تفسير الاصحاح السابع من سفر القضاة للقس انطونيوس فكرى
جدعون والمديانيون
آية (1): "فبكر يربعل اي جدعون وكل الشعب الذي معه ونزلوا على عين حرود وكان جيش المديانيين شماليهم عند تل مورة في الوادي."
كان جيش مديان 135,000 رجل (10:8). ولاحظ أن جدعون يجتمع عند عين حرود فسر النصرة هى الإمكانيات الإلهية التى يتمتع بها المؤمن خلال ينبوع المعمودية. حرود تعنى إرتعاد يشير هذا الإسم لإرتعاد المديانيين أو المرتعدين من جيش جدعون الذين تركوا المعركة وربما تشير لإرتعاد إبليس من عمل الله مع شعبه.
آية (2): "وقال الرب لجدعون أن الشعب الذي معك كثير علي لأدفع المديانيين بيدهم لئلا يفتخر علي إسرائيل قائلا يدي خلصتني."
كان عدد جيش جدعون 32,000 وهو أقل بكثير من جيش مديان ومع هذا استكثره الله.
آية (3): "والآن ناد في أذان الشعب قائلا من كان خائفا ومرتعدا فليرجع وينصرف من جبل جلعاد فرجع من الشعب اثنان وعشرون ألفا وبقي عشرة آلاف."
هؤلاء الخائفون يمثلون غير الواثقين فى وعود الله (رؤ 21 : 8). وللأسف كانوا أكثر من ثلثى الجيش وهؤلاء أولاً بلا نفع وثانياً يفسدون شجاعة الباقين.
الآيات (4-6): " و قال الرب لجدعون لم يزل الشعب كثيرا انزل بهم الى الماء فانقيهم لك هناك و يكون ان الذي اقول لك عنه هذا يذهب معك فهو يذهب معك و كل من اقول لك عنه هذا لا يذهب معك فهو لا يذهب.
فنزل بالشعب الى الماء و قال الرب لجدعون كل من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب فاوقفه وحده و كذا كل من جثا على ركبتيه للشرب.
وكان عدد الذين ولغوا بيدهم إلى فمهم ثلاث مئة رجل وأما باقي الشعب جميعا فجثوا على ركبهم لشرب الماء."
ولغوا بيدهم = هؤلاء شربوا وهم واقفين ولم يجثوا على ركبهم للشرب، وهؤلاء لأنهم فى حالة حرب لم يجلسوا فهم شاعرين بالمسئولية غير متكاسلين. أمّا الذين جلسوا وإستراحوا فهم غير مهتمين بالحرب. ورجل الله المحارب لا يهتم كثيراً بالأكل والشرب فهما عنده وسيلة وليس غاية بل عينه على جهاده منتبه لأى حركة من العدو. إذاً مواصفات خدّام الله الذين يختارهم :
1) شجعان، إيمانهم قوى.
2) غير متكاسلين
الآيات (7،8): "فقال الرب لجدعون بالثلاث مئة الرجل الذين ولغوا أخلصكم وادفع المديانيين ليدك وأما سائر الشعب فليذهبوا كل واحد إلى مكانه. فاخذ الشعب زادا بيدهم مع ابواقهم و ارسل سائر رجال اسرائيل كل واحد الى خيمته و امسك الثلاث مئة الرجل و كانت محلة المديانيين تحته في الوادي."
رقم 300 باليونانية " " وهذه علامة الصليب التى بها نغلب، حين نصلب أهوائنا مع شهواتنا نتمتع بقوة عمل صليب المسيح. وأخذ الرجال زاداً مع الأبواق ونحن نحتاج فى جهادنا لزاد من كلمة الله (الأبواق تشير لكلمة الله والزاد للإيمان).
الآيات (9-14): "وكان في تلك الليلة أن الرب قال له قم انزل إلى المحلة لاني قد دفعتها إلى يدك. وأن كنت خائفا من النزول فانزل أنت وفوره غلامك إلى المحلة. وتسمع ما يتكلمون به وبعد تتشدد يداك وتنزل إلى المحلة فنزل هو وفوره غلامه إلى أخر المتجهزين الذين في المحلة.
وكان المديانيون والعمالقة وكل بني المشرق حالين في الوادي كالجراد في الكثرة وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة. وجاء جدعون فإذا رجل يخبر صاحبه بحلم ويقول هوذا قد حلمت حلما وإذا رغيف خبز شعير يتدحرج في محلة المديانيين وجاء إلى الخيمة وضربها فسقطت وقلبها إلى فوق فسقطت الخيمة.
فأجاب صاحبه وقال ليس ذلك إلا سيف جدعون بن يواش رجل إسرائيل قد دفع الله إلى يده المديانيين وكل الجيش."
