تفسير الاصحاح الخامس من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى
مسح داود ملكًا
الآيات (1-3) :-
و جاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود إلى حبرون وتكلموا قائلين هوذا عظمك ولحمك نحن. ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول ملكا علينا قد كنت أنت تخرج وتدخل إسرائيل وقد قال لك الرب أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيسا على إسرائيل.
وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك إلى حبرون فقطع الملك داود معهم عهدا في حبرون أمام الرب و مسحوا داود ملكا على إسرائيل.
هذه هى المرة الثالثة التى يمسح فيها داود ملكاً وبهذا صار داود ممسوحاً وملكاً على كل الشعب ومنتخباً منهم. وإجتماع الشعب كله تحت ملك داود رمز للمسيح الذى جعل الإثنين واحداً وكان قبل داود كل سبط يحارب وحدهُ لكن الآن الكل صار واحداً فى داود. بل نجد الآف فى حبرون يبايعون داود
(1أى12: 23-40) ويقول لهُ الشعب هوذا عظمك ولحمك نحن أى نحن أقرباء وإخوة وأنت ستعطف علينا وتبحث عن مصالحنا. قالوا هذا بعد أن رأوا نجاح يهوذا تحت قيادة داود ولنلاحظ كيف درب الله داود ليكون قائداً ناجحاً قبل أن يملك.
1- علمه الصبر وإحتمال الضيقات فلم يذق داود طعم الراحة بل كان فى جهاد مستمر.
2- علمه الإتضاع فلم يطلب لنفسه ملكاً ولا مجداً. بل لم يوبخ الشيوخ حين جاؤا لهُ.
3- علمه عن طريق أبيجايل أن لا ينتقم لنفسه مهما كانت قوته. بل تعلم حب الجميع حتى من قاوموه.
4- علمه الإتكال على الله فهو لا يصنع شيئاً دون سؤال الله.
هكذا كل الضيقات التى تحيط بنا هى مدرسة لتعليمنا.
آية (4) :-
كان داود ابن ثلاثين سنة حين ملك وملك أربعين سنة.
كان داود إبن 30 سنة حين ملك: نفس عُمْر يوسف حين ملك وهو عُمْر الكاهن حين يبدأ خدمته وعمر المسيح حين بدأ فى التبشير. وملك 40 سنة: رقم 40 هو رقم رمزى فى الكتاب المقدس يشير لفترة زمنية محددة أو مهلة يعطيها الله للبشر وبعدها تكون خيرات (إن تابوا) أو لعنات (إن إستمروا فى خطيتهم) وأمثلة لذلك نينوى/ الطوفان. فنينوى تابوا وإن كانوا قد رفضوا لكانوا هلكوا بعد 40 يوماً.
والطوفان إستمر 40 يوماً وفى المقابل نجد أن موسى/ إيليا/ والمسيح صاموا 40 يوماً فهكذا ينبغى أن نحيا زاهدين فى العالم نصوم ونصلى رافضين مملكة إبليس وخداعاته فيملك المسيح على قلوبنا وبعد إنتهاء فترة العالم الـ 40 سنة رمزياً سيأتى المسيح.
فمن عاش فى توبة يملك المسيح عليه للأبد فى المجد ، ومن عاش فى عصيان لن يرى مجد المسيح بل لهُ مكان آخر. ويكون ملك داود 40 سنة رمز للحياة الحاضرة فخلال الـ 40 سنة لداود كان هناك من يخضع لهُ وهناك من يتمرد عليه والآن بالنسبة لملك المسيح "لسنا نرى الكل بعد مخضعاً لهُ (عب8:2) فهناك من يخضع للمسيح وأيضاً من يتمرد عليه. وهذه الصورة وقتية ستنتهى بمجئ المسيح الثانى.
آية (5) :-
في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة اشهر وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل و يهوذا.
وبهذا يصير رمزياً أيضاً أن داود أسس المملكة الموحدة فى 33 سنة وهكذا المسيح أسس كنيسته فترة وجوده على الأرض فى 33 سنة.
