تفسير الاصحاح الحادى والعشرون من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
داود يصير طريدا
الآيات (1-6) :-
فجاء داود إلى نوب إلى اخيمالك الكاهن فاضطرب اخيمالك عند لقاء داود و قال له لماذا أنت وحدك و ليس معك أحد. فقال داود لاخيمالك الكاهن أن الملك امرني بشيء و قال لي لا يعلم أحد شيئا من الأمر الذي أرسلتك فيه و أمرتك به و أما الغلمان فقد عينت لهم الموضع الفلاني و الفلاني. و الان فماذا يوجد تحت يدك أعط خمس خبزات في يدي أو الموجود.
فأجاب الكاهن داود و قال لا يوجد خبز محلل تحت يدي و لكن يوجد خبز مقدس إذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم لا سيما من النساء.
فأجاب داود الكاهن و قال له أن النساء قد منعت عنا منذ أمس و ما قبله عند خروجي و أمتعة الغلمان مقدسة و هو على نوع محلل و اليوم أيضا يتقدس بالآنية. فأعطاه الكاهن المقدس لأنه لم يكن هناك خبز
إلا خبز الوجوه المرفوع من أمام الرب لكي يوضع خبز سخن في يوم أخذه.
مدينة نوب حُسِبَتْ مدينة كهنة فهى صارت مقر الخيمة بعد خراب شيلوه. وقابل داود أخيمالك الكاهن = ربما هو أخياّ بن أخيطوب (1صم 14 :3) أو أخوه وخلفه فى الكهنوت وكان رجلاً صالحاً وهو إبن حفيد عالى الكاهن. والسيد المسيح ذكر هذه الحادثة فى (مر 2 : 26) وقال إنها حدثت فى أياّم أبياثار رئيس الكهنة، وأبياثار هو إبن أخيمالك (1صم 23 : 6).
وقد مارس الرياسة الكهنوتية مع أبيه. وهو صار رئيساً للكهنة بعد أبيه. وكان أبياثار رئيس كهنة طوال مدة ملك داود. لعلّ داود قابل أبياثار ونسبت المقابلة فى صموئيل لأخيمالك لأنه الأب ورئيس الكهنة أو نسبت القصة لأبياثار * لإرتباطه مع داود كل مدة ملِكِه. والسيد المسيح لم يقل أن أبياثار هو الذى أعطى الخبز بل قال فى أيام أبياثار مما يدعم هذا الرأى.
لماذا أنت وحدك = لقد رأى أخيمالك داود وحده. وداود زوج إبنة الملك وقائد مشهور. وأخيمالك سمع أن شاول يريد قتله. فهذا المنظر جعل أخيمالك يرتبك ويخاف إن هو إستضاف داود أن ينتقم منه شاول. وهو فهم هذا لأن المفروض أن داود بحكم مركزه يتحرك مع موكب من الجنود والأشراف. فحين يتحرك وحدهُ أو وهو معهُ عدد قليل من الجند فهو إذاً هارب ومطارد.
وفى آية(2) :- نجد داود يكذب كذبة واضحة سببت كثيراً من المشاكل بعد ذلك. بل نجد داود وقد سقط سقطات عديدة فى هذا الإصحاح.
1- هو هرب بينما هو رأى يد الله تحميه عدة مرات.
2- هو لهُ وعد أن يملك فكيف يُقتل.
3- الكذب.
4- لجوءهُ بعد ذلك للفلسطينيين أعداء شعبه.
5- تظاهرهُ بالجنون. وسبب كل هذا أنه خرج وهرب دون أن يستشير الله أو يصلى أو يسأل صموئيل. هو مرّ بتجربة نمر بها كثيراً ونحن فى ضيقاتنا ألا وهى الشعور بالوحدة وتخلى الله عناّ وأن لا أحد يساندنا وهو شعور مر. داود كان حسب قلب الله.
لكنه كان يخطىء فكيف يقال أنه حسب قلب الله ؟ لأنه كان دائماً مستعداً للتوبة وإن خضع لتأديب من الله يخضع فى تسليم شاعراً أنه يستحق هذا التأديب دون أن يتذمّر على الله ولو مرة واحدة.
