تفسير الاصحاح السادس عشر من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى
المناداة بأبشالوم ملكًا
الآيات (1-4) :-
ولما عبر داود قليلا عن القمة إذا بصيبا غلام مفيبوشث قد لقيه بحمارين مشدودين عليهما مئتا رغيف خبز ومئة عنقود زبيب ومئة قرص تين وزق خمر. فقال الملك لصيبا ما لك وهذه فقال صيبا الحماران لبيت الملك للركوب والخبز والتين للغلمان ليأكلوا والخمر ليشربه من اعيا في البرية.
فقال الملك وأين ابن سيدك فقال صيبا للملك هوذا هو مقيم في أورشليم لأنه قال اليوم يرد لي بيت إسرائيل مملكة أبى. فقال الملك لصيبا هوذا لك كل ما لمفيبوشث فقال صيبا سجدت ليتني أيجد نعمة في عينيك يا سيدي الملك.
كانت هذه مؤامرة من صيبا ليغتصب أملاك مفيبوشث. لقد أدرك صيبا أن داود رجل قوى وأن محنته هى عابرة ولذا أسرع لهُ بهدية حمارين محملين وقولهُ للغلمان: أى الهدية بسيطة لا تستحق أن تقدم للملك بل هى لعبيده وقولهُ غلمان نوع من الإحترام لهم. ثم شوه صورة مفيبوشث أمام داود. وكلمات صيبا غير معقولة فكيف يستلم الحكم وهو أعرج أمام إبشالوم المحبوب جماهيرياً ذو الشكل الجميل وبقوته وسلطانه بل الذى عَرِفَ كيف يغتصب الحكم من داود نفسه وإنطلقت الحيلة على داود فأعطى صيبا كل الحقول. وما فائدة هذه التجربة لداود:-
1- داود شرب من كأس الخيانة التى سقاها لأوريا فهو خان أوريا والآن الكل يخونه.
2- إكتشف داود بعد ذلك خداع صيبا لهُ فتعلم أن لا يصدر أحكاماً متسرعة.
3- إستخدم الله صيبا إعالة داود ورجاله فى وقت حرج كما عال الغراب إيليا.
الآيات (5-14) :-
ولما جاء الملك داود إلى بحوريم إذا برجل خارج من هناك من عشيرة بيت شاول اسمه شمعي بن جيرا يسب وهو يخرج. ويرشق بالحجارة داود وجميع عبيد الملك داود وجميع الشعب وجميع الجبابرة عن يمينه وعن يساره.
و هكذا كان شمعي يقول في سبه اخرج اخرج يا رجل الدماء ورجل بليعال. قد رد الرب عليك كل دماء بيت شاول الذي ملكت عوضا عنه وقد دفع الرب المملكة ليد ابشالوم ابنك وها أنت واقع بشرك لأنك رجل دماء. فقال ابيشاي ابن صروية للملك لماذا يسب هذا الكلب الميت سيدي الملك دعني اعبر فاقطع رأسه.
فقال الملك ما لي ولكم يا بني صروية دعوه يسب لان الرب قال له سب داود ومن يقول لماذا تفعل هكذا. وقال داود لابيشاي و لجميع عبيده هوذا ابني الذي خرج من احشائي يطلب نفسي فكم بالحري الان بنياميني دعوه يسب لان الرب قال له.
لعل الرب ينظر الى مذلتي و يكافئني الرب خيرا عوض مسبته بهذا اليوم. وإذ كان داود ورجاله يسيرون في الطريق كان شمعي يسير في جانب الجبل مقابله ويسب وهو سائر ويرشق بالحجارة مقابله ويذري التراب. وجاء الملك وكل الشعب الذين معه وقد اعيوا فاستراحوا هناك
كان بين شمعى وبين داود ورجالهُ وادٍ وكان يرشقهم بالحجارة وغالباً كانت الحجارة لا تصل لداود لكن هى علامة غيظ، أمّا الكلمات فمسموعة وكلها كذب وكراهية مسموعة فداود لم يغتصب الملك من شاول ولم يقاتله ولم يسفك دم إنسان من بيت شاول بل أكرم مفيبوشث وقتل قاتل إيشبوشث ومن إدعى أنه قتل شاول.
ومنع داود أبيشاى من قتل شمعى وحَسِب شتائم شمعى إهانات هو يستحقها وإن كان بريئاً منها فهو برئ من دم شاول لكنه ليس بريئاً من دم أوريا لذلك قال "الرب قال لهُ سب داود". وعدم إنتقام داود ممن أهانه يشبه منع المسيح لبطرس من إستعمال سيفه.
