تفسير الاصحاح التاسع عشر من سفر اللاويين للقس انطونيوس فكرى
المعاملات والقداسة
هذا الإصحاح هو مختصر الشريعة. وهو أقسام تنتهى كل منها بقوله أنا الرب إلهك. وكأن هذه العبارة هى محور الشرائع فالشعب مقدس لأنه شعب الله ( نسعى كسفراء.. ) ونجد هنا ترجمة الحياة المقدسة عملياً خلال علاقتنا بالله والوالدين والإخوة.. الخ
آية 2 :- كلم كل جماعة بني اسرائيل و قل لهم تكونون قديسين لاني قدوس الرب الهكم.
إذاً الله هو سر قداستنا. ولأننا شعبه فيجب علينا الإلتزام بالقداسة لأنه هو قدوس "لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات" نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا" والقداسة ليست إمتناعاً عن الشر فحسب ولا حتى مجرد ممارسة لأعمال صالحة وإنما هى قبول لله القدوس فنحمل سماته هبة من عنده وهذا يتم بالمعمودية وبها إنتسبنا لله وصرنا أبناء ودورنا الآن أن نكرس القلب له ونهتم بما فوق لا بما على الأرض ونعتزل الشر أش 52 : 11 + رؤ 18 : 4) وبهذا نتقدس.
آية 3 :- تهابون كل انسان امه و اباه و تحفظون سبوتي انا الرب الهكم.
تهابون كل إنسان أمه وأباه = قوله كل إنسان تجعل حتى رئيس الكهنة بما له من مركز أسمى من كل إنسان أن يهاب أبويه. وقوله أمه قبل أباه لأن العادة جرت أن الإنسان يحب الأم ويهاب الأب فالوصية هنا تشدد على هيبة الأم وفى الكنيسة نعتبر أن الله هو الأب والكنيسة هى الأم. وتحفظون سبوتى = إقتران الوصيتين معاً تجعلنا نفهم أن دور الأبوين مهم فى تلقين الأولاد أهمية حفظ السبت. وعلى الأولاد أن يطيعوا والديهم ويحفظون السبت. والسبت أهميته أنه عهد بين الله وشعبه. هو علامة راحة وبذلك يشير للراحة الأبدية فكل حياتنا علينا أن نسلك وعيوننا على الراحة الأبدية والسماء. وكان للسبت طقسه الخاص وصلواته والإنشغال بالله وهذا ما يجب أن نهتم به فى حياتنا. وطاعة الوالدين والسبت علامة الخضوع للسلطة فمن يحترمهم سيخاف الله حتماً
آية 4 :- لا تلتفتوا الى الاوثان و الهة مسبوكة لا تصنعوا لانفسكم انا الرب الهكم.
الأوثان الحالية هى بطوننا وشهواتنا والمجد العالمى
الأيات 5 – 8 :- و متى ذبحتم ذبيحة سلامة للرب فللرضا عنكم تذبحونها. يوم تذبحونها تؤكل و في الغد و الفاضل الى اليوم الثالث يحرق بالنار. و اذا اكلت في اليوم الثالث فذلك نجاسة لا يرضى به. و من اكل منها يحمل ذنبه لانه قد دنس قدس الرب فتقطع تلك النفس من شعبها.
راجع شريعة ذبيحة السلامة. ولكن لماذا أتت هذه الوصية هنا ؟ لاحظ أن ما قبلها معاملات الشخص مع أبائه وما بعدها الإهتمام بالفقراء. وطبيعة هذه الذبيحة هى إشتراك الجميع فيها فى محبة. والغرض من أن تؤكل ولا يبقى منها منعهم من الشراهة والإبقاء منها لأنفسهم. وما دام هذا ممنوعاً فسيضطرون لأن يشركوا الجميع.
الأيات 9، 10 :- و عندما تحصدون حصيد ارضكم لا تكمل زوايا حقلك في الحصاد و لقاط حصيدك لا تلتقط. و كرمك لا تعلله و نثار كرمك لا تلتقط للمسكين و الغريب تتركه انا الرب الهكم.
هذه الأيات تعلم إتساع القلب للمحتاج والغريب فكان عليهم أن يتركوا زوايا الحقل بلا حصاد ولا يلتقطوا الحزم التى تسقط أثناء نقلها. وترك الجوانب هذا يسهل للمسكين أن يأخذ إحتياجه دون إحراج. فهذه الوصية تطلب العطاء ولكن بدون جرح للكرامة والمشاعر. (هذا ما حدث مع راعوث). وكرمك لا تعلله = أى لا تجمعه عدة مرات حتى لا يبقى فيه عنقود واحد. أنا الرب الهكم = الذى أهتم بكم وبالفقراء.
