تفسير الاصحاح الثلاثون من سفر التثنية للقمص تادري يعقوب ملطى
إمكانية تحقيق العهد
بعد أن ذكرهم بالعهد الإلهي، وتحدث عن خطورة تجاهل العهد أو كسره حتى إن سقط في هذا إنسان واحد، خشي لئلا يسقط السامعون في اليأس. لهذا تحدث عن إمكانية تحقيق العهد وحفظ الوصية. أمام الإنسان طريقان: الحياة أو الموت، الطاعة أو العصيان.1. الله ينتظر رجوعك [1-10].
2. الوصية قريبة منك [11-14].
3. القرار بين يديك [15-20].
1. الله ينتظر رجوعك:
يقدم الله وعده الإلهي للراجعين، وإن كان البعض يرى في هذا الوعد نبوة عن عودة إسرائيل وقبولهم الإيمان في آخر الدهور. يقدم وعدًا مشروطًا، أما الشرط فهو الرجوع إلى الله، وهو وعد مقدم لكل خاطئ أو عاصٍ."ومتى أتت عليك كل هذه الأمور: البركة واللعنة اللتان جعلتهما قدامك.
فإن رددت في قلبك بين جميع الأمم الذين طردك الرب إلهك إليهم،
ورجعت إلى الرب إلهك،
وسمعت لصوته حسب كل ما أنا أوصيك به اليوم أنت وبنوك بكل قلبك وبكل نفسك،
يرد الرب إلهك سبيك ويرحمك،
ويعود فيجمعك من جميع الشعوب الذين بددك إليهم الرب إلهك.
إن يكن قد بددك إلى أقصاء السموات،
فمن هناك يجمعك الرب إلهك ومن هناك يأخذك.
ويأتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي امتلكها آباؤك فتمتلكها
ويحسن إليك ويكثرك أكثر من آبائك" [1-5].
يلاحظ هنا:
أولاً: لا طريق للخلاص من اللعنات والتمتع بالبركات إلا بالرجوع إلى الله. "اذكروا هذا وكونوا رجالاً؛ رددوه في قلوبكم أيها العصاة" (إش 46: 8). إنه يدعو الذهن ليرجع فيذكر الله الأمر الذي يهبهم رجولة روحية، أي نضوجًا وقوة. ولا يكفي الذهن وحده، بل يلزم أن يحتل الرب القلب فيردد اسمه بالحب على الدوام. فإن كان تذكر معاملات الله في الماضي تدفع الإنسان إلى التوبة، فيليق ترجمة التوبة بالحب.
التوبة هي طريق الخروج من الأكل مع الخنازير إلى الدخول إلى بيت الآب حيث يجد التائب أباه راكضًا إليه يقبّله ويصنع له وليمة، بل ويقف مدافعًا عنه قدام اخوته (لو 15).
ثانيًا: الاستماع الكامل إلى صوت الرب، والطاعة لوصاياه، والخضوع لإرادته [2]. يلزم ترجمة التوبة إلى طاعة عملية. هذا الصوت موجه إلى الإنسان كما إلى عائلته، خاصة بنيه [2]، لكي يتقبلوا الوصية بكل القلب وكل النفس، أي بكل القوة، أو بفرح شديد ورغبة صادقة كاملة.
بقوله "بكل قلبك وبكل نفسك" [2]، يعلن إن الله لن يقبل أقل من كل الحب وكل القدرة، إنه يطلب القلب والنفس بالكلية، وبدونهما يرفض أية عبادة أو خدمة أو عطاء!
ثالثًا: الطاعة لكل الوصايا، إذ يقول: "تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم" [8]. وكما يقول يعقوب الرسول: "لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرمًا في الكل" (يع 2: 10). فالإنسان المقدس للرب يهتم بكل الوصايا، كقول المرتل: "حينئذ لا أخزى إذا نظرت إلى كل وصاياك" (مز 119: 6).