إهانات شمعى لداود كانت بالنسبة لداود دواء يتقبله برضى وشكر ليغتصب مراحم الله. وكلمات صيبا المتملقة أضرت داود فأصدر حكماً خاطئاً أمّا إهانات شمعى فإعتبرها علامة محبة من الله لأن من يحبه الرب يؤدبه وحسب الفرصة فرصة تذلل أمام الله ليطلب مراحمه. وكان لهُ منطق إن كان إبشالوم إبنى خاننى وأنا لا أريد الإنتقام منه فلماذا أنتقم من هذا البنيامينى (شمعى قطعاً سبب حقده أن المُلْك فارق بيت بنيامين).
الآيات (15-19) :-
وأما ابشالوم وجميع الشعب رجال إسرائيل فأتوا إلى أورشليم واخيتوفل معهم. ولما جاء حوشاي الاركي صاحب داود إلى ابشالوم قال حوشاي لابشالوم ليحي الملك ليحي الملك.
فقال ابشالوم لحوشاي أهذا معروفك مع صاحبك لماذا لم تذهب مع صاحبك. فقال حوشاي لابشالوم كلا ولكن الذي اختاره الرب وهذا الشعب وكل رجال إسرائيل فله أكون
ومعه أقيم. وثانيا من اخدم أليس بين يدي ابنه كما خدمت بين يدي أبيك كذلك أكون بين يديك.
أية (18) تظهر حكمة حوشاى فهو يقصد داود، لكن من يسمعه يظن أنه يقصد إبشالوم فهو لم يكذب ولكنه بحكمة أجاب. ومن المؤكد أن إبشالوم لم يختاره الرب لكنه لكبرياء قلبه ظن أن الكلام لهُ وأنه أصبح مختار الرب وإقتنع إبشالوم بمبررات حوشاى.
الآيات (20-23) :-
وقال ابشالوم لاخيتوفل أعطوا مشورة ماذا نفعل. فقال اخيتوفل لابشالوم ادخل إلى سراري أبيك اللواتي تركهن لحفظ البيت فيسمع كل إسرائيل انك قد صرت مكروها من أبيك فتتشدد أيدي جميع الذين معك.
فنصبوا لابشالوم الخيمة على السطح ودخل ابشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل. وكانت مشورة اخيتوفل التي كان يشير بها في تلك الأيام كمن يسال بكلام الله هكذا كل مشورة اخيتوفل على داود وعلى ابشالوم جميعا.
عند الأمم الوثنية يأخذ الملك المنتصر سرارى الملك المهزوم وزوجاته ولكن لم يحدث أن أخذ إبن سرارى أبيه فهذا إنحطاط لم يحدث حتى عند الوثنيين. وفى (23) كمن يسأل بكلام الله: كان إبشالوم يسمع لأخيتوفل حاسباً مشورته كمن يسأل كلام الله (2صم23:16) مع أنها كانت مشورات شريرة من قبل إبليس تحمل حكمة أرضية شهوانية.
والشئ الكريه أن يحدث ما حدث أمام الجماهير على السطح فى خيمة على السطح نصبوها خصيصاً لذلك ليشاهد الشعب إبشالوم داخلاً على سرارى أبيه (وهذا شئ لا يحدث حتى بين بعض الحيوانات) وحكمة أخيتوفل الشيطانية أنه أراد أن يظهر أن الكراهية بين إبشالوم وأبيه داود بلغت أشدها وأنه لا مصالحة بينه وبين أبيه وأنه الملك المسيطر على كل شئ حتى على سرارى أبيه.
ولعل أخيتوفل أقنع إبشالوم بهذا لكنه كان يضمر شيئاً آخر فهو أشار بهذا خشية أن يحن الإبن يوماً لأبيه ويتصالحوا فيصير موقفه هو حرجاً كخائن لداود وبهذه المشورة صار السيف قوياً فى يد إبشالوم ضد أبيه وفى يد داود ضد إبنه.
ولاحظ أن هذا حدث على السطح حيث تمشى داود ليختلس النظر إلى بثشبع. ونلاحظ أن داود كان يستشير الله وكهنته يسألون لهُ ولم نسمع أن إبشالوم صلّى أو سأل الله بل كان يسأل أخيتوفل وحوشاى ومشورات أخيتوفل كلها شر (وزنا) ومشورات حوشاى كانت بحكمة ضده وهو لا يعرف. لذلك فلنسأل الله ولا نسأل إنسان
+