تفسير الاصحاح السابع عشر من سفر ملوك الأول للقس انطونيوس فكرى
إيليا النبى العظيم
آية 1:- وقال ايليا التشبي من مستوطني جلعاد لاخاب حي هو الرب اله اسرائيل الذي وقفت امامه انه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين الا عند قولي.يقول بولس الرسول " ولكن حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جدا رو 20:5"
ولقد كان أخاب وإيزابل ثنائى شرير جدا وأيامهم إزدادات الخطية ولم يبقى الله نفسه بلا شاهد فأرسل إيليا أحد أعظم أنبياء إسرائيل وكان عدد أنبياء وكهنة البعل قد وصل إلى 850 وقصد أخاب وإيزابل قتل أنبياء الرب (مدرسة الأنبياء التى أسسها صموئيل) وإستئصال عبادة يهوة. لذلك إستلزم الأمر قيام نبى قوى مثل إيليا ليقف فى وجه أخاب وإيزابل.
بل إستدعى الأمر حدوث عجائب تشهد للنبى ليسمع له الشعب الذى ضلله ملوكه ولأن الزمن كان زمانا خطيرا إستلزم الأمر وسائل إلهية غير عادية. وكانت صلاة إيليا بوقف المطر هى بحسب مشيئة الرب ولمجازاة الشعب عن خطاياهم. وأيضا لإمتحان البعل ليرى الناس الذين عبدوه هل يقدر البعل أن يرسل المطر فهم يدعون أن البعل هو إله الطبيعة فهل تجيب الطبيعة البعل؟ لقد أعد عدو الخير أخاب وإيزابل ليضل الشعب وأعد الله إيليا الجبار ليرد شعبه.
وإيليا أو إيلياهو معنى إسمه هو إلهى أو إلهى يهوة هو والتشبى هناك من فسرها بأنها تعنى الغريب أو بأنها تعنى المصلح أو الذى يدعو للرجوع لله أو أنه ولد فى تشبه فى نفتالى. والرجوع قد يكون بدرس قاسى مثل منع المطر (مثل الإبن الضال). ونرى شجاعة إيليا فى أنه يذهب أمام أخاب ليخبره بأنه لن يكون هناك مطر سوى عند قوله وهو يعلم أن أخاب يقتل الأنبياء. وكان كلام إيليا للملك على مسمع من الجميع.
الآيات 2،3:- و كان كلام الرب له قائلا. انطلق من هنا واتجه نحو المشرق واختبئ عند نهر كريث الذي هو مقابل الاردن.
وإختبىء عند نهر كريت = لأنه بعد أن ينقطع المطر سيمسكونه وإن لم يأتى بالمطر سيقتلونه. ونهر كريت هو فى شرق الأردن ويصب فى الأردن. وإختباء إيليا كان بسبب أن الله أراد أن يوقف المطر فترة طويلة حتى ينضجوا للتوبة فما معنى أن الله يستجيب فورا دون أن يكون القلب قد تحرك للتوبة ولو ظهر إيليا ربما يتعاطف مع طلبات الناس.
الآيات 4-7:- فتشرب من النهر وقد امرت الغربان ان تعولك هناك. فانطلق و عمل حسب كلام الرب و ذهب فاقام عند نهر كريث الذي هو مقابل الاردن. و كانت الغربان تاتي اليه بخبز و لحم صباحا و بخبز و لحم مساء و كان يشرب من النهر. و كان بعد مدة من الزمان ان النهر يبس لانه لم يكن مطر في الارض.
الغربان= لماذا يختار الله الغراب ليعول إيليا؟ هذا ليظهر عمل الله الإعجازى وأنه قادر أن يخرج من الجافى حلاوة فالغراب مفروض أن يأكل الخبز واللحم ولكنه ها هو لا يأكل منهم ولا يطعم صغاره منهم بل يأتى بهم لإيليا بل وفى الميعاد صباحا ومساء.
إن أنبياء إيزابل جاعوا أما نبى الله ياكل خبز ولحم.
الآيات 8،9:- و كان له كلام الرب قائلا. قم اذهب الى صرفة التي لصيدون واقم هناك هوذا قد امرت هناك امراة ارملة ان تعولك.
