تفسير الاصحاح الثانى عشر من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
صموئيل يودع الشعب
الآيات (1-5) :-و قال صموئيل لكل اسرائيل هانذا قد سمعت لصوتكم في كل ما قلتم لي و ملكت عليكم ملكا. و الان هوذا الملك يمشي امامكم و اما انا فقد شخت و شبت و هوذا ابنائي معكم و انا قد سرت امامكم منذ صباي الى هذا اليوم.
هانذا فاشهدوا علي قدام الرب و قدام مسيحه ثور من اخذت و حمار من اخذت و من ظلمت و من سحقت و من يد من اخذت فدية لاغضي عيني عنه فارد لكم.فقالوا لم تظلمنا و لا سحقتنا و لا اخذت من يد احد شيئا. فقال لهم شاهد الرب عليكم و شاهد مسيحه اليوم هذا انكم لم تجدوا بيدي شيئا فقالوا شاهد.
هوذا أبنائى معكم = هنا صموئيل يقدم حديثاً وداعياً وصريحاً. يشهد الشعب فيه أمام الله وأمام الملك على أمانته من نحوهم وعدم إستغلاله لهم ولكن لماذا يقول هوذا أبنائى معكم ؟ هذه تشير لواحدة من إثنين :
(أ) أنه عزلهم من مناصبهم كقضاة والأن هم صاروا من الشعب وبلا مناصب قضائية وكونه يقول هذا وهو يتكلم عن نزاهته فهو يشهدهم أنه حَرَم أولاده من مناصبهم بسبب قبولهم للرشاوى.
(ب) إن لم يكن قد حرمهم من قبل فيكون معنى الكلام أن أبنائى الآن بينكم، ولكم ملك أتكلم أمامُه وهم مثلكم خاضعين لسلطان الملك فليحاكمهم فهم مثلكم بلا أى إمتيازات.
وذلك خاصة أنه قال هذا بعد قوله هوذا الملك يمشى أمامكم = أى هو لهُ سلطان عليكم بل لهُ سلطان علىَّ أنا شخصياً إن كنت أخطأت فيحكم علىَّ وإن أخطأ أولادى فليحكم عليهما. فهو أعطى أو هو إعترف بسلطة الملك عليه ليدينه هو شخصياً لو كان قد أخطأ. ولكن لماذا هذا الحديث الأن؟
(أ) هو يتخلى الأن عن دوره السياسى والقيادى لشاول ليتفرغ هو للعمل الدينى والقيادة الروحية.
(ب) هو يعطى درس للملك الجديد فى نزاهة الخدمة. وهو درس لكل خادم أن لا يشتهى أجراً زمنياً فى مقابل خدماته لهم ويصلى لشعبه ويعلمهم ويحتمل ضعفاتهم. فهو لا يدافع عن نفسه فلم يتهمه أحد بشئ إنما قصد تثقيف الملك الجديد ليكون أميناً فى خدمته.
جـ) هو مزمع فى الآيات القادمة أن يوجه إنذاراً للشعب والإنذار لا يقبل إلاّ من إنسان نزيه.
وقولهُ قدّام الرب = فهو يُشهد الرب الذى يفحص الأعماق ويعرف الأفكار الداخلية وقدّام مسيحه = أى ليحكم علىّ الملك إن كنت أخطأت. ثور من. وحمار من = الحمير والثيران هم أثمن ما لدى الفلاح.
الآيات (6-11) :-
و قال صموئيل للشعب الرب الذي اقام موسى و هرون و اصعد اباءكم من ارض مصر.فالان امثلوا فاحاكمكم امام الرب بجميع حقوق الرب التي صنعها معكم و مع ابائكم. لما جاء يعقوب الى مصر و صرخ اباؤكم الى الرب ارسل الرب موسى
و هرون فاخرجا اباءكم من مصر و اسكناهم في هذا المكان. فلما نسوا الرب الههم باعهم ليد سيسرا رئيس جيش حاصور و ليد الفلسطينيين و ليد ملك مواب فحاربوهم.
فصرخوا الى الرب و قالوا اخطانا لاننا تركنا الرب و عبدنا البعليم و العشتاروث فالان انقذنا من يد اعدائنا فنعبدك. فارسل الرب يربعل و بدان و يفتاح و صموئيل و انقذكم من يد اعدائكم الذين حولكم فسكنتم امنين.
صموئيل يذكرهم بمعاملات الله السابقة معهم فهو كان يُرسل لهم دائماً من ينقذهم من أعدائهم فأرسل موسى لينقذهم من مصر. وهكذا وكان متى صلوا وطلبوا الله يرسل لهم منقذاً وما كان الله ليسلمهم لأحد يضربهم إن لم يخطأوا وكان ذلك لتأديبهم.
