Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الثالث عشر من سفر صموئيل الثانى للقس انطونيوس فكرى

أمنون وثامار

الآيات (1-22) :-

وجرى بعد ذلك انه كان لابشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار فاحبها امنون بن داود. واحصر آمنون للسقم من اجل ثامار أخته لأنها كانت عذراء وعسر في عيني امنون أن يفعل لها شيئا. وكان لآمنون صاحب اسمه يوناداب بن شمعى أخي داود وكان يوناداب رجلا حكيما جدا.

فقال له لماذا يا ابن الملك أنت ضعيف هكذا من صباح إلى صباح أما تخبرني فقال له آمنون أنى احب ثامار أخت ابشالوم أخي. فقال يوناداب اضطجع على سريرك وتمارض وإذا جاء أبوك ليراك فقل له دع ثامار أختي فتاتي وتطعمني خبزا وتعمل أمامي الطعام لأرى فأكل من يدها.

 فاضطجع امنون وتمارض فجاء الملك ليراه فقال آمنون للملك دع ثامار أختي فتاتي وتصنع أمامي كعكتين فأكل من يدها. فأرسل داود إلى ثامار إلى البيت قائلا اذهبي إلى بيت آمنون أخيك واعملي له طعاما. فذهبت ثامار إلى بيت آمنون أخيها وهو مضطجع وأخذت العجين وعجنت وعملت كعكا أمامه وخبزت الكعك.

وأخذت المقلاة وسكبت أمامه فأبى أن يأكل وقال آمنون اخرجوا كل إنسان عني فخرج كل إنسان عنه. ثم قال آمنون لثامار آيتي بالطعام إلى المخدع فأكل من يدك فأخذت ثامار الكعك الذي عملته وأتت به آمنون أخاها إلى المخدع. وقدمت له ليأكل فامسكها وقال لها تعالي اضطجعي معي يا أختي. فقالت له لا يا أخي لا تذلني لأنه لا يفعل هكذا في إسرائيل لا تعمل هذه القباحة.

أما أنا فأين اذهب بعاري وأما أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل والآن كلم الملك لأنه لا يمنعني منك. فلم يشا أن يسمع لصوتها بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها. ثم ابغضها آمنون بغضه شديدة جدا حتى أن البغضه التي ابغضها إياها كانت اشد من المحبة التي احبها إياها وقال لها آمنون قومي انطلقي. فقالت له لا سبب هذا الشر بطردك اياي هو اعظم من الأخر الذي عملته بي فلم يشا أن يسمع لها. بل دعا غلامه الذي كان يخدمه وقال اطرد هذه عني خارجا واقفل الباب وراءها.

 وكان عليها ثوب ملون لان بنات الملك العذارى كن يلبسن جبات مثل هذه فأخرجها خادمه إلى الخارج واقفل الباب وراءها. فجعلت ثامار رمادا على رأسها ومزقت الثوب الملون الذي عليها ووضعت يدها على رأسها وكانت تذهب صارخة.

 فقال لها ابشالوم أخوها هل كان آمنون أخوك معك فالان يا أختي اسكتي أخوك هو لا تضعي قلبك على هذا الأمر فأقامت ثامار مستوحشة في بيت ابشالوم أخيها. ولما سمع الملك داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جدا. ولم يكلم ابشالوم آمنون بشر ولا بخير لان ابشالوم ابغض آمنون من اجل انه أذل ثامار أخته.


لقد أعلن ناثان الحكم على داود ونجد فى هذا الإصحاح مباشرة تنفيذ الحكم ونجد أن المتاعب بدأت تحيط بداود وأن نصف فترة حكمه الثانية ليست فى مجد وإزدهار النصف الأول. يا ترى ماذا كان موقف داود أمام رجاله حين أعلنت هذه القصة أن إبنه زنى مع إبنته!! حقاً إن ما يصنع فى الخفاء ينادى به على السطوح. وقصة أمنون هى صورة حية للتمييز بين الحب والشهوة.

 فالحب يجعل الإنسان يبذل نفسه لأجل من يحبهم ليراهم سعداء وفى التعامل مع الجنس الآخر فمن يحب يشعر أنه يتعامل مع شخص لهُ كيانه ويقدره. أمّا الشهوة فهى ليست سوى إشباع لذة وتعامل مع الجنس الآخر كأداة للمتعة.

والحب ينمو يوماً فيوماً ويهب القلب إتساعاً للجميع أمّا الشهوة فتحطم الإنسان وتضيق قلبه وسرعان ما تلهو بالشخص نفسه فينقلب الحب الشهوانى لكراهية. وللأسف فقد إصطلح الناس على تسمية الشهوة حب. ولم يَعُدْ المجتمع قادراً على التمييز بين الكلمتين ولكن منطقياً فكل حب غير قانونى [كحالة داود مع بثشبع أو أمنون مع ثامار] فهو شهوة.

