يحتفل مَسيحيو العالم الأحد القادم بـعيد أحد السعف أو عيد أحد الشعانين، حيث استقبلت الجموع السيد المسيح أثناء دخوله مدينة أورُشليم (القدس) بأغصان الشجر، وفرشوها فى الطريق لذلك دعى

اليوم بأحد السعف. أما كلمة شعانين، فمن الكلمة العبرانية هو شيعه نان وتعنى يا رب خلِّص، وفى اليونانية أُوصَنّا، وقد ترددت أثناء هُتافات الجموع التى تبعت السيد المسيح إلى أورُشليم:
وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِى عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ قَائِلاً لَهُمَا: اِذْهَبَا إِلَى
الْقَرْيَةِ الَّتِى أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُلَّاهُمَا وَأْتِيَانى بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا،
فَقُولَا: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا. فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيى يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِى الْقَائِلِ: قُولُوا لِابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا
مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلَا كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالْأَتَانِ وَالْجَحْشِ،
وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الْأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِى الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا
فِى الطَّرِيقِ. وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: أُوصَنَّا لِابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِى بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا
فِى الْأَعَالِى! وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: مَنْ هذَا؟. ويأتى أحد السعف أحدًا أخيرًا فى الصوم الكبير، وقد سبقته آية عظيمة: إقامة السيد المسيح للعازر بعد موته بأربعة أيام.
كانت أورُشليم فى تلك الأيام تحتفل بـعيد الفصح، أعظم أعياد اليهود، وفيه يعيدون لذكرى خلاصهم من العبودية فى أرض مِصر، وقد أمرهم الله أن يقيموا الاحتفال فى مدينته أورُشليم: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَذْبَحَ الْفِصْحَ فِى
أَحَدِ أَبْوَابِكَ الَّتِى يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، بَلْ فِى الْمَكَانِ الَّذِى يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِلَّ اسْمَهُ فِيهِ. هُنَاكَ تَذْبَحُ الْفِصْحَ مَسَاءً نَحْوَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِى مِيعَادِ
خُرُوجِكَ مِنْ مِصْرَ. وكان اليهود يأتون إلى أورُشليم من كل أنحاء البلاد، قريبًا وبعيدًا، ليقدمون ما أمرت به الشريعة، فقد كان لزامًا على كل يهودى أن يحضر إلى أورُشليم للاحتفال؛ وكان القادمون قرابة مليونين ونصف المليون يهودى.
ويرتبط دخول السيد المسيح إلى مدينة أورُشليم بسعف النخل وأغصان الزيتون التى تشير إلى النصرة والسلام، فقد كان الملوك المنتصرون يدخلون إلى المدن فى استقبال مهيب، والجموع تحمل سعف النخيل إشارة إلى النصرة.
والشعب استقبل السيد المسيح ملكًا منتصرًا، إذ كانوا يرغبون فى استعادة الملك لإسرائيل والتخلص من الحكم والعبودية الرومانية، غير مدركين رسالة السيد المسيح الحقيقية: خلاص البشر من الخطيئة والشر وحكم الموت،
ولذا لم يتمكنوا من استيعاب كلماته: مَمْلَكَتِى لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا الْعَالَمِ. إن الانتصار الحقيقى فى الحياة هو على الشر والخطيئة والعودة إلى الله، ليكون هو الملك الحقيقى على قلب الإنسان، وهذه هى الحياة الأبدية.
أما أغصان الزيتون فهى إشارة السلام، وقد ارتبطت بالسلام منذ القدم عندما أرسل نبى الله نوح حمامة ليرى هل قلت مياه الطوفان عن الأرض، فأتت إليه الحمامة وفى فمها ورقة زيتون. لقد كانت دعوة السيد المسيح دعوة
دائمة إلى السلام: السلام مع الله، والسلام مع النفس، والسلام مع الآخرين، وفى دعوته إلى السلام طوب صانعيه: طُوبَى لِصَانِعِى السَّلَامِ، لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ، وبعد دخوله أورُشليم
رثاها باكيًا من أجل إصرارها على الشر، فاقدة السلام: وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا، قَائِلاً: إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِى يَوْمِكِ هَٰذَا،
مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! وَلٰكِنِ الْآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. إن السلام فى حياتنا هو هبة من الله صانعه الحقيقى، ولا يجتمع الشر والسلام قط، إذ يقول الكتاب: لَيْسَ سَلَامٌ، قَالَ إِلهِى، لِلْأَشْرَارِ.
وهكذا نتذكر فى عيد أحد السعف أن النصرة والسلام هما فقط فى الحياة الروحية الثابتة فى الله ومحبته. كل عام وجميعكم بخير.
و... ومازال الحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى