بقلم \ ميادة العفيفى
يوما بعد يوم يتصاعد فى الولايات المتحدة نقاش وطنى جاد، يطالب بعزل الرئيس الأمريكى باراك اوباما من منصبه، ووسط حالة من الغضب الصاخب من قطاع عريض من الأمريكيين تجاه سياسات وأداء الرئيس الأمريكى
وتراكمه، يصدر كتاب جديد، فى توقيت له مغزى كبير، فوفقا لتصريحات مؤلفى الكتاب، فإن المقصود من صدوره هذه الأيام تحديدا، هو أن يقدم لنواب الكونجرس الأمريكي، مع عودتهم من عطلتهم الصيفية هذا الشهر،
قائمة بأبرز الاتهامات التى بموجبها يجب سحب الثقة من الرئيس الأمريكي، الكتاب الأعلى مبيعا فى الولايات المتحدة هذه الأيام، قال عنه النقاد إنه ببساطة، مخطط قانونى يسهل على الكونجرس صياغة مواد الإقالة،
ففى كتاب "الاتهامات: قضية عزل اوباما من منصبه" معلومات موثقة عن ما يعتبره المؤلفان، انتهاكات جسيمة للدستور الأمريكى الذى اقسم اوباما على حمايته والدفاع عنه، وإساءة
لاستخدام السلطة، والأهم هو انه عرض أمن الشعب الأمريكى للخطر وفرض أجندته الراديكالية، عندما فتح لجماعة الإخوان المسلمين أبواب البيت الأبيض، وسهل لهم مهمة الاستيلاء على
السلطة فى منطقة الشرق الأوسط الجديد، خاصة مصر، أيضا يرصد الكتاب فضائح يؤكد المؤلفان أنها تتجاوز إيران - كونترا جيت. إنها بالأحرى، الإخوان - جيت وبنغازى - جيت وفضائح أخرى يوثقها الكتاب.
لقى الكتاب حتى قبل صدوره، فى 28 أغسطس الماضي، إقبالا غير مسبوق، ويكفى القول إنه اليوم يقدم فى طبعته الثامنة، فسرعان ما احتل قائمة اعلى الكتب مبيعا، وأفضل كتب صيف 2013 بلا منازع،
الكتاب من تأليف الصحفى الاستقصائى آرون كلاين وبمشاركة المؤرخة والمدونة الأمريكية الشهيرة بريندا إليوت، وكلاهما قد صنف من قبل نيويورك تايمز بأنهما من اعلى الكتاب مبيعا، وكتاب
"الاتهامات: قضية عزل اوباما من منصبه" يرقى لان يكون مشروع خام من مواد الاتهام ضد الرئيس الأمريكي، كتب بأسلوب صحفى يوثق الأدلة حول إضرار اوباما بالأمن القومى وتعريضه المجتمع الأمريكى للخطر.
وسط لائحة طويلة من الاتهامات نركز هنا على الاتهام الأكبر، حول علاقة الرئيس الأمريكى بجماعة الإخوان المسلمين وما يصفه المؤلفان من إهداره لعلاقات الشراكة مع ابرز حلفاء أمريكا فى
المنطقة وهى مصر، ومساهمته فى نشر مخاطر الأصولية الإسلامية، مع تورطه فى مقتل السفير الأمريكى فى بنغازى فى 11 - 9 من العام الماضي، سواء من خلال تسهيله لحصول المتطرفين الإسلاميين على
الأسلحة فى ليبيا، وهو ما يسميه الكتاب "مخطط تسليح المتمردين الجهاديين فى بنغازي"، أو من خلال تجاهله لتقارير استخباراتية أمريكية كانت تؤكد وجود مخطط لقتل السفير الامريكى فى بنغازى.
وفى جانب آخر، يوثق الكتاب الاتهام حول تسليح الولايات المتحدة بشكل سرى للمتمردين فى سوريا التابعين لتنظيم القاعدة من خلال تركيا وقطر.