وخير معين لنا دائماً أن نذكر معاملات الله القديمة معنا وفى (9) باعهم = من يبيع شيئاً لا يعود يهتم به أو يسأل عنهُ ولكن كانت مراحمهُ تتحرك داخلهُ ويعود ويرحمهم. وفى (11) بدان = هو إسم قاضٍ غير مذكور فى سفر القضاة وقد يكون إسم معروف وقتها أو هو إسم شهرة لقاضٍ من سفر القضاة كانوا يستعملونه فى وقت صموئيل وقيل أنه شمشون الذى من سبط دان ويكون بدان أى إبن دان أو الذى من سبط دان.
الآيات (12-16) :-
و لما رايتم ناحاش ملك بني عمون اتيا عليكم قلتم لي لا بل يملك علينا ملك و الرب الهكم ملككم. فالان هوذا الملك الذي اخترتموه الذي طلبتموه و هوذا قد جعل الرب عليكم ملكا. ان اتقيتم الرب و عبدتموه و سمعتم صوته و لم تعصوا قول الرب
و كنتم انتم و الملك ايضا الذي يملك عليكم وراء الرب الهكم. و ان لم تسمعوا صوت الرب بل عصيتم قول الرب تكن يد الرب عليكم كما على ابائكم. فالان امثلوا ايضا
و انظروا هذا الامر العظيم الذي يفعله الرب امام اعينكم.
إذا كان الله لم يُقَّصِر معكم ودائماً كان ينقذكم فلماذا طلبتم ملكاً حينما خفتم من ناحاش، لماذا تجاهلتم أن الرب ملك عليكم.
وكثيراً ما يكرر صموئيل حديثه عن خطأهم فى طلب ملك لكونه خطأ فى حق الله نفسه. ولم يكن صموئيل يقصد عزل الملك بل توضيح أن الله سمح وأقام لهم ملكاً بشروط إن التزموا بها سيبارك الله ملكهم ويباركهم وأن لا يتكئوا على الملك كذراع بشرى بل على الله فالله هو ضابط الكل ولكنه فى محبته ترك لهم حرية الاختيار.
الآيات (17-18) :-
اما هو حصاد الحنطة اليوم فاني ادعو الرب فيعطي رعودا و مطرا فتعلمون و ترون انه عظيم شركم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لانفسكم ملكا. فدعا صموئيل الرب فاعطى رعودا و مطرا في ذلك اليوم و خاف جميع الشعب الرب وصموئيل جدا.
نزول مطر وقت حصاد الحنطة مع رعود أى مطر ثقيل يعتبره معجزة لكنها لتظهر إن الله الملك الذى تركوه لهُ سلطان على الطبيعة، فهل ملكهم شاول الذى إختاروه يملك هذا السلطان، أراد صموئيل أن يثبت لهم أنهم أستبدلوا الله الملك القوى بملك إنسان لا سلطان لهُ على الطبيعة فكيف يحميهم، وأراد أن يفهموا أنهم هم وملكهم عليهم أن يخافوا الله وأنبيائه فصموئيل بدعائه إستجاب الرب ونزل المطر.
الآيات (19-25) :-
و قال جميع الشعب لصموئيل صل عن عبيدك الى الرب الهك حتى لا نموت لاننا قد اضفنا الى جميع خطايانا شرا بطلبنا لانفسنا ملكا. فقال صموئيل للشعب لا تخافوا انكم قد فعلتم كل هذا الشر و لكن لا تحيدوا عن الرب بل اعبدوا الرب بكل قلوبكم.
و لا تحيدوا لان ذلك وراء الاباطيل التي لا تفيد و لا تنقذ لانها باطلة.لانه لا يترك الرب شعبه من اجل اسمه العظيم لانه قد شاء الرب ان يجعلكم له شعبا.
و اما انا فحاشا لي ان اخطئ الى الرب فاكف عن الصلاة من اجلكم بل اعلمكم الطريق الصالح المستقيم. انما اتقوا الرب و اعبدوه بالامانة من كل قلوبكم بل انظروا فعله الذي عظمه معكم. و ان فعلتم شرا فانكم تهلكون انتم و ملككم جميعا.
هنا يفتح لهم باب الرجاء مع إعطاء تحذير للجميع بأن يتبعوا الرب. والله قادر أن يحول كل الأمور للخير كما حوّل عمل إخوة يوسف الأشرار ضده لبركة، وللجميع. فهو قادر أن يكون ملكهم بركة لهم لو إتقوا الله. وفى (23) آيةذهبية لكل خادم فصموئيل إعتبر أنه يخطئ إلى الرب لو كفّ عن الصلاة لأجلهم. فعمل كل خادم هو التعليم والصلاة لأجل رعيته.
+