تفسير الاصحاح الثالث والعشرون من سفر التثنية للقس انطونيوس فكرى
جماعة الرب وبيت الرب
آية1:- لا يدخل مخصي بالرض او مجبوب في جماعة الرب.
المخصى بالرض = هو الذى يخصى برض الخ... أى بدقهما أو سحقهما. المجبوب = هو الذى كان يخصى بقطع الخصيتين بآلة حادة. وفى (غل12:5) تهكم الرسول على الذين يتمسكون بالختان كشرط للخلاص قائلاً " يا ليت الذين يقلقونكم يقطعون" أى يا ليتهم ليس فقط يقطعون الغرلة بل الكل ليصيروا بحسب الناموس مقطوعين لا يدخلون جماعة الرب.
وعدم قطع الأجزاء التناسلية إعلان عن قدسية كل أعضاء الجسم. والمسيح حين قال " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات " لم يقصد القطع الفعلى ولكن قصد نوع من البتولية أو ضبط الشهوات وكأن الإنسان ليس لهُ أن يفكر فى هذه الأشياء لأنه ينظر للسماويات. وحين نفذ العلامة أوريجانوس هذا فى نفسه وقام بإخصاء نفسه حرمته الكنيسة .
والحرمان من دخول جماعة الرب ليس حرماناً من الخلاص ولكنه حرمان من الحقوق الكاملة للشعب مثل إستلام مسئوليات معينة مثل أن يكون الشخص كاهناً أو قاضياً أو قائداً وإلا لإحتقره الشعب وإحتقر أحكامه.
ولا يتزوجوا منهم فهم غير قادرين على الزواج. وكان لإخصاء يتم للرجال الذين يعملون فى خدمة النساء فى القصور الوثنية أو فى العبادات الوثنية فكانوا يظنون أن هذا يرضى الآلهة. أما الذين يخصون مجبرين كأسرى الحرب أو بجهالة ذويهم أو بالطبيعة فوعدهم الله بنصيب صالح إن ساروا بالتقوى (أش3:56-5). إذاً ما يهم الله ليس الشكل الخارجى بل أن يصنع أحد هذا بنفسه كعادة وثنية. ما يهم الله التقوى داخل القلب
آية2:- لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب حتى الجيل العاشر لا يدخل منه احد في جماعة الرب.
حرمان إبن الزنى كان حتى لا يحفظ إسم أبيه فى شعب الرب بل يموت بموته وكأن لا إبن له، وإستنكاراً لخطية الدنس ولأن الوالدين غالباً يورثون أبنائهم صفاتهم الرديئة. حتى الجيل العاشر = المقصود بها إلى مدى الأجيال. ومرة ثانية هذا لن يمنع الأولاد من خلاص نفوسهم بسبب خطايا أبائهم بل كان منهم يفتاح الجلعادى (قض11)
آية3:- لا يدخل عموني و لا موابي في جماعة الرب حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم احد في جماعة الرب الى الابد.
فسر اليهود هذه الآية بأن لا يتزوج عمونى أو موآبى بإسرائيلية. ومع هذا فإن راعوث دخلت الشعب ومن نسلها جاء المسيح فالنعمة تتسامى فوق الناموس والمقصود عدم تسلل الوثنية لليهود.
آية4، 5:- من اجل انهم لم يلاقوكم بالخبز و الماء في الطريق عند خروجكم من مصر و لانهم استاجروا عليك بلعام بن بعور من فتور ارام النهرين لكي يلعنك. و لكن لم يشا الرب الهك ان يسمع لبلعام فحول لاجلك الرب الهك اللعنة الى بركة لان الرب الهك قد احبك.
لاحظ أن الله لا ينسى أى إساءة توجه لشعبه. وكان موآب وبنى عمون كارهين لإسرائيل تماماً
آية6:- لا تلتمس سلامهم و لا خيرهم كل ايامك الى الابد.
لا تعمل معهم إتفاقات أو معاهدات سلام لأن معاهدات سلامهم يدخل فيها طقوس عبادة لآلهتهم وبذلك تنجذب للعبادة الوثنية.والله هو الذى يحفظكم.
آية7:- لا تكره ادوميا لانه اخوك لا تكره مصريا لانك كنت نزيلا في ارضه.
