تفسير الاصحاح الثانى والعشرون من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى
نشيد النصرة
هذا النشيد الذى يأتى هنا فى نهاية حياة داود نجده أنه هو نفسه كلمات المزمور (18) وفى مقدمة المزمور (18) نجد أن داود كتب هذا المزمور فى اليوم الذى أنقذه فيه الرب من أيدى كّلَ أعدائه ومن يد شاول. ونجد نفس الكلمات بعينها فى آية (1) هنا.
ولنلاحظ أن داود كتب مزمور (18) وهو فى قمة إنتصاراته ومجده قبل أن يسقط. ونجده فى نهاية حياته يرتل نفس المزمور بنفس الكلمات وهذا بعد أن سقط وأخطأ وتاب أو ليست هذه هى قصة الخلاص. فلقد خلق الله الإنسان فى مجد وسقط الإنسان وجاء المسيح ليعيده للمجد. والمعنى أن توبة داود أعادته لسابق مجده، وجعلته يرتل نفس الكلمات.
فالله الذى أعانهُ فقتل جليات هو نفسه الذى أعانه فتاب "توبنى يا رب فأتوب" وهو الذى قبل توبته وأعاده لنفس رتبته. ألم يقل الأباء أن التوبة تحول الزانى إلى بتول". والتوبة :إكتسبت قوتها من دم المسيح الذى يطهرنا من كل خطية (1يو7:1) ولذلك نجد فى كلمات مز (18) أن داود يكلمنا عن بره وطهارة يده وحفظه طريق الرب وكماله لدى الرب. فكيف يعود فى نهاية حياته بعد سقطه أوريا ويتحدث بنفس الكلمات هنا؟ السبب فى التوبة التى مسحت خطاياه.
ألم يقل لهُ الرب على لسان ناثان النبى الرب قد نقل عنك خطيتك. لا تموت والسؤال إلى أين نقل الرب خطية داود؟ أليس إلى المسيح الذى حمل أثامنا (أش53: 4-6) وأليس هذا هو خلاص المسيح الذى شعر بِهِ داود فرتل نفس المزمور فى نهاية حياته. داود فى قمة مجده كان فى ثوب بر أبيض وهو فى مزمور (18) يزهو بثوب بره الأبيض.
وفى هذا النشيد يذكر كيف سَوّدَ ولَطّخَ هذا الثوب الأبيض بخطاياه وكيف أن المسيح بدمِهِ غسل له ثوبه وبيضه فى دم الخروف (رؤ14:7). وإذا بثوبه يعود أبيضاً كالأول فعاد يزهو ببره وبثوب بره الأبيض الذى بيضّه لهُ المسيح، عاد هنا ليفتخر بما عملهُ المسيح وبقوة ذراعه وقوة خلاصه (2كو21:5). فهذا النشيد كان لابد أن يأتى هنا فهو يشير لعمل المسيح الخلاصى. وعلى خلاص المسيح نظل نرتل ونسبح كل العمر وإلى آخر لحظة كما يسبح داود هنا حتى آخر يوم فى حياته. هذا نشيد الكنيسة المنتصرة بالمسيح قائد موكبها الغالب.
آية (1) :-
وكلم داود الرب بكلام هذا النشيد في اليوم الذي أنقذه فيه الرب من أيدي كل أعدائه ومن يد شاول.
هى نفس مقدمة مزمور (18). من أيدى كل أعدائه: فى مز (18) كان أعدائِه هم شاول والفلسطينيين وغيرهم من الشعوب. أمّا الآن فهو رأى أعداءً جُدد لم يكن يعرفهم من قبل مثل إبليس عدو الخير / الذات / الشهوة الكامنة فى الأعضاء. . . . ألخ والله يخلص من كل هذه.
الآيات (2-4) :-
فقال الرب صخرتي وحصني ومنقذي. اله صخرتي به احتمي ترسي وقرن خلاصي ملجاي ومناصي مخلصي من الظلم تخلصني. أدعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي.
