تفسير الاصحاح الثالث عشر من سفر ملوك الأول للقس انطونيوس فكرى
إصابة يربعام وإصراره علي الشر
هذا الإصحاح هو إصحاح مخالفات كل البشر لأقوال الله. فالملك والشعب والنبى ومن إدعى النبوة كل هؤلاء لم يطيعوا الله، لم يطيع الله هنا سوى الحيوان، فنجد أسدا هو الذى أطاع.
الآيات 1-10:- واذا برجل الله قد اتى من يهوذا بكلام الرب الى بيت ايل ويربعام واقف لدى المذبح لكي يوقد فنادى نحو المذبح بكلام الرب وقال يا مذبح يا مذبح هكذا قال الرب هوذا سيولد لبيت داود ابن اسمه يوشيا ويذبح عليك كهنة المرتفعات الذين يوقدون عليك وتحرق عليك عظام الناس.
واعطى في ذلك اليوم علامة قائلا هذه هي العلامة التي تكلم بها الرب هوذا المذبح ينشق ويذرى الرماد الذي عليه. فلما سمع الملك كلام رجل الله الذي نادى نحو المذبح في بيت ايل مد يربعام يده عن المذبح قائلا امسكوه فيبست يده التي مدها نحوه ولم يستطع ان يردها اليه. وانشق المذبح وذري الرماد من على المذبح حسب العلامة التي اعطاها رجل الله بكلام الرب.
فاجاب الملك وقال لرجل الله تضرع الى وجه الرب الهك وصل من اجلي فترجع يدي الي فتضرع رجل الله الى وجه الرب فرجعت يد الملك اليه وكانت كما في الاول. ثم قال الملك لرجل الله ادخل معي الى البيت وتقوت فاعطيك اجرة.
فقال رجل الله للملك لو اعطيتني نصف بيتك لا ادخل معك ولا اكل خبزا ولا اشرب ماء في هذا الموضع لاني هكذا اوصيت بكلام الرب قائلا لا تاكل خبزا ولا تشرب ماء ولا ترجع في الطريق الذي ذهبت فيه. فذهب في طريق اخر ولم يرجع في الطريق الذي جاء فيه الى بيت ايل.
إسم رجل الله مجهول لأنه خالف وصية الله بعد ذلك وكان من يهوذا وهذا ليلفت نظر شعب إسرائيل إلى أنهم تركوا العبادة الحقيقية فى أورشليم. ونادى نحو المذبح لأن البشر الواقفين حول المذبح كانوا قد قسوا قلوبهم ولا يريدون أن يسمعوا.
إسمه يوشيا = هى بنوة عجيبة فيوشيا جاء بعد 350 سنة تقريبا ولكنها تشبه نبوة كورش أش 28:44.
ونجد تتميم النبوة فى (2 مل 15:23-20) ولأن تتميم النبوة كان بعيدا أعطى علامة أن المذبح سينشق وذلك ليفهموا أن المذبح وكهنته نجسون فى نظر الرب ولذلك سيقدمهم يوشيا ذبائح على هذا المذبح. وفى (4) مد يربعام يده = قاصدا قتله قطعا فيبست يد الملك والله له طرق كثيرة بها يوقف أعداء كنيسته. والملك خاف وقتيا ولكن قلبه كان قاسيا مثل قلب فرعون.
وهو أراد إكرام البنى ليظهر أمام الشعب أنه على وفاق مع النبى الذى صنع أعجوبة أمامهم لكن رفض النبى عروض الملك ليظهر أنه لا يتفق معه فى أفعاله. ولاحظ أن الملك حارب النبى بطريقتين 1) محاولة قتله 2) محاولة إغرائه بالمال = أعطيك أجرة وفى (10) ذهب فى طريق آخر = حتى لا يعرفه أحد ممن رأوا المعجزة فيدعوه لبيته لشرح ما حدث ولاحظ قسوة قلب الملك فى (6) بقوله الرب إلهك وكان يربعام مثل فرعون فكلاهما شعرا بقوة الله وطلبا رفع الضربة لكنهم لم يقدموا توبة حقيقية بل مظهرية مكتفين برفع اثار الضربة لأنهم سعداء قلبيا بالخطية.
