تفسير الاصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
داود وجليات
إشتاق الشعب لملك طويل القامة وها هو واقف فى خزى ورعدة أمام الفلسطينيين.الآيات (1-6) :-
و جمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب فاجتمعوا في سوكوه التي ليهوذا و نزلوا بين سوكوه و عزيقة في افس دميم. و اجتمع شاول و رجال اسرائيل و نزلوا في وادي البطم و اصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين.
و كان الفلسطينيون وقوفا على جبل من هنا و اسرائيل وقوفا على جبل من هناك و الوادي بينهم. فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جت طوله ست اذرع و شبر. و على راسه خوذة من نحاس و كان لابسا درعا حرشفيا و وزن الدرع خمسة الاف شاقل نحاس. و جرموقا نحاس على رجليه و مزراق نحاس بين كتفيه.
وقف الفريقان على جبال (هى أشبه بتلال) بينها وادٍ فيه مزروعات وأشجار السنط. طول جليات 9 قدم: 6 أذرع وشبر حوالى 290سم. ويرتدى درعاً حُرشفياً: أى قميصاً عليه قطعاً نحاسية كحراشيف السمك وزنه 33 رطلاً وجرموقاً (درعين لحماية الساقين) من النحاس وكان معهُ مزراق نحاس أى رمح قصير بين كتفيه. وكان ذلك مصدر رعب شديد لشاول ورجاله.
وكان كلا الجيشان خائف من النزول للوادى وإلاّ لكان فى مكان أدنى وبالتالى يمكن للجيش الآخر فى المكان المرتفع على الجبل ضربه بسهولة ولذلك كان الحل الذى إقترحه جليات وعيّر به صفوف شعب الله. وربما كان فى الوادى مجرى ماء ممّا يزيد من صعوبة الموقف. والآيات (12-15) هى مقدمة للأحداث بعد ذلك.
الآيات (16-22) :-
و كان الفلسطيني يتقدم و يقف صباحا و مساء اربعين يوما. فقال يسى لداود ابنه خذ لاخوتك ايفة من هذا الفريك و هذه العشر الخبزات و اركض الى المحلة الى اخوتك. و هذه العشر القطعات من الجبن قدمها لرئيس الالف و افتقد سلامة اخوتك و خذ منهم عربونا.
و كان شاول و هم و جميع رجال اسرائيل في وادي البطم يحاربون الفلسطينيين. فبكر داود صباحا و ترك الغنم مع حارس و حمل و ذهب كما امره يسى و اتى الى المتراس و الجيش خارج الى الاصطفاف و هتفوا للحرب.
واصطف اسرائيل و الفلسطينيون صفا مقابل صف. فترك داود الامتعة التي معه بيد حافظ الامتعة وركض الى الصف واتى و سال عن سلامة اخوته.
يسى يرسل داود لينظر إخوته وهذا رمزاً لمحبة الآب الذى أرسل إبنه المحبوب يسوع المسيح ليسأل عن أولاده ويفديهم وينقذهم من إبليس الذى يُعيرهم. فإن كان يسى قد أرسل إبنه ليسأل عن باقى أولاده فهل لا يفعل الآب السماوى. إيفة من الفريك: الإيفة وزن كامل والفريك صورة من صور الحنطة. والمسيح قدّم نفسه لنا بجسد بشرى كامل.
ورقم 10 فى الخبزات والجبن تشير للوصايا التى كسرناها وكانت السبب فى أن يأتى المسيح لنكمل به. خذ منهم عربوناً: لم تكن الكتابة منتشرة ليرسلوا خطابات فيسى يريد أى دليل مادى على سلامتهم.
الآيات (25-30) :-
فقال رجال اسرائيل ارايتم هذا الرجل الصاعد ليعير اسرائيل هو صاعد فيكون ان الرجل الذي يقتله يغنيه الملك غنى جزيلا و يعطيه بنته و يجعل بيت ابيه حرا في اسرائيل.
فكلم داود الرجال الواقفين معه قائلا ماذا يفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني و يزيل العار عن اسرائيل لانه من هو هذا الفلسطيني الاغلف حتى يعير صفوف الله الحي. فكلمه الشعب بمثل هذا الكلام قائلين كذا يفعل للرجل الذي يقتله.
و سمع اخوه الاكبر الياب كلامه مع الرجال فحمي غضب الياب على داود و قال لماذا نزلت و على من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية انا علمت كبرياءك و شر قلبك لانك انما نزلت لكي ترى الحرب. فقال داود ماذا عملت الان اما هو كلام.
و تحول من عنده نحو اخر و تكلم بمثل هذا الكلام فرد له الشعب جوابا كالجواب الاول.
لنلاحظ صفات داود لنعرف سبب قُوته
1- فى آية20 فبكر داود: طاعة داود لوالده وإسراعه بالتنفيذ فى الصباح دون تأخير.
2- عندما ثار عليه أخوه اليآب آية28 أجابه بهدوء وحكمة وصرف غضبه. بل سكوته أمام أخوه وإنتصاره على ذاته فهو أكبر من إنتصاره على جليات.
3- غيرته على أسم الله الحى: حتى يُعيّر صفوف الله الحى فهو إعتبر أن كل إنتصار هو لحساب الرب وكل هزيمة تهين الرب. هو تطلع للمعركة بكونها صراع بين الله نفسه وعدو الخير الشيطان. هذا عكس شاول الذى قال أنتقم من الفلسطينيين أعدائى فحسبها معركة شخصية وداود سأل عن ماذا يفعل للرجل الذى يقتل الفلسطينى على سبيل حب الإستطلاع فلا توجد أجرة تساوى حياة الإنسان والوقوف أمام هذا الجبار معناه الموت المحقق.
لا يوجد دافع يدفع إنسان لهذه المعركة غير المتكافئة إلاّ إيمانه وغيرته على إسم الله وهذا الإنسان لا يطلب أجراً. إلا أنه كان هناك أجر فمن يغلب يتزوج إبنة الملك والمسيح لتكون الكنيسة له عروساً.
4- داود يبذل نفسه عن الشعب، عن الكنيسة، والكنيسة هى بنت الملك أى إبنة الله.
وفى آية(28) أما هو كلام: هو لم يريد أن يدخل فى جدال فهو رجل عمل وليس جدال وإنه وقت للعمل وكان توبيخ الأخ لداود مثل توبيخ وإهانة الشعب اليهودى للمسيح مع أنه جاء لخلاص الشعب بل جنس البشر كله فأهانوه وإتهموه بإتهامات كثيرة.
الآيات (31-37) :-
و سمع الكلام الذي تكلم به داود و اخبروا به امام شاول فاستحضره. فقال داود لشاول لا يسقط قلب احد بسببه عبدك يذهب و يحارب هذا الفلسطيني. فقال شاول لداود لا تستطيع ان تذهب الى هذا الفلسطيني لتحاربه لانك غلام و هو رجل حرب منذ صباه.
فقال داود لشاول كان عبدك يرعى لابيه غنما فجاء اسد مع دب و اخذ شاة من القطيع. فخرجت وراءه و قتلته و انقذتها من فيه و لما قام علي امسكته من ذقنه و ضربته فقتلته.قتل عبدك الاسد و الدب جميعا و هذا الفلسطيني الاغلف يكون كواحد منهما لانه قد عير صفوف الله الحي.
و قال داود الرب الذي انقذني من يد الاسد و من يد الدب هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني فقال شاول لداود اذهب و ليكن الرب معك.
نرى هنا تطور خبرات الإيمان فهو بدأ بقتل دب ثم قتل أسد فإزدادت ثقته بالله والآن منطق الإيمان لدى داود يقول "يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" فإذا كان الله أعاننى على الأسد والدب فلماذا لا يعيننى ضد جليات. والله دائماً يدخلنا مدرسة الإيمان هذه. وداود الراعى الأمين لم يترك الأسد والدب يفترسا أىٍ من غنيماته فدافع عنها.