الرب صخرتى: هو يدرك ضعفه ويدرك قوة الله العجيبة العاملة فى ضعفه فتهبه قداسة وإنتصار على الشر. لذلك يسبح الله على ما أعطاه الله لهُ من قوة. إله صخرتى: إلهى صخرتى أرتفع عليه فلا تطولنى الحية التى تسعى لإبتلاعى. أعتمد عليه فهو راسخ وثابت وفيه أحتمى من العواصف أى التجارب. فبالرغم من كل قوة داود العسكرية كان يشعر أن قوته هى فى أن الله يسنده. أدعو الرب: هو قالها بصيغة المضارع وليس بصيغة الماضى أى لم يقل دعوت، فهو يدعوه بإستمرار ويصلى بلا إنقطاع (1تس17:5).
الآيات (5-7) :-
لان أمواج الموت اكتنفتني سيول الهلاك أفزعتني. حبال الهاوية أحاطت بي شرك الموت أصابتني. في ضيقي دعوت الرب وإلى الهي صرخت فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل أذنيه.
نجد أن الله فى محبته لداود لا ينزع عنه مقاومة الأعداء لهُ وإنما على العكس يتركهُ لتحل به الضيقات من كل جانب حتى يكاد الموت يحاصره مثل المياه حينما تحيط بشخص يغرق وكمن حاصرته الأمواج وحطمت طاقاته وكمن جرفته السيول لتنحدر به إلى هاوية بلا نهاية.
وكانت المشاكل كجبال حولهُ أغلقت أمامه طرق الخلاص وصار كفريسة فى شباك = شرك العدو. لكنه لم ييأس بل فى ضيقى دعوت الرب والرب إستجاب وتجلى لهُ الله كواهب حياة وقيامة. وهذا ينطبق على
1- الإنسان فى أى تجربة تعصف به فى حياته (مرض / فشل. . . )
2- الإنسان فى حروبه الروحية فهى أيضاً كجبال تحيط به
3- الإنسان قبل خلاص المسيح وهو فى حالة حُكم إلهى صادر ضده بالموت فإلى أين يذهب. لقد تلّمس داود حب اله الفائق وتعرّف على الله أكثر خلال الضيقات لذلك يقول السيد المسيح"إدعنى فى وقت الضيق أنقذك فتمجدنى" ويقول يعقوب إفرحوا فى التجارب (2:1).
الآيات (8-16) :-
فارتجت الأرض وارتعشت أسس السماوات ارتعدت وارتجت لأنه غضب. صعد دخان من انفه ونار من فمه أكلت جمر اشتعلت منه. طاطا السماوات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار ورئي على أجنحة
الريح. جعل الظلمة حوله مظلات مياها حاشكة وظلام الغمام. من الشعاع قدامه اشتعلت جمر نار. ارعد الرب من السماوات والعلي أعطى صوته. أرسل سهاما فشتتهم برقا فازعجهم. فظهرت أعماق البحر وانكشفت أسس المسكونة من زجر الرب من نسمة ريح انفه.
لقد رأى الله ويدهُ القوية خلال التجارب بل بروح النبوة إمتدّ نظر داود ليرى ما حلّ بالإنسان بحسد إبليس وكيف نزل الله الكلمة بذاته من السماء ليعلن حبه النارى نحو البشر، الأمر الذى أدهش المسكونة كلها، السماء والأرض. إرتجت الأرض. . . لأنه غضب: لقد غضب الله بسبب الخطية وغضب الله لما فعلته الخطية بحياة الإنسان وبطبيعته.
