تفسير الاصحاح الاول من سفر راعوث للقس انطونيوس فكرى
المقدمة
سفر راعوث يأتى بين سفرى القضاة وصموئيل اللذين كثرت فيهما الحروب والدماء والعصيان والتأديب.وسفر راعوث يأتى بطريقة عجيبة بينهما فلا نجد فيه حروب ولا عداءات بل محبة وأشخاص يحيون فى بساطة وحب لله وطاعة لهُ. هو سفر يثبت أن هناك 7000 ركبة لم تنحنى لبعل وأن الله لا يبقى نفسه بلا شاهد.
والآنتقال من سفر القضاة إلى سفر راعوث هو إنتقال من عالم الحرب إلى بيت السلام، هو إنتقال من العالم المملوء إضطراباً إلى الكنيسة المملوءة محبة وسلام. فالله قادر وسط هذا العالم المملوء إضطراباً أن يحفظ أولاده فى سلام يفوق كل عقل. وفى الكنيسة نتقابل مع المسيح عريس نفوسنا كما تقابلت راعوث مع بوعز عريسها.
2. تقليد اليهود يذكر أن كاتب السفر هو صموئيل النبى وهذا صحيح فمن سجل قصة داود أى صموئيل النبى يكتب قصة راعوث ليكمل نسب داود.
3. وقعت أحداث قصة راعوث فى عصر القضاة وهناك رأيين فى زمان الأحداث:-
أ. الرأى الأول يقول أن الأحداث حدثت فى زمان جدعون وأن المجاعة المذكورة هى التى حدثت نتيجة ظلم المديانيين ولو صح هذا يكون سلمون زوج راحاب قد وَلَدَ بوعز فى زمان بعيد عن أيام عوبيد والد يسى أبو داود. إلاّ لو كان هناك أسماء ساقطة لم تذكر ولكن (مت 1 : 5) يذكر صراحة أن سلمون ولد بوعز من راحاب فيكون سلمون المذكور هنا فى (را 4 : 21) هو زوج راحاب.
ب. يرى يوسيفوس أن راعوث عاشت فى أيام عالى الكاهن وفى جدول الأوقات التالى محاولة لحل المشكلة إفترضنا فيها أن سلمون ولد بوعز وعمره 60 سنة. وبوعز ولد عوبيد وعمره60 سنة وعوبيد ولد يسى وعمره 60 سنة ويسى ولد داود وعمره 60 سنة وبهذا يصبح إفتراض يوسيفوس بعيداً ويكون الإقتراح الأول أقرب للصحة.
ولادة سلمون 1325
دخول أرض الميعاد........
ولادة بوعز من راحاب 1265
ولادة عوبيد من راعوث 1205
1167 بدء قضاء عالى الكاهن
ولادة يسى 1145
1137 دعوة صموئيل وعمره 12 سنة
1127 موت عالى
1085 ولادة داود
1065 مسح داود ملكاً
1055 موت شاول
وبهذا الإقتراح تصبح فترة القضاة حوالى 200 سنة وهذا يتعارض مع قول يفتاح بأن لهم 300 سنة فى الأرض. ويفتاح غالباً كان معاصراً لعالى الكاهن. وحل المشكلة أن الكتاب أسقط إسم أو إسمين ما بين عوبيد ويسى. وهذا يحدث كثيراً فى الكتاب المقدس.
4. موآب بأوثانه وعبادته الوثنية يشير للشيطان، خصوصاً للعداوة الشديدة من موآب لشعب الله. ومن وسط موآب تخرج راعوث لترجع إلى الله أبيها. فراعوث الأممية إغتصبت نصيباً فى شعب الله فحسبت رمزاً لكنيسة الأمم.
5. سفر راعوث هو السفر الوحيد الذى سمى بإسم إمرأة أممية فى الكتاب المقدس نظراً للرتبة الفائقة التى بلغت إليها راعوث، التى صارت أماً للمسيح الأمر الذى كانت المؤمنات جميعاً يشتهين إياه. كما حُسِبَت رمزاً لكنيسة الأمم عروس المسيح القادمة من موآب إلى بيت لحم. لقد جرى دمها وهى أممية فى عروق مخلص العالم.
