خالد منتصر - الوطن
| 19 يناير 2025قانون موت الشاعر .. بقلم خالد منتصر
بقلم خالد منتصروأنا أعيد ترتيب مكتبتي وقع في يدي العدد الأول من مجلة أدب ونقد بتاريخ يناير 1984، مجلة نقدية أضافت للحياة الثقافية المصرية والعربية الكثير، برغم أنها تصدر بإمكانيات ضعيفة وتمويل شحيح، فإنّ حماس الكتيبة التي تتولى التحرير والإخراج جعل منها قلبا نابضا حتى اليوم، ونافذة إبداع يطل منها المبدعون الشباب دوما.
العدد الأول كان عددا قويا وممتعا تحت رئاسة تحرير د. الطاهر مكي، ضم العدد أقلاما لنجوم إبداع كثيرين، منهم يوسف إدريس والبردوني وفخري لبيب ولطيفة الزيات وحمدي السكوت وفؤاد دوارة وعز الدين نجيب، وغيرهم من العمالقة، أختار للقراء اليوم جزءا من مقال ليوسف إدريس في رثاء أمل دنقل، يقول إدريس:
منذ أن مات نجيب ويحيى وصلاح وأمل.. منذ أن مات المتنبي وأبوالعلا.. منذ أن مات الحلاج وهيمنجواي وجاليليو وتشي جيفارا وأنا أتساءل: لماذا يموت الشاعر؟ هل يموت لأن القبح يسود والجمال يتقلص؟ هل هو ينتحر بالإرادة لأنه يئس من العالم؟ هل يموت من فرط حبه للمغامرة وعشقه للخطأ والخطر؟.. هل يموت مهموما لأن الألم في الدنيا أكثر؟
وهل يموت ليقول للعالم كلمة عجز عن قولها بحياته.. أم لأن من يخونونه ويرهبونه ويأكلونه حيا بعد أن عجزوا عن قهر نتاجه.. أم أن موت الشاعر حدث مثل غيره من أحداث الحياة لا معنى له بالمرة.. عبثا يولد الشاعر وعبثا يقول وعبثا يموت.
أم أن موت الشاعر لأنه لم يعد يتلقى من الناس حبا مخفوقا بالحسد والكراهية من حوله غريب الدار في داره بلا وطن وهو في وطنه.. أبدا لا يموت الشاعر لأنه أصبح الأضعف أمام أعدائه المزيفين.. وما قتل الزيف أبدا حقيقة.. أبدا لا يموت الشاعر من كثرة الخناجر، فخناجر أعداء الشاعر مبارد تشحذ نصله وأبدا لا تكسره.
ولا السرطان يقتل الشاعر فالسرطان حياة مغلوطة تقضي فقط على حياة مغلوطة.. أما الحياة.. حياة الشاعر فلن تقضي عليها أبدا أي حياة حتى ولو كانت مغلوطة.
وحتى الموت لا يميت الشاعر.. وحياة الشاعر تذكرة ذهاب وإياب بين الحياة والموت.. يحيا ورأسه على يده.. يقول الكلمة وهو مستعد أن يلاقي الموت جزاؤها، وقد يذوق الموت والإعدام وقد يموت فعلا ولكن الموت أبدا لا يميت الشاعر، بل الجنون نفسه ولا الجن ولا الفاشيست ولا السي آي إيه ولا هتلر ولا شارون.. ولا إنس ولا جن لا يستطيع أن يقتل الشاعر.
بل إن الحب لا يقتل الشاعر.. ذلك الصاعق الماحق المتوهج الشجاع الخبيث الأرعن، فالحب يحيي الشاعر، والحب الناجح يحيله إلى مغنّ والحب الفاشل يجعله فيلسوفا.
إذن لماذا يقتل الشاعر؟ أجل يموت حين ييأس من أن يشاركه أحد الرؤية، تمام الرؤية.. ولست هنا في مقام إيضاح رؤية أمل دنقل مما حصلته منها نتف متفرقة.
وأمل دنقل الرؤية كان رؤية.. مستحيلة أن يراها سواه وإلا كنا جميعا أمل دنقل.
حين صاحبت أمل في آخريات حياته كنت رفيقه.. كل يوم وكل قهقهة عالية.
أيها السادة نحن في حضرة أمل دنقل.. عبقرية انتهت منذ أيام وإلى ألف عام من الآن إلى مسافة تماما مثل التي كانت بين المتنبي وأمل دنقل.