الآيات (6-10) :-
وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض فكلموا داود قائلين لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج اي لا يدخل داود إلى هنا.
واخذ داود حصن صهيون هي مدينة داود. وقال داود في ذلك اليوم أن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة والعرج والعمي المبغضين من نفس داود لذلك يقولون لا يدخل البيت أعمى أو اعرج.
وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود وبنى داود مستديرا من القلعة فداخلا. وكان داود يتزايد متعظما والرب اله الجنود معه.
كانت يبوس أسم أورشليم فى عهد اليبوسيين ولكنها أصغر كثيراً من مساحة أورشليم أيام سليمان. ورأى داود أن موقعها يناسب العاصمة فهى لها موقع منيع للغاية ومرتفعة أكثر من حبرون وحولها جبال وتحيط بها وديان عميقة وهى على حدود يهوذا وبنيامين فبهذا ترضى السبطيين (سبط داود وسبط شاول).
واليبوسيين قبيلة كنعانية [تك16:10، 21:15] + (خر8:3) إذاً هم من الشعوب التى وعد الله شعبه إسرائيل أن يحتلوا أرضهم. أعطيت أرضهم لبنيامين (يش28:18) ثم إحتلها يهوذا فهى على تخمهم وأحرقوها (يش8:15 + قض8:1).
ويقول يوسيفوس أن اليبوسيين تركوا الأرض لكنهم لم يفقدوا القلعة التى فيها وإنما سكنوا مع بنى يهوذا وبنيامين كغرباء (يش63:15 + قض21:1 ، 11:19) وبقوا فيها حتى بعد أن أخذ داود حصنهم (2صم24: 16-18). وكان اليبوسيين واثقين أن داود لن يتمكن من الإستيلاء على حصنهم بسبب مناعته حتى لو كان من بداخله عمى وعرج.
لذا قالوا فى إستخفاف. لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج. فأعلن داود عن مكافأة لمن يضرب المدينة. ويبلغ إلى القناة: وهذه القناة أثبتت الحفريات وجودها.
فقد إكتشفوا مجرى عمودى عمقه 40 قدماً ونفقاً أفقياً طوله 60 قدماً حفرها اليبوسيين ليأتوا بالمياه من نبع يدعى = نبع العذراء" كان خارج أسوار المدينة. وكانت جرأة يوآب أنه باغت اليبوسيين الواثقين من أنفسهم عن طريق تلك القناة. فمن يبلغ القناة يدخل إلى الحصن. والذى أرشدهم للحل هو داود إذ قال "إن الذى يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة والعرج والعمى. . ولم تكمل الأية هنا بل كُملت فى (1أى6:11).
والذى إختصره الكاتب هنا مكافأة من يدخل فهو سيصير رأساً وقائداً. فالمدينة كانت محصنة تماماً لكن يوجد لها مدخل عبر القناة إكتشفه داود وكانت مغامرة صعبة أن يدخل أحد للمدينة من هذه القناة
ولاحظ أن داود أمّن على تسمية اليبوسيين لأنفسهم فأسماهم عرج وعمى.
لذلك يقولون لا يدخل البيت أعمى أو أعرج: إذ دخل داود لم يَعُدْ بالمدينة أعمى أو أعرج فهم طردوا اليبوسيين (العمى والعرج) وإحتل المدينة رجال داود الأقوياء المبصرين وهم قادرون على السير والحرب والإنتصار. وبعد هذا لن يدخل يبوسى وثنى ثانية (أعمى وأعرج).
وهكذا إذ يملك المسيح على القلب لا يجب أن تدخله محبة وثنية غريبة ولاحظ أنه قيل عن الأوثان (لا تسمع ولا تتحرك ولا ترى …) فكل محبة لخطية تقود للعمى وللعرج. لذلك يقولون: أى صار هذا مثلاً يمكن أن يقولونه على أى إنسان مكروه.
