القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«يوم زايد للعمل الإنساني».. إرثُ العطاء المستدام .. بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت

لقد منحنا اللهُ هذه الثروة لتطوير بلادنا والإسهام فى تطوير الدول الأخرى، علمتنا الصحراءُ أن نصبر طويلاً حتى ينبتَ الخيرُ، وأكبر استثمار للمال هو استثماره فى بناء أجيال من

«يوم زايد للعمل الإنساني».. إرثُ العطاء المستدام .. بقلم فاطمة ناعوت

المتعلّمين والمثقفين. لعلَّ تلك العبارات المُلهمة تُلخِّص لنا شخصيةَ أسطورةٍ إنسانية حيّة عزَّ نظيرُها، صارت أيقونةً للمثابرة والنجاح وفنّ صناعة الجمال ينظرُ إليها العالمُ

باحترام وتقدير بعدما نجح فى تقديم معجزة حيّة اسمها دولة الإمارات العربية المتحدة. أمس الموافق 19 رمضان، حلّت ذكرى رحيل أحد الرموز العالمية الخالدة التى قدمها العربُ للوجود خلال

القرن الماضى. الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، الذى كان نموذجًا فريدًا للفكر المستنير والعطاء البنّاء ودائرة الخير التى لا تتوقف ولا يخبو نورُها. ولأن أُولى النُهى

يعرفون كيف يحولون الحزنَ إلى فرح، والفقدَ إلى عطاء، اختار أبناؤه وشعبه هذا اليوم الحزين ليحولوه إلى جدول من العطاء لا يجفُّ ماؤه ولا تتوقفُ انعكاساتُ الضوء على صفحته، فجعلوا من يوم

الرحيل عيدًا سنويًّا أطلقوا عليه يوم زايد للعطاء الإنسانى، الذى من أهدافه: أن يكون الخيرُ نهجًا مُستدامًا فى الإمارات والمنطقة العربية والعالم أجمع. ولعلّها من المصادفات الوجودية

العليا أن يتزامن هذا اليوم مع شهر رمضان المعظّم، لكى يكتمل الرمزُ الطيب. فهو لا يُخلّد فقط إرث زايد الإنسانى، بل يربط مسيرته الخيرية بروح شهر العطاء والرحمة. فى هذا اليوم، تتجدد ذكرى

القائد الذى جعل من الخير أسلوب حياة، وتنطلق المبادراتُ الخيرية فى الإمارات وحول العالم لمواصلة نهجه فى البذل والتسامح، وترسيخ العمل الإنسانى كأساس فى منظومة القيم الإماراتية

وسلوكًا حضاريًا تتناقله الأجيال. وبذلك، لم يعد التاسع عشر من رمضان مجرد ذكرى رحيل كابية، بل تحوّل إلى يومٍ للحياة والعطاء، حيث تُزهر القيمُ التى زرعها الشيخ زايد فى كل يد تُساعد، وكل قلب ينبض بالحب غير المشروط لكل البشر.

لم يكن الشيخ زايد حاكمًا يُديرُ دولةً، بل أبٌ يرعى، وإنسانٌ يحنو، وسحابةٌ تمطرُ فى صيفِ القحطِ، فلا يعرفُ الجفافُ طريقَه إلى الأرضِ التى مرَّ بها قلبُه.

وسار أبناؤه وذووه على خُطاه حاملين مشعلَه الذى لا يخبو نورُه جاعلين من السموّ الإنسانى سلوكًا طبيعيًّا وأسلوب حياة تلقائيًّا. حتى إنهم جعلوا عقوبة المذنبين فى الجرائم

المدنية، ليس السجن، بل العمل الميدانى فى مساعدة الناس وتجميل الشوارع حتى يغرسوا فى النفوس منهاجَ التحضّر وتحويل النواقص إلى إشراقات، والخطايا إلى طيبات. وقد ذكرتُ بعض

هذه المآثر التى انفردت بها دولةُ الإمارات فى كتابى: إنهم يصنعون الحياة- بناء الإنسان فى دولة الإمارات الصادر عن دار روافد عام 2018 الذى تشرّف بتصدير سمو الشيخ عبد الله بن زايد.

منذُ خطا خطواتِه الأولى فى دربِ الحُكمِ فى سبعينيات القرن الماضى، لم يسأل الشيخ زايد: كيف نبنى ناطحاتِ السحاب؟ بل راح يسألُ: كيف نَبنى الإنسانَ؟ لم يكن يعنيه أن تتباهى المدنُ بأضوائِها، بقدرِ ما كان يعنيه أن يشرقَ الأملُ فى

عيونِ الفقراءِ واليتامى والمرضى والمنكوبينَ فى كل بقعةٍ فوقَ هذا الكوكب. لقد أدرك بثقافته الفطرية أن الأوطانَ ليست حجارةً تُرصَف، بل قلوبٌ تتآلفُ، وأنَّ البناءَ الحقيقى ليس فى الجدرانِ، بل فى الأرواحِ. لهذا، لم تعرف

أياديهُ حدودًا؛ فامتدَّت بالخيرِ شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، فى فلسطينَ، اليمنِ، مصرَ، الهندِ، إفريقيا، فى كلِّ زاويةٍ كان فيها إنسانٌ يُنادى، كان صوتُ زايد يُجيبُ: ها أنا ذا. فلا معنى للحياة ما لم نتكاتف ونعطى بسخاء لمن يحتاج.

فى 19 رمضان من كل عام، تتزيَّنُ الإماراتُ بمشاريعِ الخيرِ، فينطلقُ القادرونَ نحو المستشفياتِ والملاجئِ ودورِ الأيتامِ، يوزّعونَ الحُبَّ على شكلِ طعامٍ وكساءٍ ومأوى. وكأنَّ الشيخ زايد رحمه اللهُ لم يغب، بل تحوَّلَ

إلى ألفِ يدٍ تُربّتُ على كتفِ هذا العالمِ المُتعَب المرزوء بالويلات والحروب والجوائح. فالنخلُ الذى غرسَهُ زايدُ فى أرجاء الإمارات لم يكن نخيلًا يمنح التمرَ رمزَ الحياة وحسب، بل صار مظلّةً يستظلُّ بها العالمُ

بأسره. لهذا، لا يمضى هذا اليومُ عابرًا فى الإماراتِ، بل يُنتظَرُ من العام للعام باعتباره نافذةً تُفتحُ على السماءِ، يُطلُّ عبرها زايدُ قائلا: ما زلتُ هنا، فى كلِّ كفٍّ تُعطى، فى كلِّ عينٍ تبتسم، فى كلِّ قلبٍ ينبضُ بالرحمة.

فالشاهد أن العمل الإنسانى فى الإمارات ليس مجرد مبادرات عابرة، بل صار نهجًا مؤسسيًّا مستدامًا، حيث احتلت الإماراتُ المرتبة الأولى عالميًا فى تقديم المساعدات الخارجية لسنوات متتالية. ومنذ رحيله قبل واحد وعشرين عامًا فى 2 نوفمبر عام 2004، تسير

القياداتُ الإماراتية على خُطى الشيخ زايد الملهمة، حيث أُسست مئات المبادرات الإنسانية، من أبرزها مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، التى تواصل تقديم الدعم للمحتاجين والمنكوبين فى مختلف دول العالم. رحم الله هذا الرجل العظيم وعظّم أجره.

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
20 مارس 2025 |