تفسير الاصحاح الثانى والثلاثون من سفر التكوين للقس انطونيوس فكرى
يعقوب يرسل هديه لأخيه - وصراع يعقوب مع الله
الآن يعقوب إنطلق في إتجاه كنعان وهو تخلص من مضايقات لابان لكنه الأن بدأ يشعر بالخوف بل بالرعب من عيسو وإنتقامه المتوقع ويعقوب خاف من إنتقام عيسو منه ومن زوجاته وأولاده.الأيات 1، 2:
“ 1 واما يعقوب فمضى في طريقه ولاقاه ملائكة الله 2 وقال يعقوب اذ راهم هذا جيش الله فدعا اسم ذلك المكان محنايم “
لاقاه ملائكة الله: لقد كان الملائكة حوله دائما لكنه لم يكن يراهم. وهم الأن يشعرونه بوجودهم تشجيعاً له لإزالة مخاوفه من عيسو. وهناك معني أخر رائع. فها هو موكب الكنيسة المنطلق في إتجاه كنعان السماوية والملائكة ترافق الموكب كما حملت الملائكة لعازر المسكين وهو منطلق للسماء. ويبدو أن عدد الملائكة كان كبيراً جداً فأسماهم يعقوب جيش الله. ودعا الموضع محنايم أي معسكرين أو محلتين. لأن يعقوب وعائلته كانا يمثلان جيشاً والملائكة جيشاً آخر. وما أروع هذه الصورة عن الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة فى السماء، والمسيح هو حجر الزاوية الذي وحد الأرضيين مع السمائيين. وهذا له تطبيق رائع في الطقس القبطي في صلاة الساعة الثانية عشر يوم الجمعة العظيمة حينما يردد الشمامسة في الهيكل لحن ثوك تي تي جوم (ممثلين للسمائيين) ويرد عليهم الشعب من الكنيسة بنفس اللحن (ممثلين الكنيسة علي الأرض).
الأيات 3-8:
“ 3 وارسل يعقوب رسلا قدامه الى عيسو اخيه الى ارض سعير بلاد ادوم 4 وامرهم قائلا هكذا تقولون لسيدي عيسو هكذا قال عبدك يعقوب تغربت عند لابان ولبثت الى الان 5 وقد صار لي بقر وحمير وغنم وعبيد واماء وارسلت لاخبر سيدي لكي اجد نعمة في عينيك 6 فرجع الرسل الى يعقوب قائلين اتينا الى اخيك الى عيسو وهو ايضا قادم للقائك واربع مئة رجل معه 7 فخاف يعقوب جدا وضاق به الامر فقسم القوم الذين معه والغنم والبقر والجمال الى جيشين 8 وقال ان جاء عيسو الى الجيش الواحد وضربه يكون الجيش الباقي ناجيا “
مازال يعقوب في ضعفه البشري خائفاً بعد أن أراه الله أنه حماه من لابان وبعد أن رأي جيش الملائكة. وهنا نجده يرسل لأخيه كانه يستاذنه في أن يعود وليعرف مشاعره تجاهه. وإستخدم لغة الإتضاع… سيدي عيسو… عبدك يعقوب. وحينما سمع أن عيسو آتيا ومعه 400 رجل خاف جداً. وكون عيسو يأتي ومعه 400 رجل فهذا إعلانا عن غناه وقوته. وبدأ يعقوب يفكر في تقسيم عائلته إلي جيشين لينجو جزء منهم لو ضرب عيسو الجيش الأخر.
الأيات 9-12:
“ 9 وقال يعقوب يا اله ابي ابراهيم واله ابي اسحق الرب الذي قال لي ارجع الى ارضك والى عشيرتك فاحسن اليك 10 صغير انا عن جميع الطافك وجميع الامانة التي صنعت الى عبدك فاني بعصاي عبرت هذا الاردن والان قد صرت جيشين 11 نجني من يد اخي من يد عيسو لاني خائف منه ان ياتي ويضربني الام مع البنين 12 وانت قد قلت اني احسن اليك واجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد للكثرة “
نجد هنا صلاة يعقوب وهي أول صلاة يذكرها الكتاب بكلماتها وتفاصيلها.
يا إله أبي أبراهيم: الله بالنسبه له ليس إلهاً محتجباً عن البشر. بل هناك علاقة شخصية بين الله وبين عائلته، جده وأبيه. هو أب له ولعائلته.
الرب الذي قال: هو يذكر الله بمواعيده والله يفرح بأولاده الذين يصرون علي تحقيق المواعيد الإلهية لذلك تقول الكنيسة في صلواتها "أذكر يارب كذا وكذا…"
صغير انا: هو شعور بالضعف والإنسحاق أمام الله.
بعصاي عبرت: أي كنت لا أملك شيئاً.
