بعث الراهب ثاؤفيلس الأورشليمى، سكرتير بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس، رسالة سلام ودعوة للتفاؤل والأمل فى عيد القيامة المجيد، داعيًا جميع المسيحيين فى مصر والعالم لزيارة الكنائس فى القدس، لدعم الوجود المسيحى هناك الذى يتناقص باستمرار بسبب الضغوط السياسية والاقتصادية والحروب.

وقال، فى حواره لـالدستور، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من ساند القضية الفلسطينية، ويدعمه فى ذلك كل المصريين، ومن بينهم الأقباط، مشيرًا إلى أن هناك تحديات كثيرة تواجه المسيحيين فى القدس، منها غلاء المعيشة المفتعل، فسعر الشقة يساوى سعر بيت فى أمريكا، وزادت البطالة بشكل مبالغ فيه.
■ بداية.. ما الرسالة التى توجهها فى عيد القيامة المجيد؟
- رسالتنا فى عيد القيامة المجيد هى رسالة السلام والدعوة للأمل وللتفاؤل. نتمنى أن يصبح العالم أفضل، وندعو كل الحجاج من كل مكان فى العالم لزيارة كنائسهم فى القدس، لأن ذلك يعزز الوجود المسيحى فى الأرض المقدسة، وهو وجود مهدد بالانقراض، وأخص بالذكر الكنائس الصغيرة.
هناك عدد قليل جدًا يزور الكنائس، ولا بد من مساندة قضية الوجود المسيحى فى القدس.. ندعو الجميع للزيارة، ونقول لهم: المسيح قام.. بالحقيقة قام.
يمكن أن نستحضر قيامة المسيح داخل قلوبنا، لكن أيضًا يمكن أن نشعر بها من خلال زيارة الأماكن المقدسة، خاصة الأماكن التى عاش فيها يسوع ثم جرى صلبه وقام وصعد.
■ ما تقييمك لمساعى الرئيس عبدالفتاح السيسى لإعمار غزة؟
- الرئيس السيسى يبذل جهودًا كبيرة لصالح المصريين والعرب، وأعتبره من وجهة نظرى رئيسًا فريدًا من نوعه على جميع الأصعدة الإنسانى والفكرى والحربى والاقتصادى، فهو قائد يمثل معجزة حقيقية لمصر.
التحديات التى يواجهها الرئيس السيسى داخل البلاد غير مسبوقة، ولا يكتفى بمواجهة التحديات، بل يسعى أيضًا للتنمية، ولا يدع الصعوبات تمنعه من الانتباه إلى القضايا الإقليمية، مثل الوضع فى غزة.
غزة تعد من أكثر الأماكن التى استفادت من الدعم المصرى، ورغم محاولات البعض إنكار ذلك أو تضليل الرأى العام بشأن دور مصر فى غزة، فإننى أرى أن هذا الدور عظيم.
الرئيس السيسى رفض التهجير، وأكد أن حدود مصر خط أحمر، وأن لا أحد يستطيع التعدى على حدودنا.
موقفنا فى مساعى إعادة الإعمار ثابت، ونحن نقف خلف رئيسنا فى كل قراراته، ونثق فيه بشكل كبير. هذا هو رأى الشعب المصرى، وأعتقد أن أى طلب من الرئيس السيسى، حتى لو كان نداءً للشعب بالنزول مجددًا، سيلاقى استجابة قوية من الشعب المصرى، سواء فى الداخل أو الخارج، فالشعب يحمل محبة كبيرة لرئيسه.
■ ما أمنيات الفلسطينيين عامة والأقباط خاصة خلال عيد القيامة المجيد؟
- الأقباط دائمًا يتمنون أن يحل السلام، وأن يتمكنوا من زيارة الأماكن المقدسة فى هدوء، كما يتمنون السلام لأهلهم فى مصر.
والفلسطينيون يتمنون إنهاء الحرب فى أسرع وقت، لأن استمرار الحرب له تداعيات اقتصادية، فالوضع متوتر والحرب تجعل كل شىء غير مستقر، فالناس فى حالة من التشوش، إذ أغلق الكثير من الأماكن التى كانت توفر فرص العمل، ولم يعد لدينا أى فكرة عن المستقبل.
هناك من يهاجرون بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وهناك من يختار الصمود. هؤلاء الذين بقوا فى أماكنهم يعانون ضغوط الحياة اليومية، بما فى ذلك التكاليف المرتفعة والمتطلبات المالية، وهم غير قادرين على تحمل تداعيات الأوضاع الصعبة الناجمة عن الحرب، التى تؤثر عليهم بشكل كبير.
نتمنى جميعًا أن تعود الأمور كما كانت، ونتمنى أن يأتى العيد المقبل ونحن فى أفضل حال، أن تكون الحروب قد انتهت.
