تفسير الاصحاح الحادى عشر من سفر صموئيل الأول للقس انطونيوس فكرى
محاربة العمونيين . وتجديد الملك لشاول
الآيات (1-4) :-و صعد ناحاش العموني و نزل على يابيش جلعاد فقال جميع اهل يابيش لناحاش اقطع لنا عهدا فنستعبد لك. فقال لهم ناحاش العموني بهذا اقطع لكم بتقوير كل عين يمنى لكم
و جعل ذلك عارا على جميع اسرائيل. فقال له شيوخ يابيش اتركنا سبعة ايام فنرسل رسلا الى جميع تخوم اسرائيل فان لم يوجد من يخلصنا نخرج اليك.
فجاء الرسل الى جبعة شاول و تكلموا بهذا الكلام في اذان الشعب فرفع كل الشعب اصواتهم و بكوا.
يابيش جلعاد: مدينة على جبل جلعاد فى شرق الأردن. وعمون كانوا على حدود رأوبين ومنسى الشرقية. ناحاش: أى حنش أو حية وربما الأسم بسبب تأليههم للحية وفى (2صم 2:10) ذُكِرَ أن ناحاش ملك بنى عمون صنع معروفاً مع داود ولعله إبن ناحاش هذا ويمكن أن يسمى الأب وإبنه بنفس الإسم. ولا مانع أن يكون هو نفسه وقد عاش طويلاً ليعاصر شاول وداود.
وجاء فى الترجمة السبعينية أن هذه الحادثة حدثت بعد شهر من إختيار شاول ملكاً. وربما طلب الشعب أن يملك عليهم ملك بسبب شعورهم بأن ناحاش يُدبّرْ حرباً ضدهم ويؤكد هذا الإحتمال (1صم12:12).
ولقد ظهر من طلب ناحاش للشعب وهو تقوير كل عين يمنى: مدى الإنحطاط والحالة المزرية للشعب وضعفهم وإستهانة أعدائهم بهم. وقدّم ثيودوريت ويوسيفوس تفسيراً لهذا الطلب أن خلع العين اليمنى يعطل الإنسان من أن يكون محارباً. فالمحارب يمسك بالسيف بيده اليمنى والدرع باليسرى والدرع يغطى العين اليسرى ويعطل مجال الرؤيا وبخلع العين اليمنى يكف الإنسان عن أن يكون محارباً فيستسلم تماماً لعدوّه.
والمعنى الرمزى للقصة أن إبليس الحية القديمة ورمزه هنا ناحاش هدفه إستعباد الإنسان تماماً ورمز الإنسان هنا هو شعب الله وذلك بخلع العين اليمنى (رمز البصيرة الروحية التى بها نتطلع للسماويات) وترك العين اليسرى (رمز النظرة العالمية التى نشتهى بها ملذات العالم) لذلك تصوّر الأيقونات القبطية المسيح والقديسيين بعينين واسعتين فالمسيح ينظر لشعبه ويعرف عنهم كل شئ والقديسيين لهم بصيرة روحية أمّا يهوذا فيرسمونه بجنبه كى تظهر عين واحدة لأنه متطلع إلى الفضة لا إلى خلاصه الأبدى. ولاحظ قولَهُ نزل على يابيش جلعاد.
فإبليس لا سلطان لهُ لإستعبادنا ما لم نكن قد نزلنا لمستوى محبة العالم. فهو أولاً يعمى بصيرتنا الروحية بمحاولة أن ننشغل بالزمنيات "أعطيك كل هذه إن خررت وسجدت لى" فلو وافق الإنسان لمحبته للزمنيات ينحط للمستوى الأرضى فينزل عليه إبليس ويستعبده تماماً. أتركنا سبعة أيام: كانت هذه عادة للمحاصرين أن يطلبوا مهلة.
وقد وافق ناحاش فى إستهانة بكل إسرائيل فهو واثق أنه لا يوجد فى كل الأسباط من يقدر أن يخلصهم. ولاحظ أن أهل يابيش جلعاد سبق ووافقوا أن يستعبدوا لناحاش (آية1) ولكنه طلب تقوير العين اليمنى أى هو طلب العبودية الكاملة.