صرفة التى لصيدون = أظهر النبى طاعته وإيمانه بذهابه إلى هذا المكان الذى يعبدون فيه البعل وكان هناك إحتمال كبير إما أن يقتلوه أو يسلمونه لأخاب ونجد هنا أمر عجيب آخر أن أرملة غريبة ومن شعب غريب هى التى تعوله وتقبله فى بيتها.
والمسيح أشار لهذه الأرملة، أرملة صرفة صيدا لإعلان رحمته على الأمم ولماذا صيدون بالذات؟ لأن صيدون هى بلد إيزابل. فالله الذى جعل الغراب يأتى بالطعام لإيليا عكس الطبيعة هو قادر أن يحمى إيليا فى بلد إعدائه وهو قادر أن يحمى أولاده حتى فى أوكار أعدائهم. والله لم يستخدم نهر الأردن ليعوله بل نهر صغير بل سيجف بعد حين وهو نهر كريت.
وإستخدم غربان لتطعمه وأرملة لتعوله فهو قادر أن يستخدم أصغر الأشياء لخدمة أولاده بل لنرى ماذا كان أكل إيليا خبزولحم وهو أكل الأغنياء فالله يعول أولاده بأحسن الأشياء.
الآيات 10-16:- فقام وذهب الى صرفة وجاء الى باب المدينة واذا بامراة ارملة هناك تقش عيدانا فناداها وقال هاتي لي قليل ماء في اناء فاشرب. وفيما هي ذاهبة لتاتي به ناداها وقال هاتي لي كسرة خبز في يدك. فقالت حي هو الرب الهك انه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز وهانذا اقش عودين لاتي واعمله لي ولابني لناكله ثم نموت.
فقال لها ايليا لا تخافي ادخلي واعملي كقولك ولكن اعملي لي منها كعكة صغيرة اولا واخرجي بها الي ثم اعملي لك ولابنك اخيرا.
لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل ان كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص الى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا على وجه الارض. فذهبت وفعلت حسب قول ايليا واكلت هي وهو وبيتها اياما. كوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد ايليا.
كان الماء موجودا فى صرفة لأنهم يحفرون فيجدون الماء إلا أنه يكون مالحا بعض الشىء لكن أن يطلب الخبز فهذا هو الصعب وقالت المرأة حى هو الرب إلهك = وهذا لأن الوثنيين يعتقدون أن لكل واحد إلهه وهى عرفت من هيئته أنه يهودى ليست عندى كعكة = أى أصغر قطعة من الخبز.
ونلاحظ أن هذه الأرملة لم تتذمر على الله الذى أوقف المطر بل هى تجمع أخر العيدان لصنع خبزة وتموت دون شكوى. وحينما سألها إيليا على الماء لم تعترض لأنه إسرائيلى أو أن الماء نادر ولم تسأله وما المقابل لما آتيك به من الماء. هى حقا إمرأة عظيمة آمنت وصدقت كلمات الله على فم نبيه.
الآيات 17-24:- وبعد هذه الامور مرض ابن المراة صاحبة البيت واشتد مرضه جدا حتى لم تبق فيه نسمة. فقالت لايليا ما لي ولك يا رجل الله هل جئت الي لتذكير اثمي واماتة ابني. فقال لها اعطيني ابنك واخذه من حضنها وصعد به الى العلية التي كان مقيما بها واضجعه على سريره.
وصرخ الى الرب وقال ايها الرب الهي اايضا الى الارملة التي انا نازل عندها قد اسات باماتتك ابنها. فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرخ الى الرب وقال يا رب الهي لترجع نفس هذا الولد الى جوفه.
فسمع الرب لصوت ايليا فرجعت نفس الولد الى جوفه فعاش. فاخذ ايليا الولد ونزل به من العلية الى البيت ودفعه لامه وقال ايليا انظري ابنك حي. فقالت المراة لايليا هذا الوقت علمت انك رجل الله وان كلام الرب في فمك حق.