أما فى الجزء الخاص بعلاقة اوباما بجماعة الإخوان، وكيف سمح لهم اوباما بالتسلل إلى البيت الأبيض ودعمهم للاستيلاء على السلطة فى الشرق الأوسط، يركز المؤلفان على عدد من الشخصيات المنتمية
إلى جماعة الإخوان، الذين سمحت لهم إدارة اوباما بدخول وكالات حكومية مهمة، ومرتبطة بالأمن القومى الأمريكي، مما يجعلهم مؤثرين على سياسات الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب، حيث
يشير الكتاب إلى تعريض المعلومات المتعلقة بالأمن القومى للتسريب من خلال ما اسماهم المؤلفان "أعداء أمريكا"، ويركز بصفة خاصة على هوما عابدين، مساعدة وزيرة الخارجية السابقة هيلارى
كلينتون، التى ثبت أن لها علاقات عميقة مع المتطرفين الإسلاميين ومنظمات إرهابية، مرتبطة بجماعة الإخوان، ومتهمة بتمويل جهات تابعة لتنظيم القاعدة فى عدد من الدول العربية منها مصر وليبيا وسوريا.
ويحذر المؤلفان من أن هناك العديد من فصائل جماعة الإخوان وفروعها المنتشرة فى الولايات المتحدة، والممولة من بعض دول الخليج، هذه الفصائل التى أسست العديد من الجمعيات والمؤسسات فى قلب الولايات
المتحدة، تسعى للنفوذ من خلال الضغط على بعض أعضاء الكونجرس، وأيضا من خلال التسلل إلى المنظمات التى تساند القضية الفلسطينية، وإلى شخصيات بارزة فى الإدارة الأمريكية الحالية، فعلى سبيل المثال، يقدم
الكتاب كيف توطدت علاقة أعضاء من الإخوان، بمدير وكالة المخابرات المركزية الحالي، جون برينان، وكيف أن هذه العلاقات أثرت على صياغة معايير سياسية جديدة فى مجال مكافحة الإرهاب، والتدابير الأمنية
الخاصة بالتعامل مع الجماعات الإرهابية، ويرصد المؤلفان فى هذه النقطة تحديدا أن بعض خطابات برينان الخاصة بالإرهاب، ومنها خطاب قدمه فى جامعة نيويورك عام 2010 (قبل أن يتولى منصبه) تحدث فيه حول معايير
جديدة للتعامل مع الجماعات الإسلامية فى الولايات المتحدة وخارجها، كان قد كتبه أشخاص تابعون لجماعة الإخوان ولديهم روابط وثيقة مع جبهات إسلامية أخرى متطرفة وأيضا مع البيت الأبيض ووكالات الأمن القومى الأمريكي.
يركز الكتاب فى هذا السياق على ارتباط برينان والأجهزة الأمنية بالجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية أو ISNA، وهى الجمعية التى تأسست فى أمريكا عام 1981، وخرجت من عباءة رابطة الطلبة المسلمين، وهى الرابطة التى أسستها جماعة الإخوان، وتعمل الجمعية الإسلامية على الترويج إلى تطبيق نظام إسلامى متطرف، عبر مساجد الولايات المتحدة.
ويصف الباحث فى الشئون الإسلامية ستيفن شوارتز تلك الجمعية بأنها، واحدة من القنوات الرئيسية التى من خلالها يمرر نموذج متطرف من الإسلام إلى الولايات المتحدة وتمول الترويج لهذا
النموذج فى عدد من البلدان العربية، فى حين يكتب المؤلفان على لسان خبير الإرهاب ستيفن ايمرسون، فإن الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية "هى جماعة متطرفة تختبئ تحت قشرة كاذبة من
الإسلام المعتدل". ويروى المؤلفان أن برينان ليس وحده فى إدارة اوباما الذى تربطه علاقات وثيقة مع الجمعية الإسلامية، ففى مايو 2011، تم رصد وجود علاقة ما بين من كان آنذاك نائب مستشار
أوباما للأمن القومى، دينيس ماكدونو، والجمعية وعمل على التنسيق بين إدارة اوباما والجمعية على ما سمى بمبادرة البيت الأبيض للتواصل مع المسلمين، ماكدونو هو حاليا كبير موظفى أوباما فى البيت الأبيض.
فى واحدة أخرى من عشرات الأمثلة التى ورد ذكرها فى "جرائم موجبة للعزل" فى يوليو 2011 شارك مستشار إيمان أوباما، إيبو باتيل وتحدث فى مؤتمر لمدة ثلاثة أيام نظمته جمعية الطلاب المسلمين التابعة لجماعة الإخوان.
