تفسير الاصحاح الخامس والعشرون من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
داود وأبيجايل
آية(1) :-و مات صموئيل فاجتمع جميع اسرائيل و ندبوه و دفنوه في بيته في الرامة و قام داود و نزل الى برية فاران.
دُعِىَ صموئيل وهو فى الثانية عشرة وخدم بأمانة وجاهد حتى سن التسعين. وإشترك داود فى هذه الجنازة ثم قام ونزل إلى برية فاران وهى جنوب اليهودية وهى إلى غرب أدوم وشمال سيناء. وهناك بدأ داود فى حماية الرعاة من هجمات العمالقة والفلسطينيين وأيضاً من هجوم الحيوانات المتوحشة فكان وجوده مع رجاله باعثاً للإطمئنان.
آية(2-3) :-
و كان رجل في معون و املاكه في الكرمل و كان الرجل عظيما جدا و له ثلاثة الاف من الغنم و الف من المعز و كان يجز غنمه في الكرمل.
و اسم الرجل نابال و اسم امراته ابيجايل و كانت المراة جيدة الفهم و جميلة الصورة و اما الرجل فكان قاسيا و رديء الاعمال و هو كالبي.
نابال: معنى الإسم جاهل (آية25). وياليتنا نعترف بجهلنا أمام إبن داود كنز الحكمة لينزع الجهل من داخلنا. وهو رجل غنى جداً ولهُ مواشى كثيرة سَهِرَ عليها داود ورجاله كما فعلوا لكثيرين آخرين. ولكن يبدو أن الرجل كان عظيماً فى أمواله فقط.
آية(4-8) :-
فسمع داود في البرية أن نابال يجز غنمه. فأرسل داود عشرة غلمان و قال داود للغلمان اصعدوا إلى الكرمل و ادخلوا إلى نابال و أسالوا باسمي عن سلامته.
و قولوا هكذا حييت و أنت سالم و بيتك سالم و كل ما لك سالم. و الان قد سمعت أن عندك جزازين حين كان رعاتك معنا لم نؤذهم و لم يفقد لهم شيء كل الأيام التي كانوا فيها في الكرمل. أسال غلمانك فيخبروك فليجد الغلمان نعمة في عينيك لأننا قد جئنا في يوم طيب فأعط ما وجدته يدك لعبيدك و لابنك داود.
يجز غنمه: جز الغنم وقت فرح وأكل وشرب وعطاء بسخاء فجز الغنم يعطى الصوف وهو مصدر ثروة
آية(9) :-
فجاء الغلمان و كلموا نابال حسب كل هذا الكلام باسم داود و كفوا.
وكفوا: حتى لا يزيدوا كلمة تكون خطأ فتنسب لداود.
الآيات (10-12) :-
فاجاب نابال عبيد داود و قال من هو داود و من هو ابن يسى قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من امام سيده. ااخذ خبزي و مائي و ذبيحي الذي ذبحت لجازي و اعطيه لقوم لا اعلم من اين هم. فتحول غلمان داود الى طريقهم و رجعوا
و جاءوا و اخبروه حسب كل هذا الكلام.
داود لم يُرِد أن يأخذ شيئاً دون موافقة صاحب الشئ. ولكن كان رد نابال غليظ. وتجاهل داود وإحتقره وإعتبره هو ومن معهُ مطاريد: لا أعلم من أين هم يقحصون كل واحد أمام سيده: يهربون ويفلتون.
إذاً هو إعتبر داود عبد هارب من شاول إذاً هو مجرم، قال هذا دون فحص عن سبب الهروب أو لأنه أراد أن لا يدفع شيئاً ولا يُرسلْ شيئاً لداود ورجاله فإستغل موضوع هروب داود. ولكن طمعهُ واضح.
آية(13) :-
فقال داود لرجاله ليتقلد كل واحد منكم سيفه فتقلد كل واحد سيفه و تقلد داود ايضا سيفه و صعد وراء داود نحو اربع مئة رجل و مكث مئتان مع الامتعة.
داود الذى إتسم بضبط النفس والتواضع، هو الآن فى لحظة ضعف كاد أن يقترف جريمة تلوث تاريخه وتصير عثرة أمام شعبه. ولكن من محبة الله نجده يتدخل لينقذ الإنسان من نفسه.
الآيات (18-31) :-
فبادرت ابيجايل و اخذت مئتي رغيف خبز و زقي خمر و خمسة خرفان مهياة و خمس كيلات من الفريك و مئتي عنقود من الزبيب و مئتي قرص من التين و وضعتها على الحمير. و قالت لغلمانها اعبروا قدامي هانذا جائية وراءكم و لم تخبر رجلها نابال.
