تفسير الاصحاح الثالث والعشرون من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى
داود المرنم
آية (1) :-
فهذه هي كلمات داود الأخيرة وحي داود بن يسى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح اله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو.
كلمات داود الأخيرة: لو تكلم داود عن خبراته مع الله لما توقف ولكن يتكلم هنا فيوجز وتكون كلماته الأخيرة هى آخر تَسَابِيحَهُ الموحى بها من الروح القدس وآخر نبواته الموحى بها. وحىُ داود بن يسى: فهذا النبى العظيم الذى يوحى لهُ الروح القدس لا ينسى أصلهُ أنه إبن يسى الرجل البسيط لكنه هو الآن رجل الله والله يوحى لهُ. بل وصار ملكاً.
القائم فى العلا: داود كان من أصل بسيط وراعى غنم غير ذو قيمة عند أبوه ولا إخوته لكن الله رفعهُ وأقامهُ ملكاً فصار أعلى منصب فى أمته، وأعظم ملوكها قاطبة. مسيح إله يعقوب: هو ممسوح لخدمة شعبه شعب الله. وهو كان لهُ خدمات متنوعة لأمته التى جعل لها إسماً وسط الأمم وأخضع أعدائها لها لكن أحلى ما علّمه لشعبه أنه علمهم التسبيح.
مرنم إسرائيل الحلو: هو كان حُلْواً فى مزاميره فهى تسبيح وشُكر وصلاة وحلاوتها أنها بوحى من الروح القدس. وهناك تعليق لقداسة البابا شنودة الثالث يقول "لم نكن نعلم هل يعزف داود على قيثارة الروح القدس أو يعزف الروح القدس على قيثارة داود".
الآيات (2،3) :-
روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني. قال اله إسرائيل إلى تكلم صخرة إسرائيل إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله.
روح الرب تكلّم بى قال إله إسرائيل تكلّم صخرة إسرائيل
إذاً الثالوث يعلن لهُ = الروح القدس الآب الإبن
تكلّم بى: فالروح القدس هو الناطق فى الأنبياء وهو الذى أوحى لهُ بالمزامير التى إشتملت على نبوات خاصة بالمسيح إبن داود بالجسد وبكل ما يخصه من التجسد حتى الصلب وحتى القيامة والصعود. وفى مزاميره أعلن الله محبته للعالم التى ستعلن فى إبنه. فالروح القدس أوحى بالمزامير التى تعلن عن الآب بالإبن الذى تجسد وصلب ليخلصنا.
الآيات (3،4) :-
قال اله إسرائيل إلى تكلم صخرة إسرائيل إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله. وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس كعشب من الأرض في صباح صحو مضيء غب المطر.
داود فى آخر نبواته يكلمنا عن صفات الملك المثالى وذلك بوحىٍ من الروح القدس وداود لم يكن هذا الملك المثالى الذى بلا خطأ لذلك نفهم أنه يتكلم عن المسيح إبنه بالجسد وهو رمز لهذا الملك المثالى. ويكون الكلام هنا تتمة وتكملة للنبوة فى (7: 12-16) وهذه النبوة تمت جزئياً فى سليمان وكلياً فى المسيح ولننظر لكلمات النبوة على أنها للمسيح:
يتسلط بار بخوف الله كنور… الشمس غبّ المطر
مى(2:5) (أر5:23) (أش2:11) (ملا3:4) (مز6:72)
كعشبٍ من الأرض: هذه كنيسة المسيح التى تنمو وتزدهر ويصير فيها حياة بعد أن أشرقت عليها الشمس ونزل المطر. فالشمس هى المسيح شمس البر والمطر هو نزول الروح القدس. غبّ المطر: أى بعد هطول المطر. وتسلط عليها المسيح البار ليعطيها من بّرِهِ. وكل من خاف الله سيستمتع بهذا النور وتكون فيه حياة كالعشب الأخضر ولا تحرقه التجارب لأن المطر يبلله. أى يعزى الروح القدس كل نفس خلال رحلة هذا العالم إن عاشت فى مخافة الله.
أمّا هذه الأيات بالنسبة لداود فتنطبق جزئياً :- فإن كان داود قد تمجد ونال سلطاناً فذلك من خلال مخافته للرب وبره. والله وهبه إستنارة ليضئ كشمس مشرقة فى الصباح بعد فترة ظلام (ويقولون عليه سراج إسرائيل17:21) وتنهمر البركات خلال عهد داود كالمطر تفرح شعبه.
