تفسير الاصحاح الثامن من سفر اللاويين للقس انطونيوس فكرى
التكريس
هو تنفيذ لإصحاحى 28، 29 من سفر الخروج. وقد قام موسى بتقديس هرون وبنيه، فموس كان هو الكاهن للشعب. وكهنوت موسى هو الإتصال بين الكهنوت القديم (كهنوت الأباء البطاركة) الذى كان يكهن فيه رأس الأسرة أو العشيرة، وبين الكهنوت اللاوى الذى حدد الله فيه هرون وأولاده فقط ليكونوا كهنة. ولذلك قيل فى "مز 99 : 6 موسى وهرون بين كهنته". ولم يكن موسى كاهناً فقط بل كان ملكاً فى يشورون تث 33 : 5 وراجع عد 12 : 7. لذلك يكون موسى هنا ممثلاً للرب لأمانته فى كل بيته بما فيه من كهنة وشعب. وهو أيضاً رمز للمسيح الذى كان كاهناً وملكاً ومخلصاً.الأيات 1 – 5 :- و كلم الرب موسى قائلا. خذ هرون و بنيه معه و الثياب و دهن المسحة و ثور الخطية و الكبشين و سل الفطير. و اجمع كل الجماعة الى باب خيمة الاجتماع. ففعل موسى كما امره الرب فاجتمعت الجماعة الى باب خيمة الاجتماع. ثم قال موسى للجماعة هذا ما امر الرب ان يفعل.
نلاحظ هنا التسبحة المتكررة هذا ما أمر الرب أن يفعل = من يتبع أوامر الرب تكون له حياة. ونلاحظ أن موسى لم يكن له حق فى إختيار الكهنوت أو طقس تكريسهم إلا حسب خطة الله وتدبيره. وهذا يشير إلى أن ما تحقق بمجئ السيد المسيح إلى العالم كان بحسب خطة الآب الأزلية ومن تدبير الآب "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد.. يو 3 : 26" وقطعاً فخطة الآب لا تعنى أن المسيح لم يكن له دور إذ يقول بولس الرسول فى أف 5 : 2، 25 "أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا.."
وأجمع كل الجماعة = هنا تتم سيامة الكهنة وسط الجماعة فهم قد أقيموا من أجل الجماعة. لذلك تتم سيامات الكهنة وسط شعب كنيستهم وهكذا الأساقفة والبطريرك "بفعل الروح القدس وإتفاق منا كلنا وطيب قلب، وإتفاق رأى الجماعة". وكانت أول مرة تأتى فيها كلمة الجماعة فى خر 12 : 3 وفى مناسبة تقديم خروف الفصح (رمز للمسيح) وتأتى هنا فى تقديم الكاهن (رمز المسيح) فالمسيح هو الكاهن وهو الذبيحة. ولاحظ أن الذى قدم المسيح كذبيحة هم جماعة إسرائيل.
أية 6 :- فقدم موسى هرون و بنيه و غسلهم بماء.
لم يحدد هنا الأجزاء التى تغسل (الأيدى أو الأقدام) لأنه فى المرة الأولى عند التكريس كان غسل الجسد كله. وهذا كان يتم وراء حجاب وليس أمام الشعب وكذلك السروال والقميص. وهذا رمز للمعمودية التى تصنع لمرة واحدة. أما فى طقوس الخدمة بعد ذلك فكان الكهنة يغسلون أيديهم وأرجلهم قبل دخول الخيمة أو قبل تقديم ذبيحة، وهذا إشارة للتوبة. وغسل الكهنة إشارة أن الله القدوس يعمل فى كهنته المقدسين فيه المغتسلين من كل ضعف. وهو إشارة إلى أنه مهما كانت رتبة الكاهن فهو تحت الضعف محتاج أن يغتسل هو أولاً حتى يغسل أقدام الآخرين. ويرى العلامة أوريجانوس أن أغتسال الكهنة قبل إرتدائهم الملابس الكهنوتية إشارة لضرورة الإغتسال الكلى فى مياه المعمودية لكى نلبس السيد المسيح ثم الحاجة إلى الإغتسال المستمر من الشر بإعتزالنا إياه
الأيات 7 – 13 :- و جعل عليه القميص و نطقه بالمنطقة و البسه الجبة و جعل عليه الرداء و نطقه بزنار الرداء و شده به. و وضع عليه الصدرة و جعل في الصدرة الاوريم و التميم. و وضع العمامة على راسه و وضع على العمامة الى جهة وجهه صفيحة الذهب الاكليل المقدس كما امر الرب موسى. ثم اخذ موسى دهن المسحة و مسح المسكن و كل ما فيه و قدسه. و نضح منه على المذبح سبع مرات و مسح المذبح و جميع انيته و المرحضة و قاعدتها لتقديسها. و صب من دهن المسحة على راس هرون و مسحه لتقديسه. ثم قدم موسى بني هرون و البسهم اقمصة و نطقهم بمناطق و شد لهم قلانس كما امر الرب موسى.