ظهر باتيل فى احدى جلسات المؤتمر جنبا إلى جنب مع طارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان، وسراج وهاج، الذى كان متهما بأنه احد المحرضين على تفجير مركز التجارة العالمى عام 1993. وكان وهاج قد دافع عن المتآمرين عن التفجير المدانين وحث فى العديد من خطبه على ضرورة أن يعمل الإسلاميون على حكم أمريكا فى نهاية المطاف.
بدأت علاقة الجمعية الإسلامية مع البيت الأبيض حتى قبل تولى أوباما منصبه فى عام 2009، كما يوثق الكتاب، فقبل أسبوع واحد قبل تنصيب أوباما، كان سيد سعيد، مدير مكتب الجمعية الإسلامية والمنسق العالم لما يعرف
بالائتلافات المجتمعية والحوار بين الأديان، جزءا من الوفد الذى اجتمع مع مدراء فريق أوباما الانتقالى.وناقش الوفد طلبات من قبل تلك الائتلافات لإيقاف الملاحقات الأمنية لبعض رموز الجماعات الإسلامية فى الولايات المتحدة.
كما مثلت رئيسة الجمعية الإسلامية إنغريد ماتسون المسلمين الأمريكيين فى حفل تنصيب أوباما فى يونيو 2009، دعت كبير مساعدى أوباما، فاليرى جاريت، ماتسون للعمل فى مجلس البيت الأبيض للنساء والفتيات، الذى تقوده جاريت.
فى يوليو من هذا العام، قامت وزارة العدل برعاية كشك المعلومات الخاص بها فى معرض أقامته الجمعية الإسلامية فى واشنطن، أيضا فى هذا الشهر وجهت جاريت كلمة فى المؤتمر السنوى الـ46 للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. ووفقا للبيت الأبيض، فقد حضرت جاريت كجزء من سياسة أوباما للتواصل مع المسلمين.
من بين الشخصيات الإخوانية الأخرى التى يرصد الكتاب ارتباطها بإدارة اوباما، محمد الإبياري، هذه الشخصية المثيرة للكثير من الجدل داخل واشنطن، هو حاليا عضو فى إدارة المجلس الاستشارى الأمن الوطنى الأمريكي، والابيارى كان قد أعلن انه
مؤيد للرئيس المصرى المعزول محمد مرسي، وهو أيضا الرئيس والمدير التنفيذى لمؤسسة الحرية والعدالة، فى ولاية تكساس والتى طالبت مصلحة الضرائب الأمريكية بإيقافها فى مايو 2010 لعدم تقديمها ما يثبت مصادر تمويلها، ولكنها مع هذا ما زالت تعمل!
وفقا للكتاب فإن، الابيارى من رموز الإخوان الذين يقدسون آراء سيد قطب وآية الله خوميني، وأمام نيويورك الراديكالى سراج وهاج، وقد أكدت نظريات المؤامرة، انه يدعم الأفراد والمنظمات ذات
الصلة بالإرهاب وسبق وأن اتهم الحكومة الأمريكية بأنها تشن حربل ضد الإسلام، وهو يعتبر سيد قطب، والد الثورة الإسلامية "الإرهابية" الحديثة، ووفقا للكتاب فإن أسامة بن لادن والجماعات
الإرهابية فى جميع أنحاء العالم تعتمد على قطب فى فتاواهم وأيديولوجيتهم، وقد ثبت أيضا أن الابيارى مرتبطة بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، الذى أسسه بشكل أساسى جماعة الإخوان، وتدعمه حماس.
الواقع أن هذا العنصر تحديدا من قائمة الاتهامات التى يرصدها المؤلف تستحق فى حد ذاتها للعديد من الكتب المتخصصة، وهو يطرح الكثير من الأسئلة دون أن يقدم إجابة شافية لها، ولا ننسى انه فى النهاية
يرقب تلك العلاقة "الشائنة" فقط من زاوية تأثيرها على الأمن القومى الأمريكي، لكنه لا يقدم إجابة شافية عن تساؤل سيظل على الأرجح بلا إجابة قريبة، ترى ما هى تحديدا الفوائد التى كانت ستعود على
الولايات المتحدة من "دفعها" للإرهاب بعيدا عن أراضيها نحو العالم العربي، الإجابة ليست فى الكثير من التكهنات التى نطالعها كل يوم، إنها فى تفاصيل تلك الصفقة نفسها والتى من غير المتوقع أن نعرفها قريبا.