سنظل ننتظرها ولن أطلب منكم الوقوف حدادا، فنحن إذا وقفنا حدادا سيكون حدادا على عصر طويل قادم، حدادا على العصر الذي سيمضي حتى يسب فيه رجالا لهم شيم الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل، وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل.
العدد الأول كان عددا قويا وممتعا تحت رئاسة تحرير د. الطاهر مكي، ضم العدد أقلاما لنجوم إبداع كثيرين، منهم يوسف إدريس والبردوني وفخري لبيب ولطيفة الزيات وحمدي السكوت وفؤاد دوارة وعز الدين نجيب، وغيرهم من العمالقة، أختار للقراء اليوم جزءا من مقال ليوسف إدريس في رثاء أمل دنقل، يقول إدريس:
منذ أن مات نجيب ويحيى وصلاح وأمل.. منذ أن مات المتنبي وأبوالعلا.. منذ أن مات الحلاج وهيمنجواي وجاليليو وتشي جيفارا وأنا أتساءل: لماذا يموت الشاعر؟ هل يموت لأن القبح يسود والجمال يتقلص؟ هل هو ينتحر بالإرادة لأنه يئس من العالم؟ هل يموت من فرط حبه للمغامرة وعشقه للخطأ والخطر؟.. هل يموت مهموما لأن الألم في الدنيا أكثر؟
وهل يموت ليقول للعالم كلمة عجز عن قولها بحياته.. أم لأن من يخونونه ويرهبونه ويأكلونه حيا بعد أن عجزوا عن قهر نتاجه.. أم أن موت الشاعر حدث مثل غيره من أحداث الحياة لا معنى له بالمرة.. عبثا يولد الشاعر وعبثا يقول وعبثا يموت.
أم أن موت الشاعر لأنه لم يعد يتلقى من الناس حبا مخفوقا بالحسد والكراهية من حوله غريب الدار في داره بلا وطن وهو في وطنه.. أبدا لا يموت الشاعر لأنه أصبح الأضعف أمام أعدائه المزيفين.. وما قتل الزيف أبدا حقيقة.. أبدا لا يموت الشاعر من كثرة الخناجر، فخناجر أعداء الشاعر مبارد تشحذ نصله وأبدا لا تكسره.
ولا السرطان يقتل الشاعر فالسرطان حياة مغلوطة تقضي فقط على حياة مغلوطة.. أما الحياة.. حياة الشاعر فلن تقضي عليها أبدا أي حياة حتى ولو كانت مغلوطة.
وحتى الموت لا يميت الشاعر.. وحياة الشاعر تذكرة ذهاب وإياب بين الحياة والموت.. يحيا ورأسه على يده.. يقول الكلمة وهو مستعد أن يلاقي الموت جزاؤها، وقد يذوق الموت والإعدام وقد يموت فعلا ولكن الموت أبدا لا يميت الشاعر، بل الجنون نفسه ولا الجن ولا الفاشيست ولا السي آي إيه ولا هتلر ولا شارون.. ولا إنس ولا جن لا يستطيع أن يقتل الشاعر.
بل إن الحب لا يقتل الشاعر.. ذلك الصاعق الماحق المتوهج الشجاع الخبيث الأرعن، فالحب يحيي الشاعر، والحب الناجح يحيله إلى مغنّ والحب الفاشل يجعله فيلسوفا.
إذن لماذا يقتل الشاعر؟ أجل يموت حين ييأس من أن يشاركه أحد الرؤية، تمام الرؤية.. ولست هنا في مقام إيضاح رؤية أمل دنقل مما حصلته منها نتف متفرقة.
وأمل دنقل الرؤية كان رؤية.. مستحيلة أن يراها سواه وإلا كنا جميعا أمل دنقل.
حين صاحبت أمل في آخريات حياته كنت رفيقه.. كل يوم وكل قهقهة عالية.
أيها السادة نحن في حضرة أمل دنقل.. عبقرية انتهت منذ أيام وإلى ألف عام من الآن إلى مسافة تماما مثل التي كانت بين المتنبي وأمل دنقل.
سنظل ننتظرها ولن أطلب منكم الوقوف حدادا، فنحن إذا وقفنا حدادا سيكون حدادا على عصر طويل قادم، حدادا على العصر الذي سيمضي حتى يسب فيه رجالا لهم شيم الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل، وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل.