دعا الدكتور أسامة الغزالي حرب، المفكر السياسي، إلى إعادة إحياء الألقاب المدنية في مصر، وعلى رأسها لقب الباشا، لكن بصيغة جديدة تتماشى مع متغيرات الواقعين الاقتصادي والاجتماعي. جاء هذا الطرح في مقال له اقترح فيه منح ألقاب تشريفية مقابل مساهمات مالية كبيرة يقدمها الأثرياء لصالح الدولة.

ورأى حرب أن قرار إلغاء الألقاب منذ أكثر من 70 عامًا حرم المجتمع من وسيلة فعالة لتكريم الشخصيات العامة ذات الإنجازات الرفيعة في مجالات كالثقافة والصناعة والزراعة، مستشهدًا بالنموذج البريطاني، حيث لا تزال الألقاب مثل سير وفارس تُمنح تقديرًا لشخصيات بارزة، مثل الجراح المصري العالمي الدكتور مجدي يعقوب، الذي حصل على لقب سير من الملكة إليزابيث الثانية عام 1991.
واقترح الغزالي عودة منظمة لهذه الألقاب، من خلال إنشاء هيئة متخصصة تتولى الترشيحات وفق معايير صارمة، ثم تُعرض على البرلمان للموافقة. وأشار إلى أن هذه المبادرة يمكن أن تسهم في تحفيز أصحاب الثروات الكبيرة على المساهمة في الحياة العامة والتنمية.

وضرب مثالًا بقائمة رمزية لأسماء يراها مؤهلة للحصول على هذه الألقاب في حال اعتماد النظام، مثل: نجيب باشا ساويرس، وطلعت باشا مصطفى، ومحمد باشا أبوالعينين، ومنير فخري باشا عبدالنور، وناصف باشا ساويرس، وغيرهم من رجال
الأعمال المعروفين، وأوضح الغزالي في تصريحات لـالمصري اليوم أن الهدف من الاقتراح ليس فرض ضرائب، بل إيجاد آلية تشجيعية تمنح الأثرياء شعورًا بالتقدير والمكانة الاجتماعية الرفيعة، من خلال ألقاب رمزية ذات طابع تاريخي وثقافي عريق.
وأكد أن منح لقب الباشا لا يعني العودة إلى النظام الطبقي أو الأرستقراطي، بل يُعد بمثابة وسام شرف أو درجة تكريمية تمنح مقابل مساهمة حقيقية في دعم الاقتصاد الوطني. وشدد على أن
مصر، رغم التحديات، تمتلك ثروات كامنة في أيدي بعض أبنائها، وتحتاج إلى وسائل مبتكرة لتحفيزهم على المشاركة في التنمية، وأضاف أن المجتمع المصري أغنى من الدولة، متسائلًا: ألم
يقل الرئيس نفسه: إحنا فُقرا أوي؟، موضحًا أن هناك ثروات مالية هائلة، لكنها محصورة في أيدي قلة من الأثرياء الذين يظهر ثراؤهم في مظاهر البذخ مثل الولائم الفخمة والسيارات الفارهة.
حكاية الباشوية في مصر

لقب الباشا لم يكن مجرد صفة، بل كان عنوانًا للهيبة والمكانة الاجتماعية والسياسية في مصر لقرابة قرن ونصف، من عهد محمد على باشا وحتى منتصف القرن العشرين، حيث كان يمنح لكبار رجال الدولة والأعيان والموظفين البارزين كنوع من التكريم والامتياز.
وطبقًا لموسوعة تاريخ الوزارات المصرية الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، كان منح الألقاب يتم بداية من الباب العالي العثماني، باعتبار مصر جزءًا من الدولة العثمانية، ثم انتقل الحق إلى سلطان مصر بعد فرض الحماية البريطانية عام 1914، ثم إلى الملك بعد إعلان المملكة عام 1922.
وفي عام 1915، أصدر السلطان حسين كامل قرارًا بإنشاء نظام رسمي للرتب المدنية، وتبعه في عام 1923 الأمر الملكي رقم 3 الصادر في عهد الملك فؤاد الأول، الذي نظم منح الألقاب والتكريمات. وقد تم تقسيم الرتب المدنية إلى خمس درجات، منها:
الرياسة لرؤساء الحكومة بلقب حضرة صاحب الدولة، والامتياز للوزراء بلقب حضرة صاحب المعالي، والباشوية لكبار الأعيان والموظفين ممن تجاوزت رواتبهم 1800 جنيه، ودرجتا البكوية لمن راوحت رواتبهم بين 800 و1200 جنيه أو قدموا خدمات جليلة للدولة.
وكانت المناسبات الملكية مثل أعياد الميلاد أو الجلوس على العرش توقيتًا مناسبًا لتقديم طلبات الترقية ومنح الألقاب، كما أوضح حسن يوسف، رئيس الديوان الملكي بالإنابة في عهد الملك فاروق.

لكن هذا النظام أُلغي رسميًا بعد ثورة 23 يوليو 1952، بموجب القرار رقم 68 لسنة 1952، ضمن جهود الدولة للقضاء على الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومنذ ذلك الحين، استُعيض عن الألقاب بلقب المحترم في المخاطبات الرسمية، وأدرج حظر الألقاب
ضمن مواد الدستور بداية من عام 1956 وحتى دستور 2014، الذي أكد في مادته 26 على منع إنشاء أو إحياء أي رتب مدنية، ورغم المنع الرسمي، لا تزال هذه الألقاب تتردد في الشارع المصري، وفي المصالح الحكومية، خصوصًا عند مخاطبة أصحاب النفوذ أو المال.