غضب الله على داود بسبب خطيته فلم يفارق السيف بيته وغضب على سدوم وعمورة فإحترقا بنار وكبريت، وغضب على محاولة عزيا إغتصاب الكهنوت فحدثت زلزلة رهيبة. لكن غضب الله على ما حدث من دمار للإنسان الذى خلقه جعله يتجسد ويصلب لينقذ الإنسان وعملهُ هذا أدهش المسكونة فإرتجت الأرض وإرتعدت السموات أمام هذا الحب الفائق الذى ظهر فى التجسد:
• طأطأ: أحنى السموات. فالمسيح جعل بنزوله على الأرض، جعل الأرض سماء. فحيثما يوجد المسيح تكون السماء. طأطأ: أحنى السموات، جعلها تنحنى لتتلامس مع الأرض. طأطأ السموات ونزل: هو نزول المسيح البار القدوس إلى ضعف البشر.
طأطأ السموات ونزل. وعند الصلب نجد أن هذا قد حدث فعلاً فالأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت (مت27: 51،52). ولقد كان التجسد سر عجيب لم يستطع أحد أن يفهمه: ضباب تحت رجليه. وكان هذا الضباب كثيفاً جداً فى العهد القديم ولم يستطع أحد أن يدرك سر حب الله إلاّ بعد أن أشرق نور الصليب وأشرق هو بنوره فينا. وقولهُ ضباب يشبه قول بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد".
صعد دخان من أنفه: علامة الغضب. ونار من فمه أكلت: الله فى غضبه يكون نار آكلة تأكل مقاوميه كما حدث فى سدوم وكما خرجت نار أكلت إبنى هرون (لا10: 1،2) والنار التى أكلت الخمسين رجل مرتين أيام إيليا. ولكن الله فى محبته يكون نار تحرق لنا عدو الخير وسور نار يحمينا منهُ (زك5:2) وهو نار تشعل قلوبنا محبة بعد أن تحرق أشواك الخطية فينا. وآية (12) مظلات: هى الظلمة والغمام الكثيرة المياه: أى مياهاً حاشكة.
فلا يُرى الرب من ورائها كما لا يُرى من الخارج الساكن فى مظلة. والله إحتجب عنّا فلا نراه لأنه فى محبته يخشى لئلا نموت إذا رأيناه "لا يرانى الإنسان ويعيش". من الشعاع قدّامه إشتعل: إذا كان الله قد أحاط نفسه بضباب وسحاب حتى لا نراه فالسحاب ينتج عنهُ برق والبرق قادر أن يشعل الجمر. ورمزياً فالروح القدس الذى أرسلهُ لنا المسيح يشبه بالمطر الذى ينزل من السماء ويشبه بالنار التى تلهب القلوب حباً.
وفى (16) فظهرت أعماق البحر: والآية يمكن ترجمتها هكذا فظهرت مجارى المياه (راجع الكتاب المقدس بالشواهد) وإنكشفت أسس المسكونة: بتجسد المسيح ظهرت المحبة التى أسس الله عليها المسكونة ، المحبة التى جعلت الله يخلق العالم ويعطى حياة. وظهرت مجارى المياه أى ظهر لنا كيف نحصل على الروح القدس أى بتجسد المسيح.
تأمل روحى :- عمل المسيح يهز كل كياننا ويجدد طبيعتنا ويزلزلها الجسد (الأرض) النفس (السماء).
وركب على كاروب لأن عرش الله مركبة كاروبيمية. وإذا كان كاروب يعنى معرفة فيكون المعنى أن الله تمجد فوق كمال المعرفة وتعنى أيضاً أن الله يرتاح فى من يعرفه. ورُئى على أجنحة الريح: أى كان خلاصه وعملهُ سريعاً جداً أرسل سهاماً فشتتهم، برقاً فأزعجهم: أرسل الإنجيليين الذين لهُ فى العالم كله كسهام وكبروق فى قوتهم وفى العجائب فإنزعجت ممالك إبليس حين دخل الإيمان للعالم كله.
وبإختصار فكلمة الله يطأطئ السموات بتجسده لينزل إلينا مشرقاً كشمس البر على الجالسين فى الظلمة، أمامهُ يرتعد كل ما هو زمنى فينا فتتقدس سمواتنا الداخلية (نفس) وأرضنا (جسد) ويبدد ظلمة الجهل التى كانت فينا. وأعطانا معرفة فصرنا هياكل لله والروح القدس وصرنا كمركبة كاروبيمية.