آية 11 :- لا تسرقوا و لا تكذبوا و لا تغدروا احدكم بصاحبه.
لا تسرقوا = لأنها جاءت بعد وصية زوايا الحقل فكان الله يعتبر أن من يجنى حقله كله أنه سارق. ولا تغدروا = منها عدم سداد الحقوق وعدم الوفاء بالوعود وظلم الأرامل ومنها صورة إخوة يوسف. إذاً هى خطية عدم إنفتاح القلب بالحب للآخرين
آية 12 :- و لا تحلفوا باسمي للكذب فتدنس اسم الهك انا الرب.
سمح الله بالقسم فى العهد القديم حتى لا يتشبهوا بالشعوب الوثنية ويحلفوا بآلهتهم.
آية 13 :- لا تغصب قريبك و لا تسلب و لا تبت اجرة اجير عندك الى الغد.
لا تغضب قريبك = أى لا تظلم أحد فى حق له. وهناك ظلم قد يحدث عفواً كأن لا يحصل الأجير على أجرته فى نفس اليوم. (يع 5 : 4).
آية 14 :- لا تشتم الاصم و قدام الاعمى لا تجعل معثرة بل اخش الهك انا الرب.
لا تشتم الأصم = هذا نوعاً آخر من الظلم، أى إستغلال ضعف الأخرين عوض مساندتهم. وقد تشير لمن يغتاب أحد ويظلمه وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه فكأنه أصم. وعلى هذا القياس فيكون من يشتم من يسمع، خطيته أكبر لأنه سمع وجرح وحزن بل إخشى الهك، أنا الرب = الذى يسمع الإهانه ويرى وينتقم. والأعمى الذى نضع أمامه عثرة يدخل فيها من يعثر الأخرين والأطفال الصغار أو أى إنسان برئ.
آية 15 :- لا ترتكبوا جورا في القضاء لا تاخذوا بوجه مسكين و لا تحترم وجه كبير بالعدل تحكم لقريبك.
لا تحترم وجه كبير = أى لا تنحاز له فى القضاء بسب مركزه
آية 16 :- لا تسع في الوشاية بين شعبك لا تقف على دم قريبك انا الرب.
الوشاية = هى النميمة والإفتراء على الآخرين أمام الناس. ولا تقف على دم قريبك = أى لو أمكنك أن تنقذ حياته ودمه فلتفعل. فمعنى لا تقف على دم أنك تعرف الحقيقة التى يمكنها إنقاذه لكنك تقف عليها بقدميك وتخبئها. وإرتباط الوشاية بالوقوف على الدم هو أن الوشاية أو النميمة قد تتسبب فى هلاكه. وقوله أنا الرب = تعنى أنا أرى وأدافع عن المظلومين
آية 17 :- لا تبغض اخاك في قلبك انذارا تنذر صاحبك و لا تحمل لاجله خطية.
لا تبغض أخاك فى قلبك = هنا وصل الشارع إلى أعماق القلب لينزع منه الحقد. ويطلب أن أعاتب أخى وأنبهه لخطأه = إنذاراً تنذر صاحبك = ربما دافع عن نفسه. عوضاً عن أن تحمل فى قلبك خطية حقد وكراهية. فمن يبعض أخاه هو قاتل نفس (1يو 3 : 15) أى يقتل نفسه فالغضب والكراهية تقتلان صاحبهما.
آية 18 :- لا تنتقم و لا تحقد على ابناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك انا الرب.
تحب قريبك كنفسك = هى محور النظام الأدبى فالله لا يطيق الكراهية (مت 7 : 12)
آية 19 :- فرائضي تحفظون لا تنز بهائمك جنسين و حقلك لا تزرع صنفين و لا يكن عليك ثوب مصنف من صنفين.
لا تنز بهائمك جنسين = هذه الوصية تمنع التهجين بين جنسين من الحيوانات لإنجاب جنس ثالث. فالله خلق كل شئ كجنسه وكان كل ما فعله حسن (تك 1) والله هو الذى جعل التمييز الطبيعى فى رتب مخلوقاته ومن يحاول عكس ذلك يشوش خليقة الله وإذا كان ما جمعه الله لا يفرقة إنسان فلا يجب أن ما يفرقة الله يجمعه الإنسان. وقد يكون المنع حتى لا يظن الإنسان أنه يخلق خلقة جديدة أو يعدل من خليقة الله. والطبيعة أظهرت أن مثل هذه الحالات تنتج مخلوقات ينقصها شئ. فهناك البغل وهى نتيجة تهجين الحصان والحمار ولكنه جنس عقيم إذن به عيب فالتشويش على خليقة الله يلحق بها عيوب
وروحياً فالجسد الإنسانى رمزه هنا الحيوان ولو إستسلم للشهوات الجسدية ولم يخضع للروح سيكون عقيماً مشوشاً بلا ثمر يفرح قلب الله.
