تفسير الاصحاح الرابع والعشرون من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
شاول يتصاغر في عينى نفسه
الآيات (1-22) :-و لما رجع شاول من وراء الفلسطينيين اخبروه قائلين هوذا داود في برية عين جدي. فاخذ شاول ثلاثة الاف رجل منتخبين من جميع اسرائيل و ذهب يطلب داود و رجاله على صخور الوعول.
و جاء الى صير الغنم التي في الطريق و كان هناك كهف فدخل شاول لكي يغطي رجليه و داود و رجاله كانوا جلوسا فى مغابن الكهف. فقال رجال داود له هوذا اليوم الذي قال لك عنه الرب هانذا ادفع عدوك ليدك فتفعل به ما يحسن في عينيك فقام داود و قطع طرف جبة شاول سرا. و كان بعد ذلك ان قلب داود ضربه على قطعه طرف جبة شاول.
فقال لرجاله حاشا لي من قبل الرب ان اعمل هذا الامر بسيدي بمسيح الرب فامد يدي اليه لانه مسيح الرب هو. فوبخ داود رجاله بالكلام و لم يدعهم يقومون على شاول و اما شاول فقام من الكهف و ذهب في طريقه. ثم قام داود بعد ذلك و خرج من الكهف و نادى وراء شاول قائلا يا سيدي الملك و لما التفت شاول الى ورائه خر داود على وجهه الى الارض و سجد.و قال داود لشاول لماذا تسمع كلام الناس القائلين هوذا داود يطلب اذيتك.
هوذا قد رات عيناك اليوم هذا كيف دفعك الرب اليوم ليدي في الكهف و قيل لي ان اقتلك و لكنني اشفقت عليك و قلت لا امد يدي الى سيدي لانه مسيح الرب هو. فانظر يا ابي انظر ايضا طرف جبتك بيدي فمن قطعي طرف جبتك و عدم قتلي اياك اعلم و انظر انه ليس في يدي شر و لا جرم و لم اخطئ اليك و انت تصيد نفسي لتاخذها.
يقضي الرب بيني و بينك و ينتقم لي الرب منك و لكن يدي لا تكون عليك. كما يقول مثل القدماء من الاشرار يخرج شر و لكن يدي لا تكون عليك. وراء من خرج ملك اسرائيل وراء من انت مطارد وراء كلب ميت وراء برغوث واحد. فيكون الرب الديان و يقضي بيني و بينك و يرى و يحاكم محاكمتي و ينقذني من يدك.فلما فرغ داود من التكلم بهذا الكلام الى شاول قال شاول اهذا صوتك يا ابني داود و رفع شاول صوته و بكى. ثم قال لداود انت ابر مني لانك جازيتني خيرا و انا جازيتك شرا. و قد اظهرت اليوم انك عملت بي خيرا لان الرب قد دفعني بيدك و لم تقتلني.
فاذا وجد رجل عدوه فهل يطلقه في طريق خير فالرب يجازيك خيرا عما فعلته لي اليوم هذا. و الان فاني علمت انك تكون ملكا و تثبت بيدك مملكة اسرائيل. فاحلف لي الان بالرب انك لا تقطع نسلي من بعدي و لا تبيد اسمي من بيت ابي. فحلف داود لشاول ثم ذهب شاول الى بيته و اما داود و رجاله فصعدوا الى الحصن.
عاد شاول من مطاردته للفلسطينيين وعاد ليطارد داود المختبئ فى عين جدى والإسم يعنى صخور الوعول وهى صخور وعرة لا يقدر أحد أن يصل إليها سوى الوعول البرية والماعز الجبلى لذلك سميت هكذا. وتحمل شاول كل هذه المشاق لحقده على داود.
وجاء إلى صير الغنم: وهى حظيرة غنم أو معزى يقيمها الرعاة عند باب كهف لإيواء الغنم فى المطر والبرد. ودخل شاول كهفاً كبيراً ليغطى رجليه: تعبير مهذب للقول يتبرز وكان داود ورجاله فى ذات الكهف. ورجال داود دفعوه لقتل شاول لكنه رفض.
وحين دخل شاول كان لا يستطيع الإبصار لظلمة الكهف ولكن داود ورجاله فى الداخل وقد إعتادوا الظلام رأوه وعرفوه. وشاول كان قد خلع جبته وإكتفى داود بقطع جزء من جبة شاول [كما قطع شاول جبة صموئيل رمزاً لقطع المملكة عن شاول] وعظمة داود تجلت فى موقفين
1- رفض أن يمد يده إلى مسيح الرب بالرغم من أن شاول يسعى لقتله مرات عديدة
2- إكتفى بقطع جزء من جبة شاول وحتى فى هذه فإن قلب داود ضربه على ما فعله.
وهذا يعنى أن قلبه لامهُ بشدة أنه قطع جزء من جبة شاول (حساسية روحية فائقة) وتعبير قلبه ضربه أن ضربات قلبه تزايدت بشدة. ثم لاحظ سجود داود للملك فى إتضاع وكلامهُ المملوء إتضاع لملك مرفوض لأنه مسيح الرب. [كثيرين يرفضون السجود للقديسين والأساقفة والبطريرك فماذا يقولون أمام هذا الموقف] والسجود هنا قطعاً توقير وإحترام لمسحاء الرب وليس عبادة قطعاً.
ولقد إرتفع داود فى عيني الله والناس بإتضاعه وفى (12) يقضى الرب بينى وبينك: هى أحسن ما يقولهُ المظلوم. وفى (14) كلب ميت: علامة للإحتقار. برغوث: علامة الضعف. ولكن مع كل هذا الإتضاع فقد أظهر داود شجاعته فهو خرج وراء الملك دون أن يهاب رمحه وسيفه أو جنوده. بل أظهر لهُ أنهُ هو الذى عفا عنهُ.
لقد مارس داود المحبة الإنجيلية كما ينبغى. وأمام هذا الإتضاع إنسحق الشيطان الذى فى شاول فتصاغر شاول فى عينى نفسه ودعا داود إبنه وبكى وشعر شاول بشره فقال أنت أبر منى بل أدرك أن الملك سيكون لداود وطلب الأمان لأولاده من داود. فالسلاح الرهيب الذى يهزم الشيطان هو الإتضاع كما حدث على الصليب.
+