وهو ركب على السحاب كما على كاروب وصعد ليحملنا إليه ويجلسنا معهُ فى السماويات فكل من كان هيكلاً لله يكون فى السماويات وكل من صار كمركبة كاروبيمية يعرف الله صار فى السماويات. وأرسل تلاميذه ورسله كسهام وتنفذ كرازتهم الإنجيلية إلى القلوب، وتبرق فيها بنور المعرفة فيهتز كل شر فيها وتقوم مملكة الرب داخلها.
الآيات (17-20) :-
أرسل من العلى فأخذني نشلني من مياه كثيرة. أنقذني من عدوي القوي من مبغضي لأنهم أقوى مني. أصابوني في يوم بليتي وكان الرب سندي. أخرجني إلى الرحب خلصني لأنه سر بي.
أرسل من العُلى فأخذنى: الله بخلاصه العجيب كأنه مدّ يده من علائِهِ لينقذ داود وينقذنا بعد أن أشرفنا على الموت: نشلنى من مياه كثيرة: كما إنتشل موسى لأنّه سر بى: لسان حال داود أن الله سُرّ به حين إختاره وحين مسحهُ وحين خلصه وحين جعلهُ ملكاً وحين قبل توبته.
وهذا ينطبق على كل مؤمن، وبالنسبة للكنيسة التى دعاها الله من بين مياه كثيرة إذ جمعها من بين الأمم والشعوب المتنوعة وخلصها من عدوها القوى الذى كان يربطها برباطات محبة العالم. وأخرجها المخلص إلى الرحب وأخرجها من ضيق الحياة الجسدانية إلى إتساع الإيمان الروحى فإنطلقت إلى حرية الروح.
الآيات (21-25) :-
يكافئني الرب حسب بري حسب طهارة يدي يرد علي. لاني حفظت طرق الرب ولم اعص الهي. لان جميع أحكامه أمامي وفرائضه لا أحيد عنها. وأكون كاملا لديه وأتحفظ من أثمي. فيرد الرب علي كبري وكطهارتي أمام عينيه.
داود كرجل من رجال العهد القديم يتكلم عن البر بمفهومه ومن وجهة نظره وأنه إلتزم بالوصايا. هكذا كان شعور داود فى مز (18) أنه بار ملتزم بالوصايا لذلك أنقذه الله. هو حقيقة إنسان متواضع قال عن نفسه "برغوث وكلب ميت" ولكن هذا ما فهمه داود أنه إذا إلتزم بالناموس وبالوصايا فهو بار.
ولكن الآن بعد أن سقط وتلوث فكيف يتكلم هكذا؟ هو فهم أن التوبة أعطته نقاوة ثانية "تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج". ولكن هذا الكلام بمفهوم نبوى يتحدث عن المسيح البار الحقيقى وَحْدَهُ وداود يرمز لهُ. والآن صار لكنيسته جَسَدِهِ أن تقول أنها طاهرة فهى مغسولة بالدم. فالخلاص هو أن المسيح نزل إلى العالم ليحملنا فيه ونصير أعضاء جسده المقدس فنقف أمام الآب أولاداً له مبررين فى الدم الثمين، كمن هم بلا عيب، نحمل كمال المسيح فينا. نقف فى تواضع ونقول إن فعلنا كل البر فنحن عبيد بطالون نحن كلاب ميتة وبراغيث. لكن نحن فى المسيح كاملين فالبر هو بالمسيح.
الآيات (26-28) :-
مع الرحيم تكون رحيما مع الرجل الكامل تكون كاملا. مع الطاهر تكون طاهرا ومع الأعوج تكون ملتويا. وتخلص الشعب البائس وعيناك على المترفعين فتضعهم.