وكل حب من هذا النوع مدمّر. وطالماً تكلمنا عن الحب فلا نستطيع أن ننسى أن الله محبة فكل من يشابه الله فى محبته فهذا حب وكل من لا يشبه الله فى محبته فهذه شهوة.

 والسؤال ما هو شكل محبة الله؟ محبة الله تنبع منهُ للآخرين لتفيض عليهم فكل من يجد أن حبه يخرج منه ويجعله يتصرف كما تصرف المسيح فهذه محبة وماذا فعل المسيح "ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه عن الآخرين. أمّا الشهوة والتى إصطلح الناس على تسميتها حباً فهى على العكس هى مجرد إشباع للداخل لإرضاء شهوة أنانية لإرضاء الذات. لذلك نقول أن الحب هو تحرر من الأنا ليعطى الإنسان ذاته لبنيان الآخرين ولبنيان نفسه أمّا الشهوة فهى تقوقع حول الأنا.

 وكل من يتقوقع حول ذاته يشبه دودة القز التى تحيط ذاتها وتتقوقع فتموت. كل من ينحصر فى ذاته ولذاته يموت وكل من ينطلق ويبحث عن الآخرين يحيا فهو يشبه الله. والان هل مؤامرة أمنون ومرضه لأجل شهوته لأخته هل هذا حب؟ قطعاً لا. وفى اللغة العربية هناك كلمة واحدة هى الحب تعبر عن النوعين ولكن فى العبرية وفى اليونانية هناك كلمتين:

1- أغابو وهى تعبير عن الحب السامى المتحرر من الأنا.

2- فيلو وهى تعبير عن الحب العادى وتندرج الشهوة تحته.

وكلمة حب هنا التى إستخدمت لحب أمنون لثامار هى (فيلو) فكلمات الكتاب دقيقة. ولذلك بعد ان نفذ امنون ما أراده تحول حبه أو شهوته إلى بغضة شديدة جداً حتى أنه طرد أخته بعد أن نال منها شهوته. لقد كان أمنون يظن أن ثامار دون سواها هى سر سعادته وإذ نال منها تحقيق شهوته لم يجد فى داخله شبعاً كما كان يظن لذا أبغضها.

ونحن كثيراً ما نشتاق للخطية ونظن أن فيها سعادتنا ونظن أنها جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وشهية للنظر ولكن إذ نتذوقها نندم وهذا ما حدث مع آدم وحواء. وفى (2) أحصر أمنون للسقم: وعانى أمنون من المرض وهذا دليل فسادهُ بسبب شهوته وحب الخطية يجعلنا نضعف ونخور حتى الموت. وفى (3) رجلاً حكيماً جداً: لكن للأسف كانت حكمته للشر وليس للخير.

 وكانت صداقته لأمنون صداقة نتيجتها الموت ولو أظهر لأمنون عواقب شهوته لأنقذه وأنقذ أخته. ثم نجد أن ثامار تكلمت بمنتهى الحكمة مع أمنون. لا يُفعَلْ هكذا بإسرائيل: هذا العمل لا يليق بأمة مقدسة وسيجلب غضب الله على الشعب كله فهما عضوين بالجماعة.

وقالت لأخيها أن الخطية تحطم مرتكبيها فتجعلها هى فى عار وهو كأحد السفهاء وربما أرادت خداعه فقالت لهُ كلّم الملك عنى لأنه لا يمنعنى عنك وربما حسبت أن الزواج بأخ غير شقيق أهون من السقوط فى الزنا أو هى فكرت أن الملك من حقه أن يعطى إستثناءات مبنية على زواج إبراهيم بسارة وهى شقيقة لكن ليست من نفس الأم.

 ولذلك وبعد أن إغتصبها أمنون تصورت أنه يجب أن يتزوجها لذلك هى إعترضت على أنه طردها وتذللت أمامه ليتزوجها ولا يتركها للعار. وفى (16) لا سبب: أى لا يوجد سبب يدعوك لطردى. ووضعها للرماد … الخ علامة الحزن الشديد كمن فى جنازة ومزقت الثوب الملون علامة فقدها كل مجد وفى (22) إبشالوم يضمر شراً لأمنون.

line

الآيات (23-39) :-
وكان بعد سنتين من الزمان انه كان لابشالوم جزازون في بعل حاصور التي عند افرايم فدعا ابشالوم جميع بني الملك. وجاء ابشالوم إلى الملك وقال هوذا لعبدك جزازون فليذهب الملك و عبيده مع عبدك. فقال الملك لابشالوم لا يا ابني لا نذهب كلنا لئلا نثقل عليك فالح عليه فلم يشا أن يذهب بل باركه. فقال ابشالوم إذا دع أخي آمنون يذهب معنا فقال الملك لماذا يذهب معك.