رابعًا: إذ نرجع إلى الرب ونسمع له ونطيع كل وصاياه، يردنا نحن أيضًا كما من بين الشعوب ومن أقاصي السموات [3-4]. ماذا يعني بأقاصي السموات سوى أن أذنيه تسمعان لصرخات القلب التائب فيصنع معه المستحيلات! يعلن الله حنوه الفائق على الراجعين، فيقول: "من أجل ذلك حنت أحشائي إليه، رحمة أرحمه يقول الرب" (إر 31: 20).
خامسًا: غالبًا ما ننظر إلى معاملات الله مع آبائنا بكونها عجيبة وفريدة لن تتكرر. لكن هنا يؤكد أن الله مستعد أن يعمل مع كل الأجيال بذات القوة، بل ويقول: "ويكثرك أكثر من آبائك" [5].
سادسًا: إذ نرجع إلى الله يفرح الرب بنا، فإن هذا هو موضع سروره. "لأن الرب يرجع ليفرح لك بالخير كما فرح لآبائك" [9].
سابعًا: برجوعنا إليه ترتد اللعنات التي حلت بنا على أعدائنا، أي على الشياطين التي كانت تحثنا على العصيان.
"ويجعل الرب إلهك كل هذه اللعنات على أعدائك وعلى مبغضيك الذين طردوك" [7].
ثامنًا: قد يتساءل البعض "ماذا نفعل ونحن عاجزون على تنفيذ الوصايا؟ كيف نحب الله من كل القلب؟" إنه عمل الرب نفسه فينا إن سلّمناه حياتنا. "ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا" [6]. يستطيع الإنسان أن يختن جسده أو جسد الآخرين، لكن من يقدر أن يختن القلب وقلوب نسله إلا الله وحده الذي يفحص القلوب وينتزع الشر عنها ويجددها؟! وكما يقول الرسول بولس: "وبه أيضًا خُتِنتم ختانًا غير مصنوعٍ بيدٍ بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح، مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو 2: 11-12). "لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانًا، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي. وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان. الذي مدحه ليس من الناس بل من الله" (رو 2: 28-29).
ما دام الختان هو ختم العهد، فيليق بهذا الختم أن يمس لا الجسد وحده بل القلب، لينسحب بالكامل في محبة الله، ويلتزم بشروط العهد. لنرجع إليه فيعمل بروحه القدوس فينا، هذا الذي يستطيع وحده أن يختن القلب. "ارجعوا عند توبيخي، هأنذا أفيض لكم روحي؛ أعلمكم كلماتي" (أم 1: 23).
تاسعًا: إذ يتحدث عن الرجوع إلى الله يكرر في هذه الآيات العشرة تعبير "الرب إلهك" 12 مرة، ليؤكد الدالة التي بين الإنسان والله بكونه إلهه المشتاق إليه كأولاد له. وكما قيل في إرميا النبي: "ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم. ها قد أتينا إليك لأنك أنت الرب إلهنا" (إر 3: 22).
عندما كان يهدد باللعنات كان يشير إلى الله، إله القوة، ديان الجميع، لكنه إذ يدعوهم إلى التوبة يؤكد عودتهم إلى الأحضان الإلهية بكون الرب إلههم، إله العهد والنعمة.
أخيرًا نلاحظ في حديثه هنا عن التوبة والرجوع إلى الله يؤكد عطية الله الفائقة ألا وهي حرية الإرادة، من حق الإنسان أن يختار طريق البركات أو طريق اللعنات [1]. وإذ يشتاق الإنسان إلى الله إلهه يجد الإمكانيات الإلهية بين يديه.
"وأما أنت فتعود تسمع لصوت الرب
وتعمل بجميع وصاياه التي آنا أوصيك بها اليوم.
فيزيدك الرب إلهك خيرا في كل عمل يدك، في ثمرة بطنك وثمرة بهائمك وثمرة أرضك.
لأن الرب يرجع ليفرح لك بالخير كما فرح لآبائك.
إذا سمعت لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه المكتوبة في سفر الشريعة.
