تفسير الاصحاح العشرون من سفر التكوين للقس انطونيوس فكرى
ساراى و أبيمالك
الأيات 1،2:
" 1 وانتقل ابراهيم من هناك الى ارض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار 2 وقال ابراهيم عن سارة امراته هي اختي فارسل ابيمالك ملك جرار واخذ سارة "
لا نعرف لماذا ذهب إبراهيم إلي جرار، وهناك من يقول أنه تأثر مما حدث في سدوم وعمورة إذ راهما تحترقان. أو هو طلب مرعي أخر إذ كثرت مواشيه، أو لعل مجاعة جديدة حدثت فغادر بلوطات ممرا إلي جرار. وهنا نجد لحظة ضعف إيمان لأبو الإيمان، فيها تغيرت نظرة إبراهيم فبدلاً من أن ينظر للسماء بإيمان نظر لأهل جرار فرأهم أشرار فخاف منهم وكرر الخدعة الأولي التي فعلها مع فرعون بعد حوالي 20 سنة.
لكن هناك سؤال كيف ينظر ملك جرار إلي سارة وهي الأن تقترب من التسعين من عمرها!! هل كانت مازالت محتفظة بجمالها؟ الأجابة أن الله الذي أعطاها نسلاً ضد الطبيعة وقد غير طبيعتها بل هي كانت ترضع إسحق هو نفسه أعطاها حيوية تتحمل الولادة والرضاعة وتربية الطفل فهو الذي جدَد مثل النسر شبابها وبنفس المفهوم نفهم كيف أن إبراهيم وقد إندهش أن يكون لإبن مائة عام قدرة أن ينجب قد إستمر ينجب بعد أن تزوج قطورة وعمره 140 عاماً وأنجب منها 6 أولاد فعطايا الله دائمة لا يرجع فيها.
إبيمالك: غالبا لا تعني إسماً بل لقباً مثلما كان فرعون في مصر هو ملك مصر. وإبيمالك تعني أبي ملك. وهو كان وثنياً لكن كان له صفات لطيفة وجميلة. ولاحظ حديثه مع الله ومع إبراهيم ومع سارة. ونتعجب كيف حكم إبراهيم أن هذا الموضع ليس فيه خوف الله (آية 11). ومدينة جرار علي الجانب الجنوبي من حدود فلسطين تبعد 9 كيلومتر من غزة وسكنها الفلسطينيون.
أية 6: " فقال له الله في الحلم انا ايضا علمت انك بسلامة قلبك فعلت هذا وانا ايضا امسكتك عن ان تخطئ الي لذلك لم ادعك تمسها "
وأنا أمسكتك: لعل الله أصابه بمرض حتي لا يمس سارة. ولعل إبيمالك تذمر وقتها بسبب المرض الذي لحقه. لكن كان هذا المرض لخيره لأنه لو كان صحيحاً ومسها لكان الله قتله.
أية 7: " فالان رد امراة الرجل فانه نبي فيصلي لاجلك فتحيا وان كنت لست تردها فاعلم انك موتا تموت انت وكل من لك "
فإنه نبي : نبي باليوانية بروفيتيس : برو (قبل) + فيتيس (يتكلم) والمعني أنه يتكلم بأشياء قبل أن تحدث أي أشياء مستقبلية. وفي العبرية الكلمة نبي مثل العربية ولكنها تعني الذي يصلي ويتوسل ويتشفع. ولأن من بين من يصلي ويتوسل لله يوجد من إرتقي لعلاقة المودة والمحبة لله والصداقة لله التي معها يقول الله "هل أخفي عن عبدي هذا ما أنا فاعله". فيكشف لهم الله أفكاره عن الحاضر والمستقبل. ولذلك أصبحت كلمة نبي تعني من يتكلم ويعظ ويعلم عن الله وتعني أيضا من يكشف المستقبل. وكان المعني الذي قصده بولس الرسول في 1كو 3:14 يعني من يتكلم عن أفكار الله ويعلنها ويعلمها وهكذا كان المعني لموسي وهرون، فهرون كان له اللسان الذي به يعلن أفكار الله التي تأتي لموسي. وهذه الأية إثبات مهم لموضوع الشفاعة. وهنا نجد الله يكرم إبراهيم جداً في عيون الفلسطينين.