لذلك فإن يربعام لم يتب لا بالإنذار ولا بالضربة ولا بمراحم الله التى ظهرت فى شفاء يده لكن أمين هو الرب الذى لا يضرب قبل أن ينذر.
الآيات 11-22:- وكان نبي شيخ ساكنا في بيت ايل فاتى بنوه وقصوا عليه كل العمل الذي عمله رجل الله ذلك اليوم في بيت ايل وقصوا على ابيهم الكلام الذي تكلم به الى الملك. فقال لهم ابوهم من اي طريق ذهب وكان بنوه قد راوا الطريق الذي سار فيه رجل الله الذي جاء من يهوذا. فقال لبنيه شدوا لي على الحمار فشدوا له على الحمار فركب عليه.
وسار وراء رجل الله فوجده جالسا تحت البلوطة فقال له اانت رجل الله الذي جاء من يهوذا فقال انا هو. فقال له سر معي الى البيت وكل خبزا. فقال لا اقدر ان ارجع معك ولا ادخل معك ولا اكل خبزا ولا اشرب معك ماء في هذا الموضع. لانه قيل لي بكلام الرب لا تاكل خبزا ولا تشرب هناك ماء ولا ترجع سائرا في الطريق الذي ذهبت فيه.
فقال له انا ايضا نبي مثلك وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلا ارجع به معك الى بيتك فياكل خبزا ويشرب ماء كذب عليه. فرجع معه واكل خبزا في بيته وشرب ماء وبينما هما جالسان على المائدة كان كلام الرب الى النبي الذي ارجعه.
فصاح الى رجل الله الذي جاء من يهوذا قائلا هكذا قال الرب من اجل انك خالفت قول الرب ولم تحفظ الوصية التي اوصاك بها الرب الهك. فرجعت واكلت خبزا وشربت ماء في الموضع الذي قال لك لا تاكل فيه خبزا ولا تشرب ماء لا تدخل جثتك قبر ابائك.
هو نبى كاذب أراد إظهار صداقته لرجل الله الحقيقى ليكون له نفوذ عند الملك وعند الشعب وغالباً هو من مدرسة صموئيل للأنبياء لكن العالم جرفه. ورجوع رجل الله كان خطأ منه لأنه صدق النبى الكاذب فالله لا يتغير ولا يبدل كلامه فلا يقول شىء له وشىء مخالف للنبى الكاذب ولاشك أنه كان جائعا وعطشانا فمال إلى تصديق النبى الكاذب وهذا عكس ما فعله المسيح وهو جائع حينما جرب من إبليس.
فصاح إلى رجل الله آية (21) صاح النبى الكاذب فى وجه رجل الله وعجيب أن يستخدم الله نبيا كاذبا ليصل صوته لرجله الذى خالفه ولكنه هو إستحق هذا ولقد سبق الله وإستخدم حماراً مع بلعام الشرير. ثم إستخدم بلعام الشرير فى النطق بنبوات عجيبة. والنبى الكاذب من المؤكد أنه إرتعب بعد ما حدث فإن كان هذا حكم الله على الغصن الأخضر فكم سيكون حكمة على الغصن اليابس أى هو نفسه، لقد شعر بفداحة خطيته التى صنعها وشعر بما سيحدث له هو أيضا نتيجة لكذبه. لا تدخل جثتك قبر أبائك أى يموت موتا غير طبيعيا ولا يدفن دفن عادى وذلك عصيبة عند القدماء,
الآيات 23-34:- ثم بعدما اكل خبزا وبعد ان شرب شد له على الحمار اي للنبي الذي ارجعه. وانطلق فصادفه اسد في الطريق وقتله وكانت جثته مطروحة في الطريق والحمار واقف بجانبها والاسد واقف بجانب الجثة.
واذا بقوم يعبرون فراوا الجثة مطروحة في الطريق والاسد واقف بجانب الجثة فاتوا واخبروا في المدينة التي كان النبي الشيخ ساكنا بها.
