تفسير الاصحاح السادس من سفر التثنية للقمص تادري يعقوب ملطى
الوصية والأرض الجديدة
تقوم علاقة الشعب بالله على أساس قبول العهد الذي فيه يعلن الله حبه الكامل والفائق للبشرية، والتي من جانبها تلتزم بالطاعة لصوته، والشوق إلي وصيته من كل القلب، وليس فقط من الشفتين. لقد أوضح لهم ضرورة الانشغال بالوصية حين يتمتعون بالأرض الجديدة. بهذا تكون الوصية باعثًا على تذكر عمل الله معهم عِوض انشغالهم بالخيرات ونسيانهم وصية الرب.
1. الوصية والأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً [1-3].
2. الوصية كمرافق للمؤمن أينما وُجد [4-9].
3. الوصية والتمتع بالبركات [10-19].
4. الوصية وتذكر التحرر من العبودية [20-25].
1. الوصية والأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً:
إذ صار الشعب على وشك الدخول إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً، خشي موسى النبي لئلاَّ تشغلهم الأرض عن الوصية، وتشغلهم بركات الرب الزمنية عن شخصه لهذا أكد بكل وسيلة النقاط التالية:
أولاً: أن ما يقدمه لهم من وصايا أو شرائع أو أحكام ليست من عندياته، إنما هي من عند الرب نفسه.
"وهذه هي الوصايا والفرائض التي أمر الرب إلهكم أن أُعلِّمكم لتعملوها في الأرض التي أنتم عابرون إليها لتمتلكوها" [1].
إنها وصايا الرب لا موسى. هكذا يليق بخدام المسيح أن يقدموا وصاياه التي خلالها يتجلى في سامعيه، ويكون حاضرًا وسط شعبه. لهذا ختم الإنجيلي متى إنجيله بقول السيِّد المسيح: "علّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20).
جاء سفر التثنية يوضح دور الإنسان ودور الله في العهد المبرم بينهما. كثيرًا ما يكرر موسى النبي: "اسمع"، "انظر"، "احفظ"، "اعمل" هذا هو دور المؤمن. أما دور الله فهو
يهب ويكثر ويبارك.
ثانيًا: أن نتقبل الوصية في حياتنا العملية اليومية: "لتعملوه"، أي يعبروا بها نهر الأردن ويدخلوا إلى الأرض الجديدة كدستور لحياتهم العملية.
"لكي تتقي الرب إلهك وتحفظ جميع فرائضه ووصاياه التي أنا أوصيك بها أنت وابنك وابن ابنك كل أيام حياتك، ولكي تطول أيامك" [2].
هكذا إذ يملكوا الأرض الجديدة، يلزمهم ممارسة حياة جديدة بفكرٍ جديدٍ وشريعةٍ إلهيةٍ جديدةٍ.
ثالثًا: إذ يقبل المؤمن الوصية كنزًا يحتفظ به ويعهد به إلى أولاده وأحفاده، يليق به أن تتحول الوصية إلى "تقوى في الرب" [2]، وأن يحفظ جميع الوصايا والفرائض. فإن من يعلم بلسانه دون قلبه وسلوكه يكون كمن يكتب على الماء.
سبق أن تحدثت عن "التقوى في الرب" أو "مخافة الرب" أثناء دراستنا لسفر الأمثال، وهي مخافة الابن ألاَّ يجرح مشاعر أبيه. هذه هي المخافة التي نورّثها للأجيال القادمة بالتقليد العملي الحيّ، فتطول أيامنا، إذ تحسب أيام أحفادنا المقدسة كأنها أيامنا نحن. فكما أن الابن الفاسد يقتل قلب والديه، فيحسب الوالدان كأن أيامهما قد ضاعت وقصرت، هكذا الابن أو الحفيد التقي يُفرح قلب والديه وأجداده في الرب فتطول أيام حياتهم في الرب.
رابعًا: إن كان الشعب سيملك على الأرض المملوءة خيرات كعطية إلهية، فإنه تتبقى خيرات أعظم وعذوبة أفضل يجدها المؤمنون في الوصية، إذ يقول: "فاسمع يا إسرائيل واحترز لتعمل لكي يكون لك خير وتكثر جدًا كما كلمك الرب إله آبائك في أرضٍ تفيض لبنًا وعسلاً" [3].
كما يدخلون إلى أرض كنعان هكذا يليق بنا نحن أن ندخل إلى أرض الوصية بالطاعة لله فتشبع نفوسنا بالخيرات ولا تحتاج إلى شيء، إذ بها ندخل السماء عينها، ومن خلالها يتجلى خالق السماء نفسه.
2. الوصية كمرافق للمؤمن أينما وُجد:
اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد.
فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" [4-5].
يعتبر اليهود الآيتين [4-5] من أروع العبارات الكتابية. ويتلوهما اليهود الأتقياء مع (تث 11: 13-21؛ عد 15: 37-41) على الأقل مرتين يوميًا. يُطوّب الإنسان الذي ينطق بهما كل صباح ومساء، ويتممهما عمليًا. ويُعرف العددان بلفظة "شيما" التي هي الكلمة العبرية الأولى فيهما. وقد اقتبس المسيح هذين العددين بكونهما الوصية الأولى والعظمى مع إضافة "من كل فكرك" (مر 12: 30).
