تفسير الاصحاح السابع عشر من سفر التكوين للقس انطونيوس فكرى
عهد الختان
في بدء خلق الإنسان وقبل السقوط كانت العهود بين الله والإنسان مقامة علي أساس الحب دون أي علامة ظاهرة للعهد فكان الإنسان كصورة الله متجاوبًا مع خالقه بالحب.وبعد السقوط احتاج الإنسان لعلامات يشعر بها الإنسان بوجود الله ومحبته فجوهر العهد هو وجود الله لأن جوهر الخلاص هو رجوعنا للإتحاد بالله. فعند تجديد العالم بالطوفان أعطي الله علامة قوس قزح علامة العهد مع نوح. والآن نري أن الله يدخل في عهد مع إبرام، يعطي علامة الختان كعلامة ثابتة في جسم كل ذكر. وعلامة الختان هي علامة بالدم فهو ظل لميثاق أعظم يقدمه المسيح في جسده للمصالحة علي مستوي أبدي. فالدم هو شكل العهد الجديد.
والختان يعتبر قطع جزء من جسم الإنسان ليموت هذا الجزء إعلانًا عن قطع الحياة القديمة ليقوم الشخص في حياة جديدة كابن لله. وكما كان قوس قزح موجودًا قبل الطوفان واتخذه الله علامة لإرادته فى أن يحيا الإنسان، هكذا كان الختان معروفًا وسط بعض الشعوب واتخذه الله علامة عهد بينه وبين شعبه.
ويقول بولس الرسول أن الختان هو ختم لبر الإيمان (رو4 : 11) . فكيف تبرر إبراهيم ؟ هو تبرر بالإيمان (تك15 : 6) . وما هو نوع إيمان إبراهيم ؟ أن الله قادر أن يخرج حياة من الموت . ورأينا هذا فى حياة إبراهيم فعلاً عدة مرات
1) يترك أور ويذهب إلى المجهول وراء الله .
2) يترك لوط يختار الأرض الجيدة ويكتفى بالأرض الضعيفة واثقا أن الله يرزقه.
3) إيمان إبراهيم بأ الله قادر أن يعطيه إبنا من مستودع سارة الميت . 4) يقدم إبنه ذبيحة واثقاً إن الله قادر أن يقيمه (عب11 : 19).
وما هو الختان ؟ حياة تخرج من الموت . فمن دخل فى عهد مع الله وصار من شعبه يحيا أبدياً ، وهذا فى مقابل شئ تافه (هو الغرلة) من جسم الإنسان يقطعه الإنسان ويتركه ليموت . ولهذا فالختان هو رمز للمعمودية ، فما هى المعمودية ؟ هى موت الإنسان العتيق وحياة أبدية هى حياة المسيح (رو6) . وكل من يحيا ميتا عن الخطية يستمر حياً للأبد . ومن هو الذى يقبل أن يحيا ميتا عن ملذات العالم ؟ هو من له إيمان بهذه الحياة الأبدية.
ومن لايقبل الختان تقطع تلك النفس من شعبها (آية 14) وما معنى ذلك ؟ من لا يقبل الختان فهذا يرمز لمن يرفض التخلي عن خطايا هذا العالم ، أو لمن لا يؤمن بالحياة الأبدية ، فيترك لأجلها شهواته وملذاته الخاطئة التافهة تفاهة الغرلة.
آية 1:" ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لابرام وقال له أنا الله القدير سر امامي وكن كاملا "
الله القدير: في أصلها "الذي فيه كل الكفاية الذي يسكب كل النعم عليك بغني واستمرار.
كن كاملًا: هذا القول راجع لضعف الإيمان الذي ظهر في نزوله لمصر وزواجه بهاجر.
سر أمامي: السير مع الله كانت الفضيلة التي نسبت لأخنوخ ثم لنوح.
أية 2:" فاجعل عهدي بيني وبينك واكثرك كثيرا جدا ".
أجعل عهدي بيني وبينك: قصة الله مع الإنسان هي قصة عهود مستمرة ومتجددة خلالها يعلن الله حبه للإنسان ويتوق أن يقبل الإنسان هذا الحب ويبادله بالحب والطاعة.
آيات 4، 5:" اما أنا فهوذا عهدي معك وتكون ابا لجمهور من الامم 5 فلا يدعى اسمك بعد ابرام بل يكون اسمك إبراهيم لاني اجعلك ابا لجمهور من الامم "
تغيير الاسم من إبرام لإبراهيم التي تعني أبًا لجمهور تشير إلي تجديد البشرية.
ولقد إعتادت الكنيسة أن تغير الأسماء عند الرسامات بنفس المفهوم حتي يشعر الكاهن أو الراهب أنه الأن يحيا حياة جديدة. وكون إبراهيم صار أباً لجمهور تعني أنه صار أباً للجميع (يهوداً وأمماً). ما أجمل أن الإنسان حين يتحد بالله يخرج من ذاته ليهتم بالأخرين.
أية 7: " واقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في اجيالهم عهدا ابديا لاكون الها لك ولنسلك من بعدك "
عهداً أبدياً: لأولاده بالجسد يكون بالختان ولأولاده بالإيمان يكون بالمعمودية.
أية 8:" واعطي لك ولنسلك من بعدك ارض غربتك كل ارض كنعان ملكا ابديا واكون الههم "
ملكاً أبدياً: الإنسان المختون بالقلب يرث السماء (كنعان السماوية) ميراثاً أبدياً. وختان القلب يشير لقطع الخطايا التي يحبها القلب هنا نجد سكيناً سماوياً يقطع غلف الخطية النجسة. وختان الأذن أي أن يغلقها الإنسان أمام الوشاية الخاطئة والكذب والغضب والأغاني الخليعة وختان اليدين أي الإمتناع عن السرقة والقتل وختان الرجلين بمعني ان لا يسرعا للشر وختان العينين أي الإمتناع عن النظرة الشهوانية والنظرة التي تحسد الأخرين….ألخ.
أية 10: " هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر "
لم يطلب الله ختان الإناث فهو ضار أما ختان الذكور فهو صحي.
أية 11: " فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم "
الغرلة: هي الجزء الذي يقطع وهو جزء لا أهمية له وهكذا كل خطية لا أهمية لها.
أية 12: " ابن ثمانية ايام يختن منكم كل ذكر في اجيالكم وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك "
إبن ثمانية أيام: رقم 7 يشير لحياتنا الزمنية (7 أيام الأسبوع) والثامن يعني الدخول إلي ما وراء حياتنا الزمنية. فالختان هو عبور للحياة الأبدية بخلع محبة الزمنيات المبتاع بفضة : أي العبيد. وختان العبيد كان رمزاً لإيمان الأمم.
أية 14: " واما الذكر الاغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها انه قد نكث عهدي "
تقطع تلك النفس: تفرز ولا تعتبر من المؤمنين ولا يكون له أي حق من حقوق الشعب ولا يدافعون عنه. (قطعاً هذا بالنسبة للكبار فالصغار يختنون وهم في سن ثمانية أيام(
أية 15: " وقال الله لابراهيم ساراي امراتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها سارة "
ساراي: أميرتي. والآن إذ حملت أمومة للمؤمنين دعيت سارة= أميرة إذن هي لم تعد بعد خاصة بإبراهيم بل بكل المؤمنين. وسارة ترمز للعذراء مريم في أمومتها وفي أنها ولدت إبنا ضد الطبيعة فسارة ولدت ومستودعها ميت والعذراء ولدت بدون زرع بشر.
أية 17: " فسقط ابراهيم على وجهه وضحك وقال في قلبه هل يولد لابن مئة سنة وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة "
وضحك: كلا إبراهيم وسارة ضحكا عندما سمعا بأنه سيكون لهما ولد وهما شيخين ولأن الله شهد لإبراهيم بإيمانه (6:15) فنفهم أن ضحكه هنا علامة فرح وليس علامة شك (مز 2،1:126) علامة إستغراب من عطايا الله أن يكون له إبن في هذه الظروف فضحكه لا يعني عدم إيمانه بل شدة دهشته لعمل الله معه وعلامة إيمانه أنه سقط علي وجهه أي سجد ليقدم الشكر لله
(رو 18:4-20 + مت 9:3 + أش 1:51)
أية 18: " وقال ابراهيم لله ليت اسماعيل يعيش امامك "
ليت إسمعيل يعيش أمامك: هذا القول يحتمل عدة معان
1. أنا يارب مكتف بإسمعيل الذي أعطيتني ولا أطلب المزيد. فلتحفظه ليحيا في طاعتك.
2. إذا كنت ستعطيني أبنا اخر فهذا لا تحرمه من بركاتك.
أية 19: " فقال الله بل سارة امراتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق واقيم عهدي معه عهدا ابديا لنسله من بعده "
الذي يرث هو إبن الموعد الذي أعطاه الله حياة من موت. وإسحق تعني ضحك فكلا إبراهيم وسارة ضحكا حينما سمعا.
أية 20: " واما اسماعيل فقد سمعت لك فيه ها انا اباركه واثمره واكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد واجعله امة كبيرة
إسمعيل له بركات زمنية ولكن الوعد والميراث لإسحق المولود ليس حسب الجسد بل حسب الروح خلال التجديد بواسطة نعمة الله في المعمودية.
ولاحظ التشابه بين اليهود نسل يعقوب والعرب نسل إسمعيل
12 سبطاً إثني عشر رئيساً (هذا تحقق في تك 12:25-16)
لهم علامة الختان لهم علامة الختان (تعلمه كلاهما من إبراهيم(
أية 22: " فلما فرغ من الكلام معه صعد الله عن ابراهيم "
صعد الله : كان الله يكلمه بصورة منظورة. وهذا الصعود دليل له أن من كان يكلمه ليس إنساناً عادياً. هكذا صعد المسيح أمام تلاميذه.
أية 23: " فاخذ ابراهيم اسماعيل ابنه وجميع ولدان بيته وجميع المبتاعين بفضته كل ذكر من اهل بيت ابراهيم وختن لحم غرلتهم في ذلك اليوم عينه كما كلمه الله "
فأخذ إبراهيم : لاحظ التنفيذ الفوري من إبراهيم وقارن مع تأجيل موسي ختان إبنه وغضب الله لذلك.
أية 26: " في ذلك اليوم عينه ختن ابراهيم واسماعيل ابنه "
في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم: لم يخجل إبراهيم وعمره 99 سنة أن يختتن فهو الشيخ الكبير الوقور يختتن فهذا قد يصير سخرية من الناس. لكن إبراهيم لم يهتم فليس أمامه كصديق لله سوي أن يطيع في محبة ودون مناقشة. وهكذا علي كل تائب أن يطيع الله دون مناقشة ويقطع من قلبه كل محبة للخطية. ولاحظ ان الختان هو علامة داخلية لا يراها الناس من خارج وهكذا التوبة.
+