تفسير الاصحاح الخامس عشر من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
رفض شاول وانتزاع المملكة منه
مضت سنوات طويلة بين الإصحاح السابق وهذا الإصحاح فشاول الآن ملك قوى لهُ جيش قوى.
الآيات (1-4) :-
و قال صموئيل لشاول اياي ارسل الرب لمسحك ملكا على شعبه اسرائيل و الان فاسمع صوت كلام الرب.هكذا يقول رب الجنود اني قد افتقدت ما عمل عماليق باسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر
فالان اذهب و اضرب عماليق و حرموا كل ما له و لا تعف عنهم بل اقتل رجلا و امراة طفلا و رضيعا بقرا و غنما جملا و حمارا. فاستحضر شاول الشعب و عده في طلايم مئتي الف راجل و عشرة الاف رجل من يهوذا.
بعد أن كان جيشه 600 رجل صار الآن 210،000 ولكن قلة جيش يهوذا يشير ربما لعدم رضا يهوذا أو بداية إنقسام. ولكن شاول تمتع لفترة بنصرات متوالية (47:14) ونجد الله يقدم فرصة أخيرة لشاول الذى كثرت أخطائه. طلب الله تحريم كل ما لعماليق والله كان سيعطيه النصرة.
إياى أرسل الرب لمسحك: صموئيل يذكره بهذا حتى يستمع للأمر الذى سيقولهُ لهُ بعد ذلك. وكان تحريم عماليق تنفيذاً لما قالهُ الرب قبل ذلك (خر17: 8-16). وذلك لا ينسى وعوده إنما يحققها فى الوقت المناسب. والآن الوقت المناسب لماذا؟
1-جيش شاول الآن جيش مستعد. 2- ذنب عماليق صار كاملاً وفسدوا تماماً وكان عماليق جماعة لصوص متوحشين يرتكبون الجرائم والرجاسات.
الآيات (5-7) :-
ثم جاء شاول الى مدينة عماليق و كمن في الوادي.و قال شاول للقينيين اذهبوا حيدوا انزلوا من وسط العمالقة لئلا اهلككم معهم و انتم قد فعلتم معروفا مع جميع بني اسرائيل عند صعودهم من مصر فحاد القيني من وسط عماليق. و ضرب شاول عماليق من حويلة حتى مجيئك الى شور التي مقابل مصر.
طلب شاول من القينيين-وهم شعب مسالم محب من المديانيين أن يبتعدوا عن العمالقة لأن القينيين صنعوا معروفاً مع إسرائيل (خر18، عد10: 29-32، قص16:1) والله لا ينسى كأس ماء بارد. ومن القينيين يثرون حمو موسى وياعيل التى قتلت سيسرا (قض17:4) والركابيون (1أى55:2 + أر35: 6-10) ومعنى كلمة قينيين أى حدادين لذلك قد يكونوا جماعة من الحدادين الرُحّلْ. وبعد رحيلهم ضرب شاول عماليق.
الآيات (8،9) :-
و امسك اجاج ملك عماليق حيا و حرم جميع الشعب بحد السيف.و عفا شاول و الشعب عن اجاج و عن خيار الغنم و البقر و الثنيان و الخراف و عن كل الجيد و لم يرضوا ان يحرموها و كل الاملاك المحتقرة و المهزولة حرموها.
لم يسمع شاول لصوت الرب وأبقى على 1- أجاج ليشبع غرور نفسه لأنه عفا عن ملك سقط فى يده مع أنه ملك متوحش (آية33). 2- خيار الغنم أبقى عليها كمكاسب مادية وهذه تشبه من تكون لهُ علاقة مع الله لمكاسب مادية.
ولذلك يفكر البعض أنه أبقى على أجاج للحصول على فدية كبيرة. وهناك من يتساءل وما ذنب الحيوانات حتى نقتلها؟ ونرد بتساؤل وما ذنب المسيح القدوس فى أن يصلب؟ ولكن الله يريد أن يُظهر بشاعة الخطية وأنها سبب موت بل سبب خراب العالم وستكون السبب فى صلب المسيح مستقبلاً.
آية(10-11) :-
و كان كلام الرب الى صموئيل قائلا. ندمت على اني قد جعلت شاول ملكا لانه رجع من ورائي و لم يقم كلامي فاغتاظ صموئيل و صرخ الى الرب الليل كله.
ندمت: حزنت بسبب تصرفات شاول. لقد رفض الرب شاول لأن شاول رفضه وما أنقى قلب صموئيل وأشد محبته الذى يبقى الليل كله مصلياً لأجل شاول. ومع محبة صموئيل الكبيرة لم يمنعه هذا من الحزم فنراه فى حزم يوبخ شاول بشدة.
آية(12) :-
فبكر صموئيل للقاء شاول صباحا فاخبر صموئيل و قيل له قد جاء شاول الى الكرمل و هوذا قد نصب لنفسه نصبا و دار و عبر و نزل الى الجلجال.
ذهب شاول إلى الكرمل ونصب تذكاراً لإنتصاره على عماليق.
آية(13) :-
و لما جاء صموئيل الى شاول قال له شاول مبارك انت للرب قد اقمت كلام الرب.
هنا شاول يغطى على عصيانه بكلمات معسولة لم ينخدع بها صموئيل فقد كشف له الله كل شئ.
آية(14-15) :-
فقال صموئيل و ما هو صوت الغنم هذا في اذني و صوت البقر الذي انا سامع. فقال شاول من العمالقة قد اتوا بها لان الشعب قد عفا عن خيار الغنم و البقر لاجل الذبح للرب الهك و اما الباقي فقد حرمناه.
هناك قاعدة أن التائب الحقيقى لا يبرر خطأهُ بأى عذر ولكن غير التائب دائماً يريد أن يبرر نفسه ودائماً يدين الآخرين وهنا نجده ينسب الخطأ للشعب إذ يقول لأن الشعب قد عفا وينسب لنفسه التصرف الصحيح. وأمّا الباقى فقد حرمناه.
وهو يجد عذراً آخر لإستبقاء الغنم وهو لأجل الذبح للرب إلهك: ولكن هل وصايا الله ناقصة ويكملها هو؟! علينا أن ننفذ الوصية حتى إن لم نفهمها.
ويكرر نفس النغمة فى الآيات (20،21) وبإستفاضة دليل عدم الندم والإصرار على ذلك. ولاحظ قولهُ لصموئيل الرب إلهك ولم يقل الرب إلهنا وكأنه يقول إن ما أتينا به ليس لأنفسنا بل لإلهك أنت ! فإن كناّ أكرمنا إلهك فقد أكرمناك فلماذا غضبك.
آية(16-17) :-
فقال صموئيل لشاول كف فاخبرك بما تكلم به الرب الي هذه الليلة فقال له تكلم. فقال صموئيل اليس اذ كنت صغيرا في عينيك صرت راس اسباط اسرائيل و مسحك الرب ملكا على اسرائيل.
كنت صغيراً فى عينيك: أى أن شاول كان يرى نفسه صغيراً فى عينى نفسه ولمّا كان متواضعاً إختارهُ الله فلمّا تكبّر رفضه الله.
آية(18-22) :-
و ارسلك الرب في طريق و قال اذهب و حرم الخطاة عماليق و حاربهم حتى يفنوا.فلماذا لم تسمع لصوت الرب بل ثرت على الغنيمة و عملت الشر في عيني الرب.فقال شاول لصموئيل اني قد سمعت لصوت الرب و ذهبت في الطريق التي ارسلني فيها الرب و اتيت باجاج ملك عماليق و حرمت عماليق.
فاخذ الشعب من الغنيمة غنما و بقرا اوائل الحرام لاجل الذبح للرب الهك في الجلجال.فقال صموئيل هل مسرة الرب بالمحرقات و الذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا الاستماع افضل من الذبيحة
و الاصغاء افضل من شحم الكباش.
قارن مع (مز6:40، 16:51، 17) إذ أنه من السهل أن نأتى بثور كذبيحة عن أن نذبح أى فكر عاصى متكبر لذلك فالله يُسّر بالطاعة التى هى مجد الملائكة (مز20:103).