وحقلك لا تزرع نصفين = كان الوثنيون يعتقدون أن هذا يسر الهتهم فيباركون زرعهم بالإضافة إلى أن كل نوع له طريقته فى الرى ومراعاة التلقيح والحصاد.
وروحياً فالحقل قد يشير للنفس التى لا يجب أن تخلط بين حب الله وحب العالم وهو يشير للكنيسة التى يجب أن تضم صنفاً واحداً من أولاد الله "جسد واحد فكر واحد رب واحد"
ولا يكن عليك ثوب مصنف من صنفين = هى أيضاً عادة وثنية سحرية صف 1 : 8. والثوب هو كنيسة المسيح (لذلك فثوب المسيح لم يشق) ويجب على الكنيسة أن تتمتع بوحدانية الفكر.
الأيات 20 – 22 :- و اذا اضطجع رجل مع امراة اضطجاع زرع و هي امة مخطوبة لرجل و لم تفد فداء و لا اعطيت حريتها فليكن تاديب لا يقتلا لانها لم تعتق. و ياتي الى الرب بذبيحة لاثمه الى باب خيمة الاجتماع كبشا ذبيحة اثم. فيكفر عنه الكاهن بكبش الاثم امام الرب من خطيته التي اخطا فيصفح له عن خطيته التي اخطا.
شريعة الزنا مع جارية = أمة = هى مازالت أمة لم يفدها خطيبها أى لم تتحرر. هنا نجد تساهل فالشريعة تتعامل مع بدائيين يعتبرون الجوارى والعبيد ملكاً لهم. والتأديب قد يكون لكلاهما إذا ثبت خطأ الأمة (جلدهما ولكن ليس الرجم وهذا هو التساهل) لكن على الرجل تقديم ذبيحة إثم. أما الأمه إذ لا تملك شئ فلا تقدم شئ. وفى الكنيسة فلا تفريق بين الحر والعبد غل 3 : 28
الأيات 23 – 25 :- و متى دخلتم الارض و غرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها. و في السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسا لتمجيد الرب. و في السنة الخامسة تاكلون ثمرها لتزيد لكم غلتها انا الرب الهكم.
طالبهم الله حين يزرعون أشجار فاكهة لا يأكلوا منها ثلاث سنوات وذلك حتى متى ظهرت أى ثمار تقطع فى بدايتها وتلقى. وكانوا يقطفون الثمر فى بدايته قبل أن ينضج أو يقطفون الزهر ويدفنونه فى الأرض كما هو أو محروقاً فيكون سماداً للأرض ليعطى قوة للشجر. وفى شجر الزيتون مثلاً لو فرح الغارس بالثمار فى السنوات الأولى تمتص الثمار العصارة ويصيب الشجرة بالعجز، أما أن نزعت الثمار فى السنوات الأولى تنمو الشجرة. وفى السنة الرابعة يكون الثمر كثيراً فيقدم كبكور لله. فلا يصح أن نقدم البكور من الثمر الضعيف. وكان ثمرها فى السنة الرابعة لتمجيد الرب فكانوا يبيعون الثمر وينفقون الثمن على الهيكل. ولأن الثمر الأولى تقطع ويرمى ولا يستعمل أسماه الله غرلة = ثمرها غرلتها. لتزيد لكم غلتها = بهذا تتقدس الشجرة وتتبارك وبالنسبة للإنسان :- السنة الأولى = الفردوس والسنة الثانية = الناموس الطبيعى والسنة الثالثة = ناموس موسى وفى كلها فشل الإنسان أن يقدم ثمراً أما فى الرابعة فقد وجد المسيح البكر الحقيقى الذى قدمته البشرية من شجرتها للآب فتقدست الشجرة كلها.
آية 26 :- لا تاكلوا بالدم لا تتفاءلوا و لا تعيفوا.
لا تأكلوا بالدم = كان الوثنيون يجمعون الدم فى طسوت ثم يجتمعون ليأكلوا حولها ويرون فى هذا شركة مع الآلهة، هم لهم اللحم والآلهة لها الدم. وسبق الحديث عن حكمة منع أكل الدم.