الآيات (5-9) :-
و اذا بشاول ات وراء البقر من الحقل فقال شاول ما بال الشعب يبكون فقصوا عليه كلام اهل يابيش. فحل روح الله على شاول عندما سمع هذا الكلام و حمي غضبه جدا.
فاخذ فدان بقر و قطعه و ارسل الى كل تخوم اسرائيل بيد الرسل قائلا من لا يخرج وراء شاول و وراء صموئيل فهكذا يفعل ببقره فوقع رعب الرب على الشعب فخرجوا كرجل واحد.
و عدهم في بازق فكان بنو اسرائيل ثلاث مئة الف و رجال يهوذا ثلاثين الفا. و قالوا للرسل الذين جاءوا هكذا تقولون لاهل يابيش جلعاد غدا عندما تحمى الشمس يكون لكم خلاص فاتى الرسل و اخبروا اهل يابيش ففرحوا.
حتى هذه اللحظة لم يمارس شاول أى عمل ملوكى خشية حدوث إنقسام وسط الشعب خصوصاً بسبب رفض بعض الناس لهُ (بنى بليعال) أو لشعوره بعدم معرفة واجبه بالضبط وماذا يجب عليه أن يفعله. هو كان منتظراً دعوة من الرب تحدد لهُ العمل المطلوب.
وهناك فارق بين ما صنعه جدعون الذى بوّق فى الأبواق ليدعو الشعب للقتال وهذا بحسب الناموس، وما فعله شاول إذ بإنفعال بشرى مزق بقرة وأرسل قطعها إلى كل الأسباط مهدداً إياهم بضرب ماشية من لا يخرج للحرب وتمزيق البقر هكذا لم يخبر به الناموس لكن يُحسب لشاول أنه لم يتوانى ويؤجل العمل بل كان شجاعاً.
فروح الله الذى حل عليه أعطاه شجاعة وهو لم يتوانى وفى آية(7) وراء شاول وصموئيل صموئيل معلوم أنه رجل الله فقول شاول هذا يثبت أن ملكه من قبل الرب وربما ذهب معهُ صموئيل للحرب. وذكرهُ صموئيل يُحسَبْ أيضاً فهذا معناه أنه يعرف أن الحرب هى لله.
آية(10) :-
و قال اهل يابيش غدا نخرج اليكم فتفعلون بنا حسب كل ما يحسن في اعينكم.
غداً نخرج إليكم = رد أهل يابيش جلعاد فيه حكمة فهم بهذا جعلوا ناحاش يفهم أنهم سوف يسلمون غداً وأنهم فقدوا الأمل فى وجود نجدة. فلم يستعد ناحاش للحرب.
آية(11) :-
بناء على رد أهل يابيش نام ناحاش وجيشه مطمئنين فباغتهم شاول وبهذه النصرة نرى أن الله يحوِّل الشر إلى خير فإن قساوة طلب ناحاش هى التى حركت شاول ليحاربه فغلب.
وعلينا أن نثق أن الله يحوِّل الضيقات إلى خير ولكن لسنا نعلم متى يأتى الخير ونلاحظ أن شاول كان طاقة جبارة وملك بلا عمل وبلا منفعة والتجربة الشديدة أظهرت إمكانياته وطاقاته. فلا نخاف من التجارب فهى تخرج المواهب المدفونة فينا وتظهرها.
آية(13) :-
فقال شاول لا يقتل احد في هذا اليوم لانه في هذا اليوم صنع الرب خلاصا في اسرائيل.
موقف آخر يُحسب لشاول وهو رفضه الإنتقام ممن سبق وأهانوه "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء"
(رو 12 : 19) إذاً لقد نفذ شاول وصية بولس خصوصاً واليوم يوم فرح ولم يُرِدْ أن يُحوّله ليوم إنتقام وحزن.
آية(14) :-
و قال صموئيل للشعب هلموا نذهب الى الجلجال و نجدد هناك المملكة.
بسبب الإنتصار إستحق شاول المنتصر أن يجدد ملكه وكان التجديد دينياً فهم قدّموا ذبائح وصلوات وعم الفرح الجميع.
+