تفسير الاصحاح الرابع عشر من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
يوناثان ينتصر
الآيات (1-10) :-و في ذات يوم قال يوناثان بن شاول للغلام حامل سلاحه تعال نعبر الى حفظة الفلسطينيين الذين في ذلك العبر و لم يخبر اباه. و كان شاول مقيما في طرف جبعة تحت الرمانة التي في مغرون و الشعب الذي معه نحو ست مئة رجل.و اخيا بن اخيطوب اخي ايخابود بن فينحاس بن عالي كاهن الرب في شيلوه كان لابسا افودا
و لم يعلم الشعب ان يوناثان قد ذهب. و بين المعابر التي التمس يوناثان ان يعبرها الى حفظة الفلسطينيين سن صخرة من هذه الجهة و سن صخرة من تلك الجهة و اسم الواحدة بوصيص و اسم الاخرى سنه.
و السن الواحد عمود الى الشمال مقابل مخماس و الاخر الى الجنوب مقابل جبع. فقال يوناثان للغلام حامل سلاحه تعال نعبر الى صف هؤلاء الغلف لعل الله يعمل معنا لانه ليس للرب مانع عن ان يخلص بالكثير او بالقليل. فقال له حامل سلاحه اعمل كل ما بقلبك تقدم هانذا معك حسب قلبك.
فقال يوناثان هوذا نحن نعبر الى القوم و نظهر انفسنا لهم.فان قالوا لنا هكذا دوموا حتى نصل اليكم نقف في مكاننا و لا نصعد اليهم. و لكن ان قالوا هكذا اصعدوا الينا نصعد لان الرب قد دفعهم ليدنا و هذه هي العلامة لنا.
يوناثان المملوء إيماناً لم يحتمل فقدان شعبه لكرامته فقام ليحارب واضعاً أمامه أن الرب ليس لديه مانع أن يخلص بالقليل كما بالكثير.
وربما إستغل يوناثان أن جيوش المخربين الثلاثة خرجت وبقى فى مخماس عدد قليل فهاجمهم. بينما كان أبوه تحت الرمانة يستظل. وهو تحرك دون أن يخبر أباه حتى لا يمنعه. فترك أباه وجيشه فى إرتباكهم وآمن هو بالله أنه يحقق النصرة بالقليل أو بالكثير.
وكان الغلام حامل سلاحه يشاركه ذات الإيمان. يبرز هنا أهمية أن يكون لنا صديق مؤمن والأجمل أن يكون لنا صديق سماوى من الشهداء والقديسيين.
سؤال:- هل لو فكّر يوناثان بالعقل فقط دون إيمان أكان يفعل ما فعلهُ؟ الإجابة قطعاً لا. إذاً فلنبدأ حتى وإن كنّا نزحف على أيدينا وأرجلنا وبالقطع الله سيعين ويكمل وتكون النتائج فوق تصورنا. فقط نبدأ دون إرتياب ومن يتكل على الله يعمل عجائب بيده.
وفى آية(3) ذُكِرَ الخبر كتمهيد لما سيأتى فى آية(18) وأخيا هو أخيمالك. وكان أخيطوب وإيخابود هم أولاد فينحاس إبن عالى الكاهن.
لابساً أفوداً: أى يقوم بواجب رئيس الكهنة وفى (9،10) وضعوا علامة ليعرفوا من الرب هل يكملوا عملهم أم لا. والله الذى يملك على القلوب والألسنة قادر أن يجعل هؤلاء الوثنيين أن يجيبوا بما يريده ويضعه فى أفواههم فهو ضابط الكل. وبالفعل إذ رآهما الفلسطينيون سخروا منهما قائلين إصعدوا.
الآيات (11،12) :-
فاظهرا انفسهما لصف الفلسطينيين فقال الفلسطينيون هوذا العبرانيون خارجون من الثقوب التي اختباوا فيها. فاجاب رجال الصف يوناثان و حامل سلاحه و قالوا اصعدا الينا فنعلمكما شيئا فقال يوناثان لحامل سلاحه اصعد ورائي لان الرب قد دفعهم ليد اسرائيل.