 فالح عليه ابشالوم فأرسل معه آمنون وجميع بني الملك. فأوصى ابشالوم غلمانه قائلا انظروا متى طاب قلب امنون بالخمر وقلت لكم اضربوا آمنون فاقتلوه لا تخافوا أليس أنى أنا أمرتكم فتشددوا وكونوا ذوي باس. ففعل غلمان ابشالوم بآمنون كما أمر ابشالوم فقام جميع بني الملك وركبوا كل واحد على بغله وهربوا.

 وفيما هم في الطريق وصل الخبر إلى داود وقيل له قد قتل ابشالوم جميع بني الملك ولم يتبق منهم أحد. فقام الملك ومزق ثيابه واضطجع على الأرض وجميع عبيده واقفون وثيابهم ممزقة. فأجاب يوناداب بن شمعى أخي داود و قال لا يظن سيدي انهم قتلوا جميع الفتيان بني الملك إنما آمنون وحده مات لان ذلك قد وضع عند ابشالوم منذ يوم أذل ثامار أخته.

 والآن لا يضعن سيدي الملك في قلبه شيئا قائلا أن جميع بني الملك قد ماتوا إنما آمنون وحده مات. وهرب ابشالوم ورفع الغلام الرقيب طرفه ونظر وإذا بشعب كثير يسيرون على الطريق وراءه بجانب الجبل.

 فقال يوناداب للملك هوذا بنو الملك قد جاءوا كما قال عبدك كذلك صار. ولما فرغ من الكلام إذا ببني الملك قد جاءوا ورفعوا أصواتهم وبكوا وكذلك بكى الملك وعبيده بكاء عظيما جدا. فهرب ابشالوم وذهب إلى تلماي بن عميهود ملك جشور وناح داود على ابنه الأيام كلها. وهرب ابشالوم وذهب إلى جشور وكان هناك ثلاث سنين. وكان داود يتوق إلى الخروج إلى ابشالوم لأنه تعزى عن آمنون حيث انه مات.


طلب إبشالوم من أخته أن تلتزم الصمت. وكان يريد بذلك أن يهدئ الجو ليخطط للإنتقام. وحين سألها هل كان أمنون معك: فهذا معناه أنه يعرف شهرة أمنون وسمعته الرديئة وخطاياه. وداود سمع ولم يعاقب أمنون إذ كان يدلل أولاده أو لأنه رأى جريمته مع بثشبع متجلية فى أولاده وبالذات فى إبنه البكر. وقطعاً فالله العادل الذى جازى عالى على عدم تربيته لداود لابد أن يجازى داود على فساد إبنه وعدم معاقبته لهُ.

 وإنتظر إبشالوم سنتين حتى ظن الجميع وظن داود وأمنون أن الموضوع قد نسى. ولمّا جاء وقت جزاز الغنم وهو وقت عيد وأفراح صنع وليمة ودعا لها الملك وإخوته وكان يعلم أن الملك سيعتذر لإنشغاله. ولمّا إعتذر الملك طلب منهُ أن يرسل أمنون وفى (26) سؤال الملك ولماذا يذهب معك: ربما يعنى تخوف داود من شئ تجاه أمنون.

 ووصل الخبر لداود خطأ نتيجة الإشاعات أن إبشالوم قتل كل أولاد الملك لكن يوناداب هذا الإنسان الحكيم فى الشر يخبر الملك أن إبشالوم قتل أمنون فقط فهو يعلم أن إبشالوم أضمر شراً بسبب ثامار والسؤال إذا كان يعلم فلماذا لم يخبر الملك لكن هذا الإنسان الشرير لم يمنع أمنون من الخطية ولم يمنع عنهُ الموت.

 ولقد جنى أمنون ثمار نجاسته وأيضاُ ثمن إستسلامه للسكر. ثم هرب إبشالوم إلى جده تلماى بن عميهود ملك جشور وهى مقاطعة وغالباً فهو وثنى. وهذه المقاطعة تقع بين حرمون وباشان ، شرقى الأردن. وإذ هدأ داود إشتاق أن يرى إبشالوم إذ كان يحبه حباً شديداً (2صم18: 5،33) لكن خشى نقد الناس لهُ لأنه قاتل أمنون ولى العهد فكيف يتركهُ وهو قاتل ولا يعاقبه وكيف يعاقبهُ فهو أى داود قاتل أيضاً.