الآيات (5-7) :-
قال اله إسرائيل إلى تكلم صخرة إسرائيل إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله. و كنور الصباح إذا أشرقت الشمس كعشب من الارض في صباح صحو مضيء غب المطر.
أليس هكذا بيتى عند الله: يفهم الكلام على أن بيت داود سيكون أبدياً كما أن الشمس تشرق والمطر يسقط والعشب ينمو. ولكن يفهم الكلام أن البيت هو الكنيسة بيت الله ولها وعد أبدى أن تكون أبدية.
ولكن بنى بليعال جميعهم كشوك: الكنيسة لها وعود أنها أبدية ولكن هناك مقاومين كثيرين يقاومون مملكة المسيح ولكن هم الآن كالزوان المزروع وسط الحنطة وفى اليوم الأخير تجمع الحنطة للمخازن (أولاد الله يذهبون للمجد) والشوك للحريق (الشيطان وأتباعه من المقاومين للبحيرة المتقدة بنار).
وكلهم كشوك مطروح لأنهم لا يؤخذون بيد: التشبيه مأخوذ من الزراعة فالفلاح حتى لا يجرح يديه من الأشواك يلقيها جانباً ويكون فى هذا الوقت مرتدياً قفازاً حين يفرز الثمار من الأشواك. فيضع الثمار يميناً والأشواك يرميها بإهمال حتى بعد ذلك يحرقها. ومتى خلع القفاز يجمع ويكنس هذه الأشواك بآلة حديدية حتى لا يُجرح.
والمعنى أن كل هؤلاء المقاومين الذين يظنون أنهم قادرين أن يجرحوا الكنيسة ويسيلوا دماء مؤمنيها سيطرحهم الله ويؤدبهم بحديد وعصا رمح (للقتل). تحطمهم بقضيب من حديد. . . . مزمور (9:2). وبالنسبة لداود فهو كملك عليه أن يؤدب كل بنى بليعال أى الأشرار المناهضين والمقاومين للحق. وهى وصيته لكل أولاده الملوك فكل من يملك عليه أن يبيد ويقاوم المقاومين. والمسيح حين يقيم كنيسته ويملك عليها يبيد أعدائها ويضعهم تحت موطئ قدميها.
الآيات (9-39) :-
وبعده العازار بن دودو بن اخوخي أحد الثلاثة الأبطال الذين كانوا مع داود حينما عيروا الفلسطينيين الذين اجتمعوا هناك للحرب وصعد رجال إسرائيل. أما هو فأقام وضرب الفلسطينيين حتى كلت يده ولصقت يده بالسيف وصنع الرب خلاصا عظيما في ذلك اليوم ورجع الشعب وراءه للنهب فقط. وبعده شمة بن اجي الهراري فاجتمع الفلسطينيون جيشا وكانت هناك قطعة حقل مملوءة عدسا فهرب الشعب من أمام الفلسطينيين.
فوقف في وسط القطعة وأنقذها وضرب الفلسطينيين فصنع الرب خلاصا عظيما. ونزل الثلاثة من الثلاثين رئيسا وأتوا في الحصاد إلى داود إلى مغارة عدلام وجيش الفلسطينيين نازل في وادي الرفائيين. وكان داود حينئذ في الحصن وحفظة الفلسطينيين حينئذ في بيت لحم. فتاوه داود و قال من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب.
فشق الأبطال الثلاثة محلة الفلسطينيين واستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب وحملوه وأتوا به إلى داود فلم يشا أن يشربه بل سكبه للرب. وقال حاشا لي يا رب أن افعل ذلك هذا دم الرجال الذين خاطروا بأنفسهم فلم يشا أن يشربه هذا ما فعله الثلاثة الأبطال.
و ابيشاي أخو يواب ابن صروية هو رئيس ثلاثة هذا هز رمحه على ثلاث مئة قتلهم فكان له اسم بين الثلاثة. آلم يكرم على الثلاثة فكان لهم رئيسا إلا انه لم يصل إلى الثلاثة الأول. وبناياهو بن يهوياداع ابن ذي باس كثير الأفعال من قبصئيل هو الذي ضرب أسدى مواب وهو الذي نزل وضرب أسدا في وسط جب يوم الثلج.