فهل الله كان غير قادر ان يبارك إبيمالك بدون صلاة إبراهيم. قطعاً لا لكن الله أراد ان يكرم ابراهيم الذي أكرمه 1صم 30:2
أية 8: " فبكر ابيمالك في الغد ودعا جميع عبيده وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم فخاف الرجال جدا "
كان رجال إبيمالك وثنيين لكن كانت قلوبهم مستعدة لقبول كلمة الله.
أية 9: " ثم دعا ابيمالك ابراهيم وقال له ماذا فعلت بنا وبماذا اخطات اليك حتى جلبت علي وعلى مملكتي خطية عظيمة اعمالا لا تعمل عملت بي "
الله يسمح لأبيمالك أن يعاتب إبراهيم ويلومه. ماذا فعلت بي : أي ماذا قصدت بي، فإني لم أسئ إليك حتي خدعتني وجلبت علي غضباً إلهياً. لو قلت الصدق ما حدث هذا.
أية 10: " وقال ابيمالك لابراهيم ماذا رايت حتى عملت هذا الشيء "
ماذا رأيت حتي عملت هذا الشي: ماذا رأيت فينا من شر حتي تفعل بنا هذا.
الايات 11-13:
" 11 فقال ابراهيم اني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة فيقتلونني لاجل امراتي 12 وبالحقيقة ايضا هي اختي ابنة ابي غير انها ليست ابنة امي فصارت لي زوجة 13 وحدث لما اتاهني الله من بيت ابي اني قلت لها هذا معروفك الذي تصنعين الي في كل مكان ناتي اليه قولي عني هو اخي "
العجيب أن رد إبراهيم لم يتضمن إعترافاً بالخطأ بل تضمن إتهاماً لأهل جرار بالشر دون مبرر فسقط في خطية الإدانة والتسرع في الحكم علي الأخرين. مع أنه ثبت أنهم صالحين. وأوضح كلام إبراهيم أن ما فعله كان إتفاقاً قديما بينه وبين سارة ونفذوه من قبل مع فرعون.
حدث لما أتاهني الله : أي حينما أخرجني الله من أور ثم من حاران وكنت لا أعلم إلي إين أذهب.
الأيات 14-16:
" 14 فاخذ ابيمالك غنما وبقرا وعبيدا واماء واعطاها لابراهيم ورد اليه سارة امراته 15 وقال ابيمالك هوذا ارضي قدامك اسكن في ما حسن في عينيك 16 وقال لسارة اني قد اعطيت اخاك الفا من الفضة ها هو لك غطاء عين من جهة كل ما عندك وعند كل واحد فانصفت "
كان أكرام ابيمالك لإبراهيم عظيماً لا في الهدايا وحسب وإنما في إعلان محبته وتقديره له، لقد رد إلاساءة إليه بالحب العملي.
أني قد أعطيت اخاك : هو عتاب مملوء حباً لأنها قالت لأبيمالك هو اخي فهو يعاتبها بقوله أخاك. وقد تكون الألف فضة ثمن المواشي أو هي فوق المواشي.
غطاء عين لك : يعني هذا أن الهدية معناها أن ابيمالك لم يمس سارة فقبول إبراهيم للهدية يعني هذا وهو إثبات لعفة سارة. هو تكريم ورد شرف وتقديراً لها ولزوجها أمام الناس. وهناك من يقول أن المقصود بغطاء العين هو إبراهيم نفسه فيكون حامياً لها وساتراً إياها عن كل عين تتطلع أو تفكر في أخذها.
الأيات 17،18:
" 17 فصلى ابراهيم الى الله فشفى الله ابيمالك وامراته وجواريه فولدن 18 لان الرب كان قد اغلق كل رحم لبيت ابيمالك بسبب سارة امراة ابراهيم "
يبدو أن إبراهيم صلي لأجل إبيمالك وسراريه بعد مدة فيها علموا بعقمهم. والمفروض أن يكون الزواج غطاء عين فلا ينظر أي من الطرفين ليشتهي (أي 1:31).
+