أصدرت مجلة الكرازة، الناطق الرسمي باسم كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس الكبرى بالعباسية، العدد الأحدث، وجاءت المقالة الأفتتاحية، للبابا تواضروس الثاني، تحت عنوان التقويم القبطي.

وقال البابا تواضروس الثاني، في مقالته: إن التقويم الحسابي للزمن هو مسألة ثقافية حضارية أساسًا ترتبط بعلوم الفلك التي برع فيها قدماء المصريين وامتدت في حياتهم ومواسم أعيادهم،
وتنوعت التقاويم في الحضارات المختلفة جغرافيًا وتاريخيًا وأيضًا اجتماعيًا حتى صار لكل منطقة أو حضارة أو عدة بلاد تقويم خاص بهم ليس له بداية واحدة ولا تسمية واحدة ولا تقسيم واحد
وهي مسألة بعيدة تمامًا عن الإيمان والعقيدة المتوارثة في كل حضارة، فهي مسألة فلكية حسابية لا أكثر ولا أقل ولكن أضيف إليها معايير وقيم وتقاليد عبر الزمان في كل مكان وصارت معروفة وراسخة.
وتابع: قال هيرودت المؤرخ الإغريقي (قبل الميلاد بحوالي ثلاثة قرون) عن التقويم القبطي (المصري): وقد كان قدماء المصريين هم أول من ابتدع حساب السنة وقد قسّموها إلى 12 قسمًا بحسب ما كان لهم من المعلومات عن النجوم، ويتضح لي أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين)، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يومًا ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكي يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية.
وأضاف: ولقد قسّم المصريون (منذ أربعة آلاف ومائتي سنة قبل الميلاد) السنة إلى 12 برجًا في ثلاثة فصول (الفيضان الزراعة الحصاد) طول كل فصل أربعة شهور، وقسّموا السنة إلى أسابيع وأيام، وقسّموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية وقسّموا الثانية أيضًا إلى 60 قسمًا.
وتابع: السنة في التقويم القبطي هي سنة نجمية شعرية أي مرتبطة بدورة نجم الشعري اليمانية، وهو ألمع نجم في مجموعة نجوم كلب الجبار الذي كانوا يراقبون ظهوره الاحتراقي قبل شروق الشمس
قبالة أنف أبو الهول التي كانت تحدِّد موقع ظهور هذا النجم في يوم عيد الإله العظيم عندهم، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف قرب الجيزة، وحسبوا طول السنة بمدة 365 يومًا، ولكنهم لاحظوا
أن الأعياد الثابتة الهامة عندهم لا تأتي في موقعها الفلكي إلاّ مرة كل 1460 سنة، فقسّموا طول السنة 365 على 1460 فوجدوا أن الحاصل هو 1/4 يوم فأضافوا 1/4 يوم إلــى طول الـسنــة ليصبح 365 يومًا وربع.
وأدرف: أي أضافوا يومًا كاملًا لكل رابع سنة لتكون كبيسة، وهكذا بدأت الأعياد تقع في موقعها الفلكي من حيث طول النهار والليل، وحدث هذا التعديل عندما اجتمع علماء الفلك من الكهنة المصريين، قبل الميلاد بحوالي ثلاثة قرون، في كانوبس، وهي أبو قير حاليًا بجوار الإسكندرية، واكتشفوا هذا الفرق وقرَّروا إجراء هذا التعديل في المرسوم الشهير الذي أصدره بطليموس الثالث وسُمِّي مرسوم كانوبس.
واستطرد: أن شهور السنة القبطية هى بالترتيب: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤونه، أبيب، مسرى، ثم الشهر الصغير النسيء، وهو خمسة أيام
فقط أو ستة أيام في السنة الكبيسة، وما زالت هذه الشهور مُستخدمة في مصر ليس فقط على المستوى الكنسي، بل على المستوى الشعبي أيضًا وخاصة في الزراعة، كما اتخذ الأقباط
السنة التي صار فيها دقلديانوس إمبراطورًا عام 284 ميلادية بداية لتقويمهم الكنسي؛ لأنه قتل مئات الآلاف من الأقباط حوالي 800 ألف، وسُمِّي هذا التقويم بتقويم الشهداء.
التقويم اليولياني
وأوضح أن التقويم اليولياني سُمِّي بالتقويم اليولياني نسبة إلى يوليوس قيصر الروماني الذي أصدر أمره إلى فلكي مصري من مدرسة الإسكندرية المعروفة في العالم أجمع، يُدعى سوسيجينس بأن يجعل يوم 25 مارس أول الاعتدال الربيعي. فجعل السنة الرومانية كالمصرية تمامًا أي مؤلفة من 365 يومًا وربع يوم أي 6 ساعات.
وأشار إلى إلى الشهور بعض الأيام حتى تتألف السنة من 365 يومًا في السنة البسيطة و366 يومًا في السنة الكبيسة، وظلّ استعمال هذه السنة شائعًا في الشرق والغرب حتى قام غريغوريوس الثالث عشر بابا روما وأمر بناء على مشورة الفلكيين بإدخال تعديل على سنة 1582، جاعلًا يوم 4 أكتوبر هو يوم 15 فيما عُرِف بالتعديل الغريغوري.
التقويم المُعَدَّل أو الغريغوري
وأوضح أنه لاحظ البابا غريغوريوس الثالث عشر فرقًا في موعد الاعتدال الربيعي عمّا كان في أيام مجمع نيقيه سنة 325م بما يُقدّر بعشرة أيام، فالاعتدال الربيعي بعد أن كان يقع في 21 مارس الموافق 25 برمهات في
أيام مجمع نيقيه 325م تقدَّم فأصبح يقع في يوم 11 مارس في سنة 1582م، ولما كان هذا الأمر مرجعه وسببه فلكيًا وليس لاهوتيًا لذا رجع البابا الروماني غريغوريوس بدوره إلى علماء الفلك، فأجابه العلماء بأن السبب
مرجعه إلى حساب السنة، حيث أن الزمن الذي تستغرقه الأرض في دورانها حول الشمس دورة واحدة كاملة: 46 ثانية، 48 دقيقة، 5 ساعة، 365 يوم، بينما كان يُحسَب في التقويم اليولياني: 6 ساعة 365 يوم أي بفرق قدره: 11 دقيقة و14 ثانية.
وأكد على أنه ممّا سبق يتضح أن السنة الشمسية اليوليانية تزيد عن الحقيقة التي تم رصدها نحو 11 دقيقة و14 ثانية، وهي تُجمِّع يومًا كل 128 عامًا وقد تجمّع بسببها منذ مجمع نيقيه حتى البابا غريغوريوس عشرة أيام فرقًا في جميع الأعياد الثابتة، وأصبح هذا الفرق حاليًا 13 يومًا، وهو أكثر التقاويم انتشارًا في عالمنا المعاصر.
واختتم بالإشارة إلى أنه اقتصر تطبيقه أولًا على البلاد الكاثوليكية: روما، فرنسا، إسبانيا، البرتغال، ثم دخل إنجلترا سنة 1752م، واليابان سنة 1872م، ومصر في عهد الخديوي إسماعيل سنة 1875م، أما الشرقيون فقد اعتمدوا في تقويم
الشهداء على النظام اليولياني المأخوذ عن التقويم المصري القديم، وذلك باحتساب يوم الكبيس في كل أربع سنوات مرّة على طول الخط، فقد وصل الفرق 13 يومًا منذ مجمع نيقيه حتى الآن، وهو ما جعل أن المقابل ليوم 29 كيهك حاليًا هو 7 يناير.