في مشهد صادم، تكدس العشرات من مرضى السرطان، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن، في ممرات مستشفى دار السلام هرمل للأورام، بعدما فوجئوا بقرارات جديدة أوقفت استقبالهم، باستثناء مرضى سرطان الثدي، وسط حالة من الارتباك والعشوائية سادت أروقة المكان منذ تسلم الإدارة الجديدة التابعة للقطاع الخاص مهامها مطلع أبريل الجاري.

3 قرارات جديدة لرئيس الوزراء اليوم، أبرزها بشأن مستشفى هرمل

وتأتي هذه التغييرات على خلفية تطبيق أول تجربة لإدارة وتشغيل المستشفيات العامة بالشراكة مع القطاع الخاص، بموجب القانون رقم 87 لسنة 2024، المعروف إعلاميًا بـ"قانون تأجير المستشفيات"، والذي أقره البرلمان العام الماضي بهدف "تحسين الخدمات الصحية" من خلال إشراك القطاع الخاص.
وزير الصحة يشهد توقيع عقد منح التزام تشغيل مستشفى هرمل لمعهد جوستاف روسيه
لكن ما يحدث داخل مركز أورام دار السلام هرمل يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى جدوى هذا التحول، لا سيما مع اتهامات متزايدة بتقليص خدمات العلاج المجاني وإهمال حقوق المرضى الأكثر فقرًا وضعفًا.
رئيس الوزراء: تحويل مستشفى "هرمل" إلى مركز متكامل لعلاج السرطان
وتولت شركة "إليفات برايفت أكويتي" إدارة المستشفى بموجب عقد مدته 15 عامًا، بالشراكة مع المركز القومي الفرنسي للأورام "جوستاف روسي الدولي (GRI)"، وبحسب العقد، فإن 70% من الطاقة الاستيعابية للمستشفى يجب أن تخصص لعلاج مرضى نفقة الدولة والتأمين الصحي، فيما يُخصص الباقي للاستثمار.
التفاصيل الكاملة لتطوير مستشفى دار السلام هرمل لعلاج الأورام
لكن على أرض الواقع، ظهرت مؤشرات معاكسة، حيث تم الإعلان عن قصر العلاج مؤقتًا على مرضى سرطان الثدي، وتوقفت المستشفى تمامًا عن استقبال مرضى سرطان الدم، بمن فيهم الأطفال، دون توفير بدائل أو خطط انتقال علاجية واضحة.



مأساة مرضى هرمل... "تطفيش منظم"؟
"اللي حصل هو تطفيش مرضى السرطان بطريقة غير مباشرة"، بهذه الكلمات عبّر محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، عن الوضع الحالي في المستشفى، وأضاف أن الإدارة الجديدة قامت بتغيير جزء كبير من الطاقم الطبي، ما أدى إلى إرباك البروتوكولات العلاجية للمرضى، مشيرًا إلى أن هؤلاء المرضى يحتاجون إلى استمرار الفريق الطبي نفسه لمتابعة حالتهم بدقة.
وأكد فؤاد أن المرضى باتوا مجبرين على شراء الأدوية من صيدليات خارجية، وأن العمل يقتصر حاليًا على القسم الاقتصادي فقط، ما يُهدد الحق في العلاج المجاني الذي تكفله الدولة.
نقابة الأطباء تحذر: خطورة التجربة الأولى
من جهته، أبدى الدكتور خالد أمين، الأمين المساعد لنقابة الأطباء، قلقه من طريقة تنفيذ التجربة الأولى لتأجير المستشفيات، مؤكدًا أن "إسناد إدارة مركز أورام إلى القطاع الخاص يتطلب أعلى درجات الدقة والرقابة، وليس العشوائية".
وأشار إلى أن المستشفى قلّص عدد ساعات العمل، واستبدل فريقه الطبي، ما قد يعرّض حياة المرضى للخطر، خاصة أن العلاج الكيماوي يُعطى ضمن جداول زمنية صارمة، كما تساءل عن الجهة الرقابية المسؤولة عن متابعة تنفيذ العقد، وإن كانت هناك آلية لفسخه حال ثبت فشل الإدارة الجديدة.
أين ذهبت وعود التطوير؟
بحسب تفاصيل العقد المنشور في الجريدة الرسمية في مارس 2025، من المفترض أن يتم رفع كفاءة المستشفى وزيادة عدد الأسرة من 154 إلى 257، وإنشاء مبنى امتداد جديد. كما نص العقد على أن التسعير سيكون على أساس خدمات التأمين الصحي ونفقة الدولة، "مع مراعاة الأسعار الاقتصادية".
لكن الواقع يعكس شيئًا آخر، حيث تحوّلت تجربة "التطوير" إلى حالة طوارئ إنسانية، دفعت المرضى وعائلاتهم إلى التساؤل: هل أصبح العلاج تجارة؟ وهل يمكن التضحية بأرواح الفقراء في سبيل أرباح القطاع الخاص؟
حتى كتابة هذه السطور، لم تصدر وزارة الصحة أي بيان رسمي يوضح موقفها من شكاوى المرضى أو توضح كيفية الإشراف على الإدارة الجديدة. كما لم تُحدد جهة رقابية مستقلة لمتابعة تنفيذ بنود العقد.
وفي الوقت الذي يتراكم فيه المرضى أمام بوابات مستشفى هرمل باحثين عن العلاج، يبدو أن التجربة الأولى لتأجير المستشفيات قد بدأت بفشل واضح، ثمنه يُدفع من حياة من لا يملكون خيارًا آخر.