آية(23) :-
لان التمرد كخطية العرافة و العناد كالوثن و الترافيم لانك رفضت كلام الرب رفضك من الملك.
العرافة:
إستشارة أرواح الموتى والجان والسحرة وتحديد المستقبل بفحص أمعاء الحيوانات.الترافيم:
الألهة المنزلية وهم يتصورون وجودها فى البيت بركة لهُ.الآيات (24-31) :-
فقال شاول لصموئيل اخطات لاني تعديت قول الرب و كلامك لاني خفت من الشعب
و سمعت لصوتهم. و الان فاغفر خطيتي و ارجع معي فاسجد للرب. فقال صموئيل لشاول لا ارجع معك لانك رفضت كلام الرب فرفضك الرب من ان تكون ملكا على اسرائيل.
و دار صموئيل ليمضي فامسك بذيل جبته فانمزق. فقال له صموئيل يمزق الرب مملكة اسرائيل عنك اليوم و يعطيها لصاحبك الذي هو خير منك.
و ايضا نصيح اسرائيل لا يكذب و لا يندم لانه ليس انسانا ليندم.30 فقال قد اخطات و الان فاكرمني امام شيوخ شعبي و امام اسرائيل و ارجع معي فاسجد للرب الهك. فرجع صموئيل وراء شاول و سجد شاول للرب.
يتضح من آية(30) أن توبة شاول غير صادقة فكل ما يهتم به مظهره أمام الشعب وأنه يستميل صموئيل النبى كى يرجع معه ويكرمه أمام شيوخ الشعب. لأن الشعب يُكرم صموئيل ويهابه فلو ظهر أن صموئيل غاضب منه فهو خاف أن ينفض عنهُ الشعب.
والتائب الحقيقى لا يهتم برأى الناس فيه (1كو3:4). لكن للأسف أنه من الواضح أن شاول خائف من الناس وليس من الله. وقطعاً مثل هذه التوبة لا يقبلها الله لذلك فى (26) نجد صموئيل لا يقبل الرجوع معهُ. ثم كان أن مزّق شاول جبة صموئيل. ورأى صموئيل فى هذا علامة على أن الله يُمزّق المملكة منهُ (28) كأن شاول يلبس مملكته كجبة وسيمزقها الله عنه.
ولاحظ أن الجبة التى تمزقت كان صموئيل هو الذى يرتديها وليس شاول، فالمملكة هى مملكة الله وليست مملكة شاول.
وصموئيل هنا كنبى الله هو ممثل الله ويعطيها لصاحبك: أى داود فهو سيتزوج إبنته. ولاحظ أن الرمز إكتمل فداود مزّق جبة شاول كما مزّق شاول جبة صموئيل. وفى (31) نجد صموئيل قد رجع معهُ فهو يُكرِم الملك مسيح الرب (رو1:13 + ابط7:2) ولكن رفضه السابق إعلاناً لشاول عن رفض الله لهُ. ما أبعد صورة شاول الآن عن شاول الذى إختبأ يوم القرعة.
الآيات (32-35) :-
و قال صموئيل قدموا الي اجاج ملك عماليق فذهب اليه اجاج فرحا و قال اجاج حقا قد زالت مرارة الموت. فقال صموئيل كما اثكل سيفك النساء كذلك تثكل امك بين النساء فقطع صموئيل اجاج امام الرب في الجلجال. و ذهب صموئيل الى الرامة
و اما شاول فصعد الى بيته في جبعة شاول. و لم يعد صموئيل لرؤية شاول الى يوم موته لان صموئيل ناح على شاول و الرب ندم لانه ملك شاول على اسرائيل.
إذ عُرِف صموئيل بلطفه ورقته ظن أجاج أنه سيطلقه حراً ولكن كان يجب قتله تنفيذاً لحكم الرب وإعلاناً عن نزع الخطية والفساد. قطع صموئيل أجاج: أى أمر بقتله حسب وصية الرب: أمام الرب. ولم يعد صموئيل برؤية شاول: أى لم يعد الرب يكلم شاول بواسطة صموئيل.
+