هذا إذا رجعت إلى الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك" [8-10].
2. الوصية قريبة منك:
أمام البركات الفائقة التي وعد بها الله الراجعين إليه بالتوبة لابد من تأكيد أن الرجوع إليه أمر غير عسير.
الوصية في جوهرها هي دخول من الباب الضيق والطريق الكرب للالتقاء مع الله الذي يعشق الإنسان ويقدم له كل إمكانيات سماوية. كثيرون يهربون من الوصية حاسبين أنها لا تتناسب مع طبيعتهم، إنما تناسب أُناسًا سمائيين. لهذا أوضح النبي مستلم الشريعة أن الوصية سهلة، بين أيدينا، وفي قلبنا. مكانها هو القلب، تملأه عذوبة وحبًا.
"إن هذه الوصية التي أوصيك بها اليوم ليست عسرة عليك (ليست مخفية عنك)، ولا بعيدة منك.
ليست هي في السماء، حتى تقول من يصعد لأجلنا إلى السماء، ويأخذها لنا ويسمعنا
إياها لنعمل بها.
ولا هي في عبر البحر، حتى تقول من يعبر لأجلنا البحر، ويأخذها لنا ويُسمعنا إياها لنعمل بها.
بل الكلمة قريبة منك جدًا، في فمك وفي قلبك لتعمل بها" [11-14].
ماذا يقصد بالوصية غير العسرة أو غير المخفية إلا كلمة الله الذي صار جسدًا وحل بيننا، وُلد في بيت لحم اليهودية، الذي جاء ليقدم الخلاص عن العالم كله؟! إنه ليس معزولاً عنا في السماء، نصعد إليه لكي نقتنيه، ولا هو في أعماق البحار ننزل إليه لكي ننعم به، بل صار قريبًا جدًا منا، ساكنًا في أعماقنا. وكما يقول الرسول يوحنا: "الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا" (يو 1: 14). وصار إنجيله منطوقًا به في أفواهنا، ومحفورًا في قلوبنا.
هذا ما أدركه الرسول بولس، إذ يقول: "لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليُحْدِر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية أي ليُصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 6-10). يرى القديس بولس في حديث موسى النبي هنا عن الوصية التي بين أيدينا وفي قلبنا إنما يقصد كلمة الله الذي بتجسده حلّ بيننا وسكن في أعماقنا، فصار بين أيدينا (رو 10: 6-8).
اعتاد الفلاسفة في ذلك الحين أن يجربوا الأفكار لعلهم يتعلمون الفلسفة، لكن مسيحنا جاء بنفسه إلينا ليقدم نفسه "الفلسفة" الحقة، بكونه "حكمة الله".
صارت كلمة الكرازة بالإنجيل في فم الكنيسة، إذ قيل: "لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملا 2: 7). إنها في الفم حيث يتحدث الله مع كل إنسان باللغة التي يفهمها. وهي في القلب حيث توجد الكلمة غير مغلفة بتعبيرات غامضة، بل تتلامس مباشرة مع مشاعر الإنسان وعواطفه وكل أعماقه.
الله الذي يحب الإنسان لن يقدم له وصية فوق طاقته، ولا هي ببعيدة عنه، بل سهلة وبين يديه ويدخل بها إلى قلبه، قادر أن يدرك مفهومًا صادقًا لها، وإن يكتشف إمكانياته المقدمة له.
في مناظرات القديس يوحنا كاسيان عالج ما يبدو من تناقض بين دعوة السيد المسيح لنا أن ندخل من الباب الضيق وقوله: "لأن نيري حين وحملي خفيف" (مت 11: 30).
يتحدث القديس أثناسيوس الرسولي عن إمكانية النفس البشرية على التعرف على الله، مستخدمًا هذه العبارة قائلاً:
+ إن معرفتها وفهمها الدقيق لا يحتاج إلا إلى أنفسكم. وإن كان الله فوق الكل، لكن المعرفة فينا، ويمكننا أن نجدها في أنفسنا. كمثال أولي يعلمنا موسى قائلاً: "كلمة الإيمان في قلبك". وقد أعلن المخلص نفس الأمر، وأكد ذلك عندما قال: "ملكوت الله في داخلكم" (لو 17: 12).