وما حدث كان يرمز لما فعله المسيح. فالعالم إحتله إبليس وصيّر البشر عمى وعرج لا يعاينوا ملكوت السموات وغير قادرين على السير والحركة نحوه. وقد ظن الشياطين أنهم محصنون وأن المسيح غير قادر على الحل ولكن دخل المسيح للعالم وأقام بصليبه ملكوته التى سبق وملك عليها عدو الخير ، وأنار عيون من كانوا عمياناً وصرنا نجرى وراءه بعد أن كنا عرجاً.
وربما صمت سفر صموئيل عن ذكر إسم يوآب والمكافأة لأنه أراد أن يكون داود وَحْدَهُ فى الصورة، وهو وَحْدَهُ المنتصر فعمل الصليب كان للمسيح فقط لم يتدخل فيه إنسان.
أية (9) :-بنى داود مستديراً من القلعة فداخلا: صارت المدينة لها شكل دائرة بلا بداية ولا نهاية أى أبدية. ولاحظ أن كلمة يبوس: مدوسة بالأقدام. فبعد أن كنّا كشعب الله مدوسين من الشياطين تحولنا لكنيسة يملك عليها للأبد.
وفى أية (10) :- الرب إله الجنود داود كان يتزايد فى العظمة لكن الله هو القائد الحقيقى وهو المحارب عنهم ليهبهم النصرة والمجد.
آية (11) :-
وأرسل حيرام ملك صور رسلا إلى داود وخشب أرز ونجارين وبنائين فبنوا لداود بيتا.
مع كل نصرة حقيقية يواجه المؤمن أمرين:
1- مقاومة من العدو تؤول به إلى نصرة جديدة.
2- إنجذاب البعض لله العامل فيه وللمجد الذى ظهر فيه والبركة التى صاحبته. وكانت صور فى ذلك الوقت قد بلغت العظمة وبدأ حيرام ملكها فى صداقة لداود دامت حتى أيام سليمان.
ولقد إستفاد داود من هذه الصداقة فشعب إسرائيل شعب زراعة ورعى وليسوا بنائين. والآن إذ تثبتت المملكة تحتاج لبناء وتعمير.
وأرسل حيرام خشب الأرز الذى لا يُسَوّس لداود ليبنى لهُ بيتاً وأرسل بنائين. وإستخدمت إسرائيل صور كبلد ساحلى تشترى منها وتبيع لها محاصيلها.
وصور وصلت للشرق البعيد (الهند وبلاد العرب) عن طريق إسرائيل. فسلامنا مع الله يثمر سلاماً مع الغير وحتى مقاومة الأشرار يحولها الله لنمونا وفرحنا الداخلى.
آية (12) :-
وعلم داود أن الرب قد أتثبته ملكا على إسرائيل وانه قد رفع ملكه من اجل شعبه إسرائيل.
بعد 20 عاماً عَلِم داود أن الله قد أثبته ملكاً (20 عاماً بعد مسحة صموئيل) ولنثق أن وعد الله لابد وسينفذ حتى وإن طال الوقت.
الآيات (13-16) :-
واخذ داود أيضا سراري ونساء من أورشليم بعد مجيئه من حبرون فولد أيضا لداود بنون وبنات. وهذه أسماء الذين ولدوا له في أورشليم شموع وشوباب وناثان
وسليمان. ويبحار واليشوع ونافج ويافيع. واليشمع واليداع واليفلط.
ناثان من أسلاف المسيح فى لوقا ، وسليمان من أسلاف المسيح فى متى. ولاحظ عيوب كثرة النساء والسرارى والخلافات التى تنشأ عن هذا. وهل كثرة النساء تحمى الإنسان من الشهوة ، فها هو داود يشتهى بثشبع بعد ذلك. والأخوة لم يشعروا بأخوتهم فزنى الأخ بأخته.
