تفسير الاصحاح الثانى والعشرون من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
مغارة عدلام
الآيات (1-5) :-فذهب داود من هناك و نجا إلى مغارة عدلام فلما سمع اخوته و جميع بيت أبيه نزلوا إليه إلى هناك. و اجتمع إليه كل رجل متضايق و كل من كان عليه دين و كل رجل مر النفس فكان عليهم رئيسا و كان معه نحو أربع مئة رجل.
و ذهب داود من هناك إلى مصفاة مواب و قال لملك مواب ليخرج أبى و أمي إليكم حتى اعلم ماذا يصنع لي الله. فودعهما عند ملك مواب فأقاما عنده كل أيام إقامة داود في الحصن. فقال جاد النبي لداود لا تقم في الحصن اذهب و ادخل ارض يهوذا فذهب داود و جاء الى وعر حارث.
شعر داود بخطإه إذ لجأ لأعدائه فعاد ليهوذا وأختبأ فى مغارة عدلام. لقد سمح الله بثورة أهل جت عليه حتى يشعر بخطإه ويعود. وإذ عاد إجتمع حولهُ أهلهُ، وكل المتضايقين وجدوا فيه رجاء، هؤلاء المتضايقين من حكم شاول الذين كانوا فى نظره خطيرين صاروا فيما بعد جبابرة يعملون لحساب المملكة الجديدة. وهناك رتل داود مزمور "57" وفى هذا نجد رمزاً لعمل المسيح
وذهاب داود لموآب ربما لسببين: (1) جدة داود موآبية (راعوث)، (2) بسبب الحرب بين شاول وموآب (47:14) فضَّل ملك موآب أن يأوى المتمردين على شاول.
ولاحظ أن عدد رجال داود 400=4×100، 100 هم قطيع المسيح فى كل العالم (4).
آية(5) :-جاد النبى سمعنا عنه هنا وفى حادثة التعداد (2صم 11:24-15) وساعد فى ترتيب الخدمة الموسيقية (2أى25:29) وأحد المؤرخين وغالباً هو تلميذ لصموئيل النبى تركهُ معه للإرشاد، وها هو يرشده بأن يبقى فى يهوذا.
وهناك واجه المتاعب والألام لكنه خلّص شعبه من عدة ضيقات فخلص أهل قعيلة (1صم23: 1،2) ودافع عن مدن يهوذا (1صم27: 8-11) فذاعت شهرته ونال ثقة يهوذا. وتظهر كفاءة داود فى أنه حوّل هؤلاء الضعفاء إلى جيش باسل وهكذا يفعل المسيح إذ يحوّل كنيسته الضعيفة كجيش مرهب بألوية.
الآيات (6-23) :-
و سمع شاول انه قد اشتهر داود و الرجال الذين معه و كان شاول مقيما في جبعة تحت الاثلة في الرامة و رمحه بيده و جميع عبيده وقوفا لديه.
فقال شاول لعبيده الواقفين لديه اسمعوا يا بنيامينيون هل يعطيكم جميعكم ابن يسى حقولا و كروما و هل يجعلكم جميعكم رؤساء الوف و رؤساء مئات. حتى فتنتم كلكم علي و ليس من يخبرني بعهد ابني مع ابن يسى و ليس منكم من يحزن علي او يخبرني بان ابني قد اقام عبدي علي كمينا كهذا اليوم. فاجاب دواغ الادومي الذي كان موكلا على عبيد شاول و قال قد رايت ابن يسى اتيا الى نوب الى اخيمالك بن اخيطوب.
فسال له من الرب و اعطاه زادا و سيف جليات الفلسطيني اعطاه اياه. فارسل الملك و استدعى اخيمالك بن اخيطوب الكاهن و جميع بيت ابيه الكهنة الذين في نوب فجاءوا كلهم الى الملك. فقال شاول اسمع يا ابن اخيطوب فقال هانذا يا سيدي. فقال له شاول لماذا فتنتم علي انت و ابن يسى باعطائك اياه خبزا و سيفا و سالت له من الله ليقوم علي كامنا كهذا اليوم.
فاجاب اخيمالك الملك و قال و من من جميع عبيدك مثل داود امين و صهر الملك و صاحب سرك و مكرم في بيتك. فهل اليوم ابتدات اسال له من الله حاشا لي لا ينسب الملك شيئا لعبده و لا لجميع بيت ابي لان عبدك لم يعلم شيئا من كل هذا صغيرا او كبيرا.
فقال الملك موتا تموت يا اخيمالك انت و كل بيت ابيك. و قال الملك للسعاة الواقفين لديه دوروا و اقتلوا كهنة الرب لان يدهم ايضا مع داود و لانهم علموا انه هارب و لم يخبروني فلم يرض عبيد الملك ان يمدوا ايديهم ليقعوا بكهنة الرب. فقال الملك لدواغ در انت و قع بالكهنة فدار دواغ الادومي و وقع هو بالكهنة و قتل في ذلك اليوم خمسة و ثمانين رجلا لابسي افود كتان.
و ضرب نوب مدينة الكهنة بحد السيف الرجال و النساء و الاطفال و الرضعان و الثيران و الحمير و الغنم بحد السيف. فنجا ولد واحد لاخيمالك بن اخيطوب اسمه ابياثار و هرب الى داود. و اخبر ابياثار داود بان شاول قد قتل كهنة الرب. فقال داود لابياثار علمت في ذلك اليوم الذي فيه كان دواغ الادومي هناك انه يخبر شاول انا سببت لجميع انفس بيت ابيك. اقم معي لا تخف لان الذي يطلب نفسي يطلب نفسك و لكنك عندي محفوظ.
إذ رجع داود ورجاله إلى اليهودية وإنتشرت أخباره أحبه الكثيرون فأثار هذا غيرة شاول من جديد. وها هو يجمع رجاله ويقول لهم إسمعوا يا بنيامينيون= إذا هو إختار رجاله المقربون ذوو المناصب العالية من بنيامين وهذا الخطأ فى القيادة لم يسقط فيه موسى إذ عيّن خليفته يشوع من سبط آخر ولم يعين أحد أولاده.
وهذا خطأ يكون سببه عدم الثقة وخوفه أن يغتصب أحداً الملك ولكن هذا أثار إنقسامات كثيرة. ونلاحظ أن شاول لا يذكر إسم داود من حقده ويقول إبن يسى كنوع من الإحتقار. ونجد هنا فى (7) أن شاول يخيف رجاله من داود وأنه سيحرمهم من كل المميزات التى أعطاها هو لهم إن ملك داود. بل فى (8) هو شك حتى فى رجاله وفى إبنه فحين يفقد الإنسان سلامُه يظن أن كل من حولهُ أعداء لهُ. ونجد دواغ الأدومى ربما ليبرر نفسه أو طمعاً فى إرضائه وطمعاً فى أن يعطيه شاول حقولاً أكثر يخبره بحادثة داود مع أخيمالك.
ولكن فى (10) نجد أن القصة التى ذكرها دواغ ناقصة مشوهة فهو لم يخبر شاول بكذبة داود بل جعل شاول يظن أنها مؤامرة بين أخيمالك وداود وبهذا يكون أخيمالك خائناً لشاول.
ونلاحظ أن أخيمالك قد تكلم مع الملك بكل إحترام إلاّ أن الملك تكلم معه بوقاحة "إسمع يا إبن أخيطوب (12) وفى (14) دفاع من أخيمالك فيه توبيخ لشاول فهو يقول لهُ إن داود زوج إبنتك ورجلك المخلص.. الخ والمعنى هل أخطأت أن تعاملت مع شخص يحبك وتحبه هكذا.
وفى (15) فهل اليوم إبتدأتُ أسأل لهُ من الله: أنا أعرف داود أنه رجلك ومحل ثقتك ولطالما صليت لهُ وسألت من الله لأجلِهِ فى حروبه وفى غيرها من الأمور وليست هذه أول مرة أتعامل فيها معه.
أمّا إن كان خلافات جدت بينكما فأنا لا أعرفها: عبدك لم يعلم شيئاً من كل هذا صغيراً أو كبيراً وكعادة شاول فقراراته متسرعة ولا يستشير أحد وأصدر حكماً بالموت على أخيمالك وكل الكهنة وعائلاتهم ولم يجرؤ على التنفيذ إلاّ هذا الخائن دواغ الأدومى.
وهذا عمل بشع لوث تاريخ شاول. ولكن على أى الأحوال لقد تحققت النبوءة فى بيت عالى الكاهن (31:2) والله سمح بهذا بالتأكيد لشرورهم. وسمح بحرمان الشعب من كهنته فهم لا يستحقون وجود كهنة لشرهم ولأنهم هم الذين طلبوا ملك على حسب قلبهم ورفضوا مشورة الله.
ويبدو أن أبياثار كان بعيداً عن مكان المذبحة فلم يقتلوه وهرب إلى داود (ربما لم يذهب لشاول ليستمر فى حراسة الخيمة). ولقد حماه داود وهذه هى حماية المسيح لكل نفس تلجأ إليه. وفى (22) نرى فضيلة داود الهامة إعترافه سريعاً بالخطأ فهو لا يلقى باللوم على الآخرين. فهو يلق باللوم على شاول أو دواغ الأدومى لكنه لم يفعل. ولكنه قال أنا سببت لجميع أنفس أبيك.
+