تفسير الاصحاح السابع والعشرون من سفر الخروج للقمص تادري يعقوب ملطى
المذبح النحاسي
1. المذبح النحاسي [1-8].
2. دار المسكن [9-19].
3. إضاءة المنارة [20-21].
1. المذبح النحاسي:
إن كنا قد تحدثنا عن المقدسات الداخلية في المسكن، سواء الخاصة بقدس الأقداس (تابوت العهد) أو القدس (مائدة خبز الوجوه والمنارة ومذبح البخور)، فإنه لا عبور إلى المقدسات إلاَّ خلال المذبح النحاسي والمرحضة. المذبح النحاسي إنما يعني سفك دم الحيوانات وتقديمها ذبائح للرب.يقارن سفر العبرانيين بين المذبح النحاسي الدائم الإتقاد بالنار ليلتهم ذبائح يومية بلا إنقطاع وبين صليب السيد المسيح الذي حمل ذبيحة واحدة في آخر الأزمنة.
بالنسبة للمذبح النحاسي يقول الرسول أن رئيس الكهنة يدخل قدس الأقداس مرة واحدة في السنة، لكن "ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات شعبه" (عب 9: 7). دخوله كل عام مرة علامة عجز العمل، وتقديم الذبائح، أو دم الحيوانات، عن خطاياه وجهالات شعبه علامة ضعفه المستمر
. أما السيد المسيح، رئيس الكهنة الأعظم، فقد دخل لا إلى رموز المقدسات السماوية أو ظلالها بل إلى السماء عينها، لكن "ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءًا أبديًا" (عب 9: 12). قدم دم نفسه على الصليب فقدم إمكانية على مستوى أبدي، دون تكرار العملية الصليب! فرئيس الكهنة الأول كان يتألم مرارًا بتقديم دم حيوانات كل عام، علامة العجز عن إبطال الخطية أما رئيس الكهنة الجديد فبدم نفسه أبطل الخطية ودخل بنا إلى المقدسات عينها.
وكما يقول الرسول "لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا، ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر، فإن ذاك كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند إنقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عب 9: 24-27).
هذا عن رئيس الكهنة، أما الكهنة فكان عملهم اليومي "كل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مرارًا كثيرة تلك الذبائح عينها" (عب 10: 11)، ويرى الرسول في تكرار العمل يوميًا علامة عن عجز دم التيوس والعجول عن تطهير النفس بنزع الخطية (عب 10: 11) إنما تقدس إلى طهارة الجسد (9: 13)، أي حملت عملاً رمزيًا، حتى تقوم الذبيحة الواحدة القادرة على تطهير الضمائر (9: 14).
مادة المذبح وأبعاده:
يصنع المذبح من خشب السنط [1] بكونه رمزًا للصليب شجرة الحياة. يُغشى بالنحاس [2] لا الذهب، إذ على الصليب يتقبل الابن ثمن الخطية التي ارتكبناها في ثبات كامل، كالنحاس الذي هو علامة الصبر والمثابرة.لا نجد للذهب أثرًا خارج المسكن، فإن الأمجاد السماوية تبقى في الداخل، لكننا نجد النحاس والفضة، النحاس [1-4، 6..] لكي نشارك السيد المسيح صبره وآلامه ومثابرته، إذ يظهر في سفر الرؤيا هكذا: "رجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون" (رؤ 1: 15). إذ نلبس السيد المسيح يكون لنا النحاس الذي به ندك كل الأتعاب والضيقات ونسير نحو السماء بمثابرة دون تراخٍ. أما وجود الفضة [10-11] فعلامة حاجتنا إلى كلمة الله كسند لنا في جهادنا ومثابرتنا.
المذبح مغشى بالنحس، وجميع آنيته من النحاس، وشباكه من النحاس وحلقاته من النحاس والعصوان لحمله مغشيتان بالنحاس.
طول النحاس خمسة أذرع وعرضه كذلك، وكأن الذبيحة مقدمة لأجل تقديس حواسنا الخمس، لكي نتهيآ للدخول إلى المقدسات الخفية.
رقم خمسة أيضًا يذكرنا بالذبائح والتقدمات التي وردت في سفر اللاويين، عددها خمس، لأن جميعها إنما ترمز لذبيحة الصليب، الأمر الذي سبق لنا شرحه في مقدمة سفر اللاويين.
ارتفاع المذبح النحاسي ثلاثة أذرع، وكأن المذبح لا يُشير إلى الصليب فحسب وإنما يحمل رمز القيامة (رقم 3)، فقوة الذبيحة أنها تدخل بنا إلى الصليب لكي تعبر بنا إلى القيامة، فتقوم أفكارنا وكلماتنا وأعمالنا (رقم 3)، أي نمارس سرّ رقم 3 بالدخول إلى الألم والدفن والقيامة، بهذا يرفعنا المذبح إلى ثلاثة أذرع.
2. دار المسكن:
سبق لنا وصفه فى الأصحاح السابق حيث عرفنا أن طوله 100 ذراع وعرضه 50 ذراعًا، تقوم ستائره الكتانية على ألواح أو أعمدة. عشرون عمودًا من كل جانب من الجانبين، 10 أعمدة في المؤخرة، أما من جهة الشرق فيوجد ثلاثة أعمدة على اليمين وثلاثة أعمدة على اليسار وتقوم ستارة المدخل على أربعة أعمدة.يلاحظ في دار المسكن أنه لا وجود أيضًا للذهب، إنما تقوم الأعمدة على قواعد نحاسية، اما رززها وقضبانها فمن الفضة، لينطبق عليها ما قلناه عن المذبح النحاسي.
الستائر جميعها (فيما عدا ستارة الباب) من الكتان المبروم فقط، تقوم على أعمدة طول كل منها خمس أذرع، وكأن الدار الخارجية أرادت أن تركز على الطهارة (الكتان) والنقاوة القائمة على أعمدة المثابرة الدائمة والمتكئة على كلمة الله (الفضة). أما طول العمود فيُشير إلى ضرورة النقاوة في كل الحواس الخمس.
لم يكن ممكنا أن تكون ستارة الباب من الكتان وحده، بل من الأسمانجوني والأرجوان والقرمز مع الكتان، لأنه لا دخول إلى حياة الطهارة (الكتان) ولا قدرة على المثابرة (النحاس) ولا فهم لكلمة الله (الفضة) إلاَّ من خلال السيد المسيح الذي هو باب الحظيرة.
هذه الستارة التي ترمز لحياتنا في المسيح، أو دخولنا الدار خلال المسيح تقوم على أربعة أعمدة، إذ تتم خلال جهادنا على الأرض في المسكونة (أربعة أركان المسكونة)، لكننا إن تطلعنا يمينًا أو يسارًا نرى ثلاثة أعمدة، كأننا ونحن ندخل بالمسيح هنا على الأرض إلى المسكن الإلهي الروحي يلزمنا أن ندخل بقوة قيامته.