لنعلمكما شيئاً: أى نؤدبكما ونقتلكما. هم يتكلمون فى مزاح وإستخفاف لكن يوناثان حسبها علامة من السماء وتأكد من هزيمة العدو بسبب كبريائهم.
آية(13) :-
فصعد يوناثان على يديه و رجليه و حامل سلاحه وراءه فسقطوا امام يوناثان و كان حامل سلاحه يقتل وراءه.
فصعد يوناثان على يديه ورجليه: أى حبواً فلم يكن ممكناً أن ينزل الصخرة أو يصعد عليها واقفاً بسبب إنحدارها الشديد. وتحمل هذا الوضع المتعب والمخزى مع سخرية الأعداء فى إيمان. فسقطوا أمام يوناثان: أمام هذا الإيمان كان يجب أن يسقطوا فالله أوقع الرعب فى قلوبهم. وربما صوّر الله لهم أو أسمعهم صوت جيش عظيم يتبعهم فخافوا وحاولوا الهروب فسقطوا. وربما حدث زلزال فعلاً حطمهم وأرعبهم (آية15).
آية(14) :-
و كانت الضربة الاولى التي ضربها يوناثان و حامل سلاحه نحو عشرين رجلا في نحو نصف تلم فدان ارض.
نصف تلم فدان: هى بقعة يحرثها ثوران فى يومٍ واحد. وربما كان أيضاً سقوطهم من على الصخرة لإنحدارها الشديد فهم فى هربهم مرعوبين سقطوا من عليها فماتوا.
آية(15) :-
و كان ارتعاد في المحلة في الحقل و في جميع الشعب الصف و المخربون ارتعدوا هم ايضا
و رجفت الارض فكان ارتعاد عظيم.
المحلة: مكان الجيش الفلسطينى فى مخماس (المعسكر)، إرتعاد: حينما سمعوا عن خبر سقوط إخوتهم وقع الرعب فى قلوبهم وكان هذا أيضاً عمل الله. الصف: الجيش الذى فى المحلة.
آية(16) :-
فنظر المراقبون لشاول في جبعة بنيامين و اذا بالجمهور قد ذاب و ذهبوا متبددين.
المراقبون: المقصود بهم جواسيس شاول الذين يستطلعون حال جيش العدو.
الآيات (17-20) :-
فقال شاول للشعب الذي معه عدوا الان و انظروا من ذهب من عندنا فعدوا و هوذا يوناثان و حامل سلاحه ليسا موجودين. فقال شاول لاخيا قدم تابوت الله لان تابوت الله كان في ذلك اليوم مع بني اسرائيل.و فيما كان شاول يتكلم بعد مع الكاهن تزايد الضجيج الذي في محلة الفلسطينيين و كثر فقال شاول للكاهن كف يدك.
و صاح شاول و جميع الشعب الذي معه و جاءوا الى الحرب و اذا بسيف كل واحد على صاحبه اضطراب عظيم جدا.
تعجب شاول ممّا سمعه عن الرعب الذى وقع للفلسطينيين. ثم عَرِف أن يوناثان غائب ثم طلب أن يسأل الكاهن ثم تراجع وقرر أن يتصرف بنفسه دون سؤال الله. هذا يكشف عن طبيعة شاول وأنه متسرع قليل الصبر يعتمد على ذراعه، يمكن أن يسأل الرب لكنه لا ينتظر أن يسمع الإجابة. وفى تسرعه أسقط إبنه فى التعدى.
آية(21) :-
و العبرانيون الذين كانوا مع الفلسطينيين منذ امس و ما قبله الذين صعدوا معهم الى المحلة من حواليهم صاروا هم ايضا مع اسرائيل الذين مع شاول و يوناثان.
غالباً هم اليهود الذين كانوا مأسورين ومستعبدين للفلسطينيين إنضموا لشاول.
آية(22) :-
و سمع جميع رجال اسرائيل الذين اختباوا في جبل افرايم ان الفلسطينيين هربوا فشدوا هم ايضا وراءهم في الحرب.