الكلمة العبرية المستعملة هنا والمترجمة "واحد" هي "آحاد" وهي لا تنفي عقيدة الثالوث القدوس في المسيحية، ثالوث في وحدانية. توجد كلمة أخرى في العبرية يمكن أن تترجم "واحدًا" وهي كلمة "يحيد" وتدل على الوحدة المطلقة التي يتمسك بها اتباع بعض الأديان الأخرى، وهي تدل في معناها على وحدة الجوهر الفرد، أي الوحدة الذرية التي لا تقبل التعدد. هذه الكلمة ليست مستعملة هنا. وهنا نجد الإيمان بوحدانية الله ممتزجًا بالمحبة وهو الأمر الذي لا يتطلبه أي دين آخر.
اعتاد اليهود أن يكتبوا الحرف الأخير من الكلمتين الأولى والأخيرة حتى يجتذبوا أنظار القارئين إلى هذه العبارة، بكونها أعظم الوصايا وأهمها.
+ لم يقل "تكلم" بل "اسمع" [4].
سقطت حواء لأنها تكلمت مع الرجل بما لم تسمعه من الرب إلهها.
الكلمة الأولى التي يقول لك الله: "اسمع". فإن كنت تسمع تحتاط في طريقك، وإن سقطت تصلح بسرعة طريقك. لأنه "بماذا يصلح الشاب طريقه إلاَّ بحفظ كلمة الرب؟!" (مز 119: 9).
لذلك قبل كل شيء أصمت واسمع، فلا تسقط بلسانك. إنه لشر عظيم أن يُدان الإنسان بفمه[64].
القدِّيس أمبروسيوس
ماذا يعني بالقول: "يهوه، إلهنا (ألوهيمنو Eloheeunuw)، يهوه واحد" [4]؟
أ. يعتز المؤمن بتعبير "يهوه"، لأنه اللقب الخاص بالله الكائن وسط شعبه، فهو ألوهيم "القدير" والخالق، لكننا نعتز به بالأكثر لأجل حلوله وسط شعبه، وسُكناه في قلوبهم.
ب. إن كان هو القدير "ألوهيم"، فهو القدير الذي لنا "إلهنا". قدرته أو جبروته أو إمكانياته الفائقة، هذه كلها لحسابنا، نقتنيه فيعمل معنا وفينا.
ج. قدم موسى النبي عقيدة وحدانية الله مع التلميح للتثليث، بطريقة تناسب اليهود كأطفالٍ في المعرفة الروحية واللاهوتية في ذلك الحين. يقول: "الرب إلهنا رب واحد" [4]، فمع تأكيد وحدانية الله، يكرر اسم الرب ثلاث مرات، فإنه مثلث الأقانيم.
يقدم لنا النبي الإله الواحد، الينبوع الذي يفيض بما يشبع كل السمائيين والأرضيين، عِوض الاعتقاد بآلهة كثيرة، ينابيع جافة لا تستطيع أن تخترق أعماق النفس وأن تشبعها.
+ يوجد إله في إله وليس هما إلهين، إذ مكتوب أنه يوجد إله واحد. ويوجد رب (يهوه)، وليس هما ربِّين[65].
+ يبرهن الناموس على وحدة اللاهوت، هذا الذي يتحدث عن إله واحد. وكما يقول الرسول بولس عن المسيح: "الذي فيه يسكن كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو 2: 9). فإنه إن كان كما يقول الرسول، كل ملء اللاهوت جسديًا في المسيح، لهذا يلزم الاعتراف بأن الآب والابن هما لاهوت واحد[66].
القدِّيس أمبروسيوس
"فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" [5].
هذه الكلمات ذكرها أيضًا السيِّد المسيح نفسه كما هي، مؤكدًا أن لا يقبل الله إلاَّ أن يكون داخل القلب، يحتله بالكامل، طالبًا كل حبنا مقابل كل حبه المقدم لنا. فبدخوله إلى أعماقنا يجعل القلب مستقيمًا، والنفس مملوءة عذوبة، والحب غير ممتزج بشوائب، بل هو حب طاهر حر سخي لا يعرف الانقسام، ويحول الكيان الداخلي إلى ينبوع مياه حيّة تفيض على الغير، فالحب لا يمكن حبسه في سجن الأنا، بل يطير على الدوام في السماويات يعطي بسخاء ولا يعير. إنه يرتفع بجناحيه كما إلى السماء ليحمل منها سماتها الطاهرة المقدسة ويرجع للعمل في الأرض بروح جديدة.
تحدث في الأصحاح السابق عن الإنسان التقي الذي يخاف الله، مخافة الابن لأبيه، وهنا نجد الله كمحبٍ للبشر يقدم لنا الوصية أن نحبه! لم نسمع قط عن ملك أو رئيس أو أي قائد يُشرّع قانونًا يسألنا أن نحبه، كاستجابة لحبه لنا.