وهو ضرب رجلا مصريا ذا منظر وكان بيد المصري رمح فنزل إليه بعصا وخطف الرمح من يد المصري وقتله برمحه. هذا ما فعله بناياهو بن يهوياداع فكان له اسم بين الثلاثة الأبطال. واكرم على الثلاثين إلا انه لم يصل إلى الثلاثة فجعله داود من أصحاب سره. وعسائيل أخو يواب كان من الثلاثين
والحانان بن دودو من بيت لحم. وشمة الحرودي واليقا الحرودي. وحالص الفلطي
وعيرا بن عقيش التقوعي. وابيعزر العناثوثي ومبوناي الحوشاتي. وصلمون الاخوخي
ومهراي النطوفاتي. وخالب بن بعنة النطوفاتي واتاي بن ريباي من جبعة بني بنيامين.
وبنايا الفرعتوني وهداي من أودية جاعش. وأبو علبون العرباتي وعزموت البرحومي.
واليحبا الشعلبوني ومن بني ياشن يوناثان. وشمة الهراري وإخيام بن شارار الاراري.
واليفلط بن احسباي ابن المعكي واليعام بن اخيتوفل الجيلوني. وحصراي الكرملي
وفعراي الاربي. ويجال بن ناثان من صوبة وباني الجادي. وصالق العموني ونحراي البئيروتي حامل سلاح يواب بن صروية. وعيرا اليثري وجارب اليثري. واوريا الحثي الجميع سبعة و ثلاثون.
يذكر الكتاب هنا أسماء أبطال داود. فإذا كان داود يرمز للسيد المسيح فإن هؤلاء الأبطال يرمزون لرجال الإيمان وهناك عدة ملاحظات :-
1- نفس المجموعة نجدها فى سفر أخبار الأيّام مع إختلاف فى بعض الأسماء وكما قلنا فى المقدمة فهذا راجع لعدة أسباب ونضيف هنا سبب آخر فلربما كاتب سفر صموئيل أخذ الأسماء من قائمة كتبت فى زمن آخر غير الزمن الذى كتبت فيه القائمة التى أخذ عنها سفر الأيّام. فلربما كانت هناك قائمة كتبها داود بعد إستقرار مملكته وقبل سقوطه ثم تم تعديل هذه القائمة عند نهاية أيّامَهُ. أو لأن هؤلاء الأبطال لهم إسمين إسم كان لهم فى بداياتهم ثم إسم آخر أخذوه كشهرة فى نهاية أيامهم.
2- ذكرهم فى الكتاب المقدس يعتبر أعظم مكافأة لهم يتمتعون بها وهو مجد وكرامة لهم (مت13:26 + لو20:10) ومن يلتصق بربنا يسوع المسيح كجندى صالح ويجاهد قانونياً يتمتع بهذه الكرامة أن يسجل إسمه فى سفر الحياة (رؤ5:3).
3- هذه القائمة تعتبر مجداً لداود نفسه الذى قادهم فى هذا الجهاد وهذه الغلبة. ونحن كل نصرة لنا وكل غلبة إنما هى لحساب ملكنا الحقيقى إبن داود فالمسيح هو الذى يدعونا للجهاد وهو الذى يعمل فينا، يقدم لنا الإكليل وهو الذى يتقبله فينا.
4- ذكر هذه القائمة فيه حث لكل إنسان عبر الإجيال لحياة الجهاد حتى يملك المسيح إبن داود فى قلبه وتثبت مملكته فينا.
5- ذكر هؤلاء الأبطال لا يعنى مجرد تفوقهم الحربى أو العسكرى فقط وإنما إرتبط نجاحهم العسكرى وشجاعتهم بإيمانهم فلا نعجب إن رأينا يوآب- الرجل الأول والقائد لجيش داود غير مذكور هنا. فقد خسر إكليله بسبب غدره المستمر وغيرته الشريرة وحسده، إذ قتل أبنير وغدر بعماسا، وكان متجاسراً فى أحاديثه وحواره مع داود.
6- يظهر من الأسماء أنهم من أسباط وقبائل مختلفة مثل يهوذا وبنيامين وجت وعمون. . . . وهكذا يظهر عظماء رجال الإيمان من أمم كثيرة وشعوب متنوعة كما يوجد بينهم رجال ونساء وأطفال وشباب وشيوخ.
7- قُسّمَ هؤلاء الأبطال إلى 3 درجات أو رتب :-
أ- ثلاثة أوّلون :- يوشيب وألعازار وشمة. وهؤلاء قد يشيروا إلى أباء وأنبياء العهد القديم. والثلاثة التالون يشيرون لرجال العهد الجديد.
ب- ثلاثة تالون لهم :- مذكورون فى الأية (13) أبيشاى (أهو يوآب) وبناياهو هذا صار رأساً للجيش أيّام سليمان بدلاً من يوآب والثالث ربما يكون عماسا ولم يذكر إسمه لخيانته لداود =وإنحيازه لإبشالوم. وهؤلاء الثلاثة أتوا بالماء لداود بينما كان فى حربه مع الفلسطينيين وعطش.