الآيات (38-39) :-
و البس شاول داود ثيابه و جعل خوذة من نحاس على راسه و البسه درعا. فتقلد داود بسيفه فوق ثيابه و عزم ان يمشي لانه لم يكن قد جرب فقال داود لشاول لا اقدر ان امشي بهذه لاني لم اجربها و نزعها داود عنه.
هذا الراعى البسيط لم يتعود على هذه الأسلحة بل سلاحه القوى هو الإيمان.
آية(40) :-
و اخذ عصاه بيده و انتخب له خمسة حجارة ملس من الوادي و جعلها في كنف الرعاة الذي له اي في الجراب و مقلاعه بيده و تقدم نحو الفلسطيني.
كان من اليهود من هم لهم مهارة فى المقلاع فلا يخطئ الشعرة (قض16:20).
الآيات (41-51) :-
و ذهب الفلسطيني ذاهبا و اقترب الى داود و الرجل حامل الترس امامه. و لما نظر الفلسطيني و راى داود استحقره لانه كان غلاما و اشقر جميل المنظر. فقال الفلسطيني لداود العلي انا كلب حتى انك تاتي الي
بعصي و لعن الفلسطيني داود بالهته. و قال الفلسطيني لداود تعال الي فاعطي لحمك لطيور السماء
و وحوش البرية. فقال داود للفلسطيني انت تاتي الي بسيف و برمح و بترس و انا اتي اليك باسم رب الجنود اله صفوف اسرائيل الذين عيرتهم.
هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فاقتلك و اقطع راسك و اعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء و حيوانات الارض فتعلم كل الارض انه يوجد اله لاسرائيل.
و تعلم هذه الجماعة كلها انه ليس بسيف و لا برمح يخلص الرب لان الحرب للرب و هو يدفعكم ليدنا.48 و كان لما قام الفلسطيني و ذهب و تقدم للقاء داود ان داود اسرع و ركض نحو الصف للقاء الفلسطيني. و مد داود يده الى الكنف و اخذ منه حجرا و رماه بالمقلاع و ضرب الفلسطيني في جبهته فارتز الحجر في جبهته و سقط على وجهه الى الارض. فتمكن داود من الفلسطيني بالمقلاع و الحجر
و ضرب الفلسطيني و قتله و لم يكن سيف بيد داود. فركض داود و وقف على الفلسطيني و اخذ سيفه
و اخترطه من غمده و قتله و قطع به راسه فلما راى الفلسطينيون ان جبارهم قد مات هربوا.
القوة الدافعة التى حرّكت داود هى الغيرة فقد أهان هذا الوثنى إسم الله الحى.
آية(43) :-
وهناك سؤال … أين كان يوناثان بطل الإيمان فى هذا كله؟ والإجابة هذه المعركة هى رمز لمعركة الصليب وهى محفوظة للمسيح، ولا يقدر عليها سوى المسيح ومهما كان إيمان يوناثان فلا يستطيع أن يقوم بهذه المعركة.
والشيطان رمزه هنا الدب والأسد وجليات وتعييرات جليات هى تعييرات الشيطان. والمسيح لسان حاله يقول غيرة بيتك أكلتنى وتعييرات معيريك وقعت علىّ. ومهما كانت قوة جليات أو الأسد أو الدب فمحبة المسيح وغيرته على مجد إسمه ومحبته لشعبه جعلته يدخل المعركة لينتزع الفريسة من يد الشيطان. ولاحظ قول جليات إنك تأتى إلىّ بعصى (43) والعصا رمز الصليب فكلاهما خشبة. وجاء المسيح وربط الشيطان ككلب بسلاسل وحررنا ولم يصبح للشيطان سلطان سوى على من يريد أن يرتبط به بإرادته.
فلا تخاف منه إن كنت إلتصقت بالمسيح. إنه لن يؤذيك قسراً. والحجر الذى ضُرِب به جليات يرمز لربنا يسوع لأنه هو الحجر الحى الذى رفضه البناؤون فصار رأساً للزاوية (مز22:117) وهو الحجر الذى قُطّعَ بدون يد بشر (دا34:2). وقتل داود جليات بسيف جليات يشير إلى أن المسيح عند مجيئه يهزم الشيطان بذات سيفه. إن الشيطان بمكره وظلمه الذى أجراه ضد المسيح حتى الصليب كان هو السلاح الذى ضُرِبَ به الشيطان.
وفى آية(48) وكان لمّا قام الفلسطينى: فهو من ثقل سلاحه كان يجلس ولا يقوم سوى ليحارب. كان يظن نفسه محصناً ورجل حرب قوى وجبار ولكنه كان يعتمد على قدرته البشرية ومعداته الثقيلة ولكن كل هذا لم يصمد أمام إيمان جبار لداود. فكل قوة بشرية مهما أحكم تدبيرها تجد فيها ثغرة تؤدى إلى فشلها، لذلك أغلق الرب بيده حتى لا يغرق الفلك (تك16:7).
وعلينا أن لا نخاف من الأشرار فالله يعطى سلاح بسيط ضد كل شرير والله يهزمهم بأبسط الأمور. ومدة الأربعين يوماً هى مدة إنتظارنا على الأرض التى بعدها يتم إنتصار المسيح لحسابنا. وطوال مدة وجود الكنيسة فى العالم(الـ 40 يوماً) يقف أمامها جبابرة ولكن الله يترك الشرير يتمادى فى كبريائه فترة رمزية 40 يوماً بعدها يضربه.
وكل متشامخ وقف أمام الكنيسة إنكسر ومحاه الله من الوجود وظلت الكنيسة باقية. ولاحظ سر قوة داود أنه عَرِف أن المعركة ليست شخصية بينه وبين جليات، بين المؤمن وأعداؤه ولكن هى بين الله. وإن الأسلحة ليست بشرية بل
أنا أتى إليك بإسم رب الجنود ………… وأنت تأتى إلىّ بسيف
آية(52-53) :-
فقام رجال اسرائيل و يهوذا و هتفوا و لحقوا الفلسطينيين حتى مجيئك الى الوادي و حتى ابواب عقرون فسقطت قتلى الفلسطينيين في طريق شعرايم الى جت و الى عقرون. ثم رجع بنو اسرائيل من الاحتماء وراء الفلسطينيين و نهبوا محلتهم.
بعد إنتصار داود قام الشعب وحارب وهزم أعداؤه وسبّح وهتفوا فلنفعل هكذا.
آية(54) :-
و اخذ داود راس الفلسطيني و اتى به الى اورشليم و وضع ادواته في خيمته.
وضع أدواته فى خيمته: نحن كُنّا أدوات فى يد الشيطان والآن صرنا هيكلاً للمسيح وهو يسكن فينا. ونحن فى كنيسته (رو6: 13،19).
آية(55) :-
و لما راى شاول داود خارجا للقاء الفلسطيني قال لابنير رئيس الجيش ابن من هذا الغلام يا ابنير فقال ابنير و حياتك ايها الملك لست اعلم.
ليس غريباً أن لا يعرف أبنير داود فداود مجرد غلام صغير عازف موسيقى أمّا أبنير رئيس جيش ومن المؤكد أن أبنير لم يعطِ أى إعتبار لداود.
ملحوظة :- يظن بعض الدارسين أن معركة جلياط كانت بعد مسح داود بحوالى 8 سنين.
لأن داود هو جد المسيح بالجسد وهو رمز للمسيح كان هناك فى حياة داود رموزاً كثيرة ترمز للمسيح وفى نهاية كل مجموعة من الإصحاحات سنضع ملخصاً لهذه الرموز الكثيرة والجدول الأتى يشمل الرموز التى وردت فى الإصحاحين 16،17.
مقارنة بين داود والمسيح
+