نحبه بكونه الرب السيِّد الكل، وبكونه الله الذي يُقيم عهدًا أو ميثاقًا معنا. يطلب حبًا نابعًا من كل القلب، إذ يتطلع إلى أعماقنا بكونها ملكوته السماوي. نحبه بكل نفوسنا، أي نحبه ليس فقط خلال عواطف القلب ومشاعره، وإنما بفهمٍ وإدراكٍ حقيقي. نحبه أيضًا بكل قوتنا، أي نستخدم كل طاقتنا ومواهبنا للتعبير عن هذا الحب.
+ يبدو دائمًا أنه يليق أن تعطي الله أعظم ما لديك، وهو عقلك، فإنه ليس لك ما هو أعظم منه[67].
+ يلزمنا أن نثير حب العروس كما هو مكتوب: "حب الرب إلهك"[68].
القدِّيس أمبروسيوس
+ تعبير "من كل" يستدعي إضافة أنه لا يوجد انقسام إلى أجزاء[69].
القدِّيس باسيليوس الكبير
يقول القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص في حديثه عن خلقة الإنسان On the Making of Man: [تتكون الحياة البشرية من وحدة لها ثلاثة جوانب. يعلمنا الرسول أمرًا مشابهًا بما قاله لأهل أفسس إنه يصلي لأجلهم لكي ما تحفظ النعمة الكاملة للجسد والنفس والروح إلى مجيء الرب. فإننا نستخدم كلمة "الجسد" لعملية الانتعاش بالطعام، وكلمة النفس للجانب الحيوي، والروح للبُعد العقلي. بهذه الطريقة ذاتها يعلم الرب كاتب الإنجيل أن يضع أمام كل وصية أن المحبة لله تمارس بكل القلب والنفس والعقل (مت 22: 37؛ مر 12: 30؛ لو 10: 27). هذا التعبير يضم كل الكيان البشري[70]].
كثيرًا ما تحدث العلامة أوريجانوس والقدِّيس أغسطينوس وغيرهما عن سرّ رقم 3 (من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك) بكونه يُشير إلى القيامة مع المسيح في اليوم الثالث، فإننا نعبد الله بكل القلب المقام، وكل النفس وكل الذهن. تُعلن قيامة المسيح فينا، فنمارس الحياة الجديدة فيه[71].
يرى القدِّيس باسيليوس الكبير أن الإنسان يحمل طاقة حب، تمثل قوة إما لبنيانه أو لتحطيمه. لهذا فإننا إذ نحب الله يلزمنا أن نترجم الحب إلى قوة عمل للبنيان[72].
"ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك" [6].
إن لم توجد الوصية في القلب لا يكون لها وجود، لكنها إن احتلت القلب تنطلق إلى الفكر فتوجه أفكار الإنسان ومفاهيمه خلالها. هذا من جانب ومن جانب آخر من يحب الله يحب كلماته ووصاياه، فاحتلال الوصية للقلب علامة ملكية الله للقلب.
أعظم ذاكرة هي القلب، حين تدخل الوصية إلى مخازن القلب، لا يمكن للإنسان أن ينساها، بل يذكرها على الدوام. بل ويتشكل كل كيانه حسبما يحتفظ به القلب. يطالبنا أن نحمل الوصية أينما وُجدنا. فإنه إذ يحفظها الإنسان في قلبه يكون حاملاً إيّاها أينما وُجد.
"وقصَّها على أولادك،
وتكلم بها حين تجلس في بيتك،
وحين تمشي في الطريق،
وحين تنام،
وحين تقوم" [7].
إذ تدخل الوصية القلب يصير المؤمن قادرًا على تعليم أولاده وأحفاده بلغة الحب والبساطة مع الغيرة المتقدة والإخلاص. فإن الإنسان، خاصة الأبناء يحبون من يتحدث معهم خلال القلب. قلوبهم تتقبل بفرح ما يصدر عن قلوب آبائهم.
يقول "قصها على أولادك وتكلم بها" [7]. يُطالبنا لا أن نردد الوصية فحسب بل نعلم أولادنا بكل اجتهاد. فلا يقف الأب موقف المعلم الذي يلقي عظات ويقدم أوامر، إنما يتحدث بلغة الحب حيث "يقص ويتكلم"، فإذ تدخل كلمة الرب إلى القلب تصير جزءً من حياتنا، فنتكلم بروح الحب وبلغة الحياة.
إذ يتسع قلب المؤمن الحقيقي بالحب يحمل ظلاً لأبوة الله، فيشعر أن كل من حوله أشبه بأولاد له، فتعليمه الوصية لا يقف عند أولاده حسب الجسد، بل يمتد إلى كل إنسان، لكي يدخل بكل أحدٍ إلى المجد.
"وتكلَّم بها حين تجلس في بيتك" [7]. حين يجلس المؤمن في بيته يُدرك أنه في بيت الرب، حديثه مع أهل بيته هو في الرب، ما ينطق به إنما هو ما ينطق به الرب نفسه، أي يحمل كلمات الرب بروح الفرح إلى إخوته. حين يجلس في بيته مع الزوج أو الزوجة أو مع الأبناء، أو مع الخدم والعاملين لديه أو مع أصدقائه لا يجد ما يتحدث به غير كلمات الرب.