الأن قد صرت جيشين: إذا هذه بركة من الله. فهو يشكر الله علي بركاته ونعمه ويذكرها له وهناك تأمل أن يعقوب الذي خرج بعصاه يمثل المسيح الذي حمل صليبه. ويعقوب رجع بعائلته والمسيح إقتني كنيسته.
الأيات 13-21:
“ 13 وبات هناك تلك الليلة واخذ مما اتى بيده هدية لعيسو اخيه 14 مئتي عنز وعشرين تيسا مئتي نعجة وعشرين كبشا 15 ثلاثين ناقة مرضعة واولادها اربعين بقرة وعشرة ثيران عشرين اتانا وعشرة حمير 16 ودفعها الى يد عبيده قطيعا قطيعا على حدة وقال لعبيده اجتازوا قدامي واجعلوا فسحة بين قطيع وقطيع 17 وامر الاول قائلا اذا صادفك عيسو اخي وسالك قائلا لمن انت والى اين تذهب ولمن هذا الذي قدامك 18 تقول لعبدك يعقوب هو هدية مرسلة لسيدي عيسو وها هو ايضا وراءنا 19 وامر ايضا الثاني والثالث وجميع السائرين وراء القطعان قائلا بمثل هذا الكلام تكلمون عيسو حينما تجدونه 20 وتقولون هوذا عبدك يعقوب ايضا وراءنا لانه قال استعطف وجهه بالهدية السائرة امامي وبعد ذلك انظر وجهه عسى ان يرفع وجهي 21 فاجتازت الهدية قدامه واما هو فبات تلك الليلة في المحلة “
هنا يعقوب يرسل هدايا ضخمة إلي عيسو يطفئ بها لهيب غضبه. وهو يرسلها إليه مجزئة. كل هدية تليها هدية حتي يأسر قلب أخيه. وأمر خدامه حاملي الهدايا بأن يكون كلامهم في منتهي التواضع: سيدي عيسو… عبدك يعقوب.
أية 22:
“22 ثم قام في تلك الليلة واخذ امراتيه وجاريتيه واولاده الاحد عشر وعبر مخاضة يبوق “
مخاضة يبوق: يبوق هو أحد روافد الأردن. ومخاضة تعني جزء ضحل يعبر بالأقدام.
الأيات 24-29:
“ 24 فبقي يعقوب وحده وصارعه انسان حتى طلوع الفجر 25 ولما راى انه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه 26 وقال اطلقني لانه قد طلع الفجر فقال لا اطلقك ان لم تباركني 27 فقال له ما اسمك فقال يعقوب 28 فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل اسرائيل لانك جاهدت مع الله والناس وقدرت 29 وسال يعقوب وقال اخبرني باسمك فقال لماذا تسال عن اسمي وباركه هناك “
الله حاول تثبيت يعقوب وتشجيعه برؤيا للابان ثم برؤيا جيش الملائكة ولكن يعقوب ظل في رعب. ونجد هنا أن الله يتعامل معه بأسلوب جديد ليشجعه ويعطيه ثقة بنفسه. وفي هذه الليلة التي بدأت بالصلاة المذكورة، من المؤكد أن يعقوب بعد أن أرسل هديته إستمر يجاهد في صلاته. وظهر له إنسان وصارعه حتي طلوع الفجر. والله أعطي له هذه القوة للصراع والجهاد فهو لم يكن يملك هذه القوة. وهناك رأيين في هذا الإنسان أولهما أنه أحد ظهورات المسيح قبل التجسد وثاينهما أنه ملاك علي شكل إنسان لكنه يمثل الحضرة الألهية. وكان هدف الله أن يعطيه ثقة بذاته حينما يغلب فلا يخاف من مقابلة عيسو. ولكن هذا الصراع يشير للجهاد في الصلاة وثمرة الجهاد والتمسك بمواعيد الله لذلك بدأ الصراع جسدياً وإنتهي صراعاً روحياً وإلي هذا يشير هوشع النبي هو 4،3:12 بكي وإسترحمه فهو لم يكن صراعاً جسدياً ولكنه بكاء وطلب رحمة من الله. هو تمسك بالله ولم يرخه "نش 4:3" ولما رأي أنه لا يقدر عليه. بمعني أن الملاك حين رأي يعقوب في جهاده لم يستسلم بل ظل يصارع طوال الليل. الأمر الذي بدا فيه الملاك كمن هو مغلوب ويعقوب كغالب. ولكن هل يغلب الله؟ نرجع لسفر النشيد فنسمع "حولي عنى عينيك فإنهما قد غلبتاني نش 5:6" فالله يغلب بالدموع والتوبة ويعقوب هنا بكي وإسترحمه. وحتي لا يأتي إنتصار يعقوب بنتيجة عكسية فيدخل في الكبرياء ضرب الملاك حق فخذه فإنخلع. كما سمح الله لبولس بشوكة في الجسد لكي لا يرتفع من فرط الإستعلانات. وحق الفخذ هو مفصل الفخذ وكلمة ضرب في العبرية تأتي بمعني لمسة خفيفة "لمس حق فخذه" وهذا لو أدي لخلع المفصل يكون من لمس يعقوب ليس إنساناً عادياً.