لاحظ موقف جدعون الصعب:
1. جيشه 300 رجل فى مقابل 135,000 مقاتل.
2. الحرب فى السهل حيث لا توجد حصون طبيعية.
3. هم بلا معدات حربية فقد سلبهم المديانيين كل شئ خلال سنوات الإستعباد السبعة.
4. هم جيش بلا تدريب ولا خبرة فى القتال. لكن الله هو الذى يحارب ويعطى علامات وجوده لجدعون ليقويه.
أ. يظهر لهُ ويرسله بكلمات واضحة.
ب. يقبل ذبيحته بنار سماوية.
ج. يعطيه علامات واضحة (الجزة).
د. وهنا يسمعه حلم رجل مديان.
فورةغلامك = حامل سلاحك. أخر المتجهزين = أخر صفوف الجيش الجاهز للحرب وفائدة الحلم أن يظهر الله حالة الرعب التى عليها المديانيين، لقد أرعبهم الله وأراد الله أن يظهر حالتهم لجدعون فيتشدد. فأظهر الله حلماً لأحدهم وفسره أخر.
ورغيف الشعير هو أرخص أنواع الخبز فى فلسطين، يأكله الفقراء ويُقدم للحيوانات وكأن الله يعلن حتى للعدو، أنه يحطم المديانيين بجدعون الذى يبدو فى الضعف والفقر كرغيف من الشعير بلا ثمن.
فجدعون بالنسبة للمديانيين ضعيف وفقير. ونحن مهما كنا ضعفاء حتى كرغيف شعير يستخدمنا الله فلا نخاف. ونلاحظ أن أعداء شعب الله حين يروا يد الله مع شعبه يرعبون ويصيبهم الذهول.
الآيات (15-18): "و كان لما سمع جدعون خبر الحلم و تفسيره انه سجد و رجع الى محلة اسرائيل و قال قوموا لان الرب قد دفع الى يدكم جيش المديانيين.
وقسم الثلاث مئة الرجل إلى ثلاث فرق وجعل ابواقا في أيديهم كلهم وجرارا فارغة ومصابيح في وسط الجرار.
وقال لهم انظروا إلى وافعلوا كذلك وها أنا آت إلى طرف المحلة فيكون كما افعل أنكم هكذا تفعلون. ومتى ضربت بالبوق أنا وكل الذين معي فاضربوا انتم أيضا بالأبواق حول كل المحلة وقولوا للرب ولجدعون."
ما هى أسلحة جدعون فى مواجهة هذا الجيش المتمرن؟
1) 300 رجل.
2) مصابيح.
3) جرار.
4) أبواق.
ولكن جدعون وضع خطة حربية بإستخدام كل ما عنده من طاقات وإمكانيات. فيجب علينا أن نجاهد بكل ما أعطانا الله من حكمة وعقل فالله الذى أعطانا الحكمة والعقل والمواهب وهو يقدس العمل الإنسانى ويباركه ويعطيه النجاح، فعلينا أن نفهم أننا يجب أن نجاهد بقدر ما نستطيع ولكن فضل القوة يكون لله لا منّا. فجدعون يضع خطة ويترك نجاحها للرب. والثلاث فرق (كل منها 100 رجل) احتلت موقعاً حول المحلة.
الآيات (19-23): "فجاء جدعون والمئة الرجل الذين معه إلى طرف المحلة في أول الهزيع الأوسط وكانوا إذ ذاك قد أقاموا الحراس فضربوا بالأبواق وكسروا الجرار التي بأيديهم.
20 فضربت الفرق الثلاث بالأبواق وكسروا الجرار وامسكوا المصابيح بأيديهم اليسرى والأبواق بأيديهم اليمنى ليضربوا بها وصرخوا سيف للرب."
و لجدعون. ووقفوا كل واحد في مكانه حول المحلة فركض كل الجيش وصرخوا وهربوا. وضرب الثلاث المئين بالأبواق وجعل الرب سيف كل واحد بصاحبه وبكل الجيش فهرب الجيش إلى بيت شطه إلى صردة حتى إلى حافة ابل محولة إلى طباة. فاجتمع رجال إسرائيل من نفتالي ومن اشير ومن كل منسى وتبعوا المديانيين.
أوّل الهزيع الأوسط = حوالى الساعة 10 مساءاً. كسروا الجرار =
الجرار فائدتها =
1. إخفاء ضوء المشاعل حتى يحين الميعاد.
2. حماية المشاعل من الريح حتى لا تنطفئ.
3. صوت كسر الجرار ليوهم المديانيين بأن هناك جيشاً ضخماً يهاجمهم.
وما أرعب جيش مديان.
1. رعب الله وقع عليهم فكان تأثير خطة جدعون مضاعفاً.