+ عندما تعرج إلى منزلك ناقش هذه الأمور مع أهل بيتك، كما يفعل كثيرون عندما يرجعون من الحدائق فإنهم يقطفون وردة أو أي نوع من الزهور ويضعونها بين أصابعهم. والبعض عندما يتركون الحدائق ليذهبوا إلى منازلهم يأخذون معهم أغصان أشجار محملة بالفواكه. وآخرون أيضًا إذ يأتون من الولائم المملوءة بالمشتهيات يحملون منها إلى من يعولونهم. هكذا يليق بك حقًا عندما تترك هذا الموضع أن تأخذ نصيحة معك لزوجتك ولأولادك وكل أهل بيتك. فإن هذه النصيحة أكثر نفعًا من البستان والحديقة والوليمة. هذه الورود لن تذبل، هذه الثمار لن تسقط، هذه المشتهيات لن تفسد. الأولى تعطي لذة مؤقتة، أما الأخيرة فنفعها باقٍ[73].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
"وحين تمشي في الطريق" [7]، لا يخجل المؤمن من الحديث عن وصية الرب حتى في الطريق إذ يلتقي بأناس لا يعرفهم.
"وحين تنام، وحين تقوم" [7]، يبدأ الإنسان ليله بالحديث عن الوصية، وينشغل بها حين يبدأ نهاره. تشغل كل كيانه، حتى في أحلامه، وفي أثناء عمله اليومي.
"واربطها علامة على يدك،
ولتكن عصائب بين عينيك" [8].
كان من العادات المعروفة في العالم القديم أن يربط الشخص شيئًا في يده أو في إصبعه ليذكره بأمرٍ ما عاجلٍ وهام. هكذا إذ يربط الوصية على يده يتذكر المؤمن أهمية تنفيذ الوصية والتعليم بها.
إن كانت الكلمة تخزن في القلب لكن يلزم أن تكتب على اليد، أي تتحول إلى عمل. نشهد للكلمة بقلوبنا كما بفمنا وبأعمالنا، فيشعر بها الغير ويسمعونها ويرونها.
"ولتكن عصائب بين عينيك" [8]، لكي ينشغل بها فكر المؤمن ويتأمل فيها على الدوام.
"واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" [9].
إنها تملك على القلب واللسان والأيدي والأعين والمنزل. لا يُترك باب يدخل منه العدو ليحتل مكانًا في الإنسان، بل يكون الإنسان مقدسًا في كل حواسه وكل تصرفاته، ويتحول إلى رسالة المسيح المقروءة من جميع الناس.
وقد اعتبر البعض أن وردود الكلمة "اكتب" خطأ، لأن الكتابة – في زعمهم – كانت غير معروفة وقتئذ. ولكن الحفريات الحديثة أثبتت أن الكتابة كانت مألوفة في زمن موسى من كتابة بالمسمارية والأبجدية العبرية. والأرجح أن موسى تعلم الكتابة في مصر (أع 7: 22)، وربما آخرون أيضًا منهم يشوع قد تعلموا الكتابة ولكن لم يكن كل الناس يكتبون، فكانوا يوّظفون الكتبة، أو الناسخين.
كان المسيحيون قديمًا يكتبون بعض الآيات الهامة على حوائط الكنائس، وينقشونها على الأبواب، وأيضًا في منازلهم، لتكون دائمًا أمام أعين الحاضرين، وتشغل أفكارهم.
طلب الرب من بنى إسرائيل وضع دم خروف الفصح على القائمتين والعتبة العليا (خر 12: 7)، والآن يطلب كتابة الوصية على قوائم أبواب البيت وعلى الأبواب (تث 6: 9)، هكذا يرتبط دم الفصح الواهب الخلاص بالوصية؛ بالدم ننجو من الموت لنتقبل بالوصية متعة الاتحاد بكلمة الله في استحقاق دمه. بمعنى آخر لا يمكن عزل الإيمان بالدم عن متعة قبول الكتاب المقدس والدخول إلى أعماقه لنلتقي بالمسيح الذبيح صديقًا شخصيًا. اتحاد الدم بالوصية يعنى أيضًا وحدة الإيمان بالطاعة العملية لله خلال وصيته.
يرى القدِّيس أثناسيوس الرسولي أن خدام الرب الأبرار والأمناء قد صاروا تلاميذ ملكوت السماوات الذين يُخرِجون منه جددًا وعتقاء، وهم يتأملون في كلمات الرب إن جلسوا في البيت، وإن ناموا أو استيقظوا أو ساروا في الطريق[74]. وكأنهم خلال تمتعهم بالوصية أينما وجدوا، وتحت كل الظروف يدركون أنهم أبناء ملكوت السماوات.
إذ حدثنا عن الوصايا وارتباطها بإقامة عهد مع الله يكشف لنا هنا عن التزامنا بالتمتع بالوصية في حياتنا الداخلية كخبرة معاشة والشهادة بها في البيت، بين الزملاء، ثم بين الغرباء. وقد جاء هذا النص متفقًا مع كلمات السيِّد المسيح مع تلاميذه بخصوص الكرازة (أع 19: 8).