لا تتفائلوا ولا تعيفوا = لا تتفائلوا بالعبرية لا تنحشوا ومنها كلمة نحس أى لا تعتبرون أن شيئاً نحساً عليكم وهم كانوا يتشائمون مثلاً من وقوع اللقمة من الفم أو سقوط العصا من اليد أو من صراخ الولد وراء والده وحين يخرج أو من نعيب البوم وهذه أنواع من السحر والشعوذة. ومنها ما يستخدم لمعرفة المستقبل كما قال يوسف لإخوته "كيف يتفاءل المصريون وذلك من خلال الفقاعات التى تظهر فى الكأس أما العيافة فهى كانت بمراقبة إتجاه طيران الطيور بحسب الإتجاه ويتشائمون أو يتفائلون. ولاحظ أن إعتبار شيئاً نحس هو طريقة لمعرفة المستقبل أيضاً.
آية 27 :- لا تقصروا رؤوسكم مستديرا و لا تفسد عارضيك.
كانت عادة الوثنيين قص شعرهم وإبقاء جزءاً فى شكل سطح مستدير وسط الرأس إرضاء لألهتهم (أر 9 : 26) أما العارضان فهى جانباً اللحية يقصونهما وتترك اللحية فى الجزء الأسفل يغطى الذقن = لا تفسد عارضيك
آية 28 :- و لا تجرحوا اجسادكم لميت و كتابة وسم لا تجعلوا فيكم انا الرب.
كان الوثنيون فى إفراطهم فى الحزن على ميت يدهنون وجوههم بصبغة سوداء وزرقاء ويمزقون ثيابهم ويجرحون أجسادهم. وهذه التصرفات تكشف عن فقدان الرجاء (1تس 4 : 13، 14). والوشم = كان الوثنيون يرسمون الهتهم الوثنية على أجسادهم كوشم علامة تعلقهم بهذه الألهة وللتمتع ببركتها.
آية 29 :- لا تدنس ابنتك بتعريضها للزنى لئلا تزني الارض و تمتلئ الارض رذيلة.
قديماً كان بعض الرجال يسلمون بناتهم للزنى لأجل مكسب مادى أو كعمل تعبدى للآلهة الوثنية حيث يسمونهم ناذرات أنفسهن. وهم يقدمون أجرهن للهيكل الوثنى.
آية 31 :- لا تلتفتوا الى الجان و لا تطلبوا التوابع فتتنجسوا بهم انا الرب الهكم.
كانوا يتصورون أن الجان مخلوقات روحية مستقلة أو هم أرواح الموتى ومنهم من قال أنها الشياطين ومنهم من قال إنها صورة خيالية. وهم كانوا يحاولون الأتصال بها كقوى فوق الطبيعة لمعرفة المستقبل وإلحاق الضرر بأعدائهم. وكان هناك من يسمونهم التوابع وهؤلاء أشخاص تدخل فيهم هذه الأرواح وتتكلم على ألسنتهم. وكان هؤلاء التوابع ينبئون عن المستقبل مثل روح العرافة الذى أخرجه بولس الرسول (أع 16 : 16 – 18) (هذا ما يسمى الأن تحضير الأرواح والعمل وفك العمل والحجاب..الخ من أعمال الشياطين). وهذا يحرمه الله لأن معناه الوحيد أن الله غير قادر على حمايتى وتدبير أمورى لذلك أنا أذهب للشيطان.
آية 32 :- من امام الاشيب تقوم و تحترم وجه الشيخ و تخشى الهك انا الرب.
إذا تعلمنا إحترام الكبار سنتعلم إحترام الرب فهو القديم الأيام. ولذلك فى هذه الأية يربط بين إحترام الشيخ وخشية الرب
آية 33 :- و اذا نزل عندك غريب في ارضكم فلا تظلموه.
يربط دائماً بين الغريب واليتيم والأرملة فالغريب يشعر أنه متيتم (تث 10 : 18) والمسيح كان كغريب وسط شعب إسرائيل ولكن الشعب لم ينفذ الوصية بل لم يكن له أين يسند رأسه.
آية 35 :- لا ترتكبوا جورا في القضاء لا في القياس و لا في الوزن و لا في الكيل.
الإلتزام بالعدالة وعدم الغش
آية 36 :- ميزان حق و وزنات حق و ايفة حق و هين حق تكون لكم انا الرب الهكم الذي اخرجكم من ارض مصر.
الإيفة = مكيال للحبوب = 10 عُمُر = 22.961 لتراً
الهين = 5 لتر تقريباً
+