قبل عيد القيامة بساعات، كانت العائلة تجهز نفسها للاحتفال باليوم المرتقب، خرجت «رشا» مع شقيقها «بيشوي» وشقيقتها «دنيا» وابن شقيقتها الرضيع «يوسف» في جولة للتسوق، قرب محله للأدوات الكهربائية في

منطقة الهرم بالجيزة. كان ذلك اليوم بداية لتجهيزات العيد، ولم يكن أحد يتوقع أن تتحول تلك اللحظات المبهجة إلى كابوس مرعب لا يمكن تحمله، أن يٌقتل الأخ بيد «عاطل» بطعنة في صدره أثناء دفاعه عن أختيه من التحرش.
«جريمة الهرم» بدأت بـ شجار بسبب كلمات بذيئة
كان «بيشوي»، الابن البكر في العائلة، الذي اعتادت الأسرة أن تعتمد عليه في جميع التفاصيل، قد قرر أن يصطحب شقيقاته في رحلة تسوق بسيطة، كما يفعل كل عام، في هذه الأيام، كانت العائلة تفرح بتجهيز الملابس الخاصة بالعيد، وكان الشاب الثلاثيني يتفنن في اختيار الملابس التي ستجعل شقيقاته يشعرن بالراحة والبهجة.
بينما كانوا يتجولون، حيث كانت الشمس ما زالت مشرقة في السماء والجو حارًا نوعًا ما، كانوا يتحركون بخفة بين المحلات التجارية الصغيرة، يختارون الأقمشة والملابس التي ستزين أجسادهم في يوم عيد القيامة، ولكن في لحظة غير متوقعة، ظهرت مجموعة من الشباب تمر بالقرب منهم، وكان أحدهم يرفع صوته بشكل غير لائق، ويردد كلمات جارحة لا مكان لها في هذا المكان الذي يظن الجميع أنه آمن.
«كنا نستمتع بتجميع ملابس العيد، وفجأة، دخلوا المكان وبدأوا يتكلموا بكلام مش محترم، كنت مش قادرة أصدق، قال لي بيشوي: (خدي يوسف وادخلي المحل، أنا هتكلم معاه، بس الجو كان بدأ يتوتر»، تقول «رشا»، التي تتذكر اللحظة بكل تفاصيلها: كانت الكلمات غير لائقة، وكان الشاب الثلاثيني يحاول تهدئة الأمور دون أن يثير مشكلة.
«المطواة» في مواجهة «بيشوي»
في اللحظة التي لم يكن أحد يتوقع فيها أن يتحول الموقف إلى شجار، تصاعدت الأمور بشكل مفاجئ. بدأ أحد الشباب يصرخ في وجه شقيق «رشا ودنيا»، ويتحداه بعبارات استفزازية. «مفيش حاجة في الدنيا بتخليك تتعامل مع حد
بالطريقة دي، بيشوي كان بيحاول يبقى هادئ، وكان بيقول لهم: (إحنا مش جايين نعمل مشكلة، خليكم في حالكم)، تروي «رشا»، وتستكمل حديثها: «ولكن فجأة، لقيت الشاب ده بيطلع مطواة من تحت ملابسه، كان الأمر كله في ثواني معدودة».
شعر الجميع بالفزع، ولكن الكهربائى الثلاثينى، الذي كان دائمًا يواجه الأزمات بشجاعة، قرر أن يحاول تهدئة الموقف قبل أن يتفاقم. «أوعى تعمل كده، خليني أمشي معاك، مفيش داعي للمشاكل»، قالها «بيشوي» وهو يحاول أن يبتعد عن الموقف، لكن الشاب لم يكن في مزاج للتهدئة، بل بالعكس، بدأ يقترب منه أكثر، موجهًا المطواة في اتجاهه، وأصبح الموقف أكثر توترًا.
«اللحظة دي كنت مش قادرة أصدق اللي بيحصل قدامي. بيشوي كان بيحاول يبعد عن المطواة، بس الشاب ده كان في حاله هستيرية وعايز يتنمر على أخويا»، تتابع «رشا» حديثها، وقد بدا التأثر واضحًا في صوتها. «شفت المطواة وهي بتلمس جسده، سمعته وهو بيقول: (إنت هتعلمني الأدب)، وكان بيشوي بيحاول يبعد عنه».
اللحظات الأخيرة في حياة «بيشوي» ضحية «جريمة الهرم»
ما لبثت اللحظات أن تسارعت، إذ فوجئ الجميع بضربة مطواة حادة تهوي على جسد «بيشوي». «كنت شايفة دماء بتنزل من جسمه، وأنا مش قادرة أتحرك، حاولت أوصل له، لكن مفيش حاجة قدرت أعملها»، تقول «رشا»، وحزنها يملأ كلماتها، كان بيشوي ملقى على الأرض، يواجه الموت في مشهد لا يُحتمل.
وتتابع: «كل شيء كان في لحظات، ما قدرتش أتخيل إن شقيقي هيموت قدامي كده، كان كله بيحاول يحمي نفسه وبيحاول يبعد عن المطواة، ولكن في النهاية كانت الضربة أخيرة».