الوصية في حقيقتها هي اتحاد مع كلمة الله الذي وحده يقدر أن ينزع عن الإنسان شعوره بالعزلة، إذ يسكن في قلبه [6]، ويصير موضوع انشغاله في علاقته الأسرية [7]، يرافقه في الطريق [7]، لا يفارقه في نومه أو يقظته [7]، يشغله أثناء عمله اليومي [8]، ويملأ كل فكره وبصيرته الداخلية [8].
بنفس الروح طالب السيِّد المسيح تلاميذه بالكرازة أولاً في أورشليم ثم اليهودية فالسامرة وإلى أقصى الأرض.
· ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، أي تكونون لي شهودًا في أورشليم،
· وقصها على أولادك، وفي كل اليهودية،
· وحين تجلس في بيتك، والسامرة،
· وحين تمشي في الطريق، وإلى أقصى الأرض.
الدعوة موجهة للشهادة الدائمة للرب ولوصيته، لكن بروح الحكمة، في الوقت اللائق وبالأسلوب المناسب.
+ يليق بنا أن نفكر في الله حتى أكثر من أخذنا لأنفاسنا، وإن سمح لي التعبير أنه يليق بنا إلاَّ نفعل شيئًا غير هذا.. فإنني لا أمنع التذكر الدائم لله، وإنما أمنع فقط الحديث عن الله، ليس كما لو كان في ذلك خطأ، وإنما يجب أن يكون تقديمه في الوقت المناسب، لست أمنع التعليم بل أطلب الاعتدال. فإنه حتى أكل العسل فإن المبالغة فيه يسبب قيئًا. وكما يقول سليمان أنه لكل شيء وقت، وأن ما هو صالح يفقد صلاحه إن لم يُمارس بطريقة صالحة[75].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
3. الوصية والتمتع بالبركات:
بعد أن تحدث عن ضرورة ارتباط الإنسان بكل كيانه بالوصية الإلهية التي تشغله أينما وُجد، وتحت كل الظروف، قدم موسى النبي تحذيرًا خاصًا بتجاهل الوصية عندما يتمتع الإنسان بالبركات والخيرات الكثيرة، التي في ذاتها عطايا صالحة من قِبل الله، لكن إن احتلت مكان الوصية الإلهية في القلب فقدت صلاحها.
"ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلف لآبائك إبراهيم واسحق ويعقوب أن يُعطيك،
إلى مدن عظيمة جيدة لم تبنها.
وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها،
وأبار محفورة لم تحفرها،
وكروم وزيتون لم تغرسها، وأكلت وشبعت.
فاحترز لئلاَّ تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية" [10-12].
إن كان الله قد أخرج شعبه من أرض العبودية وأنعم عليهم بفيض من البركات، وأتى بهم إلى أرض الموعد التي سبق فوعد بها آباءهم إبراهيم واسحق ويعقوب، فإنه من جانب آخر يحذرهم لئلاَّ ينحرفوا عن الالتصاق بالرب حين يشبعون ويسلكون في حياة مترفة. لاق بهم لا أن ينسوا الرب بل يطلبوه لكي يخرجوا من هذا العالم ويعيشوا معه في السماء الجديدة والأرض الجديدة.
إن كان قد قدم لهم مدنًا عظيمة جيدة لم يبنوها عِوض سيرهم في البرية حاملين خيامهم كرُحَّل غرباء غير مستقرين، لاق بهم أن يترقبوا أن يستقروا في حضن الآب، في أورشليم العُليا بأسوارها الفائقة، ومبانيها التي ليست من صنع بشر.
إن كان قد قدم لهم بيوتًا صارت لهم مخازن مملوءة بالخيرات، فإنه يليق أن يطلبوا واهب الخيرات نفسه. جاءوا إلى أرض الموعد ليجدوا آبارًا لم يتعبوا في حفرها، فيطلبوا ينبوع الحياة الذي لا ينضب أبدًا. إذ يدخلون إلى الحقول التي لم يغرسوها، يأكلون ويشبعون، فيطلبون خبز الملائكة، الطعام السماوي، المشبع للقلب.
هكذا يليق بنا إذ نتمتع بعطايا الرب المجانية، نطلب واهب العطايا نفسه، لئلاَّ تشغلنا العطايا عن واهبها. لأن كثيرين إذ يشبعون يمتلئون جحودًا. هذا ما خشاه أجور: "لئلاَّ أشبع وأكفر وأقول من هو الرب" (أم 30: 9).
+ عندما كان حزقيا في ضيق أنظر ماذا فعل لكي يخلص، إذ لبس المسوح وما إلى ذلك. لكنه إذ كان في فرجٍ سقط خلال ارتفاع قلبه (2 مل 19: 20).
عندما كان الإسرائيليون في ضيق نموا جدًا في العدد، وعندما تركهم لأنفسهم انحدروا إلى دمارهم[76].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
+ عندما تبتدئون أن تغرقوا في ملذات الترف اذكروا كيف أن اللذة مقصرة، تطلعوا إلى الخسارة. بالحقيقة إنها خسارة حيث يدفع الشخص مالاَّ كثيرًا لما فيه ضرره – ليسبب له أمراضًا وضعفات – احتقروا الترف.
كم عدد الذين أصابتهم الشرور بسبب الترف؟
نوح سكر وصار في فضيحة متعريًا؛ أنظروا كم من شرور نبعت عن هذا (تك 9: 20).
عيسو فقد حقوق بكوريته بسبب نهمه، وفكر أن يكون قاتلاً لأخيه.
شعب إسرائيل جلس ليأكل ويشرب وقام يلعب (خر 32: 6).
لهذا يقول الكتاب المقدس: متى "أكلت وشبعت تذكر الرب إلهك" (راجع تث 6: 11-12). إذ كانوا على حافة السقوط في الترف.
قيل: أما (الأرملة) المتنعمة فقد ماتت وهي حيّة" (1 تي 5: 6) [77].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
عندما حلّت الكارثة بأنطاكيا، إذ ثار الشعب ضد الإمبراطور ثيؤدوسيوس وأساءوا إلى تماثيله هو والإمبراطورة في الميدان العام، أرسل نوّابه للانتقام، فصار الكل يصرخ إلى الله طالبًا الرحمة، وإذ جاء الأمر بالعفو خشي القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن ينسى الشعب إلهه خلال الفرج، فقال لهم:
[عندما التهبت نيران الخراب التي لهذه الكوارث، أقول كان الوقت ليس وقتًا للتعليم بل للصلاة.
الآن أكرر نفس الشيء بعد أن انطفأت النيران، الآن على وجه الخصوص، أكثر من الوقت السابق هو وقت صلاة.
إنه وقت خاص بالدموع والندامة بالنسبة للنفس اليقظة والمجتهدة والحذرة للغاية.
قبلاً كانت التجربة تضغط علينا، بغير إرادتنا، ودفعت بنا أن نكون حكماء وأكثر تديُنًا، لكن الآن وقت نُزع فيه اللجام، وعبرت الغيمة، أخشى أن تسقطوا مرة أخرى في الخمول، وتستكينوا بهذا التأجيل (للدينونة). أخشى أن يوجد لدى أحد مبرر ليقول لنا: "إذ قتلهم طلبوه ورجعوا وبكروا إلى الله" (مز 78: 34). سيكون صلاحكم معلنًا إن كنتم تستمرون في ممارسة ذات التقوى[78].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
"الرب إلهك تتقي (تخشى)، وإيّاه تعبد، وباسمه تحلف" [13].
يسألهم أن يخشوا الرب كمشرِّع ودياّن ويخدمونه كخالق، ويحلفون باسمه بكونه إلههم الوحيد. كان القسم باسم الله علامة الثقة والتكريم والارتباط به، لهذا أكمل حديثه قائلاً:
"لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم" [14].
كلمة "تحلف" بالعبرية Tishaabeea مشتقة من shaaba تشير إلى من يكون في امتلاء وشبع وكفاية. لهذا فإن القسم يشير إلى النفس التي تتوسل إلى الله كشاهدٍ على أي وعد أنه كفيل بتحقيق الوعد بالكامل وضامن لما تنطق به. بهذا فمن يحلف إنما يُعلن عن إيمانه بالله القادر أن يحقق ما يَعدْ المؤمن به اخوته[79].
"لأن الرب إلهكم إله غيور في وسطكم،
لئلاَّ يحمى غضب الرب إلهكم عليكم فيُبيدكم عن وجه الأرض" [15].
لقد خطب نفوسكم كعريسٍ سماويٍ، لذا يليق بكم كمخطوبة أن تكونوا أمناء، لئلاَّ يتحول الحب الذي به قبل الإنسان عروسًا سماوية إلى غيرة نارية لا تحتملها النفس الخائنة فتهلك.
"لا تجربوا الرب إلهكم كما جربتموه في مسَّة" [16].
"مسَّة" اسم عبري معناه "تجربة"، وهو اسم مكان في البرية يُدعى "مريبة"، أو "رفيديم". هناك خاصم الشعب موسى وكادوا أن يرجموه بسبب العطش (خر 17).
استخدم السيِّد المسيح هذه العبارة في الرد على الشيطان في إحدى التجارب (مت 4: 7). واستخدمها القدِّيس أثناسيوس الرسولي للدفاع عن نفسه عندما هرب من أمام وجه الأريوسيين، فقد هرب موسى النبي من مصر إلى مديان، واختبأ داود في كهف من وجه شاول، وبقي إيليا والأنبياء في كهوفهم ولم يظهروا أمام الملك آخاب[80].
لقد جربوا الرب قائلين: هل الرب في وسطنا أم لا؟! (خر 17: 1-7). لقد تشككوا في حنو الله وحبه وعنايته بهم وقدرته، وفي حضرته في وسطهم بعد أن قدم لهم كل العطايا الفائقة، ودلل على حبه بشهادات كثيرة.
+ ليتنا لا نجرب الرب، كأن نقول: إن كنا منتمين لك هب لنا أن نعمل معجزة[81].