الآيات (17-21) :-
وسمع الفلسطينيون انهم قد مسحوا داود ملكا على إسرائيل فصعد جميع الفلسطينيين ليفتشوا على داود ولما سمع داود نزل إلى الحصن. وجاء الفلسطينيون وانتشروا في وادي الرفائيين. وسال داود من الرب قائلا ااصعد إلى الفلسطينيين أتدفعهم ليدي فقال الرب لداود اصعد لاني دفعا ادفع الفلسطينيين ليدك. فجاء داود إلى بعل فراصيم
وضربهم داود هناك وقال قد اقتحم الرب أعدائي أمامي كاقتحام المياه لذلك دعي اسم ذلك الموضع بعل فراصيم. وتركوا هناك أصنامهم فنزعها داود و رجاله.
مع كل نصرة نتوقع حرباً ومقاومة من الخارج أو الداخل لكنها تتحول لنصرة جديدة وغالباً فالفلسطينيين خططوا لضرب داود قبل أن يستكمل جيشه وبناء جيشه من الأسباط العشرة فهى ضربة إجهاض.
وجاءت هذه الضربة بعد أن إجتمع الألاف مع داود فى حبرون ثم إنصرفوا عنهُ بعد أن ملكوه وكل واحد عاد إلى سبطه ولم يتبقى سوى عدد قليل أى حرسه الخاص فهاجمه الفلسطينيين وهو غير مستعد فهرب إلى الحصن فى مغارة عَدُلاّم (1أى15:11) وبينما هو فى عدلام نزل الفلسطينيين إلى وادى الرفائيين وإنتشروا هناك.
وكان عدد داود ورجاله قليلاً جداً بالمقارنة مع جيش الفلسطينيين ولكنه سأل الله والله سمح بالحرب بعل فراصيم: أى سيد الهزيمات والكلمة تعنى أن داود هو الذى سيسود إذا خرق الطرف الآخر عهوده وسيلحق الهزائم بالطرف الآخر وتركوا هناك أصنامهم: الفلسطينيين فى حروبهم القوا بالهتهم الثقيلة ليسهل هروبهم فهى صارت عبئاً ثقيلاً عليهم وهكذا فالله قادر أن يجعل كل خاطئ يكره خطيته. ولكن الشيطان لا ييأس فبعد أن أنكسر الفلسطينيون وهربوا عادوا وتجمعوا ثانية.
الآيات (22-25) :-
ثم عاد الفلسطينيون فصعدوا أيضا وانتشروا في وادي الرفائيين. فسال داود من الرب فقال لا تصعد بل در من ورائهم و هلم عليهم مقابل اشجار البكا.
وعندما تسمع صوت خطوات في رؤوس اشجار البكا حينئذ احترص لأنه إذ ذاك يخرج الرب أمامك لضرب محلة الفلسطينيين. ففعل داود كذلك كما أمره الرب و ضرب الفلسطينيين من جبع إلى مدخل جازر.
لاحظ عمل الله فهو يرشد داود عن الخطة الحربية. أشجار البكا: أشجار يتساقط منها عصير يشبه الدموع. صوت خطوات: صوت خطوات عسكرية منتظمة فى رؤوس أشجار البكا: هو صوت ريح فى رؤوس الأشجار. فالله أجرى ريحاً سببت صوت يشبه وقع أقدام جيش ليرعب الفلسطينيين. فنفس الصوت الذى طمأن داود أن الله معهُ أرعب أعداء داود.
ونحن علينا ان نجاهد كما حارب داود فى وادى البكاء أى هذا العالم أى نندم على خطايانا ونبكى عليها والله يرعب أعدائنا الشياطين. من جبع إلى مدخل جازر: أى أن الفلسطينيين بعد أن إنكسروا لجأوا فى هروبهم إلى جبع فتابعهم داود فهربوا إلى مدخل جازر وهم منكسرين.
* مادة صمغية لها رائحة عطرية. + المهم أن نعلم أن الله أمامنا فى حروبنا الروحية فلنتشدد.
+