لاحظ أن حينما مات ولدها غضبت ولكن غضبها كان مقدسا فنجدها فى كلامها تعترف بخطاياها = هل جئت إلى لتذكير إثمى وإماتة إبنى = كأنها تقول لإيليا أنت بقداستك عاقبت إسرائيل بمنع المطر وها أنت تأتى إلى وتعاقبنى على خطاياى وتذكرنى بها بأن يموت إبنى. وإيليا لم يسبق ويرى أو سمع أن أحدا قام من الموت لكن ما فعله كان بوحى من الروح القدس.
العلية = وجود علية فى بيتها ومكان مخصص للنبى يدل على أنها كانت متيسرة لكنها إفتقرت فى زمان القحط وكان موت إبنها وما حدث لها سببا لإيمانها. كلام الله فى فمك حق = هذا معناه أنها آمنت بالله وكان موت إبنها فائدة لها فهى تذكرت خطاياها السابقة وقدمت عنها توبة وبذلك كان إيمانها كاملا.
(وغالبا كانت خطاياها هذه سرية.. وها هى تعترف بها لتغفر) وقيام إبنها من الموت كان دليلا لهاأن إيليا هو رجل الله حقا إن الله سمح بهذه التجربة 1) لتوبتها 2) لتثبيت إيمانها بالرب
ونلاحظ الآتى فى حياة إيليا :-
1. آية 1:- حى هو الرب الذى وقفت أمامه:- هو يشعر أنه واقف أمام الرب دائما.
2. آية 3:- إنطلاقه لنهر كريت :- هى فرصة خلوة يتأمل فيها عناية ورعاية الله لأولاده وهذه هى أهمية صلاة المخدع. هناك نختبر أن الله قادر أن يجعل ما ليس له نفع كالغربان شىء نافع عموما كانت خلوته هذه مهمة إستعدادا للمهمة العظيمة القادمة.
3. آية 5:- فإنطلق وعمل حسب كلام الله :- هذه الطاعة الكاملة لله فى أن يذهب إلى نهر هو يعلم أنه سيجف ثم يذهب لأرملة فى صيدا وهى وثنية يعلم أنها يمكن أن تخبر عنه. هذه الطاعة كانت هى التى أعطته الفرصة ليختبر الله فلو جادل أو إمتنع لما رأى يد الله التى تقيم من الأموات ولما رأى الزيت والدقيق لا ينقصان ولما آمنت على يده أرملة صرفة صيدا. طاعة الله هى الوسيلة الوحيدة لنرى يده ونختبر أعماله ومحبته وقوته.
4. آية 13:- إعملى لى كعكة أولا :- تشير لدرس يعطيه إيليا للأرملة. أن الله أولا وإيليا هنا يمثل الله وحين نجعل الله أولا تأتى البركة هكذا فى عشورنا وبكورنا، لنخرجها للرب فيبارك الرب فى الباقى.
5. آية 21:- فتمدد على الولد:- ربما هى نوع من التدفئة للجسد البارد ولكنها هى صورة لما يعمله الروح القدس حين يرفرف ويظلل ليعطى حياة تك 2:1. فالله يستخدم فى المعجزات عصا موسى وعظام إليشع وظل بطرس ومناديل بولس وهنا يستخدم جسد إيليا.
6. آية 1:- إلا عند قولى :- نلاحظ هنا شجاعة إيليا فى وقوفه ضد الملك ونلاحظ قوة الصلاة فبصلاته تقف الأمطار وبصلاته تأتى الأمطار يع 18،17:5. ولقد كان التهديد بمنع الأمطار سبق وأخبر به موسى من قبل تث 17،16:11.
7. إيليا لم يكتب كلمة واحدة ولا نبوة واحدة ولكن بريق هذا النبى يتضح لمعانه فى العهد القديم أكثر كثيرا من الذين كتبوا النبوات. هذا النبى الجبار نال كرامة الظهور على جبل التجلى وكرامة إنتقاله حيا فى مركبة نارية.
8. أجمعت التفسيرات تقريبا أن إيليا هو أحد النبيين اللذين سيظهران فى أيام ضد المسيح رؤ 3:11. فهما لها سلطان أن تخرج نار وتؤذى أعدائهما (2 مل 10:1) ويغلقا السماء فلا تمطر (1 مل 1:17) خصوصاً أن إيليا لم يمت بل إختطف للسماء ويسبق مجىء المسيح (ملا 5:4).
+