القدِّيس أغسطينوس
"احفظوا وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التي أوصاكم بها" [17].
هكذا يُحذرنا من التراخي والإهمال، حاثًا إيَّانا على حفظ الوصية أو الجهاد فيها، فإن نعمة الله المجانية لا تعمل في الكسالى والمتهاونين.
4. الوصية وتذكر التحرر من العبودية:
"إذا سألك ابنك غدًا قائلاً:
ما هي الشهادات والفرائض والأحكام التي أوصاكم بها الرب إلهنا؟
تقول لابنك: كنا عبيدًا لفرعون في مصر،
فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة" [20-21].
يؤكد موسى النبي هنا أمرين متلازمين:
أ. تذكار أعمال الله الخلاصية معنا حتى نشكر الله ونطيعه بلا تذمر. نذكر أنه وهبنا مدنًا عظيمة جيدة لم نبنها [10]، ألاَّ وهو تقديس النفس والجسد والفكر والأحاسيس والمشاعر كمدن امتلكناها بالنعمة الإلهية؛ وهبنا حالة شبع بالمجان (بيوت مملوءة كل خير لم تملأها)، وفيضًا من ينابيع عمل روح الله الداخلي (آبار محفورة لم تحفرها)، وثمار الروح المتكاثرة (وكروم وزيتون لم تغرسها وأكلت وشبعت).
ب. الشهادة لأعمال الله، خاصة في الأسرة (6: 20-23)؛ نشهد أننا كنا عبيدًا لفرعون فخلصنا الرب بيده القوية. هذه الشهادة يتذوقها الرضيع والطفل الصغير والزوج والزوجة وكل من يلتقي بنا إن تلامس مع التهاب قلبنا الداخلي بالحب والشكر والطاعة، وليس
بالمظاهر الخارجية للعبادة بدون روح.
هنا يُعطي الكتاب المقدس للجيل الجديد أن يتساءل فيما يخص الشهادات والفرائض والأحكام، أي يتساءل فيما وراء الوصية الإلهية والشرائع والطقوس الدينية. فإن كان المؤمن يتقبل كل ما هو إلهي بالتقليد من الأجيال السابقة، لكن التقليد لا يعني الغموض وعدم المعرفة. يليق بنا أن ندخل إلى أعماق الكلمة الإلهية ونتفهم كل قانون إنجيلي وطقس تعبُّدي، لكي نقدمه للجيل التالي، فيتعبدون بالروح والذهن كقول الرسول بولس "أُصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضًا. أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا" (1 كو 14: 15). فيليق بالمؤمن أن يكرس كل طاقاته بما فيها ذهنه وفهمه لحساب ملكوت الله.
+ عندما تعبر البحر الأحمر، عندما تُقاد من معاصيك بيدٍ قوية وذراع رفيعة فإنك تدرك أسرارًا لا تعرفها. هكذا حدث مع يوسف عندما جاء إلى أرض مصر وسمع لغة لم يكن يعرفها.. ستسمع أين يجب أن يكون قلبك (مت 6: 21)، الأمر الذي حتى الآن، إذ أتكلم كثيرون يفهمون ويجيبون متعجبين، بينما تقف البقية في غباوة، لأنهم لم يسمعوا اللغة التي لا يعرفونها ليُسرعوا، وليعبروا ويتعلموا[82].
القدِّيس أغسطينوس
يقدم لنا النبي السرّ الذي وراء كل وصية ووراء كل شريعة أو طقس، ألاَّ وهي اكتشاف حب الله الفائق للإنسان وعمله الخلاصي، لكي يحملنا من العبودية ويدخل إلى حرية مجد أولاد الله، إذ يقول:
"تقول لابنك:
كنا عبيدًا لفرعون في مصر، فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة.
وصنع الرب آيات وعجائب عظيمة ورديئة بمصر بفرعون وجميع بيته أمام أعيننا.
أخرجنا من هناك لكي يأتي بنا ويعطينا الأرض التي حلف لآبائنا.
فأمرنا الرب أن نعمل جميع هذه الفرائض،
ونتقي الرب إلهنا ليكون لنا خير كل الأيام،
ويستبقينا كما في هذا اليوم.
وأنه يكون لنا برّ إذا حفظنا جميع هذه الوصايا لنعملها أمام الرب إلهنا كما أوصانا" [21-25].
من حق الابن أن يسأل، ومن حقه أن يجد الإجابة المقنعة والمشبعة له، والصادرة عن واقع عملي اختباري، كما يظهر من كلمات موسى النبي. لنتحدث مع أبنائنا بغير خجل كيف عشنا زمانًا تحت نير العبودية، وكيف حررنا الرب من ثقلها. فلا نؤله أنفسنا، ولا نبررها كأننا ملائكة نحمل طبيعة تختلف عن طبيعة الجيل الجديد. لكننا نؤكد لهم أننا كنا في ضعف مأسورين في ظلمة إبليس لكن نعمة الله هي التي انتشلتنا وحررتنا. هذا الواقع يبعث في نفوس أولادنا روح الرجاء، ويهبنا كرامة صادقة وحقة في أعينهم. يليق بنا أن نكون مستعدين لمجاوبة من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا. فإن إيماننا لا يقدم لكائنات غير عاقلة. الله خالق العقل وواهبه لنا لا يمكن أن يستخف بعقولنا ولا يطلب منا تجاهلها بل تقديسها ونموها.