ولما سمع النبي الذي ارجعه عن الطريق قال هو رجل الله الذي خالف قول الرب فدفعه الرب للاسد فافترسه وقتله حسب كلام الرب الذي كلمه به.
وكلم بنيه قائلا شدوا لي على الحمار فشدوا. فذهب ووجد جثته مطروحة في الطريق والحمار والاسد واقفين بجانب الجثة ولم ياكل الاسد الجثة ولا افترس الحمار. فرفع النبي جثة رجل الله ووضعها على الحمار ورجع بها ودخل النبي الشيخ المدينة ليندبه ويدفنه.
فوضع جثته في قبره وناحوا عليه قائلين اه يا اخي. وبعد دفنه اياه كلم بنيه قائلا عند وفاتي ادفنوني في القبر الذي دفن فيه رجل الله بجانب- لانه تماما سيتم الكلام الذي نادى به بكلام الرب نحو المذبح الذي في بيت ايل ونحو جميع بيوت المرتفعات التي في مدن السامرة. بعد هذا الامر لم يرجع يربعام عن طريقه الردية بل عاد فعمل من اطراف الشعب كهنة مرتفعات من شاء ملا يده فصار من كهنة المرتفعات. وكان من هذا الامر خطية لبيت يربعام وكان لابادته وخرابه عن وجه الارض.
واضح أن عمل الأسد غير طبيعى فهو لم يأكل جثة النبى ولا إفترس الحمار فهو هنا ينفذ إرادة الله فقط. ولقد ظهر هذا أمام الناس وشعروا بيد الله الثقيلة على كل من يخالفه. وكانت مخالفة النبى القتيل أنه برجوعه نقض ما كان قد قاله أولا. وطلب النبى الكاذب أن يدفن مع جثة النبى الحقيقى هذا ليحصل على بركة منه وإعلانا أنه صدق أنه رجل الله وصدق أن كل ما قاله لابد وسيتم بل أن كلامه هذا يدل على ندمه وتوبته على كذبته.
وفى (32) مدن السامرة = من المؤكد أن النبى لم يقل السامرة بل قال مدن إسرائيل ففى وقته لم تكن السامرة قد صارت عاصمة لإسرائيل بعد. ولكن كاتب سفر الملوك أطلق الإسم المعروف وقت الكتابة. فالسامرة بنيت بعد يربعام (24:16) ونحو جميع بيوت المرتفعات = واضح أن المرتفعات إنتشرت وأن هذا النبى الشيخ فهم أن وجودها خطأ منهم. رسالة رجل الله بأن العبادة الحقيقية يجب أن تكون فى أورشليم.
وفى (33) من شاء ملأ يده = وفى 2 أى 9:13. كل من أتى بثور وسبعة كباش يعطيها للملك يجعله كاهنا وكلمة ملأ يده تعنى تكريس للكهنوت كان لإبادته = أى كانت هذه الخطية سببا لهلاكه ولكن رحيم هو الله فى طرقه فهو لا يهلك دون سابق إنذار.
وعجيب الله فى طرقه فهو يعاقب رجله الخاطىء ويترك يربعام والنبى الكاذب فمن يعرف أكثر يدان أكثر بل كانت ضربة رجل الله إنذار آخر للجميع أن الله لا يترك أى مخالفة. ولكن هل هلك رجل الله هلاك أبدى؟ نقول غالباً لا يمكن أن يهلك فالله لن ينسى شجاعته ووقوفه فى وجه الملك.
بل هو حذره وهو عرف أنه سيموت وكانت عقوبته هذه الميتة الصعبة بواسطة الأسد بل كانت المدة من إنذار الله له حتى موته فترة توبة ورجوع لله لكن العقوبة لابد وأن تتم ولابد أن يتمجد الله فى دينونة الخطية ومن المؤكد هلاك يربعام ومن سار فى طريقه فالعقوبة تبدأ من بيت الله وتمتد للآخرين 1 بط 17:4-19.
+