6. فى عصر القضاة رأينا إنحراف اليهود الشديد للوثنية، وهذا السفر يعلن أن لله بقية باقية له بين الأمم تتمسك بالإيمان به بلا مطمع أرضى أو شهوة جسدية.
7. سفر راعوث هو سفر الحصاد وفيه أُعْلِنَ دخول الأمم للإيمان فى شخص راعوث التى كانت تطلب السنابل الساقطة فحملت فى نسلها المسيح حبة الحنطة (يو 12 : 24) التى تقع فى الأرض لتأتى بثمر وحصاد كثير (قيلت هذه الآية عن دخول اليونانيين الإيمان).
8. أهمية السفر أنه إحتفظ لنا بنسب السيد المسيح. ونجد فى نسبه البشرية كلها يهوداً وأمماً. ونلاحظ فى نسب المسيح 3 نساء وهم ثامار الكنعانية وراحاب الكنعانية وراعوث الموآبية فالمسيح أخذ لنفسه طبيعة كل البشر وليس طبيعة اليهود فقط.
9. سفر راعوث سجل لنا أداب المخاطبة الروحية الرائعة والحوار المهذب الرائع بين راعوث وحماتها وبين نعمى وكنتها وبين راعوث وبوعز وبين بوعز وحصاديه.
10. نجد فى السفر بعض تقاليد اليهود وعاداتهم.
11. يشرح لنا السفر بركات الله المعطاة لراعوث التى إهتمت بحماتها.
12. نعمى السيدة اليهودية التى تتمتع بالناموس والآنبياء وحصلت على الخلاص بل هى فى أرض الميعاد فى وقت الضيق تركت أرض الميعاد لتذهب للحياة السهلة فى موآب وإذ بها تخسر كل شئ فى أرض موآب زوجها وأولادها.
هذه صورة للمسيحى الذى حصل على الخلاص وفى وقت الضيق أو وقت الرخاء يترك المسيح (الخارج من سبط يهوذا) ليحيا فى العالم السهل فتخسر هذه النفس كل شئ. هى تمثل النفس التى تذوقت نعمة الله ثم عادت وجحدته لتشبع من العالم (عب 6 : 4-8). بينما راعوث التى نشأت فى أرض موآب حيث الخطية والوثنية إذ تسمع عن الإله الحى تخرج بالإيمان إلى بيت لحم لتتزوج بوعز ويأتى من نسلها المسيح. وحتى الآن فكثيرين من شعب الله يتركونه وينكرون الإيمان فيخسرون كل شئ وكثيرون ممن هم من خارج يسمعون عن المسيح فيؤمنون. فالمسيح جاء لسقوط وقيام كثيرين (لو 2 : 34) تسقط نعمى المستهترة بنعمة الله وتقوم راعوث الموآبية بإيمانها الحى به.
الإصحاح الأول
راعوث
آية (1): "حدث في أيام حكم القضاة انه صار جوع في الأرض فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب في بلاد مواب هو وامرأته وابناه."حدث = تربط هذه القصة بسفر القضاة.
صار جوع = لقد سمح الله بالمجاعة للتأديب ويبدو أن اليمالك لم يفتقر تماماً، فنعمى ذهبت وهى ممتلئة (آية 21). ولكنه لم يستطع أن يتحمل هذا الصليب البسيط وهرب من بيت لحم إلى موآب ولكنه مات ومات إبنيه. والمعنى الرمزى أننا لن نستطيع أن نهرب من أى ضيقة بهروبنا من الله، بل علينا أن نهرب إلى الله.