و فيما هي راكبة على الحمار و نازلة في سترة الجبل اذا بداود و رجاله منحدرون لاستقبالها فصادفتهم. و قال داود انما باطلا حفظت كل ما لهذا في البرية فلم يفقد من كل ما له شيء فكافاني شرا بدل خير. هكذا يصنع الله لاعداء داود و هكذا يزيد ان ابقيت من كل ما له الى ضوء الصباح بائلا بحائط. و لما رات ابيجايل داود اسرعت
و نزلت عن الحمار و سقطت امام داود على وجهها و سجدت الى الارض. و سقطت على رجليه و قالت علي انا يا سيدي هذا الذنب و دع امتك تتكلم في اذنيك و اسمع كلام امتك.
لا يضعن سيدي قلبه على الرجل اللئيم هذا على نابال لان كاسمه هكذا هو نابال اسمه و الحماقة عنده و انا امتك لم ار غلمان سيدي الذين ارسلتهم. و الان يا سيدي حي هو الرب و حية هي نفسك ان الرب قد منعك عن اتيان الدماء و انتقام يدك لنفسك و الان فليكن كنابال اعداؤك و الذين يطلبون الشر لسيدي.
و الان هذه البركة التي اتت بها جاريتك الى سيدي فلتعط للغلمان السائرين وراء سيدي.و اصفح عن ذنب امتك لان الرب يصنع لسيدي بيتا امينا لان سيدي يحارب حروب الرب و لم يوجد فيك شر كل ايامك. و قد قام رجل ليطاردك و يطلب نفسك و لكن نفس سيدي لتكن محزومة في حزمة الحياة مع الرب الهك و اما نفس اعدائك فليرم بها كما من وسط كفة المقلاع.
و يكون عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من اجلك و يقيمك رئيسا على اسرائيل. انه لا تكون لك هذه مصدمة و معثرة قلب لسيدي انك قد سفكت دما عفوا او ان سيدي قد انتقم لنفسه و اذا احسن الرب الى سيدي فاذكر امتك.
حماقة نابال كادت تؤدى لهلاكه. أما حكمة أبيجايل فقد هدأت قلب داود كى لا ينتقم لنفسه. وكان إسم أبيجايل يعنى (أب = أب أو مصدر + جايل = الفرحة) وكأنها بحكمتها صارت مصدر فرح.
وغلمان نابال عرفوا أن سيدتهم هى الحكيمة أمّا سيدهم أحمق لذلك أتوا لأبيجايل ولم يذهبوا لنابال. وأبيجايل لم تحتد على كلام الغلمان فهو ليس وقت عتاب بل
وقت عمل وآية(20) تظهر أن أبيجايل أتت من الكرمل نازلة على
الجبل لتقابل داود منحدرون من تل آخر. سترة الجبل: كانت أبيجايل نازلة الجبل وعند منعطف على الجبل كانت تستدير حولهُ وبعد المنعطف فوجئت بداود ورجاله أمامها فصادفتهم: أى إلتقوا مصادفة دون تخطيط بشرى ولكنه التخطيط الإلهى الذى يحمى داود من ضعفاته.
وقدمت أبيجايل لداود جواباً ليناً يصرف الغضب. سيدى يحارب حروب الرب: أى يا سيدى أنت مشغول بحروب مقدسة للرب فلا تنتبه للأشياء الصغيرة بل إترك الإنتقام للرب. ولم يوجد فيك شر كل أيامك: فلا تلوث أسمك وتاريخك بعمل كهذا ولا تجعل شاول الرجل الذى يطاردك ويطلب نفسك، يتصيد عليك خطأ بدون داعٍ.
ولاحظ إيمانها وحكمتها فهى دعت شاول رجلاً ولم تدعه ملكاً. بينما فى كلامها ترى داود فى طريقه للعرش آية (30). ولكن نفس سيدى لتكن محزومة فى حزمة الحياة: الله حفظ سيدى حتى الآن من كل محاولات قتله. إذاً سيدى داود ثمين جداً
عند الله، والله حفظه كما لو فى حزمة أو صرة. والصرة كانت تستخدم لحفظ الأموال والجواهر والأشياء الثمينة. ودعوتها أن يحفظه الله حياً. وأمّا أنفس أعدائك فليرم بها: أى الله الذى حفظك هو يلقى أعداؤك فإن كان الله يلقيهم فلماذا تنتقم أنت لنفسك.
