القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

البرهان: سجدة شكر فى محراب الديمقراطية! بقلم حمدي رزق

بقلم حمدي رزق

لا تمر هكذا، مرور الكرام، سجدة الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، فى مطار الخرطوم.

البرهان: سجدة شكر فى محراب الديمقراطية! بقلم حمدي رزق

سجدة شكر يسجدها الغائب عن وطنه، البرهان غاب عن الخرطوم لعامين، بطول عقدين من الزمان، عامان مرا على اختطاف العاصمة الخرطوم من قصرها الرئاسى على أيدى عصابات الدعم السريع.

السجدة لله فى مطار الخرطوم التى حمدها السودانيون للبرهان وأشاعت تفاؤلًا حذرًا، تلتها سجدة أخرى فى محراب الديمقراطية، أقصد تصريحًا لافتًا، عهدًا ووعدًا من البرهان الجيش يعمل على تهيئة الظروف المواتية لتولّى حكومة مدنية منتخبة مقاليد السلطة فى البلاد.

السجدة الديمقراطية رسالة بعلم الوصول، البرهان يشدد على عدم رغبة القوات المسلّحة فى الانخراط بالعمل السياسى، ويجتهد مع الفرقاء لتشكيل حكومة تكنوقراط تعمل على تهيئة البلاد للانتخابات، ضمن خارطة الطريق التى أعلنت عنها الحكومة مؤخرًا، على صدى انتصارات محققة على قوات التمرد السريع فى الخرطوم وبقاع أخرى.

اشتقاقًا من حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم، (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، والجهاد الأصغر فى الحالة السودانية سحق التمرد، واستعادة العاصمة المختطفة، ومطاردة فلول محمد حمدان دقلو

حميدتى التى تتخندق فى دارفور، أما الجهاد الأكبر فتوطين الديمقراطية، وتسليم السلطة لحكومة منتخبة، وهذا يتطلب جهادًا، تحديًا كبيرًا، ربما يجاوز تحدى استعادة السودان من براثن عصابات الذهب.

بالأفعال، ترجمة السجدة بالفعل الديمقراطى تحدٍّ صعيب يخوضه البرهان، والحالة السياسية فى السودان متأثرة لا تزال بالحرب الضروس التى كلفت السودان ما لا يحتمل إنسانيًا وسياسيًا وعلى كافة الأصعدة سيما اقتصاديًا.

السودان يعانى، والمجاعة تضرب الأطراف، والاحتراب سياسيًّا لا يقل ضراوة عن الاحتراب العسكرى، ما يخشى منه على السودان الآن الاحتراب السياسى فى ظل مزق فى النسيج المجتمعى، أخشى اتسع الخرق على الراقع، مثل عربى يُضرب عندما

تزيد الأمور على صاحبها وتتعقد، فلا يعد بمقدوره أن يرقع الخرق أو البلاء أو المشكلة التى وَقَعَ، أو أوقَعَ نفسه، أو أوقع مَنْ حوله فيها، ولا باستطاعته إصلاح ماوقع. الاحتراب العسكرى كان نتيجة مباشرة للاحتراب السياسى،

واجتماع السودانيين على كلمة سواء سياسيًّا، أخشى من المستحيلات السبع أو مضافًا إليها، وما ضيع تجربة عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان (فى الفترة الانتقالية عقب سقوط نظام البشير) مرده إلى الاحتراب السياسى الذى مهد للاحتراب العسكرى.

نية البرهان الديمقراطية تدلنا عليها سجدته، والله أعلم بالنوايا، والنية تسليم السلطة لحكومة انتقالية تمهد لانتخابات تنتهى بسلطة منتخبة ديمقراطيًّا، وهذا ما يستوجب جهادًا كبيرًا من ساسة السودان ومتنفذيها، وقبلها تحكيم قاعدة السودان أولًا وبصوت سودانى يعانى الأمرّين من ساسته، خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولى الوطن.

استعادة السودان من الاختطاف بعد مخاض صعيب تؤذن بولادة جديدة، السودان يولد من جديد. صحيح الولادة جاءت متعسرة، والجنين الذى يحمله البرهان مغتبطًا، جاء بعد شوق، يستحق الحياة، ويرفده ساسة السودان بأسباب الحياة.

البرهان لن يتخلى عن رعاية المولود حتى يضعه فى مهده الديمقراطى، وفاء بعهد قطعه على نفسه، يسلمه إلى أيادٍ أمينة خشية اختطافه مجددًا.

أفْلَحَ البرهان إنْ صَدَقَ وعده، إذا فعلها يدخل التاريخ السودانى بطلًا للحرب والسلام، يدخل التاريخ بسجدة، من الباب الواسع الذى دخله طيب الذكر المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذى سلّم السلطة طوعًا للمدنيين بعد انتفاضة عام 1985، فى نموذج قلّما شاهدناه فى السودان الحديث.

حمدي رزق - المصرى اليوم
29 مارس 2025 |