فأليمالك هرب من بيت لحم وأورشليم وذهب إلى موآب الوثنية. وهو هنا يمثل من يظن أن الكنيسة بيت لحم هى حرمان وأن المسيح خسارة فيهرب للعالم ليشبع ملذاته فيفقد كل شئ. عموماً فأى ضيقة هى تأديب من الله علينا أن نقبله لا أن نهرب منه فيؤتى ثماره. وهذه المجاعة كانت لتأديب إسرائيل على الفساد الذى تفشى وسطهم ورأيناه فى سفر القضاة.
آية (2): "واسم الرجل اليمالك واسم امرأته نعمي واسما ابنيه محلون وكليون افراتيون من بيت لحم يهوذا فأتوا إلى بلاد مواب وكانوا هناك."
أليمالك = الهى ملك. بيت لحم = بيت الخبز وأفراته إسم ثانى لها بمعنى ثمار. نعمى = الحلوة أو متنعمة القلب. محلون = المستضعف أو جدب أو مرض. كليون = الهزيل أو خراب. وأسماء الأولاد متمشية مع المجاعة، هى صدى لها. ولاحظ أن المسيح خبز الحياة وولد فى بيت لحم (أى بيت الخبز). والمعنى الرمزى أن أليمالك لهُ إسم حلو فهو يمثل من لهُ الحياة الروحية المظهرية لكن بلا عمق، وهذا يترك بيت لحم أى لا يكون لهُ حياة المسيح فيكون حياته غير مثمرة (أفراته) وعقيمة ومجدبة (محلون وكليون). ومثل هذا لا يكون لهُ ثمار لأنه يطلب لذة الجسد (نعمى).
آية (3-5): "ومات اليمالك رجل نعمي وبقيت هي وابناها. فأخذا لهما امرأتين موابيتين اسم إحداهما عرفة واسم الأخرى راعوث وأقاما هناك نحو عشر سنين. ثم ماتا كلاهما محلون وكليون فتركت المرأة من ابنيها ومن رجلها."
منع الله شعبه أن يختلط بموآب لوثنيتها (تث 23 : 3،4 + 7 : 3،4). ولكننا نجد أولاد أليمالك يتزوجوا بموآبيات ضد الشريعة. وهذا خطأ الأب الذى ترك أرضه.
الآيات (6،7): "فقامت هي وكنتاها ورجعت من بلاد مواب لأنها سمعت في بلاد مواب أن الرب قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزا. وخرجت من المكان الذي كانت فيه وكنتاها معها وسرن في الطريق للرجوع إلى ارض يهوذا."
عادت نعمى لأرضها مثل عودة الإبن الضال. فالله يسمح بتأديبات كثيرة حتى نرجع إليه ونشعر بخطايانا ونشتاق للعودة. ونعمى بعد فقد رجلها وإبنيها صارت بلاد موآب لها مُرَّة فالله يُمرَّرْ لأولاده أرض الخطية ليشتهوا العودة إليه كما فعل مع الابن الضال. وقد يُمرَّرْ لنا الأرض لنشتهى السماء (المقصود بتمرير الأرض، الضيقات والآلام).
الآيات (8،9):" فقالت نعمي لكنتيها اذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أمها وليصنع الرب معكما إحسانا كما صنعتما بالموتى وبي.و ليعطكما الرب أن تجدا راحة كل واحدة في بيت رجلها فقبلتهما ورفعن أصواتهن وبكين."
نلاحظ رقة التعامل من نعمى لكنتيها. وهن شعرن بمحبتها أثناء عشرتهن لها فتمسكن بألاَّ يفارقنها، لقد ردوا الحب بالحب (آية 10).
الآيات (10-13): " فقالتا لها اننا نرجع معك الى شعبك. فقالت نعمي ارجعا يا بنتي لماذا تذهبان معي هل في أحشائي بنون بعد حتى يكونوا لكما رجالا. ارجعا يا بنتي واذهبا لاني قد شخت عن أن أكون لرجل وأن قلت لي رجاء أيضا باني أصير هذه الليلة لرجل وألد بنين أيضا.
هل تصبران لهم حتى يكبروا هل تنحجزان من أجلهم عن أن تكونا لرجل لا يا بنتي فأنى مغمومة جدا من أجلكما لان يد الرب قد خرجت علي."
الشريعة تنص أنه لو مات الرجل دون أن ينجب يتزوج شقيقه من أرملته ليقيم لهُ نسلاً، أو أقرب ولى. ونعمى تشرح إستحالة تحقيق هذا. وهى لم تذكر شيئاً عن أن هناك وليين فى يهوذا فهى لا تعرف موقفهما بعد طول غيابها فى موآب. وهى لا ترضى لكنتيها أن يبقوا أرامل كل حياتهن فهى خافت إن رجعت بهن إلى يهوذا أن لا يقبل أحد من رجال يهوذا أن يتزوج منهن لأنهن وثنيات ولا حتى الوليين لذلك فضلت رجوعهن إلى موآب.
آية (14): "ثم رفعن أصواتهن وبكين أيضا فقبلت عرفة حماتها وأما راعوث فلصقت بها."
عرفة حملت وفاءً صادقاً لحماتها لكنها عادت لأهلها. ورمزياً فهى تمثل من يحب المسيح لكنه ليس على إستعداد لترك ملذات العالم من أجله، فهم يحبون المسيح لكنهم يحبون العالم أكثر. وأمّا راعوث فقد فاقت الحدود البشرية فى محبتها وأصبحت تمثل من يترك بإيمانه أرض الخطية لينطلق إلى المسيح كما ترك إبراهيم أور وحاران.
الآيات (15-18): "فقالت هوذا قد رجعت سلفتك الى شعبها والهتها ارجعي انت وراء سلفتك. فقالت راعوث لا تلحي علي أن أتركك وارجع عنك لأنه حيثما ذهبت اذهب وحيثما بت أبيت شعبك شعبي وإلهك الهي.
حيثما مت أموت وهناك اندفن هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد إنما الموت يفصل بيني وبينك. فلما رات انها مشددة على الذهاب معها كفت عن الكلام اليها."
التصاق راعوث بحماتها يرمز لإلتصاق الشخص بالكنيسة وعن طريق ذلك الإلتصاق يحدث الزواج مع العريس المسيح كما تزوجت راعوث ببوعز. هكذا يفعل الرب بى = راعوث تقسم بإسم الرب وهذا يظهر تمسكها بإله إسرائيل كإله لها. ولاحظ إلى أى درجة كانت محبة راعوث..حتى الموت. لقد أعطت نعمى حباً لكنتيها وها هى تجنى ثمار حبها … ولقد أحبنا المسيح حتى الموت فهل نحبه نحن؟.
آية (19): "فذهبتا كلتاهما حتى دخلتا بيت لحم وكان عند دخولهما بيت لحم أن المدينة كلها تحركت بسببهما وقالوا أهذه نعمي."
تحركت المدينة بسببهما = لأن الكل توقع أن تدخل نعمى بأولادها وأحفادها ومعها خيرات كثيرة ولكنها رجعت فارغة تماماً إلاّ من كنتها التى هى الآن ثقلاً ومسئولية.
الآيات (20،21): "فقالت لهم لا تدعوني نعمي بل ادعوني مرة لان القدير قد امرني جدا. أنى ذهبت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة لماذا تدعونني نعمي والرب قد أذلني والقدير قد كسرني."
لقد حسبت نعمى ما حدث لها علامة غضب من الله بسبب خطاياها.
آية (22): "فرجعت نعمي وراعوث الموابية كنتها معها التي رجعت من بلاد مواب ودخلتا بيت لحم في ابتداء حصاد الشعير."
ودخلتا بيت لحم فى إبتداء حصاد الشعير = ها هى عادت لبيت لحم لتجد الحقول ممتلئة ومن يعود للكنيسة سيجد خيرات كثيرة. والله يشبع كل نفس عائدة إلى بيت لحم (الكنيسة). مولود بيت لحم قادر أن ينزع مرارة النفس التى عادت وهى مُرّة.
+