فى مثل هذا ظرف عربى صعيب، ووضع عالمى معقد، والمنطقة العربية على برميل بارود مشتعل، مستوجب فهم ما صرح به الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، على نحو صحيح.

المشرحة مش ناقصة، والمزايدات السياسية فى غير محلها تترجم خسارة مجانية، ولدينا ما نخسره بالفعل، أخشى مقدر علينا خسارة (غزة) لصالح مشروع ترامب السياحى، وهذا ما تناضل مصر فى قيادة (لوبى عربى ضاغط) لرفضه وطرح (بديل عربى) تدخره مصر للقمة العربية المقبلة.
الأمين العام أبوالغيط، فى مقابلة مع قناة العربية، قال: إذا كان من مصلحة الفلسطينيين أن تتنحى حماس فلتتنحَّ....
عقلانية أبوالغيط، تؤخذ على محملها ولا تحمل بما لا تحتمل من تأويلات خارج السياق، وأى عاقل فى حماس يعقل ما يتهدد أراضى غزة وتغيير هويتها الفلسطينية وتهجير أهلها، عليه أن يعقل مقولة أبوالغيط قبل أن يرجمه بحجر..
مثل هذه الطروحات العقلانية ما نحتاجه الآن فى ظل هذا الصخب العاتى الذى بلغ حد الجنون من قبل الإدارة الأمريكية التى استولى على عقلها فكرة خيالية تفارق واقعًا، ولا محل لها من الإعراب السياسى.
مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن غزة يستوجب طرحًا عربيًا فى المقابل، والعقبة الكؤود فى طريق البديل العربى (حل الدولتين) يصطدم بخطة (أمريكية/ إسرائيلية) مؤداها تفكيك سيطرة (حماس) على غزة.
إذ طالما (حماس) قائمة على إدارة القطاع فلا سبيل لإقناع ترامب أو غيره بالبديل العربى الذى تتبناه القاهرة فى محيطها العربى.
القاهرة تدخر بديلًا فلسطينيًا خالصًا، إدارة ذاتية فلسطينية لا تُقصى فصيلًا، ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، وهى مرجعية ممثلة لجميع الفصائل الفلسطينية، تحفظ لغزة (هويتها) فلسطينيتها، وتبدد مخاوف الإدارة الأمريكية بهواجسها الإسرائيلية من عودة حماس للسيطرة على القطاع، وهو ما لا تقبله حكومة نتنياهو، ويتماهى معها ترامب.
الطرح المصرى ترجمته لا تنازل عن الأرض العربية فى فلسطين، ورفض التهجير والوطن البديل، ليس فى الأرض المصرية فحسب بل وفى أراضٍ أخرى كالأردن والسعودية ودول أخرى من خارج المنطقة. مصر تناضل من أجل بقاء غزة فلسطينية، وترفض المشروعات الاستعمارية التى تتخذ واجهات سياحية وعقارية، ترفض هذه النوعية من الصفقات التى تحبذها إدارة ترامب فى حل الصراعات.
مصر بعقل بارد، لا تكتفى بالرفض، تطرح بدائل تتميز بالواقعية والعقلانية، وتبدد المخاوف والهواجس، وتتفاهم مع الفصائل الفلسطينية على أرضية واقعية، الرياح ليست فى شراعنا
وعلينا توقى العواصف السياسية، والخروج من العاصفة الترامبية بأقل الخسائر. بقاء حماس فى قيادة القطاع ما يعول عليه نتنياهو لحفز إدارة ترامب للمضى قدمًا فى تغيير هوية
القطاع، وتهجير سكانه. تقديرى، وتقدير العقلاء، قبول البديل (المصرى/ العربى) بإدارة فلسطينية خالصة للقطاع من قبل إدارة ترامب، على شرط تنح حماس، واختفائها من المشهد الفلسطينى فى غزة.
منطق أبوالغيط كما فهمته، الخسارة القريبة (اختفاء حماس مؤقتًا) أفضل كثيرًا من المكسب البعيد عن التحقق، ليس فى الأمد المنظور مكاسب، فقط مكسبنا أقل الخسائر.
مكسبنا الحفاظ على هوية غزة الفلسطينية، غزة لأهلها لا يغادرونها إلى منافٍ قسرية بعيدة كانت أو قريبة، غزة دفعت الثمن من أرواح شعبها الأبىّ الصامد، للأسف الكل يدفع الثمن حتى حماس عليها أن تدفع الثمن مقابل بقاء غزة فلسطينية وفق حل الدولتين.