تفسير الاصحاح السادس من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
عودة تابوت العهد
آية(1) :-و كان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة اشهر.
لقد طالت مدة إقامة التابوت فى أرض الفلسطينيين ليعرفوا أن ما حدث لم يكن مصادفة. ويعرفوا أن الضربات علامة غضب إلهى عليهم لوثنيتهم. وحتى يشتاق الشعب لعودة التابوت وسطهم.
آية(2) :-
فدعا الفلسطينيون الكهنة و العرافين قائلين ماذا نعمل بتابوت الرب اخبرونا بماذا نرسله الى مكانه.
المؤمنون يقتربون من الله وغير المؤمنون يبتعدون عنهُ.
آية(3) :-
فقالوا اذا ارسلتم تابوت اله اسرائيل فلا ترسلوه فارغا بل ردوا له قربان اثم حينئذ تشفون و يعلم عندكم لماذا لا ترتفع يده عنكم.
رأى كهنة الفلسطينيين أن ما حلّ بهم هو ثمرة تأديب وثمرة لإثمهم فى حق الله. وكان الإقتراح بإرسال قربان كتعويض أدبى ومادى لما أصاب شعب الله. وهو طلبوا أن تشترك كل مدينة من المدن الخمس العظمى فى فلسطين فى هذا القربان ليكون الإعتراف جماعياً والقربان من كل الشعب.
آية(4) :-
فقالوا و ما هو قربان الاثم الذي نرده له فقالوا حسب عدد اقطاب الفلسطينيين خمسة بواسير من ذهب و خمسة فيران من ذهب لان الضربة واحدة عليكم جميعا و على اقطابكم.
كانت العادة لدى الوثنيين تقديم تمثال الجزء المصاب بمرض للآلهة عند البرء من المرض ونلاحظ الطلب هنا أن يصنعوا تماثيل بواسير وفيران. إذاً الضربة كانت فى مرضهم بالبواسير وإطلاق الفيران على محاصيلهم حسب ما جاء بالنسخة السبعينية.
آية(5) :-
و اصنعوا تماثيل بواسيركم و تماثيل فيرانكم التي تفسد الارض و اعطوا اله اسرائيل مجدا لعله يخفف يده عنكم و عن الهتكم و عن ارضكم.
لقد فهم الفلسطينيين أن هديتهم ليست رشوة لله لأنهم قالوا إعطوا إله اسرائيل مجداً إنما هى قربان إثم. أمّا بالنسبة لناموس موسى فأى ذبيحة إثم لابد أن تكون دموية وبالنسبة لنا فدم المسيح هو الذى يطهر من كل إثم. ليس بالذهب ولكن بالدم. ولكن كما خرج الشعب من مصر ومعهم هدايا هكذا خرج التابوت من فلسطين ومعهُ هدايا.
آية(6) :-
و لماذا تغلظون قلوبكم كما اغلظ المصريون و فرعون قلوبهم اليس على ما فعل بهم اطلقوهم فذهبوا.
وفهم أيضاً الفلسطينيين أن الله لا يمكن مقاومته … إذاً لقد إنتشر درس فرعون فى كل مكان. وعلى كل إنسان أن يعتبر ممّا يحدث من مصائب ضد الخطاة فيقدم توبة.
الآيات (7-12) :-
فالان خذوا و اعملوا عجلة واحدة جديدة و بقرتين مرضعتين لم يعلهما نير و اربطوا البقرتين الى العجلة و ارجعوا ولديهما عنهما الى البيت. و خذوا تابوت الرب و اجعلوه على العجلة و ضعوا امتعة الذهب التي تردونها له قربان اثم في صندوق بجانبه
و اطلقوه فيذهب. و انظروا فان صعد في طريق تخمه الى بيتشمس فانه هو الذي فعل بنا هذا الشر العظيم و الا فنعلم ان يده لم تضربنا كان ذلك علينا عرضا. ففعل الرجال كذلك و اخذوا بقرتين مرضعتين و ربطوهما الى العجلة و حبسوا ولديهما في البيت.
و وضعوا تابوت الرب على العجلة مع الصندوق و فيران الذهب وتماثيل بواسيرهم.فاستقامت البقرتان في الطريق الى طريق بيتشمس و كانتا تسيران في سكة واحدة و تجاران و لم تميلا يمينا و لا شمالا واقطاب الفلسطينيين يسيرون وراءهما الى تخم بيتشمس.
ما أروعه منظر يشهد لحب الله لشعبه. فمهما طالت إقامة التابوت فى أرض غريبة، لكن الله يشتاق أن يسكن وسط شعبة ويحل فيهم.
لقد ساق البقرتين رغم ميلهما الطبيعى لصغيريهما وكانتا تجأران: هو صوت خوار البقرة لأجل أولادها المحبوسين ولاحظ أيضاً أنهما غير مدربتان فلم يعلهما نير فالبقر غير المدرب لا يسير فى طريق معتدل لكنهما إستقامتا ولم يميلا يميناً ولا يساراً: عكس الطبيعة، فمن الطبيعى أن تدخل البقرتان للحقول لتأكلا.
فكل الظروف كانت ضد أن تتجه البقرتان إلى بيت شمس فأى قوة كانت تدفعهما غير قوة الله. البقرتان لم يستطيعا الآنحراف لأنهما يعرفان قانيهما (أش3:1) بينما فينحاس وحفنى لم يعرفاه. عجيب أنه رغم خطية شعب الله نجد الله مشتاقاً للرجوع لشعبه.
