عثنئيل الذي استجاب له الرب طلبته؟ لقد أخذت من أبيها حقلاً كبركة تقدمها لزوجها، ثم عادت فنزلت عن الحمار لتطلب ينابيع ماء لرجلها فأعطاها أبوها الينابيع العليا والينابيع السفلى.
يا لها من صورة رائعة للنفس التي تلتصق بالمعرفة الروحية التي هي ابنة الحياة المقدسة، فإنه خلال هذه الابنة تنعم النفس بالحقل أي الدخول إلى الكتاب المقدس بكونه الحقل الذي تعمل فيه لحساب الله وتفرح بثمر الروح، كما ترى المعرفة الداخلية قد نزلت عن الحمار، أي نزلت عن الاهتمام بالجسد، لتطلب ينابيع ماء أي ثمار الروح، فيوهب لها ثمارًا على مستوى سماوي علوي، كما تنعم بالثمر الذي تعيش به هنا على الأرض، يرافقها زمان غربتها أي (الينابيع السفلى).
4. أسماء المدن
حصر الكتاب المقدس أسماء المدن التي في تخم يهوذا، وكأن الوحي الإلهي يُريد أن يؤكد أن الميراث متسع لمن يريد، وأن عند الآب منازل كثيرة.. ليتنا نؤمن ونجاهد برجاء شديد أننا نجد لنا في إحدى هذه المدن – السماوية - موضعًا لنا.
5. بقاء اليبوسيين في وسطهم
"وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم" [63].
"إلى هذا اليوم" في الكتاب المقدس تعني (إلى إنقضاء يوم هذا العالم)، فهل يسكن اليبوسيون في أورشليم مع بني يهوذا إلى إنقضاء العالم؟ إن فسرنا ذلك روحيًا، فإن هذه الحقيقة مُرّة لكنها واقعية أن الزوان (اليبوسيين) يبقى مع الحنطة (بني يهوذا) في الكنيسة، أي أورشليم، إلى نهاية العالم، حيث يأتي وقت الحصاد ويفرز الزوان عن الحنطة.
لقد نصحنا السيد المسيح: "دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى الحصاد لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه" (مت 13: 29). يقول العلامة أوريجانوس: [إذ نسمع في الإنجيل بأن الحنطة تنمو مع الزوان، فإنه بنفس الطريقة يوجد في أوشليم أي الكنيسة اليبوسيون الذين يسلكون بحياة رديئة، هؤلاء الفاسدون في إيمانهم كما في أعمالهم وكل طريقة حياتهم.
من المستحيل تتنقى الكنيسة بالكلية طالما هي على الأرض. يستحيل تتنقى فلا يكون ولا خاطئ واحد أو غير مؤمن، بل يكون الكل فيها قديسين، ليس فيهم أدنى خطية، هذا يمكن تطبيقه بخصوص من كانت خطاياهم مختفية، أو نتشكك في أمرهم، لكننا لا نقول أننا لا نطرد من الكنيسة الأشرار الظاهرين[231]].
إن كانت كلمة "يبوسي" تعني "يدوس بالأرجل"[232]. فليحذر كل واحد منا لئلا يوجد في قلبه شيء يدوس علينا بالأقدام، أي خطية معينة تذل القلب وتدنس مقدسه الخفي. ليته لا يكون في داخلنا يبوسيون، هؤلاء الذين يسلكون في القلب كالخنازير التي تدوس دررنا بارجلها وتلتفت لتمزقنا، كقول رب المجد (مت 7: 6)!
المراجع :
[221] In Jos. 19:1.
(St. Jerome: on Ps. hom 34).
[222] للمؤلف: حزقيال.
[223] خواطر فيلسوف ص 234.
[224] سفر العدد 1981.
[225] خواطر فيلسوف: ص 238، 239.
[226] In Jos. Hom 19:3.
[227] Ibid 19:4.
[228] On Ps. 122.
[229] Mckenzie: Dict. Of Bible, P. 431.
[230] In Jos. Hom 15:20.
[231] Ibid 21:1.
[232] Ibid.