لأنه إذ لنا في أنفسنا الإيمان، وملكوت الله، يمكننا أن نرى بسرعة وندرك ملك المسكونة وكلمة الله المخلص[284].
القديس البابا أثناسيوس الرسولي
+ يقول الرسول بولس: "لكن الكلمة قريبة منك" (رو 10: 8). تبدأ النعمة في المنزل، فهناك يوجد مصنع كل الفضائل[285].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
+ إن كان ملكوت الله كقول ربنا ومخلصنا لا يأتي بمراقبة، ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك، إنما ملكوت الله داخلكم (لو 17: 20-21)، لأن الكلمة قريبة جدًا في فمنا وفي قلبنا (رو 10: 8)؛ فمن الواضح أن من يصلي لكي يأتي الملكوت إنما يصلي بحق لكي يظهر فيه ملكوت الله ويأتي بثمرٍ ويكمل. كل قديس يأخذ الله كملكٍ له، ويطيع شرائع الله الروحية، إنما يسكن الله فيه كمدينة منظمة جدًا[286].
العلامة أوريجانوس
3. القرار بين يديك:
مرة أخرى في أكثر وضوح يؤكد أن الوصية التي صارت قريبة جدًا تنتظر قرار الإنسان دون أي ضغط أو إلزام.
"انظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر" [15].
الحياة والخير حاضران الآن أمام المؤمن، إن قبلهما يتمتع بهما ليعبر إلى البركات المقبلة. موضوعان أمامه لكي يدرك سرهما فلا يكون له عذر فيما بعد، ولكي يشعر بأهميتهما، وأخيرًا لكي يأخذ قراره المصيري.
لقد استخدم الله كل وسيلة لكي يحث الإنسان الحر على قبول الحياة والتمتع بالسعادة الأبدية. فالإنسان يحركه أمران أو أحدهما، وهما الخوف والرجاء.
فمن جهة الخوف يقول:
"بما أني أوصيتك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك في طرقه وتحفظ وصاياه
وفرائضه وأحكامه لكي تحيا وتنمو ويباركك الرب إلهك في الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها.
فان انصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لإلهة أخرى وعبدتها،
فإني أنبئكم اليوم أنكم لا محالة تهلكون.
لا تطيل الأيام على الأرض التي أنت عابر الأردن لكي تدخلها وتمتلكها.
اشهد عليكم اليوم السماء والأرض " [16-19].
ومن جهة الرجاء يقول:
"قد جعلت قدامك الحياة والموت؛
البركة واللعنة.
فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك،
إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به،
لأنه هو حياتك والذي يطيل أيامك،
لكي تسكن على الأرض التي حلف الرب لآبائك إبراهيم واسحق ويعقوب أن يعطيهم إياها"
[19-20].
+ الآن إذ نوضع كما بين الماء والنار، وكما بين اعلي الصلاح وأخطر الشرور (ابن سيراخ 15: 17-18)، بين دمار الجحيم السفلي والفردوس العلوي، فلنسمع الرب يصرخ إلينا في الكتاب المقدس لصلاحٍ عجيبٍ، إذ يقول: "وضعتكم بين الموت والحياة، فاختاروا الحياة لكي تحيوا" [19].
بخصوص هذين الطريقين ينصحنا الرب في الإنجيل إذ يقول: "واسع هو الطريق الذي يقود إلي الموت، وكثيرون يدخلون هذا الطريق. ما أضيق الباب والطريق الذي يقود إلي الحياة، وقليلون الذين يجدونه" (مت 7: 13-14).
