تفسير الاصحاح الحادى والثلاثون من سفر الخروج للقمص تادري يعقوب ملطى
الحديث الختامي
ختم الرب حديثه مع موسى النبي بتحديد اسمي العاملين للخيمة وكل أدواتها، وأخيرًا أكد له وصية تقديس يوم الرب، وسلمه اللوحين قبل أن ينزل للشعب. 1. العاملون في الخيمة [1-11].2. تقديس يوم الرب [12-17].
3. تسليمه اللوحين [18].
1. العاملون في الخيمة:
بعدما أوصى الله موسى بعمل الخيمة وأدواتها وحدد له تفاصيلها وآراه نموذجًا حيًا ليُقيم الخيمة على مثاله، لم يترك له الحرية في اختيار من يقوم بالعمل وإنما حدد له بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا وملأه من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، وجعل معه أهولياب بن أخيساماك من سبط دان يسنده في العمل، كما طلب تشغيل كل إنسان حكيم القلب في الشعب. ويلاحظ في هذه الوصية الآتي:أ. اختار الله أناسًا سبق فأعطاهم حكمة في العمل، وها هو قد ملأهم من روحه بالحكمة والفهم والمعرفة، وهكذا كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تلتحم حكمة العبد التي وهبه الله له طبيعيًا بالحكمة السماوية التي تسنده في بناء بيت الرب[398].
لم يتجاهل الله الحكمة الطبيعية لأنها هي أيضًا من عنده، بل قدسها بروحه القدوس الذي يسند ويعين.
ب. إن كان الله قد اختار بصلئيل وملأه من روحه.. [3] تأكيدًا بضرورة تدخل الله نفسه في اختيار الراعي، فقد اختار معه أيضًا أهولياب لكي يسنده. وكأن العمل الرعوي يقوم على روح الشركة والحب والمشورة، وليس بروح فردي. فالكاهن أو الخادم، أيًا كانت رتبته، سرّ نجاحه ليس في عمله الفردي وإنما في عمله مع أخوته بالروح الواحد.
ج. يقول الرب: "وفي قلب كل حكيم القلب جعلت حكمة ليصنعوا كل ما أمرتك" [6]. وكأن الله يعلن لموسى النبي أن يلتزم بتشغيل كل الطاقات، فقد وهب الله وسط الشعب حكماء القلب يسندون الرعاة في العمل الكرازي الرعوي.
د. يلاحظ في كل العاملين أن يدّ الله هي التي تتدخل في اختيار العاملين في كرمه إما بتحديد الأسماء علانية أو بطريقة غير مباشرة بتحديد سمات العاملين. هذا ما أكده السيد المسيح إذ سألنا أن نصلي لكي يرسل رب الحصاد فعلة لحصاده. ولهذا يصرخ الكاهن في كل قداس إلهي (القداس الباسيلي)، قائلاً: "الذين يُفصِّلون معه (أي مع الأب البطريرك) كلمة الحق باستقامة أنعم بهم يارب على بيعتك يرعون قطيعك بسلام".
2. تقديس يوم الرب:
من بين كل الوصايا والشرائع التي سلمها الله لموسى، اختار الرب هذه الوصية "تقديس يوم الرب" لتكون الوصية الختامية، وقد سبق لنا الحديث عنها في شرحنا الأصحاح العشرين.هنا نلاحظ قول الرب لموسى: "سبوتي تحفظونها" [13]. لم يقل "السبوت" ولا قال "سبوتكم" بل نسبها لنفسه، قائلاً: "سبوتي". فإن كان السبت يعني "الراحة". فإننا بحفظ يوم الرب نستريح نحن فيه، إذ نلتقي بالله سرّ راحتنا الحقيقة، وفي نفس الوقت يستريح الله فينا، إذ يجد له موضعًا في قلبنا، نحن موضوع سروره ولذته. لهذا يدعوها هكذا: "سبوتي"، أي "راحتي".
ترى ماذا تكون هذه السبوت التي نحفظها إلاَّ السيد المسيح نفسه، الذي فيه وحده نجد راحتنا، وفيه يجد الآب راحته. فيه نستريح نحن إذ نجده الصديق والفادي والمخلص الذي يدخل بنا إلى حضن أبيه، وفيه يجد الآب راحته حيث صالحه معنا.
عن السبوت أيضًا يقول: "لأنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم" [13]. فالسيد المسيح هو علامة العهد والمصالحة بيننا وبين الآب، فيه ننعم بالتقديس، إذ هو ربنا وقدستنا. ولهذا السبب كانت العقوبة قاسية للغاية: "من دنسه يقتل قتلاً، إن كان من صنع فيه عملاً تقطع تلك النفس من بين شعبها" [14]. من يزدري بالسيد المسيح يحرم من أبديته ويموت إلى الأبد، ويفقد عضويته في الملكوت الأبدي.
ركز الربّ في هذا الأصحاح على السبت كعهد أبدي [16-17]، لأنه يخص حياتنا الأبدية.
3. تسليمه اللوحين:
سلم الرب موسى لوحي الشريعة اللذين من الحجر والمكتوبين بأصبع الله، أي بالروح القدس[399]، الذي أوحى بالكتاب المقدس كله.هذان اللوحان ينكسران خلال غضب الإنسان وضعفه ليحل محلهما لوحان جديدان يشيران إلى حلول النعمة عوض حرف الناموس، كقول الإنجيلي يوحنا: "لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صار" (يو 1).
المراجع:
[398] St. Chrys.: Conc. The Statues 17: 11.
[399] St. Augustine: On the Spirit & the Letter, 28.