تفسير الاصحاح الحادى عشر من سفر العدد للقس انطونيوس فكرى
تذمر الشعب
هى نفس القصة المكررة دائماً، فكما خلق الله آدم فى الجنة ثم أخطأ آدم وسقط هكذا نجد الشعب هنا. ولنكرر ما أعطاه الله لشعبه أو بالأحرى ما أعطاه الله لنا1- نحن منتسبين لله ننتمى لهُ (ص1)
2- علمهُ فوقى محبة (ص2)
3- لنا خدمة كهنوتية والمسيح رئيس كهنتنا (ص3)
4- الله فى وسطنا خلال الرحلة (ص4)
5- لنعزل الخطية (البرص..) (ص5)
6- نحن لله " أنا لحبيبى وحبيبى لى " (ص6)
7- فلأقدم لله مما أعطانى (ص7)
8- الروح القدس ينير ويطهر (ص8)
9- الله يقود الكنيسة والمسيرة (ص9)
10- كلمة الله تنذر وتبكت (ص10)
إذاً كل شىء كان مُعد حتى تكمل المسيرة لأرض الميعاد بسلام ولكن هناك تذمر!!
فالله قد أعد المحلة ليسكن فيها لكننا نجدهم هنا مهتمين بشهوة بطونهم. وهكذا سكر نوح وتعرى. وهكذا سكر الشعب ولعب أمام العجل الذهبى. وهكذا سَكِرَ الكهنة فقدموا ناراً غريبة. ولنلاحظ أن الإرتداد للشهوات القديمة قاتل. فقد مات آدم ونسله ودخلت اللعنة بيت نوح (كنعان) وهلك كثير من الشعب بسبب العجل الذهبى وأحرقت النار الكاهنين.
وهكذا نرى الشهوات قاتلة مدمرة وهو محزن أن نرى الله وقد تحول لعدو يضرب شعبه فالله قدوس لا يحتمل الخطية. وهذا السفر يكشف الضعفات البشرية. وأن الخطية مازالت موجودة ولكن من يشتهيها يُدمر نفسه. لقد تأملنا قبل ذلك فى إحسانات الله وها نحن نتعرف على طريق الإنسان المعوجة. وسنلاحظ أن هناك تدرج فى العقوبات وهناك تدرج فى الخطية فقد بدأت الخطية فى الداخل بتذمر داخلى ثم وصات للتذمر المعلق والتمرد.
الآيات 1-3:-
كأنهم يشتكون شراً = كأن خروجهم من مصر وكل ما حدث لهم هو شر. ربما كانت الشكوى من السير فى الطريق والجو حار أو لأنهم تركوا وادى النيل. وهذه هى طبيعة الإنسان القديم فينا، إنه دائم الشكوى والتذمر بلا سبب حقيقى ولكن السبب الحقيقى هو فراغ القلب إذ أفقدته الخطيئة سلامه الداخلى فهو يتلمس أى علة للتذمر والقلق. والشعب سبق لهُ أن تذمر عدة مرات لكن الله لم يضربهم وكان ذلك لسببين:-
1- هم خارجين من أرض عبودية ونفسيتهم مُرة والله يطيل أناته لمن عنده أعذار مُرة
2- كانوا لم يحصلوا على الشريعة والآن بعد أن حصلوا عليها ورأوا إحسانات الله كان تذمرهم يعتبر تعدى، وهذا يحتاج لتأديب خصوصاً بعد كل ما غمرهم الله به من إحسانات.
ولنلاحظ أنه كان هناك تذمر بعد كل عطية فالله يعطينا الكثير لكننا ننسى بعد أن نفرح ونعتاد على البركة التى أعطاها الله فنبدأ بالتذمر. لذلك تعلمنا الكنيسة أن نشكر كل حين لنتذكر إحسانات الله علينا دائماً ولا نعطى لإبليس المشتكى فرصة أن يجعلنا نشتكى.
إشتعلت فيهم نار الرب = سمح الله بهذا ليؤدبهم. كان التذمر داخلياً فى القلب لكن الله أراد كشفه ليعطى فرصة للتوبة ولا يبقى الفساد كامناً فى الداخل بلا علاج. فحين نشتكى للاشىء فمن العدل أن يعطينا الله شيئاً نصرخ منه ولذلك هم صرخوا لموسى. صرخوا لأنهم فشلوا فى إطفاء النار وشعورهم بأنها قوة فوق الطبيعة وربما كانت صواعق. والنار إشتعلت فى أطراف المحلة = غالباً حيث كان هناك المتذمرين ولنلاحظ أنهم تواجدوا عند أطراف المحلة فحيثما إبتعدنا عن الله تنفتح قلوبنا للشر. ولنلاحظ شفاعة موسى وربعايته وصلاته تبعيرة = إشتعالاً (راجع مزمور 106 لترى نتيجة الشهوة).