الملابس الكهنوتية تشير للمسيح وبعد الإغتسال (المعمودية) نلبس المسيح ونختفى فيه بكونه الكاهن الأعظم. ومسح موسى المسكن وقدسه = مسح الأشياء يشير لتخصيصها لله. وموسى مسح كل آنية المسكن فهى بذلك صارت مخصصة للرب "لذلك كانت خطية بيلشاصر عظيمة إذ إستعملها لنفسه دا 5"
"وفى طقس المعمودية كل ما ينزل لماء المعمودية يصير مكرساً لحساب الله"
وبهذا نفهم قول المسيح "ولأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم مقدسين فى الحق يو 17 : 19". ومفهومها أن المسيح كان مكرساً لله بالكامل مخصصاً لهذا العمل الكهنوتى أى تقديم نفسه ذبيحة. وكما كانت آنية الهيكل التى تكرست لله تعمل على أن تقود الخاطئ لله، هكذا المسيح عمله أن يقود الخاطئ لله فيتقدس بالحق. ومسح كل شئ يشير لأن الخدمة كلها وكل أنشطتها ممسوحة بالروح القدس أو هكذا يجب أن تكون. فكما رأينا فإن المسح بالزيت يشير للمسح بالروح القدس. هكذا كان رئيس الكهنة يمسح بصب الزيت على رأسه ومسح جبهته بعلامة"حرف الكاف" إشارة لأنه كاهن. أما الأن فالمسح يكون بعلامة الصليب.
والمسيح لم يمسح بزيت بل بالروح القدس بعد العماد وحينما يمسح هرون بالزيت يسيل على لحيته (مز 133 ) وهذا ما حدث مع المسيح حين حل الروح القدس عليه بالجسد إنسكب هذا الروح على الكنيسة جسده (لحيته) لأن اللحيه ملتصقه بالرأس والرأس هو المسيح. وحين ينسكب هذا الزيت الذى يحمل أربعة أنواع من الأطياب تفوح رائحة الأطياب التى تشير للمسيح. وهذا معنى "أنتم رائحة المسيح الزكية 2كو 2 : 15" أننا يظهر فينا رائحة المسيح، بل يرى الناس فينا صورة المسيح فيمجدوه
الأيات 14 – 36 :- ثم قدم ثور الخطية و وضع هرون و بنوه ايديهم على راس ثور الخطية. فذبحه و اخذ موسى الدم و جعله على قرون المذبح مستديرا باصبعه و طهر المذبح ثم صب الدم الى اسفل المذبح و قدسه تكفيرا عنه. و اخذ كل الشحم الذي على الاحشاء و زيادة الكبد و الكليتين و شحمهما و اوقده موسى على المذبح. و اما الثور جلده و لحمه و فرثه فاحرقه بنار خارج المحلة كما امر الرب موسى. ثم قدم كبش المحرقة فوضع هرون و بنوه ايديهم على راس الكبش. فذبحه و رش موسى الدم على المذبح مستديرا. و قطع الكبش الى قطعه و اوقد موسى الراس و القطع و الشحم. و اما الاحشاء و الاكارع فغسلها بماء و اوقد موسى كل الكبش على المذبح انه محرقة لرائحة سرور وقود هو للرب كما امر الرب موسى.
ثم قدم الكبش الثاني كبش الملء فوضع هرون و بنوه ايديهم على راس الكبش. فذبحه و اخذ موسى من دمه و جعل على شحمة اذن هرون اليمنى و على ابهام يده اليمنى و على ابهام رجله اليمنى. ثم قدم موسى بني هرون و جعل من الدم على شحم اذانهم اليمنى و على اباهم ايديهم اليمنى و على اباهم ارجلهم اليمنى ثم رش موسى الدم على المذبح مستديرا. ثم اخذ الشحم الالية و كل الشحم الذي على الاحشاء و زيادة الكبد و الكليتين و شحمهما و الساق اليمنى. و من سل الفطير الذي امام الرب اخذ قرصا واحدا فطيرا و قرصا واحدا من الخبز بزيت و رقاقة واحدة و وضعها على الشحم و على الساق اليمنى. و جعل الجميع على كفي هرون و كفوف بنيه و رددها ترديدا امام الرب.
