تفسير الاصحاح الثانى من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى
داود يملك على يهوذا
الآيات (1-4) :-وكان بعد ذلك أن داود سال الرب قائلا ااصعد إلى إحدى مدائن يهوذا فقال له الرب اصعد فقال داود إلى أين اصعد فقال إلى حبرون. فصعد داود إلى هناك هو وامرأتاه اخينوعم اليزرعيلية وابيجايل امرأة نابال الكرملي. واصعد داود رجاله الذين معه كل واحد و بيته و سكنوا في مدن حبرون.
واتى رجال يهوذا ومسحوا هناك داود ملكا على بيت يهوذا و اخبروا داود قائلين ان رجال يابيش جلعاد هم الذين دفنوا شاول.
أيقن داود أنه الملك المختار من قبل الرب لكنه لم يصعد إلى يهوذا قبل إستشارة الرب ، ولم يذهب داود متسرعاً يطلب الحكم بل صعد هو ورجاله وسكنوا فى حبرون وفى وسط سبط يهوذا ، سبط داود ، فهم بلا شك الأقرب إليه ويميلون إليه أكثر من غيرهم.
ولاحظ أن إنطلاق داود ورجاله إلى يهوذا بعد موت شاول كان شيئاً طبيعياً إلاّ أن من أدرك أهمية طلب مشورة الله فى وقت الضيق وإستجابة الله لا يعود يثق فى أى قرار لهُ حتى فى وقت الفرج إلاّ بعد أن يستشير الله ويصلى. وكانت حبرون من أعظم مدن يهوذا وكانت عاصمة لها فى ذلك الوقت ومقامة على جبال فيسهل الدفاع عنها.
وهناك شعر رجال يهوذا برجوع داود وإحتياجهم لهُ فمسحوه ملكاً علانية. وحبرون تعنى إقتران. فمن إقترن بالرب فى ألامه على الأرض سيتمجد معهُ فى السماء. ورجال داود الذين تألموا معهُ وجالوا مطرودين ها هم يتمجدون معهُ فى حبرون.
الرموز للمسيح :-
فملك المسيح مثل ملك داود يمتد عبر مراحل ونحن لا نزال نرى أن الكل غير خاضع له ولكن سيأتى الزمن حين يخضع لهُ الكل (عب8:2 + اكو25:15) ولاحظ أن مسح داود سراً فى بيت أبيه كان هو حصوله على حق الملك بينما مسحهُ على يهوذا كان أخذاً للسلطان على المملكة.
الآيات (5-7) :-
فأرسل داود رسلا إلى أهل يابيش جلعاد يقول لهم مباركون انتم من الرب إذ قد فعلتم هذا المعروف بسيدكم شاول فدفنتموه. والآن ليصنع الرب معكم إحسانا و حقا و أنا أيضا افعل معكم هذا الخير لأنكم فعلتم هذا الأمر. والآن فلتتشدد أيديكم و كونوا ذوي باس لأنه قد مات سيدكم شاول و اياي مسح بيت يهوذا ملكا عليهم.
أول عمل قام به داود بعد مسحه ملكاً هو إهتمامه بمن قام بدفن شاول ويوناثان وسنرى كيف رد أهل يابيش جلعاد الجميل لداود فى تمرد إبشالوم. وجميل أن يبدأ عمله الملوكى بتقديم البركة: مباركون أنتم من الرب: وهذه لتشجيعهم والتشجيع أفضل من أن نهاجم الأخرين بالسلبيات. ولم يقف كلام داود عند البركة بل أعطاهم مكافأة: وأنا أيضاً أفعل معكم هذا الخير. وتشجيع الناس يشجعهم أكثر على العمل والعطاء.
الآيات (8-11) :-
وأما ابنير بن نير رئيس جيش شاول فاخذ ايشبوشث بن شاول و عبر به إلى محنايم.
وجعله ملكا على جلعاد وعلى الاشوريين و على يزرعيل و على افرايم وعلى بنيامين وعلى كل إسرائيل. و كان ايشبوشث بن شاول ابن أربعين سنة حين ملك على إسرائيل وملك سنتين و أما بيت يهوذا فإنما اتبعوا داود. وكانت المدة التي ملك فيها داود في حبرون على بيت يهوذا سبع سنين و ستة اشهر.