فليكن كنا بال أعداؤك: أى ليكن أعداؤك ضعفاء وجهلة لا يستطيعون عمل شئ أو هذا نبوة بموته. ولاحظ إتضاعها أنها ألقت بالذنب على نفسها: علىّ أنا يا سيدى هذا الذنب: هى لم تذنب ولكنها قد إعتبرت نفسها شريكة فيما عمله زوجها لأنه زوجته.
لقد أرسل الله هذه المرأة الحكيمة ليمنع داود عن خطية فالله يرى ألام داود وكم تحمل وإتضاعه فهو يحميه الآن حتى لا يخطئ وكم من مرات يتدخل الله فى حياتنا ليمنعنا من أن نخطئ. حقاً مجيئها كان بتدبير إلهى. الله نظر إلى إتضاع داود ولم يُرِد لهُ السقوط.
الآيات (32-35) :-
فقال داود لابيجايل مبارك الرب اله اسرائيل الذي ارسلك هذا اليوم لاستقبالي.
و مبارك عقلك و مباركة انت لانك منعتني اليوم من اتيان الدماء و انتقام يدي لنفسي. و لكن حي هو الرب اله اسرائيل الذي منعني عن اذيتك انك لو لم تبادري
و تاتي لاستقبالي لما ابقي لنابال الى ضوء الصباح بائل بحائط. فاخذ داود من يدها ما اتت به اليه و قال لها اصعدي بسلام الى بيتك انظري قد سمعت لصوتك و رفعت وجهك.
داود المتضع يقبل عظة أبيجايل ويعتبرها رسالة إلهية يشكر الله عليها أنه منعهُ عن إتيان دماء والقتل. ومن تواضع داود يقبل مشورة الأخرين مادامت سليمة. هنا برزت حكمة كلا من داود وأبيجايل. ولقد فضل داود أن يكسر كلمته فى الإنتقام من نابال عن أن يحفظ وعداً مرتبطاً بالقسوة والإنتقام.
آية(36) :-
فجاءت ابيجايل الى نابال و اذا وليمة عنده في بيته كوليمة ملك و كان نابال قد طاب قلبه و كان سكران جدا فلم تخبره بشيء صغير او كبير الى ضوء الصباح.
نجد هنا نابال الذى بخل على داود يسرف فى وليمة كوليمة ملك: يسرف لأجل الترف.
آية(37-38) :-
و في الصباح عند خروج الخمر من نابال اخبرته امراته بهذا الكلام فمات قلبه داخله
و صار كحجر. و بعد نحو عشرة ايام ضرب الرب نابال فمات.
مات قلبه: من الرعب.
آية(39-43) :-
فلما سمع داود ان نابال قد مات قال مبارك الرب الذي انتقم نقمة تعييري من يد نابال و امسك عبده عن الشر و رد الرب شر نابال على راسه و ارسل داود و تكلم مع ابيجايل ليتخذها له امراة.
فجاء عبيد داود الى ابيجايل الى الكرمل و كلموها قائلين ان داود قد ارسلنا اليك لكي نتخذك له امرأة.
فقامت و سجدت على وجهها الى الارض و قالت هوذا امتك جارية لغسل ارجل عبيد سيدي. ثم بادرت و قامت ابيجايل و ركبت الحمار مع خمس فتيات لها ذاهبات وراءها و سارت وراء رسل داود و صارت له امرأة. ثم اخذ داود اخينوعم من يزرعيل فكانتا له كلتاهما امراتين.
إذ عرف داود بموت نابال عَلِمَ أن الله إنتقم لهُ. زواج داود بأبيجايل: لقد قبلت أبيجايل الزواج بداود وهو فى فترة ضيقه ولم تهتم بفقره فهى تؤمن بأنه سيكون الملك فهذا وعد الله.
وهذا درس لنا الآن فى حياتنا، فلنقبل المسيح لنا عريساً بالرغم من ضيقات العالم ونؤمن بالمجد العتيد أن يستعلن فينا كما آمنت أبيجايل أنها ستصبح ملكة.
فمن يتألم مع المسيح يتمجد معهُ. ورمزياً فإقتران الكنيسة بعريسها هو فرحة للآب السماوى. ولكن تعدد الزوجات شئ غير مقبول فداود بعد أبيجايل عاد وأخذ أخينوعم زوجة. وكان الشئ المتوقع أن تكون هناك مشاكل نتيجة ذلك.
آية(44) :-
فاعطى شاول ميكال ابنته امراة داود لفلطي بن لايش الذي من جليم.
نتيجة لزواج داود أُخِذَتْ إمرأته لتكون لزوج آخر.
+