ثم اخذها موسى عن كفوفهم و اوقدها على المذبح فوق المحرقة انها قربان ملء لرائحة سرور وقود هي للرب. ثم اخذ موسى الصدر و ردده ترديدا امام الرب من كبش الملء لموسى كان نصيبا كما امر الرب موسى. ثم اخذ موسى من دهن المسحة و من الدم الذي على المذبح و نضح على هرون و على ثيابه و على بنيه و على ثياب بنيه معه و قدس هرون و ثيابه و بنيه و ثياب بنيه معه. ثم قال موسى لهرون و بنيه اطبخوا اللحم لدى باب خيمة الاجتماع و هناك تاكلونه و الخبز الذي في سل قربان الملء كما امرت قائلا هرون و بنوه ياكلونه. و الباقي من اللحم و الخبز تحرقونه بالنار. و من لدن باب خيمة الاجتماع لا تخرجون سبعة ايام الى يوم كمال ايام ملئكم لانه سبعة ايام يملا ايديكم. كما فعل في هذا اليوم قد امر الرب ان يفعل للتكفير عنكم.
والذبائح المذكورة هنا سبق الحديث عنها بالتفصيل. فذبيحة الخطية قدمها الكهنة عن أنفسهم لتحمل خطاياهم وضعفاتهم. ولاحظ أن المسيح رئيس كهنتنا لم يحتاج أن يقدم ذبيحه عن نفسه فهو بلا خطية. وذبيحة كبش المحرقة وذبيحة كبش المحرقة قدموها إظهاراً لإستعدادهم تقديم أنفسهم بالكامل لله كذبائح حية. أما ذبيحة كبش الملء فهى ذبيحة سلامة مع بعض الفروق
أ) فى ذبيحة السلامة العادية لا نسمع أن أحداً يمسح من دمها فى يديه أو أذنيه.
ب) فى ذبيحة السلامة العادية كان نصيب الكهنة الساق والصدر ولكن هنا نجد الساق قدمت على المذبح بينما الصدر كان لموسى.
ت) كان الخبز المختمر يصحب ذبيحة السلامة العادية أما هنا فلا يوجد سوى الفطير.
ث) كان الكاهن يأخذ لنفسه واحدة من كل الأنواع التى تقدم فى ذبيحة السلامة، أما فى ذبيحة الملء فكانت هذه الخبزات التى تؤخذ توقد على المذبح.
ج) كان لا يجوز لغير هرون وبنيه أن يأكلوا من التقدمة ومن اللحم. بينما فى ذبائح السلامة العادية كان يجوز لبنيهم الذكور أن يأكلوا منها.
ونلاحظ أن سكب الدم على المذبح ووضعه على قرونه يقدسه كله. وهذا يشير للمسيح الذى لم يتنجس بالخطية بالرغم من حمله لكل خطايانا. وكان الدم يوضع جزء منه على المذبح ويؤخذ جزء لمسح الكهنة به فكأنهم يتزوجون المذبح.
وبقدر التكريس ما يكون كاملاً بقدر ما يكون الإمتلاء كاملاً. وكان مسح الأذن يشير لتقديس حواسهم ولكى تكون لهم أذان للسمع وتقديس أياديهم الروحية للعمل بلا رخاوة فى حقل الرب وتقديس أرجلهم الروحية للإنطلاق مع الشعب فى طريق الرب نحو السماويات. وتقديم الشحم يشير لأنهم يجب أن يقدموا كل قوتهم لله وكل دسم الروح له.
آية 32 :- والباقى من اللحم والخبز تحرقونه بالنار
كان اللحم والخبز يؤكل فى نفس اليوم فكل يوم له ذبيحته، كل يوم له نصيبه الذى يعطيه لهم الرب (خبزنا كفافنا أعطينا اليوم) وكان الباقى يحرق (حرقه لأن الغد له خبزه) وهذا يشير أيضاً أن كل شئ إما أن يكون للفرح والشبع أو يتعرض للغضب الإلهى.
آية 35 :-ولدى باب خيمة الإجتماع تقيمون نهاراً وليلاً سبعة أيام وتحفظون شعائر الرب فلا تموتون لأنى هكذا أمرت فعمل هرون وبنوه كل ما أمر به الرب على يد موسى
كانت الذبائح تقدم 7 أيام إذاً هى غير كافية لرفع الخطية فى ذاتها ولكن لأن الرقم 7 يشير للكمال،. إذاً هذه الذبائح لمدة 7 أيام تشير للمسيح الذبيحة الكاملة عنا. وسيامتهم ككهنة للرب يعنى فى جوهره تخصيص كل حياتهم الداخلية وتصرفاتهم الظاهرة لحساب الرب نفسه. لذا قيل ولدى باب خيمة الإجتماع تقيمون نهاراً وليلاً سبعة أيام " أى لا راحة لهم سوى عند الرب
+