وفى (3) :- هو هرب فجأة بدون أى إستعداد وبلا طعام أو سلاح (آية8). فنجده هنا يطلب خبز.
وفى (4) :- الخبز المقدس هو خبز الوجوه الذى كان يوضع على مائدة خبز الوجوه يوم السبت ساخناً ثم يرفع السبت التالى ليوضع خبز ساخن جديد. والخبز المرفوع لا يحل أكلهُ سوى للكهنة. ومع ذلك قبل أخيمالك أن يقدمه لداود ورجاله إن كانوا طاهرين (حتى من العلاقات الزوجية) وذلك لأنهم جاعوا ولم يكن يوجد خبز آخر.
وقد إستخدم السيد المسيح هذه الحادثة ليوضح لليهود كيف أنه يحل للتلاميذ أن يقطفوا السنابل ويفركوها بأيديهم ليأكلوا منها يوم السبت (مر 2 : 25).
وفى (5) :-أمتعه الغلمان مقدسة = أى لم يدخلها شىء نجس أو تلامست مع نجاسة. وهو على نحوٍ محلل = هذا رأى داود أنه ولو أن الخبز لا يأكله سوى الكهنة وعائلاتهم الطاهرين طقسياً إلاّ أنه فى حالة الضرورة وهو رجاله جائعون لا يستطيعون الوقوف وأيضاً طاهرين فلا مانع أن يأكلوا فإن الرحمة تتفوق على الذبيحة فالله يطلب رحمة لا ذبيحة.
وقد وافق السيد المسيح داود على ما قالهُ واليوم أيضاً يتقدس بالأنية = يضيف داود شيئاً آخر أن الخبز الجديد سيوضع اليوم فلن تبقى الأنية فارغة. بل الخبز الجديد سيتقدس بوضعه فى الأنية المقدسة. وفى (6) :- الكاهن يوافق داود.
آية(7-8) :-
و كان هناك رجل من عبيد شاول في ذلك اليوم محصورا امام الرب اسمه دواغ الادومي رئيس رعاة شاول.و قال داود لاخيمالك افما يوجد هنا تحت يدك رمح او سيف لاني لم اخذ بيدي سيفي و لا سلاحي لان امر الملك كان معجلا.
دواغ الأدومى = أحد عبيد شاول، رجل دخيل ورئيس رعاة شاول. كان محصوراً أمام الرب أماّ لوفاء نذر أو للتطهير. وقد أدرك داود أن وجوده خطر لذلك أسرع بالهرب. وقد قام فعلاً دواغ بإبلاغ شاول بما حدث فقتل شاول جميع الكهنة مع نسائهم وأولادهم وماشيتهم.
آية(9) :-
لقد أعطى داود السيف لله فوضع فى هيكله.. ولنعلم أن كل ما نعطيه لله يعود لنا بالخير لأنفسنا.
الآيات (10-15) :-
و قام داود و هرب في ذلك اليوم من أمام شاول و جاء إلى اخيش ملك جت. فقال عبيد اخيش له أليس هذا داود ملك الأرض أليس لهذا كن يغنين في الرقص قائلات ضرب شاول الوفه و داود ربواته. فوضع داود هذا الكلام في قلبه و خاف جدا من اخيش ملك جت.
فغير عقله في اعينهم و تظاهر بالجنون بين أيديهم و اخذ يخربش على مصاريع الباب و يسيل ريقه على لحيته. فقال اخيش لعبيده هوذا ترون الرجل مجنونا فلماذا تاتون به إلى. العلي محتاج إلى مجانين حتى أتيتم بهذا ليتجنن علي أهذا يدخل بيتي.
هرب داود لمدينة جت مدينة جليات الذى قتله وربما ظن أنهم نسوا شكله. لكنهم تذكروه خصوصاً حينما وجدوا سيف بطلهم فى يده. وحسبوا جاسوساً خبيثاً وإضطر للتظاهر بالجنون لينقذ حياته.
إنها لحظات ضعف عاشها رجل الإيمان الجبار. فلأنه لم يستشر الرب وشك فى أن الرب سيحميه صار يتخبط. وهو مَثّل علامات الجنون وهى الخربشة بأصابعه وجعل ريقه يسيل على لحيته.
+