2. صوت الأبواق وصوت تكسير الجرار المفاجئ بينما هم نائمون. فقد كسّر كل رجل جرته فى جرة أخيه فكأنه صوت إشتباك العدد الحربية معاً.
3. الليل أصلاً مُرعب فلا أحد يرى شيئاً ولكنهم فوجئوا بالمشاعل تحيط بهم.
4. سيف للرب وجدعون = جدعون إستعار الكلمة من فم رجل مديان (أية14) ولكنه قال سيف للرب فهو يعرف أن الله هو الذى يحارب. وهو قال سيف لجدعون لأنه يحكمَ أن إسم جدعون صار يمثل رعباً للمديانيين. وهم ظنوا المصابيح نجدة أتية لجدعون من بعيد.
ومن شدة الرعب ضرب المديانيين أنفسهم فدارت المعركة بينهم وهم لا يدرون ولاحظ أن جدعون سأل الرب أين المعجزات (6 : 13) وها هو يرى بعينيه ولنلاحظ أن الله قادر أن يجعل أعداء كنيسته يتقاتلون معاً وتنجو الكنيسة.
وهرب باقى جيش مديان ناحية شرق الأردن، هم كانوا هاربين من وجه قوة يشعرون بها ولا يرونها، هم جعلهم الله يهربون بلا مطارد فهو الذى أرعبهم وسلمهم لأعمالهم الشريرة التى تفقدهم سلامهم (أم 14 : 32 + 28 : 1).
آية (24): "فأرسل جدعون رسلا إلى كل جبل افرايم قائلا انزلوا للقاء المديانيين وخذوا منهم المياه إلى بيت بارة والأردن فاجتمع كل رجال افرايم واخذوا المياه إلى بيت بارة والأردن."
وكان هرب المديانيين نحو الأردن ليعبروه هرباً من جدعون فطلب جدعون من رجال أفرايم قطع طريق الهروب أمامهم. خذوا منهم المياه = أى أن يستولى رجال أفرايم على مخاوض الأردن ولا يدعو المديانيين يعبرون ليهربوا، فهم قطعوا خط الرجعة والهروب عليهم.
الأن بعد أن تحطم جيش مديان بدأ الهاربون والخائفون والمنسحبون والمتكاسلون من جيش إسرائيل يطاردون فلول جيش مديان الهارب فنصرة المسيح على الصليب (جدعون رمز للمسيح) أعطت لنا نحن الضعفاء إمكانية هزيمة إبليس.
وكيف نهزم إبليس؟ خذوا منهم المياه = فالمياه ترمز لعطايا الله ونعمه لنا أى كل مواهبنا وطاقاتنا وجسمنا التى إستولى عليها إبليس فعلينا أن نأخذها منه لنستعملها لحساب المسيح. (لقد إستولى مديان أولاً على مخاوض الأردن ليهرب منها أو يعبر منها متى شاء، متى شاء يدخل ومتى شاء يخرج) والأن أخذها شعب إفرايم فلا يستطيع مديان أن يستعملها بل هلك داخل أرض إسرائيل.
آية (25): "وامسكوا اميري المديانيين غرابا وذئبا وقتلوا غرابا على صخرة غراب وأما ذئب فقتلوه في معصرة ذئب وتبعوا المديانيين وأتوا براسي غراب وذئب إلى جدعون من عبر الأردن."
الحمامة تشير للروح القدس أو للكنيسة المنقادة بالروح القدس. والغراب يشير لإبليس (غراب فلك نوح يعيش على الجثث الميتة وإبليس يفرح بهلاك شعب الله وكونهم كجثث ميتة). والحمل يشير للمسيح ولكل مؤمن إتحد به. والذئب يشير لعدو الخير الذى طبعه الشراسة والإفتراس ويعطى لتابعيه أن يكونوا مثله فى طبعه يفترسون الحملان الوديعة.
إذاً الغراب إشارة للفساد والذئب إشارة للإفتراس. وبإرتباطنا بيسوع جدعون نهزم غراب وذئب. ولاحظ قتل غراب وذئب على صخرة (والمسيح هو الصخرة 1كو 10:4) والمعصرة تشير للكنيسة. فإرتباط المسيحى بالكنيسه المعصرة المملوءة من عصير الكرمة (دم المسيح) كمصدر حياة هو سر حياة المؤمن وسر هلاك إبليس ولاحظ طريق النصرة:
1. رجال جدعون 300 مؤمنين يحملون الصليب.
2. هم 3 فرق = إيمان بقوة القيامة العاملة فيهم.
3. لهم أبواق = كلمة الله التى تعطى إنذار للنفس وأجساد مائتة منكسرة كالجرار والروح القدس كمصباح منير.
4. رفض روح الفساد (الغراب) والشر (الذئب).
+