مع الرحيم تكون رحيماً … ومع الأعوج تكون ملتوياً: هذا رأه داود فى حياتِهِ فطوال فترة بر داود وكماله كان داود فى مجده منتصراً على كل أعدائه وبعد أن سقط فكل شئ إختلف. حين إعوجت طرق داود إلتوت الطرق معهُ وأمامهُ فرأى الله قاسياً معهُ فكلمة ملتوياً تترجم هكذا وتترجم قاسياً ولكن كان هذا لتأديبه فيعود كاملاً ويعود طاهراً فيرجع الله إليه ويكون كاملاً وطاهراً معهُ.
إذاً إلتواء الطرق أمامه كان لتأديبه وتخلص الشعب البائس: حقيقة الله يكون كاملاً مع الكامل لكن المسيح جاء للعالم وهو فى أشد درجات إنحطاطه وخطيته ووثنيته فحينما إزدادت الخطية "وحيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً" (رو20:5).
فالعالم كان قد وصل لحالة من البؤس والعمى جعلته لا يعرف الله فلم يطلبه فكان أن يتجسد الله ليعرفه العالم ويطلبه. وعيناك على المترفعين فتضعهم المترفعين أى المتكبرين وهم الشياطين وكل من يمشى وراءهم هؤلاء سينزلون إلى الهاوية ونرى مثالاً للأية ومع الأعوج تكون ملتوياً فى قصة أخاب حين أضله الروح الشرير (1مل20:22) ونرى الآن مفهوماً آخر للأية أن المسيح صار سر برنا وتقديسنا فإننا به وفيه ننال الطبيعة الجديدة المقدسة فنصير رحماء وكاملين وأطهاراً ومتواضعين فندخل إلى علاقة جديدة مع الآب وكأننا نقول بك صرنا رحماء فنرحم الآخرين فترحمنا أنت يا الله.
آية (29) :-
لأنك أنت سراجي يا رب و الرب يضيء ظلمتي.
كيف صرنا رحماء وكاملين. إن الظلمة قد حلت بالنفس، إذ صارت فى جهالة، لذا جاء المسيح كلمة الله، المعلم، مشرقاً على النفس بالمعرفة الروحية المخلصة فتستنير أعماقنا الداخلية.
الآيات (30-43) :-
لاني بك اقتحمت جيشا بالهي تسورت أسوارا. الله طريقه كامل و قول الرب نقي ترس هو لجميع المحتمين به. لأنه من هو اله غير الرب و من هو صخرة غير الهنا. الإله الذي يعززني بالقوة و يصير طريقي كاملا.
الذي يجعل رجلي كالأيل وعلى مرتفعاتي يقيمني. الذي يعلم يدي القتال فتحنى بذراعي قوس من نحاس. وتجعل لي ترس خلاصك ولطفك يعظمني. توسع خطواتي تحتي فلم تتقلقل كعباي. الحق أعدائي فأهلكهم ولا ارجع حتى أفنيهم.
أفنيهم واسحقهم فلا يقومون بل يسقطون تحت رجلي. تنطقني قوة للقتال و تصرع القائمين علي تحتي. وتعطيني اقفيه أعدائي ومبغضي فأفنيهم. يتطلعون فليس مخلص إلى الرب فلا يستجيبهم. فاسحقهم كغبار الأرض مثل طين الأسواق أدقهم وأدوسهم.
داود هنا يتكلم عن حروبه ضد الموآبيين والعمونيين. . . الخ والتى إنتهت بإنتصاراته. وهو هنا لا يفتخر بقوته بل يرجع الفضل لله. وإن كان العدو قوياً فالله هو قوة داود وهو ترس لهُ يصد جميع سهام العدو. وهو سور نار يحميه.