بينما كانت شقيقة الشاب الثلاثينى المجني عليه، تراقب الموقف من داخل المحل، كان قلبها ينبض بسرعة غير طبيعية، وكانت قد فقدت الأمل في أن يستطيع «بيشوي» النجاة. ومع كل ثانية، كان الوقت يمر ببطء، وكأن الجميع قد توقف في مكانه، لكن في أعماقها، كانت تعرف أن لا شيء سيساعد في إيقاف هذا المشهد المأساوي.
وبينما كانت «رشا» تحاول أن تصل إلى شقيقها، كان الجاني قد قرر الهروب على توك توك كان قد أوقفه بالقرب من المكان. «فجأة، لقيت الشاب بيهرب بسرعة، وكان يركب»التوك توك «زي العاصفة، وأنا لسه مش قادره أصدق إن أخويا وقع، ودمه بينزل»، تقول «رشا»، التي كانت غير قادرة على التصديق أن المأساة قد وقعت بهذه السرعة.
«كنت بحاول أصرخ، لكن الصوت كان بيختنق في صدري، وحاولت أركض وراه، لكن قدرت أوصل ليه بعد فوات الأوان»، تضيف «رشا»، وعينيها تغرق بالدموع.
تم نقل «بيشوي» إلى المستشفى على الفور، لكن الحقيقة التي كانوا يخشونها قد حدثت. «قالوا لي: (بيشوي مات).. ولما سمعت الجملة دي، حسيته قلبي بينزل في بطني، وأنا مش قادرة أفهم»، تتابع «رشا» بصوت باكٍ. «كنت في حالة من الإنكار، ما كنتش فاهمة إزاي كل ده يحصل في لحظة، كنا مستعدين للعيد، وفجأة في لحظة راحت حياتنا».


النيابة تقرر حبس المتهم
في تلك اللحظة التي تلت الخبر المفجع، انهارت «رشا»، بينما كانت شقيقتاها تصرخان من الحزن، والأم كانت غير قادرة على تصديق أن ابنها، الذي كان كل شيء بالنسبة لها، قد رحل.
بينما تروي شقيقة «بيشوى» لا يمكنها إخفاء الألم الذي يملأ قلبها. «ما فيش حاجة هتقدر تعوضني عن أخي. ولا حاجة هتقدر ترجع لنا الذكريات اللي كانت معاه. لكن إحنا نحتاج العدالة. نحتاج أن القاتل يُعاقب، لو كان الأمر بيدي، كنت هخليه يدفع ثمن الحياة اللي ضيعها».
وفي تطور جديد، قررت النيابة العامة حبس المتهم «مصطفى» بتهمة قتل بيشوي. «أنا مش قادرة أعيش من غيره، بس في النهاية كل اللي أتمناه هو العدالة لشقيقي»، تختم «رشا» حديثها.