بهذا يدرك أبناؤنا سرّ القوة فينا، ليس منّا بل من الله العامل في كل الأجيال، الذي يريد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.
هكذا يليق بنا أن ندرك ما وراء عقائدنا الإيمانية وممارستنا التعبدية ألاَّ وهو:
أولاً: كنا عبيدًا لإبليس، فحررنا الرب من عبوديته، لنحسب أولاد الله [21].
ثانيًا: الله المحب للبشر يصنع آيات وعجائب عظيمة لحساب مؤمنيه، مقدمًا إمكانياته لحساب خلاصنا [22].
ثالثًا: يود أن يعطينا الأرض الجديدة، أي يشتهي أن ينطلق بنا إلى أورشليم العليا الجديدة السماوية [23].
رابعًا: لكي يهبنا أن نبقى أحياء إلى الأبد، فلا يكون للموت السلطان علينا [24]. الوصية والعبادة هما تلاقٍ مع الرب الحياة، واهب الحياة.
خامسًا: أن نحمل بره فينا، فنتبرر أمام الآب، إذ نختفي في ابنه القدوس البار [25].
هكذا ندرك ما وراء كلمات الرب إنها لخيرنا ولحياتنا ومجدنا وتقديسنا الأبدي. هذا من جانب ومن جانب آخر أن ما نقدمه لأولادنا أو للغير من مفاهيم ينبغي أن يصدر عن تذوق عملي لعمل الله معنا.
كثيرًا ما يشير سفر التثنية إلى "القَسَم" [23]، فقد حلف الرب لآبائهم أن يعطيهم الأرض التي وعد بها [23]. هذا القسم الإلهي يتم بأن "يقسم الله بذاته الإلهية"، ليؤكد صدق مواعيده. كما قيل لإبراهيم عند ذبح ابنه اسحق: "بذاتي أقسمت يقول الرب" (تك 22: 16).
عندما أقسم إبراهيم طلب من عبده كبير بيته أن يضع يده تحت فخذه (تك 24: 2)، إشارة إلى مصدر الحياة.
ويقسم الهندوس بمياه نهر Ganges.
ويقسم العبراني على أسفار موسى الخمسة.
ويرشم الإنسان المسيحي الكنسي علامة الصليب شهادة على صدق وعده.
ويقبل بعض البروتستانت الكتاب المقدس أشبه بقسم[83].
من وحي تثنية 6 وصيتك رفيقي الغني!
+ بحبك دخلت بي إلى مخازن خيراتك.
ترعاني فلا يعوزني شيء!
لاَقتنيك وأمسك بوصيتك، فهي أفضل من كل الخيرات.
هي رفيقي الغني، تشبع كل كياني!
+ نعم لتدخل وصيتك إلى قلبي!
لأحفظها في أعماقي، ترافقني أينما وُجدتُ!
+ لأنطلق بها مع أولادي وأحبائي.
فإنه من فضلة القلب يتكلم اللسان.
ليس لي ميراث أقدمه لأحبائي سوى وصيتك!
+ لأنطق بها في الطريق.
في وقت مقبول وفي وقت غير مقبول، ولكن بروح الحكمة اللائقة،
ليس ما يشغلني سواها.
+ وصيتك تدخل بي إلى كنعان السماوية.
أتمتع بمدينة ليست من صنع إنسان.
واَرتوي من ينابيع حية ينابيع روحك القدوس.
وأقتطف ثمار الروح فأحمل سماتك فيَّ.
+ وصيتك تطلقني من عبودية إبليس،
وتحملني إلى مقادسك السماوية.
عظيمة وغنية هي وصيتك.
لتكن رفيقي الدائم في يقظتي، كما في نومي!
المراجع:
[64] St. Ambrose: Duties of the Clergy, Book 1, ch. 2 (7).
[65] St. Ambrose: The Christian Fait, Book .1,3 (23).
[66] St. Ambrose: The Christian Fait, Book 3, 12 (102).
[67] St. Ambrose: Duties of the Clergy, Book 2, 50 (262).
[68] St. Ambrose: Concerning Virginity, Book 2:6 (40).
[69] Exegetic homilies, hom. 17.
[70] On the Making of Man, 8:5.
[71] St. Augustine: On Ps. 6.
[72] Exegetic Homilies, hom. 17.
[73] Concerning the Statues, hom. 6:18.
[74] Paschal Epistles, 11:6
[75] A Preliminary Discourse Against the Eunomians, 5.
[76] In Acts, hom. 16.
[77] In Acts. hom. 27.
[78] Concerning the Statues, hom. 17:2.
[79] See Adam Clarke Commentary.
[80] Apologia De Fuga, 25.
[81] St. Augustine: On Ps. 91 (90).
[82] St. Augustine: On Ps. 81.
[83] Adam Clorke Comm.