أقفية أعدائى أى يهرب أعداءهُ أمامهُ فيرى أقفيتهم. ولكن هذه الحرب هى صورة للحروب الروحية فبعد أن فتح الله عيوننا نرى أن إبليس يحاربنا فنقوم ونحاربه ومن المؤكد ستكون لنا النصرة فالله قوتنا. وترفعنى: كما على المرتفعات العالية فلا يلحق بى أذى فمن عاش مع المسيح فى السماويات وتذوق أنه ما أحلى الرب يكون لهُ قوة جبارة ويرفض إغراءات العالم وخطاياه.
وتوسع خطواتى فألحق بعدوى وأفنيه بقوة الصليب. فالله هو الذى أعطانا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو. وفى أية (35) الذى يُعلم يدىّ القتال فتحنى بذراعىّ قوس من نحاس: لقد تذكر داود هنا معركته مع جليات وكيف لم يستطع يومها أن يحمل الأسلحة الثقيلة فحارب بالمقلاع. والآن هو محارب جبار يجيد إستخدام كل أنواع الأسلحة وتعلم أن يضع يده داخل القوس النحاسى ويحمله ويدافع به.
وكلمة تحنى المقصود بها التفاف الذراع داخل القوس وحمله للقتال. والمعنى الروحى، أنه إذا كان الإنسان مازال فى بداياته الروحية تكون أسلحته بسيطة وبعد أن ينمو روحياً يدربه الله على إستخدام كل الوسائل الخاصة بالحرب الروحية (أف6: 11-18). وفى (31) قول الرب نقى. ترس هو: الله قال لا تخف أنا ترس لك وقوله نقى وطريقه كامل وهو لن يتركنا.
الآيات (44-51) :-
وتنقذني من مخاصمات شعبي و تحفظني رأسا للأمم شعب لم اعرفه يتعبد لي. بنو الغرباء يتذللون لي من سماع الأذن يسمعون لي. بنو الغرباء يبلون ويزحفون من حصونهم. حي هو الرب ومبارك صخرتي ومرتفع اله صخرة خلاصي. الإله المنتقم لي والمخضع شعوبا تحتي.
والذي يخرجني من بين أعدائي ويرفعني فوق القائمين علي وينقذني من رجل الظلم. لذلك أحمدك يا رب في الأمم ولاسمك أرنم. برج خلاص لملكه والصانع رحمة لمسيحه لداود ونسله إلى الأبد.
مخاصمات شعبى: إشارة لمحاربات شاول ثم رفض 10 أسباط لهُ بعد ملكه ثم ثورة إبشالوم ضده. فالحروب ضدنا من خارج ومن داخل. وتحفظنى رأساً للأمم: هو ساد على كل الشعوب الوثنية حولهُ. وهذا رمز لسيادة المؤمن على إبليس بالرغم من حروبه الداخلية والخارجية. من سماع الأذن يسمعون لى: هم سمعوا عنى فأحبونى والآن يسمعوا صوتى.
ولكن هذه الأيات يتكلم فيها داود بالنيابة عن المسيح الذى صار رأساً للأمم وبالكرازة آمن به العالم أى من سماع الأذن بكلمات الكرازة سمعوا للمسيح وأصبحت الشعوب التى لم تكن تعرف المسيح تتعبّد لهُ (الأمم). بنو الغرباء يبلون ويزحفون من حصونهم: الذين رفضوا المسيح فصاروا غرباء عنهُ وتحصنوا داخل حصونهم ليهاجموه ها هم يبلون أى يخورون ويستسلمون ويخرجون من حصونهم.
نجد هنا داود لا يفتخر بقوته فهو محارب قوى. وقد نفهم أن تحنى بذراعيه قوس من نحاس المعنى المباشر أنه فى قوته الجسدية قادر أن يحنى قوس من نحاس. لكنه لا يفتخر بقوته، بل يقول الله أعطاه هذا تطبيقاً لقول بولس الرسول من إفتخر فليفتخر بالرب (1كو31:1) وعلينا أن لا نفتخر بمواهبنا بل ننسبها لمن أعطاها لنا ونشكر الله عليها بل نفهم أنها وزنات يحاسبنا الله عليها.
+