أخيراً إنضم المذعورين الفارين إلى شاول بعد أن كانوا قد هربوا وتشتتوا.
آية(23) :-
فخلص الرب اسرائيل في ذلك اليوم و عبرت الحرب الى بيت اون.
بيت آون: هى بين مخماس وبيت إيل.
آية(24) :-
و ضنك رجال اسرائيل في ذلك اليوم لان شاول حلف الشعب قائلا ملعون الرجل الذي ياكل خبزا الى المساء حتى انتقم من اعدائي فلم يذق جميع الشعب خبزا.
شاول تصوّر أن الجيش لو أكلوا يضيع الوقت فلا يستطيع أن يلحق بالأعداء وهو أخطأ فى قراره وتسرّع فيه. وتتلخص أخطاء شاول هنا فى الآتى
1- لم ينتظر أن يسمع كلام الله من الكاهن فكان غير موسى الذى كان يصلى ويشوع يحارب. إذن شاول كان يعتمد على ذاته وليس على الله.
2- أخطأ فى منعه جيشه أن يأكل إذ حَسِب النصرة هى ثمرة عمله وليس نتيجة الإيمان وهذا عكس يوناثان. بل هو بقراره جعل يوناثان يتعدى دون أن يعلم.
3- لم يُعْطِ إعتباراً لحاجات رجاله فكيف يحاربون وهم جائعون. بل جعلهم يخطأون ويأكلون على الدم (خلافاً للناموس) من شدة جوعهم (آية32) فلم يكن هناك وقت أن تنزف الذبيحة دمها فأكل الدم ممنوع بحكم الناموس.
4- يقول أنتقم من أعدائى: هو حسبهم أعداءه هو وليس أعداء الله وأعداء شعبه وهذا كبرياء.
الآيات (25-31) :-
و جاء كل الشعب الى الوعر و كان عسل على وجه الحقل. و لما دخل الشعب الوعر اذا بالعسل يقطر و لم يمد احد يده الى فيه لان الشعب خاف من القسم.
و اما يوناثان فلم يسمع عندما استحلف ابوه الشعب فمد طرف النشابة التي بيده و غمسه في قطر العسل و رد يده الى فيه فاستنارت عيناه. فاجاب واحد من الشعب و قال قد حلف ابوك الشعب حلفا قائلا ملعون الرجل الذي ياكل خبزا اليوم فاعيا الشعب. فقال يوناثان قد كدر ابي الارض انظروا كيف استنارت عيناي لاني ذقت قليلا من هذا العسل.
فكم بالحري لو اكل اليوم الشعب من غنيمة اعدائهم التي وجدوا اما كانت الان ضربة اعظم على الفلسطينيين. فضربوا في ذلك اليوم الفلسطينيين من مخماس الى ايلون و اعيا الشعب جدا
الله أعّد لجيش شعبه عسلاً فى البرية وبتصرف شاول الأحمق أرهق جيشه فالقرارات السريعة النابعة من قلب غير مستقيم تفقد الإنسان الكثير ويحرم نفسه من عطايا الله والفرص التى يقدمها له الرب.
آية(33) :-
فاخبروا شاول قائلين هوذا الشعب يخطئ الى الرب باكله على الدم فقال قد غدرتم دحرجوا الي الان حجرا كبيرا.
الحجر الكبير: ليذبحوا عليه الحيوانات فتكون الذبائح مرتفعة عن الأرض فيخرج الدم قبلما يأكلون منه. وبالفعل أطاع الشعب.
الآيات (36-46) :-
و قال شاول لننزل وراء الفلسطينيين ليلا و ننهبهم الى ضوء الصباح و لا نبق منهم احدا فقالوا افعل كل ما يحسن في عينيك و قال الكاهن لنتقدم هنا الى الله. فسال شاول الله اانحدر وراء الفلسطينيين اتدفعهم ليد اسرائيل فلم يجبه في ذلك اليوم. فقال شاول تقدموا الى هنا يا جميع وجوه الشعب و اعلموا و انظروا بماذا كانت هذه الخطية اليوم.