الايات 4-9:-
نجد هنا التذمر التالى وهو بسبب نقص اللحم وغالباً هم كان لهم مواشيهم ولكنهم لبخلهم لم يذبحوا منها ليأكلوا بل كانوا يريدون معجزة. واللفيف الذى فى وسطهم = هذه هى لعبة الشيطان أن يجمع قلة فاسدة لشعب الله تقودهم للفساد. وهذا اللفيف هم الذين خرجوا معهم من مصر وهم غالباً من المصريين (خر38:12) وهؤلاء يمثلون الأفكار الغريبة التى تدخل للنفس فتفسد أعماقها. لذلك كان الرب يطلب من شعبه أنهم متى دخلوا مدينة يبيدها تماماً.
وها اللفيف من المصريين ربما أعجبوا بإله اليهود حينما رأوا قوته فتبعوهم أو هم من أولاد العبرانيين من نساء مصريات ومتأثرين بأمهاتهم وهؤلاء لم ينضجوا روحياً بل كانت لهم صورة التقوى وهم ينكرون قوتها.
ولنلاحظ أنه لم يكن هناك خطر من الشعوب الذين هم من خارج (عماليق..) لكن الخطر من الذين هم من داخل. إذاً المهم أن ننقى القلب ولا نشتكى من قوة المهاجمين. فهذا اللفيف إستطاع أن يرد قلوب الكثيرين من الشعب إلى ارض العبودية.
آية5:-
السمك.. مجاناً = هم يريدون أن ياكلوا مجاناً دون أن يذبحوا مواشيهم. ولاحظ أن السمك لم يكن مجاناً بل بإذلال وعبودية وسخرة. لكن هكذا الشيطان دائماً يذكرنا بهذه الخطية دون أن يذكرنا بأيام التعاسة والشقاء فيها.
آية6:-
ليس شىء غير أن أعنينا إلى هذا المن = أى شئمنا وسئمت أنفسنا هذا المن هذا كمن يقول " أليس هناك شىء سوى المسيح والروحيات، حد ثونا عن شىء أكثر تسلية وظرفاً. فالمن هو إشارة للمسيح خبز الحياة لكن الجسد يطلب متعته المؤقتة.
آية8:-
وصنعه لحلاوته ليخجل الذين إشتكوا منه وتذمروا ضده. ولم يكن العيب فى طلب اللحم فاللحم ليس خطية وإلا ما كان الله أعطاهم لحماً ولكن الخطية هنا هى إستخفافهم وإزدرائهم بعطية الله والتذمر ضده
آية7:-
كبزر الكزبرة = كان حبوب كروية صغيرة لونها يميل للصفرة والمقل = نوع من الصمغ لونه أيضاً أصفر مشرب بالبياض ورائحته طيبة (غالباً هو اللبان الذكر) ويستعمل كبخور
وكلمة المقل تترجم أيضاً در أو لؤلؤ والمسيح هو اللؤلؤة الكثيرة الثمن
ملات :- (تك 6:18) هو خبز غير مختمر ويخمر على الحجر المحمى أو فى الرماد المحمى.الآيات 10-15:-
نرى هنا موسى العظيم يمر بلحظات ضعف فهو يتهم الله بأنه اساء إليه وثقل عليه بهذا الشعب بل إشتهى أن الله يقتله قتلاً. بل هو ظن أنه هو الذى حبل بهذا الشعب وولده فهو الملتزم بهم يعولهم ويحمل أتعابهم.. كأن الله لا يرعى شعبه!!
وموسى هنا نسى أنه قبل الأبوة كعطية من الله الذى وحده أب كل البشرية. ومع هذا لم يغضب الله من موسى بل أعطاه حلاً يريحه " أنتِ جميلة يا حبيبتى لا عيب فيكِ"
يبكون بعشائرهم = هى إذاً مؤامرة دنيئة حقيرة ضد الله، هؤلاء يمثلون من يبكى على خسارة شىء فى هذا العالم ولا يهتم أن يبكى على خطاياه ولا يحزن على بركة خسرها. وحقاً فموسى لا يستطيع أن يطعم هذا الشعب جميعه لكن كان عليه أن ينظر لله القادر. لكن يُذكر أن موسى قد غضب وذُكر أنه ساء ذلك فى عينيه بعد أن ذُكر أن الرب غضب من تذمر الشعب. هو إذاً غضب مقدس.
الآيات 16-30:-
إستغل الله هذا الحادث لبنيان الجماعة وأقام 70 شيخاً ليكتمل التنظيم الكنسى (بنى / رئيس كهنة / كهنة / لاويين / رؤساء أسباط / 70 شيخ علمانى يشتركوا فى التدبير) ونجد هنا إشتراك العلمانيين فى التدبير مع الإكليروس.
70 رجلاً = 70 رقم كامل ونجد سنوات السبى 70 سنة ورؤيا دانيال لـ 70 أسبوعاً ونجد فى إيليم 70 نخلة والمسيح أرسل 70 رسولاً. هم شيوخ للشعب وعرفاؤه = فهم ليسوا فقط كبار سناً بل لهم نصيب من المعرفة ومشهود لهم بالحكمة.
