تفسير الاصحاح الثالث والعشرون من سفر التكوين للقس انطونيوس فكرى
موت سارة وشراء مغارة المكفيلة:
بعد أن أخذ إبراهيم وعد الحياة والبركة في الإصحاح السابق نجد هنا أخبار الموت. وهذا يشير إلي أنه ولو أن المسيح مات عنا وقام ليحمل عنا عقوبتنا إلا أنه يجب أن نموت كعبور للحياة الأخري.وخبر أقارب رفقة ما بين الأصحاحين يشير إلي إستمرار الحياة عن طريق الأبناء بعد موت الأباء حتي يأتي يوم القيامة الذي يقوم فيه الجميع وهذا معبر عنه بقول الوحي وقام إبراهيم من أمام ميته (أية 3)، بعد أن ناح وبكي ولم تكن قامة إبراهيم الروحية العالية جداً مانعاً أمام ظهور العواطف والمشاعر الإنسانية فالمسيح نفسه بكي أمام قبر لعازر لكن قوله وقام تشير لإيمانه بالقيامة. ولكن نحن هنا في هذه الأرض في فترة بكاء وعالم حزن يخفف منهم الإيمان بالقيامة.
أية 1: " وكانت حياة سارة مئة وسبعا وعشرين سنة سني حياة سارة "
سارة هي المرأة الوحيدة التي يذكر الكتاب المقدس عمرها فهى أم العبراينين.
أية 2: " وماتت سارة في قرية اربع التي هي حبرون في ارض كنعان فاتى ابراهيم ليندب سارة ويبكي عليها "
كان إبراهيم يتنقل غالباً وله عدة مراكز بسبب أملاكه الوفيرة بين حبرون وبئر سبع فأتي إبراهيم ليندب سارة : معناها أنه كان متغرباً في عمله وسمع فأتي ليندبها.
أية 3: " وقام ابراهيم من امام ميته وكلم بني حث قائلا "
كلمة حث معناها خوف ورعب. وهذا هو حال الأرض قبل فداء المسيح.
أية 4: " انا غريب ونزيل عندكم اعطوني ملك قبر معكم لادفن ميتي من امامي "
أنا غريب ونزيل : بالرغم من كل أملاكه وهيبته أمام بني حث حتي عاملوه كرئيس بينهم (آية 6) إلا أنه في إتضاع عاش كغريب شاعراً أنه لا ينتمي لهذا العالم بل لمن هو في السماء. وقطعاً فإن شركته مع الله هذه هي التي أعطته الكرامة أمام هؤلاء القوم أعطوني ملك قبر : لم يفكر إبراهيم في دفن سارة زوجته بجوار أسلافه، فإن كان بالإيمان قد خرج مع سارة من أور. فهو قد بقي سالكاً بهذا الإيمان حتي النفس الأخير. وهو الذي لم يمتلك شيئاً في أرض كنعان إمتلك مقبرة (أع 5:7) بينما إمتلك نمرود وقايين مدناً. هذا يعبر عن روح الغربة. إلا أننا نلاحظ.
1. إصرار إبراهيم علي شراء الأرض وهذه الأرض بالذات هو تأكيد لإيمانه بإن الله سيعطيها له.
2. الأرض التي وهبها الله له مجاناً لا يأخذها سوي بعد دفع الثمن. وهذا إشارة لأن الله أعطانا هبات مجانية وميراثاً للسماء من نعمته ولكن علينا أن نجاهد حتي نرث (الثمن)
3. الأرض إشتراها بفضة. والأرض تشير لميراث السماء الفضة تشير للفداء الذي به نلنا الميراث.
4. الله وعده بالأرض لكنه لم يمتلك منها سوى مقبرة. وحل هذا قاله بولس الرسول، أنها أرض غربة وكان ينتظر المدينة التى لها الأساسات التى صانعها وبارئها الله عب 10:11 أى ميراث السماء.
أية 6: " اسمعنا يا سيدي انت رئيس من الله بيننا في افضل قبورنا ادفن ميتك لا يمنع احد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك "
رئيس من الله : أي رئيس عظيم. ولاحظ محبة بني حث وتكريمهم لإبراهيم.
أية 7: " فقام ابراهيم وسجد لشعب الارض لبني حث "
سجود إبراهيم هنا سجود وإكرام وليس سجود عبادة : وهكذا نسجد للبابا والأساقفة.
الأيات 8،9:
" 8 وكلمهم قائلا ان كان في نفوسكم ان ادفن ميتي من امامي فاسمعوني والتمسوا لي من عفرون بن صوحر 9 ان يعطيني مغارة المكفيلة التي له التي في طرف حقله بثمن كامل يعطيني اياها في وسطكم ملك قبر "
هنا نجد إصرار إبراهيم علي الدفع ولم يستغل محبة بني حث. وواضح أن إبراهيم كان يعلم إسم صاحب الأرض التي يريد شراؤها لكنه لم يكن قد رآه من قبل.
أية 10: " وكان عفرون جالسا بين بني حث فاجاب عفرون الحثي ابراهيم في مسامع بني حث لدى جميع الداخلين باب مدينته قائلا "
كان الوجهاء والعظماء يجلسون في باب المدينة حيث تحل المشاكل.
أية 12: " فسجد ابراهيم امام شعب الارض "
السجود هنا هو سجود شكر لهم علي مودتهم.
أية 13: " وكلم عفرون في مسامع شعب الارض قائلا بل ان كنت انت اياه فليتك تسمعني اعطيك ثمن الحقل خذ مني فادفن ميتي هناك "
هنا إكتشف إبراهيم أن عفرون جالساً في وسطهم فقال له إن كنت أنت إياه : أي إن كنت أنت عفرون صاحب المغارة والحقل. وقد تعني الجملة إن أردت هذا فعلاً أن تعطيني المغارة وأنت قادر فعلاً أن تعطيني مجاناً فأنا واثق من كرمك ولكن إسمح أن أدفع الثمن. والأسلوب الذي إتبع هنا هو أسلوب شرقي مهذب للشراء والبيع فيسأل الشاري "بكم" ويرد البائع "مجانا" أو "لأجلك مجانا" ويرد الشاري "أنت قدها وزيادة ولكن أريد أن أدفع" وإيمانياً فإبراهيم لا يريد أن يأخذ الأرض مجاناً من يد عفرون فهو ينتظر أن يأخذها من يد الله في الوقت الذي يحدده الله. هو ينتظر بصبر تحقيق وعد الله ولا يظهر كمن يتقبل من الناس شيئاً وعده الله أن يهبه إياه.
الأيات 15،16:
" 15 يا سيدي اسمعني ارض باربع مئة شاقل فضة ما هي بيني وبينك فادفن ميتك 16 فسمع ابراهيم لعفرون ووزن ابراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حث اربع مئة شاقل فضة جائزة عند التجار "
400 فضة كانت كثيرة علي الأرض لكن عند إبراهيم لم تكن شيئاً فهي عربون ميراثه. وهو لم يقتن من الأرض إلا ما يدفن فيه جسده. ولقد دفن في هذه المغارة إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة ويعقوب وليئة والأن مقام فوقها مسجد الخليل وساحته. ولقد إشتري يعقوب مدفناً اخر في شكيم (يش 32:24) دفن فيه يوسف وأخرين راجع أع 16:7 وغالباً دفن فيه بعض أباء الأسباط.
ويقال ان عظام يوسف تم نقلها بعد ذلك إلي مغارة المكفيلة. فضة جائزة عند التجار : هذه تشبه التمغة الأن. أي الذهب والفضة يتم تمغهما ليظهر أنهما ليسا مغشوشان
+