العجلة الجديدة والبقرتان اللتان لم يعلهما نير تكشف عن إدراك الوثنيين أيضاً أن الله لا يقبل التعريج بين الفرقتين فهو يريد أن ما يستخدم لحمل التابوت لا يكون قد إستخدم لشئ آخر. وهكذا الله يريد أن القلب يكون لهُ وحدهُ (2كو14:6). والعجلة الجديدة تشير للكنيسة الجديدة التى أسسها المسيح والبقرتان رمز لليهود والأمم. لم يعلهما نير: أى لم يخضعا للخطية
طريق تخمه. آية(9) :- تخم التابوت أى أرض إسرائيل. وكانت الطريقة التى سارت بها البقرتان علامة للكهنة الفلسطينيين أن ما حلّ بهم كان من قبل الرب. وبيتشمس: هى مدينة للكهنة (يش16:21) على تخم يهوذا.
الآيات (13-18) :-
وكان اهل بيتشمس يحصدون حصاد الحنطة في الوادي فرفعوا اعينهم و راوا التابوت و فرحوا برؤيته. فاتت العجلة الى حقل يهوشع البيتشمسي ووقفت هناك
و هناك حجر كبير فشققوا خشب العجلة واصعدوا البقرتين محرقة للرب. فانزل اللاويون تابوت الرب و الصندوق الذي معه الذي فيه امتعة الذهب و وضعوهما على الحجر الكبير و اصعد اهل بيتشمس محرقات و ذبحوا ذبائح في ذلك اليوم للرب.
فراى اقطاب الفلسطينيين الخمسة و رجعوا الى عقرون في ذلك اليوم. وهذه هي بواسير الذهب التي ردها الفلسطينيون قربان اثم للرب واحد لاشدود وواحد لغزة و واحد لاشقلون و واحد لجت و واحد لعقرون.
و فيران الذهب بعدد جميع مدن الفلسطينيين للخمسة الاقطاب من المدينة المحصنة الى قرية الصحراء و شاهد هو الحجر الكبير الذي وضعوا عليه تابوت الرب هو الى هذا اليوم في حقل يهوشع البيتشمسي.
تكسير العربة وإستخدام خشبها كوقود لتقديم ذبيحة لأن العربة لا يجب أن تستخدم فى أى شئ ثانية. وفى آية(14) وقفت البقرتان عند حقل يهوشع البيتشمسى: إسمه هو نفس أسم يسوع أو يشوع. وكما قاد يشوع الشعب لدخول أرض الميعاد.
قاد أسم يهوشع البقرتان. والعجلة تشير للكنيسة فدخولها حقل يشوع أو يهوشع هو إعلان عن أن متعة الكنيسة وفرحها هو بيسوعها سر قوتها. وشاهد هو الحجر الكبير: الذى وُضِعَ عليه تابوت العهد، هو شاهد لعمل الله مع شعبه تتطلع إليه الأجيال لتذكر محبة الله ورعايته.
الآيات (19-21) :-
و ضرب اهل بيتشمس لانهم نظروا الى تابوت الرب و ضرب من الشعب خمسين الف رجل و سبعين رجلا فناح الشعب لان الرب ضرب الشعب ضربة عظيمة.
و قال اهل بيتشمس من يقدر ان يقف امام الرب الاله القدوس هذا و الى من يصعد عنا. و ارسلوا رسلا الى سكان قرية يعاريم قائلين قد رد الفلسطينيون تابوت الرب فانزلوا و اصعدوه اليكم.
كان المفروض أن الشعب يسقطون على وجوههم عند معاينتهم للتابوت ويقدموا توبة للرب ويستدعوا الكهنة لحمله والأحتفال به لكنهم تجاهلوا الشريعة. لقد كرمه الفلسطينيون بالرغم من جهلهم أكثر من اليهود. ولقد كانت ضربة اليهود لإستهتارهم أكبر بكثير من ضربة الفلسطينيين فمن يعرف أكثر يدان أكثر. ضرب خمسين ألف رجل وسبعين رجلاً. ولقد أثار هذا العدد الكبير بعض التساؤلات كيف يوجد فى بلد صغير مثل بيتشمس كل هذا العدد؟
1- جاء النص فى العبرية أنه ضرب 70، 50،000 وفسرتها الفولجاتا أنهم 70 من الرؤساء، 50،000 من الشعب. وترجمها البعض 70 رجلاً خمسين ألف رجل أى هناك تمييز بين الـ 70 والـ 50،000. وفهم البعض النص أن الرب ضرب 70 من بين الـ 50،000 الموجودين.
2- ربما اجتمع كثيرين من كل بنى إسرائيل وفرحوا بعودة التابوت فرح غير مقدس وكل فرح غير مقدس عاقبته أنه يتحول إلى حزن ونوح فضرب الله 70 من أهل بيتشمس و50،000 من باقى إسرائيل.
عدم احترام تابوت العهد وضربة الشعب بسبب ذلك ينبهنا أننا كثيراً ما نتهاون عندما نسمع صوت الله أو داخل الكنيسة أو أثناء تناولنا الأسرار الإلهية.
من يقدر أن يقف: أى من يقدر أن يواجه ضربات الله ويتحداه ويقف فى وجهه. وإلى من يصعد عنا: أى لمن نُرْسلْ التابوت حتى نتخلص من الضربات.
وللأسف هو نفس موقف الفلسطينيين وكان يجب أن يقولوا كيف نتصالح مع الله. وفى (21) أصعد التابوت إلى يعاريم ولم يرجع ثانية إلى شيلوه لأنها كانت قد دُمّرَتْ بواسطة الفلسطينيين (أر12:7). وصموئيل أقام خيمة فى نوب وضع فيها الأوانى والمذابح والتابوت لم يدخل إليها، فصموئيل إهتم بجوهر العبادة وليس بشكلياتها.
وبقى التابوت فى يعاريم حتى نقله داود إلى بيدركيدون وبيت عوبيد آدوم الجتى. (1أى5: 5-13 + 2أى4:1).
+