■ ما دور الكنيسة الأرثوذكسية فى الحفاظ على الوجود المسيحى فى الشرق الأوسط، خاصة فى الأراضى المقدسة؟
- الكنيسة الأرثوذكسية، بقيادة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، والأنبا أنطونيوس، مطران الكرسى الأورشليمى، تدعم بكل إمكاناتها ومواردها الشعب المسيحى للحفاظ على وجوده فى الأراضى المقدسة. الكنيسة تبذل قصارى جهدها لضمان بقاء المجتمع المسيحى فى هذه الأراضى، رغم التحديات الكبيرة التى يواجهها.
وأؤكد حجم التحديات التى تواجه العرب بشكل عام، والمسيحيين بشكل خاص، فى هذه المنطقة. التحديات ضخمة للغاية، بدءًا من غلاء المعيشة، مرورًا بصعوبة الحصول على مساكن بأسعار معقولة، وصولًا إلى الإجراءات التى تعوق عملية الحياة اليومية. وعندما يتمكن البعض من إيجاد أماكن للسكن، تكون الأسعار مرتفعة جدًا، ما يجعل الوضع أصعب.
كما أن الكنيسة تواجه أعباءً مالية ضخمة تتعلق بصيانة المبانى، وتكاليف الكهرباء، وغيرها من النفقات. إضافة إلى ذلك، تزداد الأعباء المالية بسبب الضرائب المرتفعة على الكنائس، وهو وضع يشكل تهديدًا حقيقيًا للوجود المسيحى.
رغم ذلك، تواصل الكنيسة دعمها الكامل الشعب المسيحى، وتحاول قدر الإمكان تشجيعهم على البقاء وعدم الهجرة. كما تواصل الكنيسة دورها الخدمى داخل المجتمع، وتعمل على توفير الاحتياجات الأساسية لأبناء الشعب.
نأمل فى أن يظل الشعب المسيحى موجودًا فى أرضه، وعدم ترك هذه الأرض المقدسة. فإذا استمر الوضع الحالى مع معدلات الهجرة المرتفعة، أعتقد أنه خلال 10 أو 15 سنة سيكون وجود المسيحيين نادرًا هنا، وهذا أمر يصعب تصوره. لكن هذا يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار للحفاظ على الوجود المسيحى فى الأراضى المقدسة.
■ هل تشجع الأقباط المصريين على زيارة الأماكن المقدسة؟
- بالطبع، نحن نشجع بشدة على زيارة الأماكن المقدسة، لأن هذه الزيارة تُعد بمثابة دعم وحماية للمقدسات، إضافة إلى الحفاظ على الوجود القبطى فى الأراضى المقدسة. كما أشار الرئيس محمود عباس أبومازن، فى حديثه مع البابا تواضروس، إلى أن عدم زيارة هذه الأماكن يشبه عدم زيارة أهل السجين له، حيث يكون الشخص محتجزًا ولا يأتى أحد لزيارته.
الفلسطينيون هنا فى حالة مشابهة، وهم فى حاجة ماسة لدعم الأقباط الذين يأتون من مصر، سواء كان هذا الدعم معنويًا أو نفسيًا أو حتى سياحيًا، إذ إن وجودهم يُسهم فى تعزيز الوجود القبطى ويسهم فى دعم السياحة.
نحن نُشجّع بقوة على وجود المسيحيين الأقباط هنا، وكلما زاد الوجود، خاصة فى فترات المواسم، كان لذلك أثر كبير فى تعزيز مكانة الكنائس القبطية فى المنطقة، وكذلك تعزيز كلمة الكنيسة فى المحافل الدولية. لكن عدم الوجود يؤثر سلبًا على الرؤية التى نعمل من أجلها.
هناك الكثير من الناس يتفاجأون عندما يعرفون أن عدد الأقباط فى العالم بالملايين، إذ يظنون أننا مجرد عدد قليل هنا، وهذا يثير دهشتهم. نرد عليهم بالقول إنه إذا كانت العلاقات مفتوحة كما كانت فى الماضى، فى فترة الأردن مثلًا، لكان هناك ما لا يقل عن ثلاثة إلى أربعة ملايين قبطى يأتون سنويًا لأداء مناسك الحج وزيارة الأماكن المقدسة.
هناك بعض الصعوبات التى تواجه الأقباط فى زيارة الأماكن المقدسة، من بينها المخاوف السياسية والوضع الأمنى، إضافة إلى التحديات المالية التى قد يواجهها البعض من الأفراد والعائلات التى قد تكون غير قادرة على تغطية تكاليف السفر.
■ هل هناك إحصاءات محددة عن أعداد المسيحيين فى غزة وفى الأراضى المقدسة عمومًا؟
- لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد المسيحيين فى غزة، إذ انقطع التواصل مع العديد منهم. وعلى وجه الخصوص، هناك أسرة قبطية فى غزة، ولكن التواصل معها ضعيف جدًا فى فترات معينة، وهذه الأسرة فقدت عددًا من أفرادها، وبالتالى فإن الأعداد فى تناقص مستمر بين المسيحيين فى القطاع.