آية17:-
يرى البعض فى هذا أن موسى قد خسر جزءاً من الروح الذى عليه وخسر بهاء إكليلهفقد قل بهاؤه عما كان قبلاً. ولكن هذا كلام لا معنى لهُ فالرسومات فى الكنيسة تتم بنفس الطريقة فهل حين يقوم إسقفاً برسامة كاهن هل يقل الروح الذى عليه؟ بالتأكيد هذا لا يحدث.
ولكن المعنى أن يشعر هؤلاء الشيوخ بأبوة موسى وبوحدة الروح بينهم هذا مثل مصباح ساطع وأضئنا منه عدة مصابيح فلن يتأثر المصباح الأول. هنا الله يعطيهم من الروح القدس الذى سبق وأعطاه لموسى والعجيب أن الله يفعل هذا عن طريق موسى فيشعر الشيوخ بتلمذتهم وبنوتهم لموسى ويقتدوا به ويوقروه.
أنزل = هى تعبير بشرى وقد يمكن أن يكون الشعب قد رأى السحابة تستقر على خيمة موسى
آية8:-
تقدسوا غداً = يتوبوا ويعترفوا بخطاياهم ويغسلوا ملابسهم وأجسادهم فالله سيعطيهم اللحم غداً بمعجزة. وموسى قد إستصعب الحل لكن الله لا يستحيل عليه شىء.
آية19:-
تاكلون لا يوماً واحداً = هذا يشير أن السلوى حين جاءتهم قبل ذلك كانت لمدة قصيرة يوماً أو يومين (خر13:16) أما فى هذه المرة فستكون لمدة شهر بالكامل
آية25:-
ولم يزيدوا = هذه ومعناها لم يعملوا شيئاً سوى أنهم تنبئوا. وكلمة نبا فى العبرية معناها يصلى أو يتضرع ومنها نبى لأن النبى يصلى ويتشفع عن شعبه. ولعل كلمة يتنبأون تعنى أنهم قاموا بعملهم فى قيادة الشعب وبدأوا بالصلاة والتسبيح. وكلمة يزيدوا ترجمت يزالوا = والمعنى أنهم مازالوا يتنبأون. ولم يزيدوا أيضاً تعنى أنهم لم يصنعوا معجزات مثل موسى. ولنلاحظ أن ال 70 شيخاً كانوا هم أساس مجمع السنهدريم الذى كونوه فيما بعد ليكون بمثابة المحكمة العليا أو المجلس الأعلى أو البرلمان.
آية26:-
لا نعرف لماذا بقى هذين الشيخين فى المحلة وربما لتواضعهم وشعورهم أنهم غير مستحقين. ولكن حلول الروح القدس عليهما كانا إشارة لحلول الروح القدس على كل الأمم حين ضم الله إليه الذين كانوا قبلاً فى الخارج. كان هذا نبوة عما حدث للكنيسة ففى يوم الخمسين
آية28:-
هذا ما حدث مع تلاميذ يوحنا حين غارا من المسيح وتكلما مع يوحنا المعمدان
آية29:-
هذه هى عظمة موسى فهو لم يغار من الشيوخ وقارن مع الخادم الذى يغير من زميله.
الآيات 31-35:-
سلوى = هى طيور السمان. ولاحظ أن الله يستخدم قوانين طبيعية سبق فوضعها لينفذ مشيئته فالريح تسوق كميات ضخمة من الطيور وتجعلها تسقط أمام الشعب فالله يحل مشاكلنا بطرق لا نتصورها، وها هم يأكلون لحماً ليس بسمك ولا لحم مواشى كما قال موسى ولاحظ كثرة الطيور نحو ذراعين فوق وجه الأرض = وقد تعنى أن الشعب حين ذبحوا الطيور وكوموها كانت ذراعين. الحومر = والجمع حوامر هى حمل حمار، 10 حوامر = 250 كجم فبالرغم أن الله قال لهم تاكلوا شهراً إلا أنهم لم يصدقوا وجمعوا كثيراً جداً. وربما كانوا يملحون هذه الطيور لحفظها من الفساد ثم سطوها على مساطح لتجفيفها
آية 33:-
لقد قدم لهم الله لحماً كثيراً ولكنهم إنقضوا بشراهة وشهوة فغضب الرب عليهم وضربهم ضربة عظيمة جداً لأن الشهوة تملكت عليهم وليس لأنهم أكلوا لحماً. وموسى لم يذكر كيف ماتوا ولكن هناك إحتمال أنهم ماتوا من التخمة بعد تعودهم على المن. وفى (مز106) نجد أن الشهوة تتسبب فى هزال للنفس حين تتم. وفى مزمور (4:20) " يعطيك الرب حسب قلبك " فأحياناً يعطينا الرب طلبات وشهوات قلوبنا حين نُصر عليها ولكن لا يكون هذا فى صالحنا ويعود علينا بالضرر فعلينا أن نقول " لتكن مشيئتك "
آية 35:-
تبرمت هتأوة = قبور الشهوة إذاً الشهوة تسبب الموت لو كانت خاطئة.
+