أطلقني: هذه تبين ما صار ليعقوب من صداقة مع الله فالملاك لا يريد أن يفارقه دون أن يسأله ذلك وجهاد يعقوب لحصوله علي البركة = ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه مت 12:11. ولنلاحظ أن مشكلة يعقوب كانت خداعاته ومكره وذلك بسبب إحساسه بالضعف وها نحن نراه مرعوباً من لقاء عيسو والله حاول أن يظهر له أنه يسانده مرارا عديدة.
1. نبوة لرفقة حتي قبل ميلاده
2. رؤيا السلم في الطريق.
3. توفيقه في لقاء راحيل وعائلته.
4. البركة في بيت لابان.
5. رؤيا لابان وفيها إعلان لحماية الله له.
6. رؤيا جيش الملائكة.
ولكن النفسية الخائفة غير المصدقة ترتعب عند أول ذكر لمشكلة مثل عيسو وتنسي كل إعلانات وإحسانات الله!! فكيف يتعامل الله مع هذه الشخصية؟
يصارعه ملاك ليشعر بضعفه، فهو كان يتغلب علي ضعفه بالحيل والمكر والخداع. والأن ما الحل مع من يصارعه وجها لوجه؟ لا مكان للحيل والخداع والمكر. بل هناك حل واحد ان يبكي ويسترحم ويصلي ويجاهد ويغلب ويحصل علي البركة وهنا يعرف كيف يتخلي عن ذاته واضعاً كل ثقته في الله. لذلك ما لم تحله الرؤي والإعلانات حلته هذه الرؤيا أو هذا الجهاد فالله يلمس نقاط الضعف فينا فنشعر بضعفنا وإحتياجنا إليه وأن فيه كفايتنا. والأن هو كان خائفاً من لقاء عيسو لأن فكره وحيله لم تسعفه فعيسو أت ومعه 400 رجل ولكن بعد هذا اللقاء عرف أن الحل ليس في الحيل والمكر بل في جهاده مع الله وأن الله هو الذي يحفظه. ثم نجد بعد هذه الحادثة أن الملاك يسأل يعقوب عن إسمه لا لجهله بإسمه ولكن ليعلن له أن اسمه القديم يعقوب قد تغير إلي اسم جديد يناسب البركة التي حصل عليها بجهاده
أسرائيل: أمير الله أو قوي مع الله أو هو مجاهد قوي في صف الله. هو قوي بجهاده فهو جاهد مع الله ومع الناس
سار: امير أيل:الله فيكون إسرائيل= أمير الله
ومن هذا الأسم سارة : أميرة
ولها تفسير أخر
أس - را - إيل
إيس - را - إيل
رجل رأى الله
وهذا التفسير يتفق مع تسمية يعقوب للمكان فنوئيل.
وفي (29) يعقوب يسأل الملاك عن اسمه فلا يجيبه. وهذا يتمشي مع قول الملاك لمنوح أبو شمشون لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. والمسيح هو من دعي عجيباً إلهاً مشيراً أش 6:9 وهو هنا يرفض الأجابة عن اسمه فميعاد التجسد واعلان هذه الحقيقة لم يأتي أوانه.
أية 30:
“30 فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلا لاني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي “
فنيئيل: وجه الله. واسمي المكان هكذا لأنه رأي الله وجهاً لوجه ولم يمت. ولم يسمي باسم يحمل معني انه غلب الله بل هو سعيد بأنه رأي الله ولم يمت : ونجيت نفسي.
أية 31:
“31 واشرقت له الشمس اذ عبر فنوئيل وهو يخمع على فخذه ”
واشرقت له الشمس : المسيح هو شمس البر مل 2:4. وما أجمل هذا القول فالأن عرف يعقوب معرفة جديدة عن الله فأشرق له نور المسيح بعد أن تخلي عن ذاته ووضع ثقته في الرب. وليس مهماً بعد ذلك أن يخمع علي فخذه : شوكة الجسد مع المعرفة الحقيقية لله تصبح لا شئ.
أية 32:
“32 لذلك لا ياكل بنو اسرائيل عرق النسا الذي على حق الفخذ الى هذا اليوم لانه ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النسا “
عرق النسا : هو ممتد من الورك إلي الكعب ويمر بجانب حق الفخذ وإجلالاً لهذه الواقعة فاليهود يستخرجونه من ذبائحهم ولا يأكلونه.
+