ت- ثلاثون :- يشيرون إلى عامة المؤمنيين.
8- العدد الكلى 37 وهو يساوى 30+3+3+1 (غالباً يوآب نفسه فهو قائد الجميع وقد أسقط إسمه لغدره).
آية (8) :-
هذه أسماء الأبطال الذين لداود يوشيب بشبث التحكموني رئيس الثلاثة هو هز رمحه على ثمان مئة قتلهم دفعة واحدة.
فى (1أى11:11) هو هزّ رمحه على 300 بينما المذكور هنا 800 وذلك ربما للآتى :-
أ- هو قتل 300 ورجالهُ قتلوا 500.
ب- ربما كل رقم فيهم حدث فى معركة مختلفة.
ث- ربما كان الرقم 300 بعد إستقرار داود وقبل سقطة أوريا والـ 800 فى نهاية ملك داود.
د- ربما الـ300 كانوا قتلى والـ800 هم القتلى والجرحى.
آية (11) :-
وبعده شمة بن اجي الهراري فاجتمع الفلسطينيون جيشا وكانت هناك قطعة حقل مملوءة عدسا فهرب الشعب من أمام الفلسطينيين.
قطعة حقل مملوءة عدساً: وفى سفر الأيّام قبل حقل شعير. وما المانع أن يكون بالحقل صنفين. والمعنى أن مجموعة من الفلسطينيين أتوا ليغتصبوا محصول الحقل من الحقل من العدس والشعير وهذا البطل قاومهم وأنقذ المحصول. وظهرت شجاعة شمة فى أنه وقف وحدهُ بينما هرب الباقون (أية 12).
الآيات (13-17) :-
ونزل الثلاثة من الثلاثين رئيسا وأتوا في الحصاد إلى داود إلى مغارة عدلام وجيش الفلسطينيين نازل في وادي الرفائيين. وكان داود حينئذ في الحصن وحفظة الفلسطينيين حينئذ في بيت لحم. فتاوه داود و قال من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب.
فشق الأبطال الثلاثة محلة الفلسطينيين واستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب وحملوه وأتوا به إلى داود فلم يشا أن يشربه بل سكبه للرب. وقال حاشا لي يا رب أن افعل ذلك هذا دم الرجال الذين خاطروا بأنفسهم فلم يشا أن يشربه هذا ما فعله الثلاثة الأبطال.
حفظة الفلسطينيين: أى الفلسطينيين المحتلين للحصن. فى الحصاد: أى وقت الحر لذلك عطش داود. من بئر بيت لحم: داود فى عطشه وتعبه أثناء الحرب تذكر بئر الماء الذى كان يشرب منهُ وهو طفل فى بيت لحم وكان ماؤهُ حلواً بارداً وقال من يأتينى بمثل هذا الماء.
فهو لم يأمر أحد أن يأتيه بهذا الماء فبيت لحم الآن فى يد الفلسطينيين وهو يعرف هذا ويستحيل أن يطلب من رجالهُ أن يغامروا بحياتهم ليشرب هو ماءً حلواً. ولكن الثلاثة لمحبتهم لداود إستجابوا لأمنيته. ولنلاحظ أن بيت لحم الآن فى يد الفلسطينيين وذلك نتيجة الخطية. بل سكبه للرب: بمعنى أن الرب وحده هو الذى يستحق تقدمة كهذه فيها يخاطر الناس بأرواحهم. وهو إعتبر أن هذا الماء يساوى دماء الرجال والدم لله وحدهُ.
الآيات (20-23) :-
وبناياهو بن يهوياداع ابن ذي باس كثير الأفعال من قبصئيل هو الذي ضرب أسدى مواب وهو الذي نزل وضرب أسدا في وسط جب يوم الثلج. وهو ضرب رجلا مصريا ذا منظر وكان بيد المصري رمح فنزل إليه بعصا وخطف الرمح من يد المصري وقتله برمحه.
هذا ما فعله بناياهو بن يهوياداع فكان له اسم بين الثلاثة الأبطال. واكرم على الثلاثين إلا انه لم يصل إلى الثلاثة فجعله داود من أصحاب سره.
أسدى موآب: قد يكونوا أسدين أو رجلين من الجبابرة. نزل وضرب أسداً فى جب: ويبدو أن الأسد كان يضرب ويهاجم الناس ثم يهرب للجب فنزل لهُ بناياهو. من أصحاب سره: أى مشيريه.
+