لانه حي هو الرب مخلص اسرائيل و لو كانت في يوناثان ابني فانه يموت موتا و لم يكن من يجيبه من كل الشعب. فقال لجميع اسرائيل انتم تكونون في جانب و انا و يوناثان ابني في جانب فقال الشعب لشاول اصنع ما يحسن في عينيك.
و قال شاول للرب اله اسرائيل هب صدقا فاخذ يوناثان و شاول اما الشعب فخرجوا.فقال شاول القوا بيني و بين يوناثان ابني فاخذ يوناثان. فقال شاول ليوناثان اخبرني ماذا فعلت فاخبره يوناثان و قال ذقت ذوقا بطرف النشابة التي بيدي قليل عسل فهانذا اموت.
فقال شاول هكذا يفعل الله و هكذا يزيد انك موتا تموت يا يوناثان. فقال الشعب لشاول ايموت يوناثان الذي صنع هذا الخلاص العظيم في اسرائيل حاشا حي هو الرب لا تسقط شعرة من راسه الى الارض لانه مع الله عمل هذا اليوم فافتدى الشعب يوناثان فلم يمت. فصعد شاول من وراء الفلسطينيين
و ذهب الفلسطينيون الى مكانهم.
فى (36) الكاهن حينما وجده متسرعاً قال لهُ إهدأ ولنسأل الرب وفعل شاول حسناً إذ إستمع. لأن الله لم يجب فى هذا اليوم. ونجد شاول يتسرع مرة ثانية فهو يقسم بقتل الذى أخطأ ووقعت القرعة على يوناثان البطل الذى بإيمانه خلّص الشعب. ولكن الشعب لم يقبل موت يوناثان. ولكن لماذا لم يرد الله؟ هل بسبب خطية يوناثان؟!
1- الله لا يقبل التعدى حتى لو كان من يوناثان البطل المؤمن ولكنه لم يكن يعرف لكن هو خطأ على أى الأحوال ولكن لا يُلام عليه يوناثان بل شاول.
2- الله أراد أن يُظهر لشاول أخطاؤه المتعددة وحرمهُ أن يكمل إنتصاره النهائى على الفلسطينيين فى ذلك اليوم عقاباً لهُ على كل أخطائه.
3- كيف يقبل الله أن يعطى نصرة لجيش كسر الناموس وأكل الدم وتنجسوا.
4- من مراحم الله منعهم من إستكمال الحرب وهم خائرى القوى بعد هذا اليوم المرهق وربما ضربوا بعضهم فى الظلام.
الآيات (47-52) :-
واخذ شاول الملك على اسرائيل و حارب جميع اعدائه حواليه مواب و بني عمون و ادوم و ملوك صوبة والفلسطينيين و حيثما توجه غلب.
وفعل بباس و ضرب عماليق و انقذ اسرائيل من يد ناهبيه. وكان بنو شاول يوناثان و يشوي و ملكيشوع و اسما ابنتيه اسم البكر ميرب و اسم الصغيرة ميكال. و اسم امراة شاول اخينوعم بنت اخيمعص و اسم رئيس جيشه ابينير بن نير عم شاول.
و قيس ابو شاول و نير ابو ابنير ابنا ابيئيل. و كانت حرب شديدة على الفلسطينيين كل ايام شاول و اذا راى شاول رجلا جبارا او ذا باس ضمه الى نفسه.
كما يذكر الكتاب خطايا شاول يذكر بأمانة فضائله فواضح هنا غيرته وشجاعته هو لم يتوقف عن الجهاد وضم كل جبار إلى جيشه. وصار ملكاً مهوباً وأنقذ شعبه من أعدائه.
وأخذ شاول الملك على إسرائيل: أى إستقر ملكهُ بعد هذا الإنتصار وكأنه بالغلبة على الأعداء أعطى له شعبه الولاء. وغالباً كان لشاول زوجة أخرى ربما تزوجها فيما بعد إسمها رصفة (2صم8:21). أو ربما هى سرية وليست زوجة.
+