ملك داود على يهوذا 7 سنة بعدها ملك على كل إسرائيل. من الجانب الأخر إنشغل أبنير رئيس جيش شاول فى إسترجاع بعض المدن التى فقدت فى معركة جلبوع وصار يجاهد مدة 5 سنة بعدها أقام إيشبوشث بن شاول ملكاً على إسرائيل ماعدا سبط يهوذا وعبر به محنايم التى جعلها عاصمة لهُ وكان إيشبوشث إبن 40 سنة حين ملك ، وملك لمدة سنتين قضاهما فى متاعب مستمرة وكانت شخصيته ضعيفة جداً وهو لم يشترك فى المعركة مع أبيه فى جلبوع أو ربما هرب منها وبذلك كان الحاكم الفعلى هو أبنير خاصة أنه إبن عم شاول. الأشوريون: وُجِدت الأشيريين (سبط أشير) ونطق الأشيريين هو الأقرب للصحة
(وُجِدَت هكذا فى نسخ عديدة وترجمات عديدة).
الآيات (12-17) :-
و خرج ابنير بن نير و عبيد ايشبوشث بن شاول من محنايم الى جبعون. و خرج يواب ابن صروية و عبيد داود فالتقوا جميعا على بركة جبعون و جلسوا هؤلاء على البركة من هنا و هؤلاء على البركة من هناك. فقال ابنير ليواب ليقم الغلمان
ويتكافحوا أمامنا فقال يواب ليقوموا. فقاموا و عبروا بالعدد اثنا عشر لاجل بنيامين وايشبوشث بن شاول و اثنا عشر من عبيد داود. و امسك كل واحد براس صاحبه
وضرب سيفه في جنب صاحبه و سقطوا جميعا فدعي ذلك الموضع حلقث هصوريم التي هي في جبعون. و كان القتال شديدا جدا في ذلك اليوم وانكسر ابنير ورجال إسرائيل أمام عبيد داود.
فى (12) وخرج أبنير:إذا هو الذى إعتدى على يهوذا وبدأ بالعدوان وكان هدفهّ أن يضم يهوذا إلى ملك إيشبوشث. [إيشبوشث هو إيشبعل (1أى33:8) أى رجل البعل أو رجل ذو سيادة ولأن كلمة بعل كانت مكروهة لأنه إله فينيقى فغيروا إسمه ليصير إيشبوشث أى رجل الخزى. وهذا حدث مع مفيبعل
مفببِوشث/ يربعل يربوشث) وحين هاجم أبنير يهوذا إضطر يوآب ورجال داود أن يخرجوا للدفاع وتقابلوا عند بركة جبعون كل على جانب مقابل الأخر.
ويبدو أن رجال كل طرف من الطرفين لم يستريحوا لمقاتلة إخوتهم ولو ترك الأمر هكذا لرجع الطرفان كل إلى بيته دون حرب كما قال يوآب لأبنير فيما بعد (أية 27) وحينما وَجَدَ أبنير أن الشعب غير راغب فى القتال أراد أن يلهب الجو فطلب أن يتقاتل بعض الغلمان من هنا ومن هناك. فقام 12 غلام من كل طرف فأمسك كل واحد برأس صاحبه وضرب سيفه فى جنب صاحبه فسقط الـ24 غلاماً. ودُعِىَ الموضع حلقث هصّورين أى صقل السيوف.
ولنلاحظ أن أبنير يقول ليلعبوا: يتكافحوا. وهى وحشية قطعاً. وهذا أستعملهُ الرومان مع عبيدهم بعد ذلك أن يتركوهم يتصارعون حتى الموت والجمهور يتفرج ويتسلى. لقد أصبحت النفوس بلا قيمة عندهم. ولنلاحظ أن يوآب لم يعترض فهو أيضاً رجل حرب ذو مزاج دموى فقبل إقتراح أبنير حتى يهتاج الفريقان.
ويبدو أن الغلمان كانوا يعرفون أن نفوسهم بلا قيمة عند هؤلاء القادة وأنهم محكوم عليهم بالموت فكانوا يحاربون بلا حمية وبيأس. ولنلاحظ طاعة هؤلاء الغلمان لقادتهم وهى ضد رغباتهم ولا هى فى صالح أحد، ونحن جنود فى جيش المسيح وأوامره بالتأكيد لصالحنا فهل نطيع.
الآيات (18-23) :-
وكان هناك بنو صروية الثلاثة يواب وابيشاي وعسائيل وكان عسائيل خفيف الرجلين كظبي البر. فسعى عسائيل وراء ابنير و لم يمل في السير يمنة و لا يسرة من وراء ابنير. فالتفت ابنير إلى ورائه و قال اانت عسائيل فقال أنا هو. فقال له ابنير مل إلى يمينك أو إلى يسارك و اقبض على أحد الغلمان و خذ لنفسك سلبه فلم يشا عسائيل أن يميل من ورائه.
ثم عاد ابنير و قال لعسائيل مل من ورائي لماذا أضربك إلى الأرض فكيف ارفع وجهي لدى يواب أخيك.
فأبى أن يميل فضربه ابنير بزج الرمح في بطنه فخرج الرمح من خلفه فسقط هناك و مات في مكانه و كان كل من ياتي إلى الموضع الذي سقط فيه عسائيل و مات يقف.
هُزِم أبنير ورجاله أمام رجال داود فهرب أبنير ولكن عسائيل أراد أن يلحقه ويقتله وكان رئيساً لإحدى فرق الجيش وكان عسائيل سريعاً لكنه لم يكن قوياً كأخيه يوآب أو كأبنير. وعسائيل إبن صروية أخت داود.
وهو تابع أبنير مستغلاً الحماس الذى حدث من الإنتصار غير مدرك أن هناك فارق بينه وبين أبنير ولكنه كان يطمع فى قتل أبنير ليسلم الملك لداود. وأبنير كان لا يريد قتل عسائيل لأنه خشى من يوآب أخيه لأنه سينتقم منهُ وطلب منهُ أن يبتعد فرفض فضربه أبنير بزج الرمح: ضربه بطريقة لا يتوقعها، إذ طعنهُ بعقب الرمح وهو غير مسنن ويحتاج لضربة قوية جداً ولكن من المؤكد أن أبنير قد تمرن عليها. ولنلاحظ أن ما إعتمد عليه عسائيل لم ينفعه أى سرعته.
وعلينا أن لا نعتمد على ذكائنا أو قوتنا بل على الله الذى يحمى. وإذ كان الجميع يحبونه هو ويوآب كان كل من يأتى ويراه ميتاً يقف ليبكى وبهذا تمكن أبنير من الهرب لوقوف الجميع أمام جثة عسائيل.
الآيات (24-32) :-
وسعى يواب و ابيشاي وراء ابنير و غابت الشمس عندما أتيا إلى تل أمة الذي تجاه جيح في طريق برية جبعون. فاجتمع بنو بنيامين وراء ابنير وصاروا جماعة واحدة و وقفوا على راس تل واحد.
فنادى ابنير يواب و قال هل إلى الأبد يأكل السيف ألم تعلم أنها تكون مرارة في الأخير فحتى متى لا تقول للشعب أن يرجعوا من وراء اخوتهم. فقال يواب حي هو الله انه لو لم تتكلم لكان الشعب في الصباح قد صعد كل واحد من وراء أخيه.
و ضرب يواب بالبوق فوقف جميع الشعب و لم يسعوا بعد وراء إسرائيل و لا عادوا إلى المحاربة. فسار ابنير و رجاله في العربة ذلك الليل كله و عبروا الأردن و ساروا في كل الشعب و جاءوا إلى محنايم. و رجع يواب من وراء ابنير و جمع كل الشعب و فقد من عبيد داود تسعة عشر رجلا
و عسائيل. و ضرب عبيد داود من بنيامين و من رجال ابنير فمات ثلاث مئين و ستون رجلا. و رفعوا عسائيل و دفنوه في قبر أبيه الذي في بيت لحم و سار يواب و رجاله الليل كله و اصبحوا في حبرون.
وسعى يوآب وأبيشاى إخوة عسائيل وراء أبنير لينتقما لأخيهما حتى الغروب ووقفا على تلين متقابلين وقال أبنير هل إلى الأبد يأكل السيف: كلام حكيم ولكن للأسف لم يصدر عنهُ إلاّ بعد أن وجد الحرب قد إستدارت ضده أمّا لو كان الشباب يموت فهو لعب.
وفى (27) لو لم تتكلم: أى أنت الذى بدأت فى الصباح وتكلمت وطلبت الغلمان أن يتكافحوا فبذلك حمّل يوآب أبنير مسئولية المعركة. وفى (29) الشعب: جمع شعبة وهى صدع فى الجبل يأوى إليه الطير. وعدد القتلى البسيط يدل على أن أصلاً أعداد المتحاربين لم تكن كبيرة.
وقبول يوآب وقف القتال كان لأنه يعلم أن داود لا يسعى لأن يملك عن طريق القتال لا ضد شاول ولا ضد إيشبوشث أو ضد أبنير فهو يريد أن الله يأتى له بالملك دون قتال الأخوة. هو ينتظر عمل الله الهادئ. خصوصاً أنه وعد شاول بأنه يعطى الأمان لأولاده فهو قطعاً لن يهاجم إيشبوشث.
+