عندما نتحاور مع رؤساء الكنائس، نجد أن الوضع مشابه لديهم، إذ يعانون أيضًا من انقطاع التواصل مع المسيحيين فى غزة، ويشيرون إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الوفيات. المستشفيات المسيحية مفتوحة، لكنهم لا يستطيعون
تحديد الأعداد بدقة، ومن المؤكد أن عدد الوفيات ضخم للغاية، ولا أعتقد أن الصورة ستكون واضحة الآن. من المرجح أن تظهر الأمور بشكل أكثر تفصيلًا فى المستقبل القريب، وسيجرى الكشف عن الوضع فى غزة والأعداد بشكل دقيق.
هذا كله يتوقف على القرارات الحكيمة والرشيدة من قبل قادة الدول. كما أن الوضع سيعتمد على رؤية إسرائيل لمستقبل غزة ما بعد الحرب، وما هى خططهم فيما يتعلق بتسليم الأرض أو إذا كانوا سيواصلون السيطرة عليها. هذه الأمور ستتضح مع مرور الوقت.
■ فى رأيك.. كيف ترى هجرة البعض من الأراضى المقدسة؟
- الضغوط التى نواجهها غير عادية. عندما أسمع أن ثمن الشقة هنا يعادل ثمن منزل فى أمريكا، يصبح من الطبيعى أن يختار الكثيرون الهجرة إلى أمريكا. لكن هل هذا الغلاء طبيعى؟ بالطبع لا، إنه غلاء مفتعل، هدفه زيادة الهجرة.
عندما أفكر فى الانتقال إلى أمريكا للعيش فى مكان جيد وفى منزل مناسب، مقارنةً بالبقاء هنا فى مكان مستأجر أدفع فيه حوالى 1500 دولار شهريًا، يصبح القرار صعبًا. إضافة إلى ذلك، يعانى الكثير من الناس من البطالة بسبب الحرب، ومعظم الشعب أصبح عاطلًا عن العمل. لدينا العديد من الأقباط الذين يعانون من هذه المشكلة، إذ لا توجد لديهم مصادر دخل أخرى.
ماذا سيفعل هؤلاء الناس؟ بالتأكيد، مع الظروف الصعبة، سيقرر الكثيرون الهجرة. وأسرهم فى الخارج يشجعونهم على ترك البلاد والبحث عن حياة أفضل فى الخارج. لكن من وجهة نظرى، أرى أن هذا القرار خاطئ جدًا، لأننا بذلك نفقد تراثنا وتاريخنا وأماكننا المقدسة. كل شىء من حولنا سيكون فى خطر إذا استمر هذا الاتجاه.
■ كيف رأيت دور الكنيسة الأرثوذكسية فى دعم القضية الفلسطينية؟
- يعتبر دعم القضية الفلسطينية من أولويات الكنيسة الأرثوذكسية، وهو جزء لا يتجزأ من دعم الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى. فالأقباط، وعلى رأسهم البابا تواضروس، يشكلون جزءًا أساسيًا من نسيج الوطن المصرى، ومن ثم نعتبر دعمنا القضية الفلسطينية جزءًا من دعمنا الكامل لرئيسنا وللدولة.
دور الكنيسة يتجسد فى دعم الرئيس السيسى أولًا، إضافة إلى دعم أى جهد يخدم القضية الفلسطينية سواء من خلال التصريحات أو الآراء أو الدعمين النفسى والمعنوى. كما أن البابا تواضروس يولى اهتمامًا كبيرًا بالقضية الفلسطينية، إذ يحرص على تقديم الدعم الروحى والمعنوى للمقدسات والشعب الفلسطينى فى القدس والأراضى المقدسة.
هذا الدعم يتجسد فى الرسائل التى يوجهها، وفى الاستفسارات المستمرة عن حال الشعب الفلسطينى، وهو ما يشعرنا جميعًا هنا فى الكنيسة بتأثير هذا الدعم.
الكنيسة أيضًا تقوم بالكثير من الخدمات على الأرض، بما فى ذلك تقديم الدعم التعليمى عبر تدريس المناهج الفلسطينية، إضافة إلى العناية بالأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى مناطق مثل بيت لحم، حيث جرى إنشاء مركز خطوات الذى يعنى بتأهيل الأطفال ودمجهم فى المجتمع.
كما تواصل الكنيسة أداء أدوار متعددة، منها دعم المواطنين الفلسطينيين على مختلف الأصعدة. وبصلوات البابا والأنبا أنطونيوس، نستمر فى تقديم خدماتنا ودعمنا الشعب الفلسطينى بكل ما أوتينا من إمكانيات.