لاحظ أن الله لا ينسى إساءة توجه لشعبه ولا ينسى كل إحسان يقدم لشعبه ولنلاحظ أن الله دعاهم لعداوة الموآبيين والعمونيين لأن هؤلاء سعوا لأن يجعلوهم يخطئوا، أما المصريين والأدوميين فإضطهدوهم جسدياً. فمن يضطهدنا جسدياً يجعلنا نخسر حياتنا الأرضية ومن يعثرنا روحياً يجعلنا نخسر الحياة الأبدية وهى الأهم. والأدوميين باعوا لهم طعام فى الطريق والمصريين أكرموهم قبل أن يبدأ الإضطهاد وكما أن الله لا ينسى الخير لهؤلاء علينا أن لا ننسى أى يد إمتدت إلينا بالخير ولو مرة
آية8:- الاولاد الذين يولدون لهم في الجيل الثالث يدخلون منهم في جماعة الرب.
كان المصريين والأدوميين ضمن اللفيف الذى فى وسط الشعب وكان لهم أولاد وقوله الجيل الثالث = حتى يكون الأولاد قد إندمجوا فى الشعب وتنقوا من كل عادة وثنية
الآيات 9-14:- اذا خرجت في جيش على اعدائك فاحترز من كل شيء رديء. ان كان فيك رجل غير طاهر من عارض الليل يخرج الى خارج المحلة لا يدخل الى داخل المحلة. و نحو اقبال المساء يغتسل بماء و عند غروب الشمس يدخل الى داخل المحلة.و يكون لك موضع خارج المحلة لتخرج اليه خارجا.و يكون لك وتد مع عدتك لتحفر به عندما تجلس خارجا و ترجع و تغطي برازك.
لان الرب الهك سائر في وسط محلتك لكي ينقذك و يدفع اعداءك امامك فلتكن محلتك مقدسة لئلا يرى فيك قذر شيء فيرجع عنك.
الحرب هى حرب مقدسة والله فى وسطهم فيلزم أن يكونوا فى طهارة. ووقت الحرب هو وقت لمحاسبة النفس والتوبة لتجديد النفس. وعلى كل إنسان أن يمنع من قلبه أى شىء ردىء حتى يستمر الله فى وسط المحلة فينتصروا.
والشىء الردىء الذى يغضب الله مثل (حقد / غرور / محبة أوثان / شهوات رديئة..) حتى لا تتأثر قداستهم وعجيب أن يهتم الله بما ذُكر فى آية (13) ولكن إن هم إهتموا بنظافة الخارج ( ولاحظ أن الله يتكلم هنا مع شعب بدائى تعود لمدة 40 سنة أن يعيش فى خيام متنقلاً) لشعورهم أن الله فى وسطهم فمن المؤكد أن هذا سيعطيهم إهتمام بنظافة القلب وطهارته داخلياً.
وذلك بالإضافة لأنهم سيتعلمون أن يهتموا بمشاعر بعضهم البعض وتكون إقامتهم فى رقة ونظافة حتى فى معاملاتهم، هذا بالإضافة لمنع إنتشار الجراثيم والأمراض بل حتى نجد فى (آية10) أن حتى الأحلام تنجس (الأحلام الجنسية) الله يريدنا أنقياء تماماً . وإن كان الله يهتم بهذه الأحلام اللاشعورية فإنه بالأولى يهتم بالخطايا المقصودة.
آية16،15:- عبدا ابق اليك من مولاه لا تسلم الى مولاه.عندك يقيم في وسطك في المكان الذي يختاره في احد ابوابك حيث يطيب له لا تظلمه.
كان السادة فى الشعوب الوثنية يظلمون عبيدهم ويسيئون معاملتهم. وقد يهرب عبد من سيده ويحتمى بأحد من شعب الرب فلتقبلوه ولا تسلموه لسيده لأنه فى هذه الحالة غالباً سيضربه ويعذبه حتى الموت. ولكن قطعاً إن كان قد هرب لأنه قاتل أو سارق كانوا لا يحمونه . آبق = هارب
آية17:- لا تكن زانية من بنات اسرائيل و لا يكون مابونون من بني اسرائيل.
مأبون = شاذ جنسياً. وكان الزنا والشذوذ من طقوس العبادة الوثنية فى الهياكل.
آية18:- لا تدخل اجرة زانية و لا ثمن كلب الى بيت الرب الهك عن نذر لانهما كليهما رجس لدى الرب الهك.
لا يجب أن يوفى النذر عن طريق الأجر الذى تحصله أمرأة زانية عن فحشائها فيجب أن نكرم الرب من أنقى وأقدس ما نملك. ولا ثمن كلب = الكلب يعتبر نجساً لأنه يعود إلى قيئه (أم11:26 + 2بط22:2). فهو يشير للإنسان الخاطىء الذى يتوب بنية صادقة وسريعاً ما يرجع إلى خطاياه.
لذلك شبه الوثنيون بالكلاب (مت 26:15 + رؤ 5:22) بل إمتدت التسمية إلى كل الأشرار المرذولون من ملكوت السموات. على أن كلمة كلب ترجمت فى ترجمات آخرى سدومى أى رجل شاذ جنسياً وربما أطلق الشعب لقب كلب على الشواذ جنسياً.
وكما قلنا ففى الهياكل الوثنية كان هناك نساء زانيات ورجال مأبونون ناذرين أنفسهم لهذا العمل. ويدفعون أجرتهم للهيكل الوثنى.
آية20،19:- لا تقرض اخاك بربا ربا فضة او ربا طعام او ربا شيء ما مما يقرض بربا. للاجنبي تقرض بربا و لكن لاخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب الهك في كل ما تمتد اليه يدك في الارض التي انت داخل اليها لتمتلكها.
كان هذا فى مرحلة روحية بدائية فعليهم أن يقرضوا إخوتهم بدون ربا أما الأجانب الوثنيين. فيسمح لهم بالربا معهم فالله يعلمهم المحبة تدريجياً وأول خطوة أن يحبوا إخوتهم ويقرضوهم دون ربا حتى فى المستقبل يمكن أن يفعلوا هذا مع الجميع ولنلاحظ أن شريعة العهد الجديد " أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم.." ما كان ممكناً لهذا الشعب البدائى أن يتقبلها.
وبالإضافة أن التمييز فى المعاملة بين اليهودى وغير اليهودى يحمل معنى الإستنكار لوثنيتهم فينفروا من عباداتهم (مت42:5 ، 12:7 + لو35:6) هذه هى شريعة العهد الجديد شريعة الذين نموا فى الحياة الروحية " المحبة للجميع"
الآيات 21-23:- اذا نذرت نذرا للرب الهك فلا تؤخر وفاءه لان الرب الهك يطلبه منك فتكون عليك خطية. و لكن اذا امتنعت ان تنذر لا تكون عليك خطية. ما خرج من شفتيك احفظ و اعمل كما نذرت للرب الهك تبرعا كما تكلم فمك.
الإهتمام بالنذور فالنذر هو وعد لله وبالتالى علينا أن لا نتسرع فى نذر النذور
آية25،24:- اذا دخلت كرم صاحبك فكل عنبا حسب شهوة نفسك شبعتك و لكن في وعائك لا تجعل. اذا دخلت زرع صاحبك فاقطف سنابل بيدك و لكن منجلا لا ترفع على زرع صاحبك
فهم اليهود هذه الوصية على أنها لعمال الحقل وفهموها على أنه من المسموح لعامل الكرم أن يأكل حسبما أراد وهذه تساوى لاتكم ثوراً دارساً.
وكان مسموحاً لعابر السبيل أيضاً أن يأكل من السنابل وهى فى الحقول على أن يقطفها بيديه ولكن لا يستخدم المنجل والإ صارت طمع وسرقة. وهذه الشريعة المقدسة تزيد المحبة بين الناس وتعلمهم الكرم والمروءة والرحمة وإشباع الجائع.
ولها فائدة مهمة هى أن يتعلم صاحب الحقل أن يتغاضى عن الصغائر ويقول مع عفرون الحثى عنقود عنب أو بضع سنابل قمح ما هى بينى وبينك (تك15:23) ومن يتعلم أن يتغاضى عن الصغائر سيتغاضى عن ما هو أكبر وسيهتم بالسماويات. ولقد نفذ تلاميذ المسيح هذه الوصية وقطفوا سنابل واكلوا وكان سبت والمسيح لم يعترض (مت1:12-8)
+