تحققت العودة إلي الفردوس بالطريق الكرب الضيق، بينما يتحقق النزول إلي الجحيم السفلي بالطريق الواسع. لذلك إذ لا نزال نستطيع وفي مقدورنا بالعون الإلهي الاختيار، لنصعد إلي فرح الفردوس خلال الطريق الكرب الضيق عوض أن نبلغ إلي عقوبات الجحيم خلال الباب الواسع[287].
+ انظر يا إنسان فإنه أمامك "الماء والنار، الحياة والموت، الصلاح والشر" (ابن سيراخ 15: 17-18)، السماء والجحيم، الملك الشرعي والطاغية القاسي، عذوبة العالم الباطلة وطوباوية الحق للفردوس. لقد أعطيت القوة بنعمة المسيح: "يبسط لكم يده للطريق الذي تختاره" (ابن سيراخ 15: 17) [288].
الأب قيصريوس
لقد سبق فأوضح الله اشتياقه أن يحيا الإنسان مباركًا ومطوّبًا: "لكي تحيا وتنمو ويباركك الرب إلهك في الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها" [16].
لقد أعلن خطورة الموقف، فقد اشهد الله على الإنسان السماء والأرض أنه قد قدَّم لهم كل إمكانية البركة من جانبه، وبقي أن يختار المؤمن ذلك من جانبه هو. "أشهد عليكم اليوم السماء والأرض؛ قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك" [19].
أخيرًا يؤكد الوصيتين "محبة الله" و"الطاعة له". إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به، لأنه هو حياتك والذي يطيل أيامك، لكي تسكن على الأرض التي حلف الرب لآبائك إبراهيم واسحق ويعقوب أن يعطيهم إياها" [20].
من وحي تثنية 30
إني منتظرك يا ابني!
+ كثيرًا ما كسرت عهدك.
لكن صوتك العذب يرن في أذنيّ:
"إني منتظرك يا ابني".
أنت تترقب رجوعي إليك.
أنت تشتاق إلى عودتي إلى أحضانك.
+ لأذكر عملك معي،
وأفتح قلبي بالحب لك، فأترجم التوبة إلى عملٍ.
لأترجم رجوعي الفكري بالطاعة العملية.
فاستمع إلى صوت وصيتك المحيية.
إذ تهبني ذاتك فأقتنيك،
لن تقبل أقل من الفكر كله والقلب كله والحياة كلها.
تمتلكني وتقتنيني، مقدمًا ذاتك فيَّ فأقتنيك.
اقترب إليك فتقترب أنت إليّ.
+ أريد أن أرجع إليك.
ردني من وسط الشعوب،
حررني من السبي القاتل لنفسي.
أنت إله المستحيلات!
+ أرجع إليك فتغمرني ببركاتك
وتنزع عني كل لعنات عصياني.
ترد كل اللعنات التي حلت بي على رأس أعدائي.
أفرح إذ تفرح أنت بي، وتحملني إلى أحضانك.
تسندني بروحك، وتختن قلبي، فأعمل بقوة لتنفيذ وصيتك.
من يقدر أن يقترب إلى قلبي ويختنه غيرك؟
من يدفنه إلا أنت أيها القائم من الأموات؟
+ أرجع فأجدك إلهي،
تنسب نفسك إليّ، وأنا لك.
أنا ابنك الخاص، وأنت إلهي أنا.
+ لأرجع إليك، فأنت في داخلي تنتظرني.
لست محتاجًا أن أصعد إلى السحاب لالتقي بك،
ولا أن انحدر إلى أعماق البحار.
بل أن أدخل إلى أعماق نفسي لالتقي بك!
+ علمتني أخذ القرار المصيري.
أمامي أنت يا أيها الحياة،
وأيضًا العدو الموت حاضر قدامي.
لاختارك أنت أيها الكلي الصلاح!
المراجع:
[284] Contra Gentes, 30:1-2.
[285] St. Gregory of Nyssa: On Virginity, ch, 23.
[286] Origen: On Prayer 25:1.
[287] Sermon 150:2.
[288] Sermon 151:5.